ملاحظة تمهيدية من الناشر:
في آخر رسالة كتبها البطل مروان نظير عبدالعزيز قبل أن يُقدِم على هذا العمل البطولي وأرسلها إلى أمه فجر اليوم الذي استشهد فيه كتب فيها قول الحق عزَّ وجل (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) صدق الله العظيم
وكتبت الرسالة على ضريحه الطاهر. تقبله الله في فردوسه الأعلى.
ذكرى محمد نادر
الاعلام العربي المشغول دائما بأمور الفنانات والفنانين, وأحدث الموضات التي يروجون لها, وقصص غرامياتهم الشائكة, وتفاصيل حياتهم اليومية الشاحبة حد الملل, لم يحفل يوماً بأخبار المنسيين, الذين يصنعون بصمت تاريخ رفضهم لحياة الذلة التي يحيونها.
فلا غواية تُذكر لقصص اُناس عاديون, يكتبون تاريخهم الحزين بعيداً عن أضواء العلانية لكنما قريبا جدا من الحقيقة القاسية, وحدها قصة الشهيد التونسي محمد بو العزيزي أفلتت من أسر ألاهمال الى علانية الإشهار, فذهبت مثلاً حياً لكل الرافضين لواقعهم البائس المتناقض تحت وطأة حقيقة أننا أغنى بلدان الارض.. وافقرها شعوبا!
ولعل الاعلام يتقصَّد أيضا بعدم الترويج لقصص رفض واقع البؤس, تماشياً مع المتطلبات الاساسية للنشرمن جهة ولأنه من الخطورة بمكان, أن يسعى الاعلام لتبني وترويج حكايات الهم العربي المتناسل يوميا حتى يصعب إحصاء جداولها!
في العراق، مثلا, حيث الحياة أشد عسرا من أن تصدق, مازلت أبواق الاعلام الرسمي بلا حياء, تحاول صم آذان الناس عما يحدث في ذاك البلد الذي غدا من المستحيل أن يمر يومه دون ينابيع دم , لم يعد يُغسل بماءٍ، لعطش الماء بأرض الرافدين! فيما اشلاء بشره تلتبس في بعضها, في وقت لم يعد فيه ممكنا التستر على سرقات الحكومات العلنية والمخفية, حتى أن جريدة الديلي ميرور اللندنية, تندرت في أعدادها الاخيرة بميزانية الانفاق, متخذة من مرتبات الساسة نموذجا, لأنها وصلت أرقاما فلكية, بينما يعيش نصف الشعب العراقي تحت خط الفقر, وطلاب المدارس في المدن الجنوبية يتلقون علمهم تحت الخيام!
لكن إعلامها, ما زال يطرب وحده للخدع التي أوصلت ساسة الغفلة الى مناصبهم باشتغال أمريكي, إيراني, لذلك يقتل الصحفي الشريف, ولذلك هرب كل من استطاع لحياة الغربة سبيلا, لان أسلحة كواتم الصوت, تنشط بين أزقة وحواري بغداد ومدن العراق بحثا عن كل غيور رافض لواقع الاختلال وليس الاحتلال وحسب.
مروان الجبوري, واحد من شهداء الصمت. عراقي حر, رافض لخسة الواقع المزري, قال قبل مقتله لأصحابه: لو أن الله يحبني, سيمنحني فرصة قتل أمريكي واحد.. لأموت بعدها" وقد أحبه الله، كثيراً، وأعانه ليحقق حلمه, ولأنه عراقي أصيل رفض تفجير نفسه الا بجسد عدو, فانخرط وهو عريس لستة أشهر وحسب, في صفوف الجيش العراقي منتظراً لفرصة سانحة ليحقق وعد الله وحلمه, حتى حُوِّل الى معسكر الغزلاني بمدينة الموصل, تحت تدريب الجيش الامريكي, هناك شهر سلاحه بوجه المحتل بأول سانحة, فأصاب خمسة من أفراد جيش الاحتلال بينهم ضابط كبير قتل فورا, وثلاثة آخرين, مات آخرهم باليوم التالي متأثرا بجراحه.
الجندي العراقي الشاب, مروان الجبوري, حقق حلمه, بمرضاة الله عليه, وسجل على أجساد جنود المحتل إمضاؤه برفض الاحتلال قبل أن يتلقى صليات طويلة من الرصاص, ليُترَك جسده, لثلاثة أيام متتالية في أرض المعسكر, منذ السبت 15 وحتى يوم الاثنين 18 من شهر يناير/ كانون الثاني 2011, يحط عليها الطير والغبار والندى الشتوي, تراقبه عيون رفاقه من بعيد, قبل أن يُسمح بدفنه.
القصة لم تنته بعد.
حينما حضر جثمانه لقريته, يوم الثلاثاء, كان أخاه الوحيد المتبقي حياً وقريته باستقباله, بذراعين عريضتين وصدر واسع بالفخار, تزغرد والدته خلف جثمانه كأنما تزفه لعرسه مرة أخرى, منشدة: ربيتك لهذا اليوم!
ثم أفرغت خلف نعشه, مخزن رشاش لم تهتز لها كهولة يدها, فيماعروسه تمسح دمعها, لبطولة صنعها وحده بصمت, فهو ما كان يريد من وطنه منصباً ولا جاها, لكنه شاء أن يسجل في 2011.1.15 تاريخ رفضه للمحتل, موقَّعاً بدمه على وثيقة عهد وفاء للوطن.
اه واحد فقط من آلاف المنسيين الذين لا نسمع عنهم.. انهم شهداء جداً وبصمت.. ربتما في يوم قادم, سيذكرهم تاريخ أوطانهم: هؤلاء من رفضوا محتلهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق