لست فقط محاسبا على ما تقول بل انت محاسب على ما لم تقل حينما كان لابد ان تقوله
مارتن لوثر كنغ
صلاح المختار
تعقيبا على مقالي الاخير )اجتثاث النفوذ الايراني مهمتنا الستراتيجية الرئيسة) استلمت عدة رسائل تستفسر عن معنى الستراتيجية العمرية التي ورد ذكرها فيه ، لذلك قررت الكتابة عنها توضيحها كي يطلع عليها من لم يعرفها او ينتبه اليها .
الستراتيجية العمرية
قبل كل شيء يجب ان اوضح حقيقة جوهرية وهي انني اتعامل مع عمر بن الخطاب (ر) كقائد عربي عظيم كان له فضل رئيس في انتشار الاسلام في كل الجهات ببعد نظره وشجاعته وعدله ، ومن حقنا كعرب ان نفتخر بعمر وبعبقريته وببطولته بغض النظر عن كل محاولات التزوير والتشويه الفارسية الصفوية المعروفة لتاريخ هذا القائد العظيم والفريد القدرات ، انتقاما منه لانه حطم امبراطورية فارس وكان اول من وضع ستراتيجية قومية – اسلامية واضحة لتجنب شرور بلاد فارس ، فبعد تجارب مريرة مع الفرس الذين شكلوا اخطر اعداء الاسلام واكبر عوائق انتشاره نجح القائد عمر بن الخطاب في الحاق اكبر هزيمة بهم في تاريخم مازالت اثارها حتى الان متجلية في تميز كرههم له بانه الكره الاعظم والذي خلق نزعة الانتقام منه في اجيال متعاقبة ولحوالي 14 قرنا واتخذ شكل تعمد تشويه صورته بطرق بالغة الحقارة وهي ما نراه الان فيما يروجه الاعلام الايراني وتفرعاته المختلفة والتي توزع الادوار فيما بينها لكنها كلها تلتقي حول قاسم مشترك وهو محاولة تشويه صورة القائد العربي عمر بن الخطاب .
ان السر في كره النخب القومية الشوفينية الفارسية للقائد عمر بن الخطاب هو اسقاط امبراطوريتهم الفارسية اولا ، ثم حقيقة انه وضع اسس الستراتيجية العمرية التي تضمن تحييد نوايا الفرس الاستعمارية التوسعية لاحقا واحباطها ثانيا . فما هي هذه الستراتيجية ؟ محور الستراتيجية العمرية التي لخصها في مقولته الشهيرة ( تمنيت لو كان بيننا وبين فارس جبل من نار ) ، والتفسير العصري لهذه المقولة الستراتيجية والذي يأخذ بنظر الاعتبار التطورات الحديثة يقوم على عنصرين اساسيين وهما : العنصر الاول تحجيم بلاد فارس . والعنصر الثاني هو عزل الفرس في نطاق لغتهم ومنعهم من الخروج منه .
جبل النار حسب التعابير العمرية كناية عن قوة ضاربة عربية بشرية ونارية تستطيع منع التوسع الاستعماري الفارسي كلما قويت فارس ، ومحاصرتها داخل حدود الناطقين بالفارسية فقط ومنعها من الخروج من تلك الحدود الى العراق البوابة الوحيدة للتوسع الاستعماري الفارسي عبر الاف السنين في اسيا الغربية واوربا وافريقيا . وبناء عليه فان فارس كلما انتشرت وتوسعت حدودها ودولتها كان ذلك نتيجة تحطيم العراق او غزوه بعد تدهور حالته لاي سبب كان ، وبالعكس كلما كان العراق قويا اصبح متعذرا على فارس التوسع والخروج من حدودها الجغرافية . هنا نواجه حالة ترابط عضوي لا ينفك بين العراق وفارس بالغ الوضوح ويقرر مسار علاقاتهما سابقا وحاليا ومستقبلا ، فكلما كان العراق ضعيفا تقوت فارس وتوسعت واحتلت اقطار عربية وغير عربية بعد الخروج من ممر العراق وهو الممر الستراتيجي الرئيس لخروج فارس الى العالم ، وذلك الخروج يفرض اولا وقبل كل شيء التدمير المنظم للعراق واعادة تشكيله بحيث تكون بقاياه اداة فارسية كلها او بعضها وحسب الوضع الواقعي الممكن .
هذا ما يقوله لنا التاريخ الواقعي والحقيقي للمنطقة ويؤكده باحداث حقيقية متواترة ومتعاقبة تمثلت في غزوات متكررة للعراق قامت بها كل الدول الفارسية التي قامت في الالفي عام الماضية خصوصا حينما يضرب الفقر بلاد فارس بعد انقطاع المطر لعامين متتالين فيكون الحل الوحيد بالنسبة لها هو التوسع على حساب العراق لان العراق فيه كل ما تحتاجه من مياه وارض خصبة وغير ذلك .
وحينما شرع الغرب الاستعماري في احتلال الاقطار العربية بعد اكتشاف النفط فيها كان اول مداميك ستراتيجته الاستعمارية تعزيز وتقوية بلاد فارس لتمكينها من الغزو بمنحها اهم مصادر الثروة والقوة لديها الان وهي الماء والارض الزراعية والنفط والغاز وهي الموجودة في الاحواز العربية التي تحتوي على اكثر من 80% من ثروات ما اسمي لاحقا ب( ايران ) في منتصف العشرينيات من القرن العشرين والغي اسم فارس ، فايران بدون الاحواز لن تكون قوية وقادرة على مشاغلة العراق او استنزافه او اجباره على طلب العون البريطاني ! اذن بريطانيا اتخذت قرارا ستراتيجيا خطيرا وهو ان تلعب ايران دورا اساسيا في الهيمنة على العراق والاقطار العربية النفطية في فترة قريبة من زمن تبني المؤتمر الصهيوني الاول في بازل في سويسرا في عام 1897 قرارا بغزو فلسطين .
وهكذا فان قرار ايجاد تلاق ستراتيجي فارسي - صهيوني - غربي استعماري اتخذ في نهاية القرن التاسع عشر وبعد اكتشاف النفط وكان نتاج ستراتيجة غربية بريطانية هدفها السيطرة على النفط العربي وابقاء هذه السيطرة لزمن طويل بطول وجود النفط عبر ايجاد قوتين تهددان العرب احداهما في الغرب وهي الكيان الصهيوني ، او اسرائيل الغربية ، وثانيتهما في الشرق وهي بلاد فارس التي سميت ايران لاخفاء الطابع القومي العنصري لها ، وهي في الواقع اسرائيل الشرقية . التأكيد الذي يجب ان لا نمل من ذكره هو التالي : النفط كان هو المحرك الرئيس وراء اختيار فلسطين لتكون وطنا قوميا لليهود في المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897 ونفذ في عام 1948 ، والنفط كان وراء ضم الاحواز لايران في عام 1925 بعد الانقلاب الذي نصب اسرة الشاه في الحكم وهذا التزامن بين تنصيب اسرة الشاه وتسليم بريطانيا للاحواز الى فارس له دلالات كبيرة !
وعندما واجه العراق في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ايران الشاه بكل عنجهيتها ونزعاتها القومية الاستعمارية الصريحة وبعدها واجه ما هو اخطر من الشاه وهو النزعة التوسعية القومية الفارسية وقد تخفت برداء اسلامي – طائفي زائفين لخداع السذج والخدج العرب ، توصل العراق الى ان الحل الوحيد لتجنب شرور الفرس هو بناء جبل النار وفقا للستراتيجية العمرية ، وبالفعل بنى العراق جبل نار عظيم ركّع فارس وقائدها خميني الذي عد اقوى واخطر قائد في تاريخ الامة الفارسية كله ، وكان ذلك التركيع بقوة وارادة شعب العراق وطليعته الباسلة القيادة العراقية السبب الرئيس في تراجع ايران وانكماشها وتخليها مؤقتا عن ستراتيجية التوسع الامبريالي تحت غطاء اسمه ( نشر الثورة الاسلامية ) .
ونتيجة للدهاء الفارسي انسحبت ايران تكتيكيا واخذت تعيد بناء نفسها وتضع خطط تدمير جبل النار ومن بنى جبل النار في العراق . وكان تلاقي الستراتيجيات الثلاث الفارسية والامريكية والصهيونية الاساس المتين لغزو وتدمير العراق (في عام 2003 ) وتفكيك جبل النار فيه وفق الخطوات التالية : محاولة تقسيم شعبه العظيم طائفيا وعرقيا اولا ، واغتيال رموز في قيادته التاريخية التي ركعت الفرس رغما عنهم ثانيا ، والتي تميزت عن باقي الزعامات العربية بالوصول الى الفهم الصحيح لطبيعة فارس واحقادها المتجذرة ضد الامة العربية ولكيفية تجنب شرور نخب هذه الامة ، والقضاء على قواته المسلحة التي كانت درع العراق والامة العربية الفعال والمجرب ثالثا ، وتصفية علماءه وخبراءه رابعا والذين حطموا الخطوط الحمر التي وضعها الغرب والصهيونية لابقاء العرب متخلفين وتابعين وطفيليين فحققوا تقدما علميا وتكنولوجيا عظيما ارعب الكيان الصهيوني وايران والغرب الاستعماري ودفع هذه القوى لاشهار التحالف القديم الذي كان سريا رغم تناقضات هذه القوى لاجل تدمير جبل النار العظيم الذي عزل فارس عن العرب سنوات طويلة ومنع توسع فارس . واخيرا وخامسا محاولات اجتثاث طليعة العراق المقاتلة المنظمة شعبيا والملتزمة عقائديا .
وبعد ان دمر جبل النار بغزو العراق فتحت كل الطرق لبلاد فارس كي يجد جرادها وعقاربها وخنافسها وجرذانها وايدزها طرقا مفتوحة للانتشار الحر ، تحت مظلة الحماية الامريكية ، توسعت فارس الصفوية وانتشرت ليس في المشرق العربي فقط بل وصلت في تبشيرها الصفوي الى المغرب العربي ! لقد حلت لحظة الانتقام من العراق الذي تميز بانه كان يحرم الفرس من تحقيق احلام التوسع الاستعماري فلقد دمر العرب ، خصوصا ابناء العراق ، الامبراطورية الفارسية في معركة القادسية الاولى ونشر الاسلام فيها بحد السيف ، ثم حطم امل الفرس بالاستيلاء على الامبراطورية العباسية بواسطة البرامكة الذين تغلغلوا ووصلوا الى مركز القرار وبيت الخليفة واخذوا يعزلون العرب ويحولون الدولة من دولة العرب الى دولة تابعة للفرس لكن هاورن الرشيد سباهم واجتثهم فزاد حقدهم على العراق ، ثم هزموا مرة ثالثة في العصر الحديث امام العراق في القدسية الثانية بعد حرب فرضتها ايران على العراق بين عامي 1980و1988 رغم ان النخب الشوفينية الفارسية كانت متيقنة من ان وصول خميني للسلطة هو بداية بناء الامبراطورية الفارسية الجديدة ، فجاء تجرع خميني للسم الزعاف بيد ابناء جبل النار العراقي عنصر مضاعفة لاحقاد فارس ونخبها الشوفينية على العرب عموما والعراق خصوصا . وهذا الحقد الذي يعمي القلوب قبل العيون هو ما دفع خميني لقبول دعم اسرائيل وامريكا وما ايرانجيت الا مثال ساطع على التلاقي الستراتيجي الفارسي - الامريكي - الصهيوني ، لمجرد الرغبة المرضية المتأصلة لالحاق الهزيمة بجبل النار العراقي .
