هذه المقالة، بحسب اطلاعي المتواضع، تطرح للمرة الأولى بهذا الشكل العلني وخارج الجلسات الخاصة أو العلمية، فكرة جديدة على المشهد العراقي، وهي فكرة عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة بشأن العراق.
وبدءاً يجب علينا التأكيد على موقف الأمم المتحدة الذي ساهم في تثبيت أركان الجريمة الأميركية البشعة المتمثلة بغزو العراق واحتلاله، مايجعل من طرح القضية العراقية على المجتمع الدولي من منصَّتها أمراً مشكوك في صدقيته وحياديته..
أيضاً لابد ان نشير إلى ان غياب أي موقف أو جهد عربي أو إسلامي حقيقي لإنهاء معاناة شعب العراق الرازح تحت نير مخلَّفات الاحتلال الأميركي ومعتمدي الاحتلال الإيراني، المتواطئ مع الشيطان الأكبر، هو الذي يجعل بعض الكتاب والسياسيين يُقدمون على طرح فكرة تدويل القضية العراقية، وهي فكرة لايؤيدها آخرون.
ومع ذلك، ليس من المتوقع أن تجد هذه الدعوة صدى كبيراً في أروقة المنظمة الدولية، بعد أن باتت الأمم المتحدة منذ عقود، أداة طيَّعة في يد المندوب الأميركي الذي جعلها أحد أقسام الخارجية الأميركية، ولخدمة مصالحها تحديداً..
ومع ان القضية العراقية، ومنذ احتلال العراق، بل ومنذ مطلع التسعينات، قضية دولية بامتياز، حيث صدرت عشرات القرارات الأممية بشأن هذا القطر العربي، لكن فكرة عقد مؤتمر دولي يناقش معاناة العراقيين القائمة أصلاً بسبب الاحتلال الأميركي الإيراني، المشترك، فكرة جديدة، لم تُطرح على الساحة بهذا الشكل من قبل، الأمر الذي يستلزم مناقشتها بعمق وجدية.. خصوصاً بعد أن تبيَّن على مدى 10 سنوات وبمئات الشواهد وبدماء نحو مليوني عراقي أن المشروع السياسي، الذي جاء نتاج زواج الاحتلال الأميركي الإيراني على أرض العراق، فاشل بالكامل، بل هو أساس البلاء الذي يعانيه العراق وأهله، وتعانيه الأمة كلها تالياً..
وهناك مسألة مهمة، وهي: من يحضر هذا المؤتمر؟ إذ ليس مقبولاً أن تحضر الجهات التي ساهمت في الترويج للغزو والاحتلال مع الجهات الوطنية المقاومة في مؤتمر واحد، وكأنَّ ماحدث، خلال السنوات العشر، بات نسياً منسيّا!
ومع ذلك فالفكرة مطروحة للنقاش العميق..
وهناك مسألة مهمة، وهي: من يحضر هذا المؤتمر؟ إذ ليس مقبولاً أن تحضر الجهات التي ساهمت في الترويج للغزو والاحتلال مع الجهات الوطنية المقاومة في مؤتمر واحد، وكأنَّ ماحدث، خلال السنوات العشر، بات نسياً منسيّا!
ومع ذلك فالفكرة مطروحة للنقاش العميق..
المحرر
.......
العراق عند مفترق طرق.. الحل في المؤتمر الدولي
طارق الهاشمي
العراق بعد عشر سنوات من الغزو مريض، والمفارقة أن أمراضه متنوعة وتتراوح بين الاستبداد، الحكم الثيوقراطي المذهبي، فقدان الشرعية، التبعية لإيران.. إلخ.
أما الظلم والفساد والتخلف وسوء الإدارة والتمييز، ضياع الهوية.. إلخ فهي أعراض مرضية، هي مخرجات الانحراف المنهجي والانحطاط في الصحة العامة.
حزب الدعوة اختطف العملية السياسية فعليا منذ أول ولاية لإبراهيم الجعفري عام 2005 وحرفها عن مسارها المتفق عليه وتفاقم الانحراف إلى حد كبير في ولاية خلفه نوري المالكي، الذي وجه ضربات موجعة للعملية السياسية كان آخرها التعالي على الحق الرقابي الذي منحه الدستور لمجلس النواب بشكل إهانة وجهها إلى المجلس برفض الامتثال لرغبة ممثلي الشعب في الاستجواب وهم الذين عن طريقهم وبأصواتهم أصبح المالكي رئيسا لوزراء العراق.
تراكمات الأعراض المرضية على مدى سنوات أوصلت العراق عند حافة الانهيار كدولة، وكان مارتن كوبلر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق دقيقا عندما قال، إن العراق ينزلق نحو المجهول، وما يفاقم الأوضاع انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين من جهة وفقدان الأمل بالعملية السياسية التي ثبت عقمها وعجزها بعد شلل المؤسسات الدستورية عن معالجة الأمراض المستعصية من جهة أخرى. ولذا من المؤكد فشل جميع المبادرات التي تناقلتها وسائل الإعلام مؤخرا لسبب بسيط هو انعدام الثقة بالنيات والأهداف، كما أن إيران لن تسمح بأي حل يمس نفوذها في العراق، إذن ماذا ننتظر؟ لا شيء.
النخبة السياسية في العراق تختلف جذريا حول توصيف الحالة، كل ينطلق من ثقافته ورؤيته، لا أقول من دينه ومذهبه وقوميته، وهو الأدق، ما نعتبره أمراضا مزمنة تعتبره الصفوة الشيعية الموالية لإيران دليل صحة! وهنا تكمن المشكلة العراقية وتتأزم. وهذا يوحي أن أصل الخلاف ليس سياسيا حصريا حتى يمكن حله بصفقة، بل هو أكبر من ذلك وأعمق، هو خلاف بين مدرستين، بين فلسفتين، البعد بينهما كالبعد بين التسامح والتعصب، بين الانفتاح والانغلاق، بين المدنية والدينية المذهبية، بين من يتقرب إلى الله بنسيان الماضي التماسا لأخوة حث عليها الإسلام وبين آخر يظن أنه يتقرب إلى الله بالحقد واستدعاء وتوظيف حادثة ومواقف مضت عليها أعصر ودهور، بين ثقافة قبول الآخر وبين ثقافة الإقصاء والتهميش، لا أدري كيف يلتقيان؟
خلافات عميقة تضرب في جذور التاريخ، ومع ذلك فإن فرصة التعايش في وطن واحد ما زالت ممكنة، إذ لسنا أول من تعايش مع الآخر المختلف في ظل وطن واحد يحترم خصوصية الطرف الآخر على قاعدة المواطنة لا ضرر ولا ضرار، والمشكلة ليست فينا بل في الطرف المقابل الذي عليه أن يعلنها صريحة لا لبس فيها هل يرغب العيش في عراق يستوعب الجميع على أساس المواطنة؟ أم عراق منغلق على مذهب من دين محدد؟ فيه تمييز وظلم للآخرين وتهميشهم وإقصائهم! غالبية المكونات من الأعراق والمذاهب بضمنهم العرب السنة مع الخيار الأول وترفض الخيار الثاني بل ترفض العيش في ظل نظام حكم هو في الواقع نسخة من نظام الولي الفقيه. لقد صدحت منصات الاعتصام في المحافظات الست بما لا لبس فيه.. لن نقبل العيش من الآن فصاعدا في ظل حكومة تتبنى مشروعا طائفيا يرقى للتطهير تقطع فيه أرزاقنا وأعناقنا وتطمس فيه هويتنا وتستحيا فيه نساؤنا وتفرط من خلاله بسيادتنا وتنهب بسببه ثرواتنا ويستهدف فيه رموزنا وقادتنا.
الخيارات باتت محدودة والوقت ليس في صالحنا وتداعيات الوضع السوري سوف تؤثر في تسارع الأحداث في العراق شئنا أم أبينا، واحتمالات الحرب الأهلية باتت واردة، والكل متأهب، والتحريض والاستفزاز من جانب نوري المالكي لا يتوقفان، وهو لا يترقب الحرب الطائفية فحسب، بل وكما أعلن في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء أنه يرحب بها ومستعد لها!! وهذا ما أشار إليه أيضا السيد مقتدى الصدر.
لكني أنصح وأقول، بالسلام وليس بالحرب نضع حدا لخلافاتنا، وبدل أن نحسم خلافاتنا على قعقعة السلاح وطلقات الرصاص لنحتكم لصوت العقل، ولنشجع الأمم المتحدة أن تدعو لمؤتمر دولي حول العراق على غرار مؤتمر الطائف نتفاوض في إطاره حول شكل العراق الذي يتوافق عليه الجميع، وعندها يمكن أن نقرر، نتفق أو نفترق، ولكن بالسلام، والحلول في هذا المجال كثيرة ومتنوعة. أقول ذلك لأن العراقيين منقسمون فعلا ولم تعد أمامهم فرصة حقيقية لحل بالتراضي والود، كما أن الجو المشحون بالطائفية لا يوفر أوضاعا مريحة للسياسيين أو غيرهم لاتخاذ قرارات صعبة لا نهاية لأزمة العراق من دونها، لذا باتت خياراتنا محدودة للغاية، وعادة، عندما تغلق أبواب الحل الوطني، تنفرج أبواب الحل الدولي. وآمل أن لا يتأخر ذلك كثيرا.
لا أقترح تدخل دولة كبرى أو وصايتها والمنظمة الدولية قادرة ومؤهلة كما أن مقترحا من هذا القبيل ليس سهلا كما أن تحقيقه يأخذ وقتا طويلا، لكن يسعنا التحرك دون تأخير قبل أن تضيع الفرصة ويتحول العراق إلى أطلال أو مجرد ذكريات.
أصحاب المصلحة في التغيير، المنتفضون في الأنبار وسامراء وبقية المحافظات، العرب والمسلمون ودول الخليج العربي على وجه الخصوص، المجتمع الدولي من دول وشعوب ومنظمات، عليهم جميعا أن يساعدوا في تدويل القضية العراقية، من أجل مساعدة شعب منقسم يعاني من حكومة فقدت الشرعية، بعد أن حنثت بقسمها على الدستور ونشطت منذ اليوم الأول بإيذاء العراقيين والتعدي عليهم بينما هي مكلفة حمايتهم وإسعادهم.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق