يوسف الكويليت
بخلاف ما يجري في سورية من اقتتال، وتورط عراقي في شأنه تم قتل 1779 مواطناً عراقياً خلال شهر مايو، وفيما الجدل يدور بين الفرقاء ومساعٍ من الحكم لوقف حالات التنافر، والاتجاه للتهدئة، والوعود باتفاقات تنهي حالات التدهور الأمني، فإن النوايا لا تزال غير واضحة.
وحيث إن المالكي برع في المماطلة واتهام الخصوم وإبعادهم أو التسبب في قتلهم، فإن الاتجاه لا يزال سرابياً غير واضح، ومعه يقين بأن الأمور لا تتجه للمصالحة طالما احتكار السلطة يبقى بيد المالكي وطائفته..
الحلول العراقية ليست مستحيلة لو كانت هناك إرادة ترى في كل مواطن أن له حقاً متساوياً مع الآخر، إلاّ أن آثار السنين وعقدة أن السلطة ما بعد الاستقلال آلت للسنة وحدهم هي أمر لم يكن بحساسية اليوم عندما كانت العشائر الشيعية والسنية ذات الأغلبية هي من أرادت حكم السنة، ولم يكن هناك مُشكل للانتماء الطائفي آنذاك، وكان السبب الأساسي هو تجنب الشيعة للحكم حتى عودة الإمام المنتظر كعقد تاريخي في الإبقاء على هذه المسلّمات.
المشكل التاريخي أعاد سيرة الصراع بين المذاهب في العراق، ولعل وصول الخميني للحكم أعطى الطائفة بعداً سياسياً أشمل، خاصة وأن المخرج للوصول إلى الحكم جاء من الخميني بولاية الفقيه فحل عقدة الابتعاد عن السلطة، لكن إيران تختلف عن العراق بأن المرجعية تحولت إلى قوة هائلة، ألغت معها مرجعية النجف ما أضعف نفوذها التقليدي، وهنا صار العراق مجرد ولاية لإيران في عهد المالكي، وهو ما أثار حتى الشيعة ما تسبب في اضطراب أمني غير مسبوق عندما تم إلغاء المرجعية والسلطة معاً.
قبل أيام وصل مبعوث أمريكي لبغداد، وقد صرح بشكل غير قابل للتأويل بأنه إذا لم يتم حل سياسي يجمع كل الأطياف، فالبديل هو عودةٌ للاحتلال الأمريكي تحت البند السابع من الاتفاقية بين البلدين التي تنص «على دعمٍ أمريكي للعراق في حال تعرضه لعدوان خارجي، أو اضطرابات داخلية» بمعنى أن الكشف الجديد لهذه الاتفاقية ربما هو ما قاد الفرقاء إلى رؤية الإنذار بأنه حقيقي، وبالتالي جعل المالكي أكثر تراجعاً عن صلفه واتجاهه بتهميش القوى الأخرى لحلم دولة المذهب التي يقودها..
المتفائلون لا يرون في الأفق ضوءاً ما لأن تركيبة السلطة واتكاءها على إيران، ومحاولة عزل الفئات الأخرى تحت مفاهيم دستورية، أو حجج أمنية، وإحاطة الرئاسة بالمنتفعين والأزلام، أبقت الأمر في مهب العواصف، ولذلك بدأت يد الحكم تتراخى أمام تزايد عمليات العنف والتفجيرات شبه اليومية، وهي التي كشفت عن ضعف الأجهزة الأمنية، وربما فسادها وعدم ولائها، وعملياً فمن يعتقد أن أمريكا خرجت للابتعاد عن أزمات العراق يجهل كيف أنها بنت أكبر سفارة لها في العالم الخارجي في بغداد، وأن الغزو أساساً، جاء وفق سيناريو المصالح الاقتصادية والسياسية، وأن الاتفاقية المقيدة للنظام، لا تضعه صاحب السلطة الدائمة، ولعل نطقها الواضح يجرّد العراق من سيادته الحقيقية، وعلى هذا الأساس جاء الإنذار الذي ربما يقلب السحر على الساحر، في حال نفذت وعدها بالعودة للعراق كمحتل جديد..
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق