موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

بصرف النظر!

مصطفى كامل
بصرف النظر عما إذا كان مايجري في إسطنبول وبعض المدن التركية بشأن تطوير ساحة تقسيم، قلب إسطنبول، له مايبرره، فعلاً، أم كونه مجرد حملة تخريب غوغائية.
وبصرف النظر عما إذا كان وراء مايجري دوافع سياسية غامضة، أم لا.

وبصرف النظر عما إذا كانت ثمة دوافع طائفية وراء مايجري، أم لا، باعتبار ان حزب الشعب الجمهوري الذي يقود الاحتجاجات من وراء ستار تم اختطافه، ديمقراطياً، من قبل التيار العلوي المسيطر على الحزب والذي يتحالف علناً مع نظام بشار الأسد ويحرِّض علناً ضد حكومة بلاده.
كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض مشاركاً في الاضطرابات
وبصرف النظر عما إذا كان ثمة ارتباط بين مايجري والأصابع الخبيثة التي لاتريد لتركيا استقراراً ورخاء، بعد ان نجحت حكومة  السيد رجب طيب أردوغان في قصقصة أجنحة عصابة أرغنكون التي تدير الدولة السرية المتآمرة على تركيا وشعبها، أم لا.
وبصرف النظر عما إذا كان لمايجري صلة بالأصابع التي أشعلت فتيل تفجير الريحانية، على الحدود مع سوريا، أم لا.

مجموعة من قيادات حزب الشعب تشارك في الاحتجاجات
وبصرف النظر عما إذا كان من يؤجج هذه الاضطرابات سياسيون يريدون تصفية الحسابات مع أردوغان وحزبه وحكومته، أم لا.
وبصرف النظر عما إذا كان "الشعب الجمهوري" لم يُخفِ رغبته في الإطاحة بحكومة أردوغان المنتخبة بنزاهة، عبر هذه الاضطرابات وخارج إطار التداول السلمي للسلطة السائد منذ عقود في تركيا، أم لا.

أعضاء الحزب الشيوعي التركي يشاركون في الاضطرابات
وبصرف النظر عما إذا كان القائمون بالاحتجاجات خليط عجيب من شباب ينتمي لبعض التيارات اليسارية والشيوعية تحديداً وسكارى يدعون للعربدة، وعلمانيون حاقدون على الإسلام حد انهم انتهكوا حرمات بعض الجوامع بشرب الخمور فيها، ومسيَّسون لهم أهدافهم التي لا علاقة لها بسبب المشكلة الظاهري، أم لا.
محتجون يحملون زجاجات الخمور تعبيراً عن طبيعة الاحتجاجات ودوافعها
وبصرف النظر عما إذا كانت سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، الداخلية، صحيحة، أم خاطئة.
وبصرف النظر عما إذا كانت ثمة صلة بين مايجري ومسعى حكومة أردوغان لحل المشكلة الكردية التي حققت فيها خطوات مهمة، أم لا.
وبصرف النظر عما إذا كان رد الشرطة على مايجري مبرراً، أم لا.
وبصرف النظر عن صحة مايقال إن الاحتجات مرتبطة أساساً بتحديد ساعات بيع الخمور وبناء مسجد في الساحة وإعادة بناء معلم عثماني، مايُخفي توجهات مناهضة للقيم الأخلاقية والدينية والتاريخية، أم لا.

مخطط المشروع التطويري للمنطقة
وبصرف النظر عن كون مشروع تطوير منطقة تقسيم، وبضمنها جانب من "غَزي بارك" أي (حديقة المنتزه)، تم الإعلان عنه في الحملة الانتخابية البلدية التي جرت قبل ثلاث سنوات، وبوشر به فعلياً منذ نحو عام، بمعنى أنه ليس جديداً، أم لا.

إحدى عاهرات المنطقة ترفع شعار "غَزي لنا"
وبصرف النظر عما إذا كان تطوير هذه المنطقة سيقضي على عصابات المافيا وتجارة المخدرات وشبكات الدعارة التي تتخذ من الساحة الشهيرة في إسطنبول مقراً لها، أم لا.


وبصرف النظر عما إذا كان قطع 12 شجرة فقط، من منتزه غَزي، بغية تطوير المنطقة يبرر حرق 89 سيارة شرطة و 42 سيارة خصوصية 18 سيارة تابعة للبلدية وتدمير 94 محلاً تجارياً للمواطنين، حتى يوم أمس، أم لا، والحصيلة في تصاعد مستمر، وإن خفَّت حدَّة الاضطرابات.


وبصرف النظر عن إن إحدى مذيعات قناة ULUSAL اليسارية أعربت، خلسة ودون أن تنتبه إلى انها في بث مباشر، عن أملها في أن يسقط قتيل جراء هذه الاضطرابات لتقيم الدنيا ضد حكومة أردوغان.
وبصرف النظر عن إن حزب العدالة والتنمية تسلَّم رئاسة بلدية إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري الذي استحوذ عليها عقوداً طويلة، فوجد خزينة المدينة خاوية والخدمات البلدية منعدمة وأكداس النفايات تسد الشوارع ووجد سكانها بملايينهم الـ 15 عطشى، فرفع من شأنها وطوَّر خدماتها البلدية كافة وخصوصاً النقل العام، حتى باتت إسطنبول واحدة من أنظف مدن الدنيا وأكثرها جذباً للسياح، ورفع مستوى الدخل المعيشي فيها، وبنى عشرات البنايات السكنية لأبنائها ليحل مشكلة السكن المستعصية فيها، وأقام من الجسور والخطوط السريعة والأنفاق، بما في ذلك واحد تحت مضيق البوسفور.
أقول بصرف النظر كل الذي قرأتموه، سيداتي سادتي، في أعلاه، فقد لفت نظري ان منتقدي رد الشرطة التركية على مايجري هم خليط عجيب من (عتاولة) الديمقراطية و(مخضرمي) رعاة حقوق الانسان، ومن (أشد) الناس تطبيقاً للمعايير الدولية في الحريات المدنية، يتقدمهم كل من بشار الأسد، وكلنا يعرف تعامله (الانساني) مع شعبه، ونوري المالكي وكلنا شاهد التزامه بأعلى درجات (ضبط النفس) في مواجهة المعتصمين السلميين في الفلوجة والحويجة والموصل وسلمان بيك، وغيرها، وإيران وكلنا يعرف مقدار (الديمقراطية) السائدة فيها، مستعيدين صورة الرد (السلمي) على التظاهرات المنددة بفوز أحمدي نجاد قبل أربع سنوات، وآخرين على شاكلتهم.
لكن كل هذا في جانب، والبيان الذي تلقيته من حزب عراقي، منقرض، يعد أفراده على أصابع اليدين في جانب آخر.
فقد تلقيت بالأمس رسالة من السيد الأمين العام للحزب الطليعي الاشتراكي الناصري، المفصول من قبل قيادة حزبه، السيد عبدالستار الجميلي، يحيي فيها "الانتفاضة الشعبية الشاملة ضد نظام الفصل العنصري لأردوغان" و "ويدين كل أشكال القمع والابادة التي قام بها هذا النظام ضد ملايين المنتفضين وفي كل المدن" و "يدعو العرب الخاضعين للاستعمار التركي في الاسكندرون وأورفه ومرعش وديار بكر وغيرها من الأراضي العربية المحتلة الى إعلان حركتهم الاستقلالية والمشاركة الفعالة في هذه الانتفاضة، التي تعدّ فرصة تاريخية لتذكير العالم بقضيتهم المنسية وملفهم المسكوت عنه من قبل حتى النظام العربي، بما يمهد السبل والوسائل لإنجاز مطلبهم الأساسي في "حق تقرير المصير" بالتعاون مع العناصر التقدمية والمتنورة من الشعب التركي، التي عانت طويلا من اضطهاد نظام بني على الفصل العنصري والتطهير العرقي ....، وعلى القهر والعسف والاستبداد الداخلي والخارجي، وعلى إنجازات اقتصادية وهمية ... ، وتحويل تركيا الى مستعمرة أمريكية وصهيونية ومحفلا دائما للماسونية العالمية، تحت شعارات إسلامية خادعة لا تمت للرسالة الاسلامية السمحاء بصلة".

ورغم انني أنتقد كثيراً من ملامح السياسة الخارجية لتركيا في السنتين الأخيرتين، على أقل تقدير، إلا أنني صعقت، حقيقة، وأنا أقرأ هذا البيان الذي يتطاير منه الشرر، لأسباب عديدة، منها:
  1. ان الحزب، الذي أصدر البيان، منقرض تماماً في العراق، فمع احترامي للحركة القومية الناصرية فإن هذا الحزب لا يستطيع الآن أن يحشد أكثر من 20 شخصاً في أي من فعالياته الحزبية، وأكاد أجزم أن كلهم من كبار السن.
  2. أفهم ان مثل هذه الدعوة الواردة في البيان يُمكن أن تصدر عن حكومة تريد تصفية حساباتها مع حكومة أردوغان، ولتكن سوريا أو العراق مثلاً، لكنني لا أفهم صدورها عن حزب لا أمل له بالحصول على مقعد واحد في البرلمان.
  3. ان هذا البيان يغفل حقيقة ان الاقتصاد التركي بات الاقتصاد رقم 17 في العالم، وأن طبقة وسطى وغنية جديدة نهضت في مدن وسط الناضول التي ظلَّت لعقود طويلة متخلفة عن ركب العالم.
  4. ان هذا البيان يغفل حقيقة النهضة الهائلة التي شهدها الانسان التركي في جميع الميادين وخلال 10 سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، وهي النهضة التي لا تقارن بما تحقق على مدى 80 عاماً منذ قيام الجمهورية التركية.
  5. ان هذا البيان يغفل حقيقة ان تركيا باتت الدولة الأسرع نمواً في أوروبا، برغم النكبات التي شهدها الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة.
  6. ان هذا البيان يتحدث عن نظام فصل عنصري، أبارتيد، وهذا غير موجود في تركيا على الإطلاق، لأن شعبها المكون من أعراق شتى منسجم على نحو فريد، الأمر الذي أفرز صعود أردوغان إلى سدة الحكم وهو من العرق القوقازي وليس من العراق التركي، الأصلي، كما ان عدداً من أركان حكومته وحزبه من الأعراق الكردية والعربية والبوشناقية والأرناؤوطية، وغيرها.
  7. ان هذا البيان يتحدث عن عرب خاضعين للاستعمار التركي، ومع كل مشاعري غير المحدودة المؤيدة لعودة كل شبر عربي مغتصب، بما فيها المناطق التي أشار إليها البيان، يبدو ان الذي صاغ عبارات هذا البيان، لا يعرف بنود معاهدة لوزان المبرمة في 24 يوليو/ تموز 1923 والتي ألغت بنود معاهدة سيفر المبرمة في 10 أغسطس/ آب 1920، وثبتت حدود الدولة التركية الحديثة وتم على إثرها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حاليا) في الدولة العثمانية، ورسمت حدود عدة بلدان مثل اليونان وبلغاريا وتركيا والمشرق العربي، وتنازلت فيها تركيا عن مطالبها بجزر دوديكانيسيا وقبرص ومصر والسودان والعراق وسوريا، كما تنازلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا المحددة بمعاهدة سابقة بين العثمانيين والطليان، وفي المقابل، أعيد ترسيم الحدود مع سوريا بما يشمل ضم أراض واسعة وتضم من الغرب إلى الشرق مدن ومناطق مثل مرسين وطرسوس وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحرّان وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر، وقادت تالياً إلى اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي ورثت محل الإمبراطورية العثمانية.
  8. لكن الطريف في الأمر ان الذي صاغ هذا البيان، وتعبيراً عن انقراضه وعدم قدرته على التجدد، استل عبارات جاهزة من بيان سابق للحزب نفسه، كان أصدره قبل أكثر من سنتين، تتحدث عن معاناة شعبنا العربي في الأحواز المحتلة، تحت سلطة نظام الملالي.
...
غير ان الذي أرغب أن أقوله، حقيقة، في الأحداث الجارية في تركيا الآن، هو ان هذه الأحداث كشفت عن معارضة خفية، معارضة خارج البرلمان، وغير ممثلة فيه، معارضة غير شرعية، ربما، وهو أمر غريب على الديمقراطيات المحترمة، ينبغي على حكومة "العدالة والتنمية" النظر إليه بعمق وتحليل أسبابه ودوافعه ومحركاته ومعالجتها سريعاً، وإلا فإن انزلاق تركيا نحو مخاطر أكبر، يظلُّ وارداً، لا قدَّر الله.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..