والان وبعد تحطيم جبل النار العراقي ونحن نواجه اخطر توسع استعماري فارسي في التاريخ كله تدعمه امريكا والكيان الصهيوني بلا غموض علينا ان نعيد لستراتيجية عمر فاعليتها كاملة لضمان اعادة تحجيم وحجر ايران فكيف يمكن ذلك؟
التحجيم
التحجيم يقوم على تحقيق خطوتين جوهريتين الخطوة الاولى تطهير الوطن العربي من كل اثر للنفوذ الايراني ، واعادة بناء جبل النار في العراق هي الخطوة المسبقة لتحقيق ذلك ، وبقوة جبل النار نمنع ايران من الخروج مرة اخرى الى الوطن العربي ، وبتحالف سوريا المتحررة من حكم الفرس الاسديين تنشأ اكبر جبهة عربية لتنظيف الوطن العربي من كل فايروسات ايران في لبنان والبحرين واليمن والخليج العربي والسعودية وفلسطين والمغرب العربي ومصر والسودان . اما الخطوة الثانية فهي تقطيع اوصال الكيان المصطنع الذي اقامته بريطانيا والمسمى ايران بدعم استقلال الحركات القومية التحررية للعرب والكرد والترك الاذريين والبلوش وغيرهم ودعمهم بلا حدود لاجل تحقيق الاستقلال الوطني عن فارس والتحرر من ظلمها ، ولنتذكر جيدا بان ربع ما يصرفه العرب على بناء جيوشهم وقوات امنهم يمكن ان يضمن استقلال المستعمرات الايرانية الحالية .
ان الشرط المسبق لتعجيز ايران وبلا حروب هو تجريدها من مصادر قوتها الحالية وهي ثروات الشعوب التي استعمرتها ايران وبثرواتها بنت قوتها وثراءها وبها استكلبت النخب الفارسية وتنمرت واعتدت وتوسعت ، لذلك لابد من دعم الشعوب غير الفارسية في ايران من اجل استقلالها التام والكامل لحرمان الفرس من المصادر المالية التي تمول بها عمليات التوسع الاستعماري الخارجي ، فمن دون قطع مصادر تمويل ايران لن نستطيع وضع فارس في الحجر .
واذا قال جاهل او متجاهل ولكن اليس تقسيم ايران تدخل في شؤونها الداخلية ؟ فنقول له صح النوم يانبيه ففارس هي من استنت قاعدة تقسم الاقطار العربية والتدخل في شؤونها ونشر الفتن الطائفية فيها ، وما نراه الان في العراق والبحرين واليمن وسوريا ولبنان وغيرها امثلة على النهج الفارسي القائم على اعتبار التدخل في شؤون العرب ضرورة ستراتيجية فارسية وليس العكس . وما يجب فعله الان وفي المستقبل القريب هو عبارة عن استخدام لنفس اسلوب فارس ولكن ضدها ، فنرد بضاعتها اليها مع الفوائد الكثيرة والبادئ اظلم.
الحجر
بعد تقطيع الاذرع الخارجية لايران في الوطن العربي ودعم استقلال القوميات غير الفارسية في داخلها تكون عمليه منع ايران من التعدي والتوسع مضمونة ، فقد بني جبل النار واكتملت عناصر الستراتيجية العمرية وتم عزل فارس بعد اعادتها لحجمها الفارسي الاصلي ، وضمنا مستقبل امتنا العربية وامنا للاجيال العربية القادمة بيئة سلمية واستقرارا بلا ازمات او فتن طائفية او حروب من الجيران من جهة ، وتحررنا من العدو الداخلي الذي كان هو الوحيد الذي حول صراعنا من صراع مع الصهيونية والاستعمار الى صراعات داخلية طائفية وعرقية فنستطيع التفرغ مجددا للعدو الطبيعي والاصلي وهو العدو الصهيوني وداعميه الدوليين والاقليميين من جهة ثانية .
لنبدأ مسيرة تحرير الامة العربية بالقضاء التام على النفوذ الفارسي في العراق وسوريا اولا .
هناك تعليق واحد:
سياسه يجب ان تطبيق لكن هل من منفذ في زمن صار كل يبكي على .....
إرسال تعليق