مقارنة بين فعل الجيش في الساحتين |
لنقرأ هذه التفاصيل:
"حوالي الساعة الواحدة صباحا، أحاطت قوات الجيش بالساحة وانتظرت الاوامر من الحكومة. لم ينص الامر الصادر من قيادات عليا، فيما بعد، على اطلاق النار على المعتصمين في الساحة، ولكنه نص على وجوب اخلاء الساحة قبل الساعة السادسة صباحا وبلا استثناء. حوالي الساعة الرابعة صباحا، قام قادة الاعتصام بطرح مسألة البقاء في الساحة على التصويت، فأما مغادرة الساحة أو البقاء وتحمل النتائج. اختار معظم المعتصمين البقاء".
هذه التفاصيل ليست ملخص وقائع الساعات القليلة التي سبقت مجزرة مدينة الحويجة بمحافظة كركوك، شمال العراق، يوم 23 نيسان/أبريل 2013، التي بلغ عدد ضحاياها 82 شهيدا، تم اعدامهم بتصميم منقطع النظير، بعلم واوامر رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالوكالة. وحسب شهادة الكثيرين، من بينهم وزير التربية محمد تميم، كما ادلى بها عبر اجهزة الاعلام. الا انها تفاصيل الساعات القليلة التي سبقت ما بات معروفا باسم مجزرة ساحة تيانمن، في العاصمة الصينية بكين. ولايقتصر التشابه، الى حد التطابق احيانا، على تفاصيل محاصرة الجيش الصيني للساحة، كما فعل جيش النظام العراقي، واطلاق النار على المعتصمين المسالمين، بل يتعداه الى اسباب الحصار واتخاذ القرار بالهجوم الدموي.
لنقرأ بعض ملامح الفترة التي سبقت حصار ساحة تيانمن اولا ولنقارنها بما يحدث بالعراق. لقد ارعبت تظاهرات ساحة تيانمن، ومعظم المشاركين هم طلاب طالبوا باجراء اصلاحات، في ربيع 1989، الحكومة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي، خاصة بعدما امتدت التظاهرات الى 200 مدينة. وبدلا من تنفيذ مطالب المتظاهرين او حتى الاصغاء اليهم بشكل يثير اطمئنانهم وأملهم باجراء اصلاحات مستقبلية، اعلنت الحكومة الاحكام العرفية، ثم أمرت، بعد مرور سبعة اسابيع على الاعتصامات، بجلب مئات الآلاف من الجنود من المحافظات البعيدة عن العاصمة لمحاصرة المعتصمين، بعد ان ادركت الحكومة ان الفرقة العسكرية المتواجدة في العاصمة قد أصبحت متعاطفة مع المتظاهرين . وتمت محاصرة الساحة ومهاجمتها بالدبابات واطلاق النار على المعتصمين العزل، خلافا لما فعلته الحكومة عام 1976 ضد المتظاهرين في الساحة نفسها. حيث أرسلت، حينئذ، افراد ميليشيا عمالية مجهزين بالهراوات والعصي لمهاجمة المتظاهرين، كما فعل شقاوات حزب الدعوة حين هجموا بالعصي على متظاهري ساحة التحرير يوم 21 شباط 2011.
وقد ادت مجزرة تيانمن الى انقسام القيادة السياسية للحزب الشيوعي وهزت القيادة العليا للحزب والحكومة واحدثت انشقاقا بين العسكريين. وكان تبرير الحكومة، كما هو تبرير حكومة المالكي "ان المتظاهرين رموا الحجارة على قوات الجيش والاعتداء عليهم. وان عددا من الجنود قتلوا".
وتجدر الاشارة هنا الى موقف قائد الفرقة 38 التي جلبت الى العاصمة الصينية لتنفيذ اوامر وزير الدفاع ورئيس الوزراء، بمهاجمة المعتصمين، ومقارنة ذلك بموقف قائد الفرقة في الحويجة وكذلك وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي. حيث أصر قائد الفرقة 38 (لاحظوا انها الفرقة التي جلبت باعتبارها الأكثر طاعة للقيادة العامة الصينية) الذي تم توجيه الاوامر له باخلاء الساحة بالقوة، ان يكون امر الأخلاء الصادر من القائد العام للقوات المسلحة، مكتوبا وليس شفهيا. وقد شكل الطلب صدمة كبيرة للحكومة، فصدر امر فوري بتسريحه من منصبه وطرده من الحزب والحكم عليه بالسجن خمس سنوات. ان موقف قائد الفرقة، وهو الحزبي المصبوب في قالب ايديولوجيا الحزب الواحد والعسكري المدرب على اطاعة الأوامر بلا جدال، يشكل لحظة مهمة في فهم التوازن الانساني ما بين تلبية الواجب العسكري والشك في انسانية تنفيذ الواجب عندما يستهدف المواطن وتوثيق المسؤولية اذا ماتمت خيانة الواجب الحقيقي. لحظة التساؤل الانساني هذه كانت غائبة تماما عما جرى في مجزرتي الفلوجة والحويجة. وهي غائبة عن وعي وسلوك ساسة العملية السياسية بعمائمهم بيضاء كانت او سوداء، وعلمانيهم سواء كانوا ذكورا او اناثا.
رتل التعزيزات العسكرية الذي استقدم للعدوان على معتصمي الحويجة |
فمنذ ان بدأ المتظاهرون اعتصاماتهم في 25 كانون الاول 2012، وحتى اليوم، ارتكب النظام العراقي، بقيادة نوري المالكي، الامين العام لحزب الدعوة، الجريمة تلو الجريمة ومثالها مجزرتا الفلوجة والحويجة، الموثقة محليا وعالميا، والتي بلغ عدد ضحاياها 82 شهيدا، تم اعدامهم بتصميم منقطع النظير وبعلم ومسؤولية رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالوكالة.
هذه الايام، وبدلا من تلبية مطالب المحتجين، وهي جميعا، جزء لايتجزأ من حقوق الانسان، صار ساسة النظام يتبجحون، وقوفا على منصتهم وهم يحتمون بظل منطقة السيادة الامريكية الخضراء، بان المظاهرات ضعفت ‘لأن الحكومة نفذت مطالب المتظاهرين’. هذه التبجحات قد تصلح للاستهلاك الاعلامي ولكنها لن تخدع المواطنين. فمطالب المتظاهرين الاساسية لم يتحقق منها شيء حتى اليوم . قوانين الارهاب الموجهة ضد ابناء الشعب لاتزال سارية المفعول. اذا ما اطلق سراح مائة معتقل (محتجزون بعد انتهاء محكوميتهم) فان 200 شخص سيتم اعتقالهم او اعادة اعتقالهم.. ‘العملية السياسية’ بفسادها وطائفيتها لاتزال كما هي. المداهمات والاغتيالات، بانواعها، الفردية والجماعية، لاتزال مستمرة بل والادهى من ذلك، ارتكاب المجازر بحق المتظاهرين السلميين ومحاولة تغطية هذه الجرائم المفضوحة بلوم المتظاهرين وتوجيه الاتهامات، يمينا ويسارا، الى الشهداء وذويهم ومناطقهم. وكأن مآسيهم التي عاشوها، يوما بيوم منذ عشرة اعوام، لم تكن كافية فلجأت الحكومة الطائفية الى تنفيذ احكام الاعدام، بحقهم، بشكل علني وامام انظار العالم اجمع.
أحد مجرمي العصابات النتنة يدوس جثة أحد الضحايا في الحويجة |
ان ما يتعامى عنه ساسة النظام، ولا يشيرون اليه في تصريحاتهم الاعلامية، هو ان ‘ضعف التظاهرات’ يعني، في الواقع، فشل النظام الذريع في الاستجابة الى حقوق المتظاهرين، بل وانتهاك حقوق الانسان واهمها حق الحياة . مما دفع اعدادا من المتظاهرين الى التأمل مليا في جدوى التظاهرات السلمية، خاصة بعد ما يقارب الستة اشهر، وفي ظروف صعبة من النواحي البيئية والمعاشية والأمنية . خاصة وان مسلسل تصفية قادة الاعتصامات لايزال مستمرا، وليس هناك ما يلوح في الافق بان للنظام قدرة على الاصغاء او الرؤية.
ان عموم المواطنين يعيشون حالة عدم استقرار، ويقتصر تفكيرهم على اللحظة الآنية، وليس المستقبل، نتيجة استشراء العنف، بانواعه. كما ان ادراكهم بغياب القانون والقضاء العادل واقتصار القصاص على فئة دون غيرها، يجعل من الصعب على المواطنين، خاصة الشباب منهم، مواصلة التظاهرات السلمية الى أجل غير مسمى وفي ظل استفزازات القوات الامنية وقوات المهمات الخاصة والجيش.
لماذا اتخذ قادة الحزب الشيوعي الصيني قرار مهاجمة المتظاهرين؟ يقول الصحافي جون بومفرت في صحيفة الواشنطن بوست الامريكية: ‘لأنهم رأوا التظاهرات كحركة مضادة للثورة على الصعيد الوطني، وقد تؤدي الى التغيير كما في الاتحاد السوفيتي. لذلك كان عليهم اتخاذ موقف دموي، لترويع شعبهم ودفعه الى الخضوع من جديد’. هذه الاسباب تصلح للاستعارة والتطبيق على تشبث النظام العراقي بالسلطة واتخاذ اقسى الاساليب همجية لتدجين المحتجين والمطالبين بحقوقهم.
ان التزام المتظاهرين بالاستمرار، بشكل سلمي، يتطلب قوة ارادة جماعية واتفاقا حول الاساليب والتنظيمات (ولو كحد ادنى). وهذا ما التزم به المتظاهرون حتى الآن، الا انه سيكون امتحانا صعبا جدا، في الايام المقبلة، كما سيكون ثمنه باهظا، بشريا، اذا ما استمر النظام بوحشيته وروح الانتقام المستحوذة عليه الى حد عمى البصيرة وبحجة محاربة الارهاب، مما يذكرني بجواب المفكر الامريكي نعوم تشومسكي حين سئل كيف تضع حدا للارهاب؟ اجاب قائلا: توقفوا عن ارتكابه!
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق