موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

حوار الطرشان في مدينة العميان!

نزار السامرائي
يوم السبت الماضي حصل لقاء سرعان ما انفرط عقده حتى قبل أن يستكمل الحضور موجبات التعارف بين فرقاء جمعتهم صدفة اللحظة الملتبسة، وفرقتهم المشارب المختلفة حد التصادم، فلو أن مراقبا لم يسبق أن تعّرف على ما يجري في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي قبل اللقاء الأخير، لأخذته حيرة تكافئ حيرة أهل الطاولة المستديرة حول الاسم الذي يناسبها، هل يرتقي إلى مستوى مبادرة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي مستلزمات النجاح التي وفرها عمار الحكيم لها؟


أم أن ما جرى لا يعدو عن كونه لقاء تبويس اللحى في وسط يبحث عن المظاهر الخادعة، بدلا من وضع الحلول الناجحة، حتى لو كانت صادمة لبعض أطراف الجلسة اليتيمة، بعد أن خلت من أي مظهر من مظاهر صفاء الود بين الشركاء المتشاكسين وإن حرصوا على بعض اللمسات البروتوكولية التي لا تعبر عن خلوص النية بفتح صفحة جديدة حتى بين رئيسي السلطتين التشريعية أسامة النجيفي  والتنفيذية نوري المالكي، مع أن اللقاء عرض لنا مشهدا عن لقاء بالقبلات بينهما، ولكن هل يظن كلا الرجلين أن أزمة العراق مختزلة بسوء العلاقة بينهما أو حسنها؟ وما مقدار المكاسب التي ستصب في جيوب العراقيين، أمنيا وسياسيا واقتصاديا وخدميا، في حال كانت العلاقة بينهما في أصفى حالات نقائها؟
ثم لنفترض أن هذه الندوة الحوارية المفتوحة وحتى لو كانت مغلقة بإحكام على مستوى الأطراف التي حضرتها، خرجت بمقررات وتوصيات وردية اللون، فما هو رصيدها من التطبيق على الأرض؟ وهل هي أكثر قدرة على اختراق الجدران الشاهقة التي أقامها نوري المالكي حول حكومته ومنحها الحصانة المطلقة أمام أي غمزة عين أو همسة لسان خجولة ضائعة وسط ضجيج العابرين إلى الجانب الآخر، أو صرخة فم ملتاع من غير أن يكون للوعته قرار يستعيد شيئا من قوة الوعي مما يسمع ويرى من قتل على الهوية وتهجير على الهوية وموت من دون هوية.
نعم ما هي الضوابط الأخلاقية أو الدينية أو القانونية التي تتميز بها هذه المبادرة أو الدعوة، لتكون أكثر حظا عما سبقها من كرنفالات سابقة في أربيل أو منتجع صلاح الدين، والتي حضرها معظم من حضر السهرة السياسية في منزل مغتصب يسكنه عمار الحكيم، ونحن نعرف أن الأرض المغتصبة لا تحل بها الصلاة ولا يحل فوقها توقيع العقود أو مجرد قراءة الفاتحة إيذانا بإمضائها، نحن نعرف أن نوري المالكي حضر اجتماعات أربيل التي كانت بمثابة القابلة غير المرخصة لولادة عسيرة أطلق عليها أبواها اسم حكومة الديمقراطية التوافقية، ولكن قرارات أربيل لم تصمد أمام عملية السطو التي نفذها المالكي ولو لوقت يسمح لحبرها أن يجف عن ورقه، المهم عنده أنه خرج المنتصر الوحيد الذي خدع الجميع بوعود مستحيلة التنفيذ.
 قبل منحه الموافقة على عودته لتشكيل حكومته الثانية كان المالكي في أعلى درجات السخاء، أعطى مما يملك إن كان يملك شيئا، ومما لا يملك وهو أكثر الكثير من خزينة الدولة، وشفط بكل لديه من قوة الدعم الأمريكي الإيراني مجلس السياسات، بحجة أنه سيكون السلطة العلية على رئاسة الحكومة، وبالتالي سيفتح بابا لصراع سرمدي بين رأسين لمخلوق خرافي واحد يمكن أن يصلح لكل مكان إلا للعراق، مجلس كهذا لا وجود له لا في الديمقراطيات البرلمانية أو الديمقراطيات التوافقية، وتعكّز المالكي على هذه الفرضية وقاتل بها حتى آخر قطرة عرق من جبينه، وتبخرت آمال من أراد تطويق المالكي بسلطة موازية، وطوقهم بدلا من ذلك بسلسلة من قرارات المحكمة الاتحادية وتدابير الأجهزة الأمنية التي تتحرك على عربة رباعية الدفع والإرهاب، فاغتال نائب الرئيس طارق الهاشمي سياسيا، واغتال من بعده الرئيس طالباني نفسه صحيا وأرسله في رحلة علاج من دون نهاية في ألمانيا، وهيأ لنفسه الإمساك بأطراف المجد من جهاته الأربع، دعم أمريكي إيراني، أجهزة قمع ومال سياسي، وسلطة قضائية مصادرة وتشريعية مستأنسة، وتحالف حاكم يرفع يده بالموافقة على كل شيء طالما أن لإيران رأيا بكل ما يجري على حدودها الغربية، ورغباتها أوامر يفهم إشارتها كل من ترعرع في أحضانها ورضع من حليب الولاء لها.
وصف كثير من مراقبي المشهد العراق بأن ما جرى في منزل عمار الحكيم كان مجرد حفل عرس قصير، بيد أنني لا أراه كذلك، فهو ليس أكثر من مجلس لقراءة سورة الفاتحة على دعوة أو مبادرة ولدت ميتة، ولكنها صدرت بإشارة من المالكي وسميت باسم الحكيم كي تبدو محايدة في وسط خلا من المحايدين ولا تطلق فيه مبادرة واحدة لوجه الله.
أيضا لا حظ مراقبو المشهد العراق أن مبادرة الحكيم، أو دعوته لمن لا يريد إطلاق وصف مبادرة عليها، كانت مثل وعاء ماء بارد خمدت كل الجمرات التي التهب بها الشارع العراقي في شهري نيسان وأيار حتى استثار الأخير موقفا واضحا من الأمم المتحدة، جراء اعتماد الخيار الأمني من جانب حكومة نوري المالكي وإطلاقها ليد المليشيات الرسمية والمليشيات التي لم ترسم حتى الآن، مثل جوارح جائعة تنهش على الهوية أو على الانتماء السياسي.
فماذا جرى حتى تقلص العنف إلى درجاته الدنيا بعد لقاء المصالحة القصيرة العمر بين المالكي والنجيفي؟ بل ماذا جرى لتلك القوى التي أحرقت الشارع العراقي بجرائمها غير المسبوقة؟ ألا يدعونا ذلك أن نقول بأن من يمتلك الريمونت كونترول ويحرك به مليشيات الحكومة يجلس في غرفة شبه مظلمة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة؟ وهو يتلقى الأوامر أيضا بالطريقة نفسها من وراء الحدود الشرقية للعراق؟ هو الذي يحرك مليشيات القتل لتحرق كل شيء حي.
يبدو أن لقاء منزل الحكيم ليس أكثر من استراحة للمتحاربين ولن تستمر هدنتها طويلا إلا إذا تحقق على الأرض توازن للردع والرعب يمنع أي طرف من الشعور بأنه ينحر الآخرين كقطيع من الخراف.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..