موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

هل يتعظ اوباما من تجارب بوش وبوش في العراق؟ وهل انتهى زمن انفراد الرؤساء بقرار العمليات العسكرية؟

وجهات نظر
ميشيل الحاج
تمخر الآن عباب البحر الأبيض المتوسط خمس بوارج حربية أميركية، تحمل كل منها ستة وثلاثون صاروخ توماهوك قد يوجه كلها أو بعضها نحو سوريا.  كما أن سفينة أميركية بحرية ناقلة للجنود اسمها سان أنطونيو، تتجه أيضا نحو البحر الأبيض المتوسط وعلى متنها الفا جندي مارينز، فكأن الرئيس الأميركي أخذ بعين الاعتبار احتمال ألا يكون قصف صواريخ توما هوك كافيا لإنجاز المهمة المطلوبة، وبذا يصبح الحال متطلبا لإنزال قوات أميركية على الأراضي السورية، رغم وعوده بأن العملية قصيرة ، محدودة، ولن تتطلب إشراك قوات أميركية تنزل على الأراضي السورية.


والأرجح أن يكون إشراك المارينز بعيد الاحتمال، رغم عدم الوضوح وراء الحاجة  لدخول هذه السفينة ناقلة الجنود المارينز إلى البحر الأبيض المتوسط  متوجهة نحو مناطق قد تكون قريبة من الأراضي السورية. وهناك بوارج حربية أخرى في بحر الخليج، إضافة إلى طائرات عسكرية أميركية متطورة وصلت اليوم السبت 31 آب إلى قاعدة أنجيرليك التركية الواقعة على بعد 100 كيلومتر من الحدود السورية.
وهذا الاستعداد العسكري الأميركي الكبير، لا يتناسب مع ادعاء الرئيس أوباما أنها ستكون ضربة محدودة وقصيرة.  فكأني بها استعدادات لحرب كبرى، لا لمجرد عملية قصف صاروخي محدود في الزمن وفي الحجم.  وعلى كل حال، فإن الأمر قد ترك الآن، كما يقول أوباما ، لتقدير مجلس الكونغرس الذي قد يفاجىء الجميع برفض تلكالعملية العسكرية وعدم الموافقة عليه، أسوة بما فعل مجلس العموم البريطاني بمشروع الهجوم العسكري الذي اقترحه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.  
ولكن الرئيس الأميركي لديه حق القيام بعملية عسكرية كهذه دون الرجوع إلى الكونغرس. ومع ذلك  اختار الرئيس عدم ممارسة هذا الحق الذي يمنحه له الدستور الأميركي لأسباب نجهلها. وقد يكون بين تلك الأسباب، ثقته بأنه يستطيع الحصول على موافقة الكونغرس في جميع الأحوال .أو قد يكون سببه الرغبة في أن يرفض الكونغرس اقتراحه ذاك، فيجد لنفسه مخرجا مشرفا من المأزق الكبير الذي وضع نفسه فيه نتيجة التسرع باتهام سوريا باستخدام السلاح الكيماوي .
فالرئيس أوباما الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ربما لم يكن يرغب في التورط في عملية عسكرية كهذه قد تلطخ صورته كرجل سعى للسلام ، ولم يكن أبدا رجل عنف .
ولاحظ الجميع أنه بعد اندفاعه الأولي المعلن عن ضربة كبرى لسوريا، وضربة ستتم بموافقة أو عدم موافقة مجلس الأمن، وبمباركة الكونغرس أو بدون مباركته ، بل وبدون الرجوع إليه، بدأ يتراجع تدريجيا، وظل يؤخر اتخاذ قراره يوما بعد آخر ، إلى  أن أعلن بأنها ستكون عملية عسكرية محدودة . كما فاجأ الجميع بعد أن اجتمع ببعض قيادات الكونغرس، أنه سينتظر عودة المجلس من عطلته الصيفية في موعد عودته الطبيعية وهو التاسع من أيلول، دون أن يفكر بمطالبة الكونغرس بقطع إجازته والعودة إلى واشنطن لعقد اجتماع في غاية الأهمية، أسوة بقيام ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، عندما قام  بدعوة مجلس العموم الذي كان أيضا في عطلته الصيفية ، إلى اجتماع مبكر.  وكانت النتيجة عدم موافقة مجلس العموم على مخطط كاميرون.



وقد يقدم الكونغرس خدمة لأوباما إذا قرر عدم الموافقة على توجيه ضربة عسكرية لسوريا.  إذ أن ذلك سيريحه من عبء تنفيذ عملية كهذه، ربما كان يتطلع إليها ولكن بتردد، ليحذو حذو أسلافه الرؤساء الأربع، كارتر، بوش الأب، كلينتون، وبوش الابن، اللذين خاضوا جميعهم حروبا، أو مارسوا عمليات قصف عسكرية. فلعله كان يفضل أن يحتفظ بصورة الرئيس الحاصل على جائزة نوبل للسلام، وليس الرئيس الذي يقتل ويبطش لتأكيد  نفسه كزعيم عنيف قوي الشكيمة .
والواقع أن المغامرة العسكرية مهما كانت مرنة ولينة ،غالبا ما تتسبب في مقتل العديدين من الأبرياء.  فالرئيس بوش الابن قد تسبب في مقتل أكثر من 50 الف عراقي مدني في حربه ضد صدام عام 2003. والرئيس بوش الأب، قد خذلته مرارا صواريخ توماهوك الذكية وأصابت مرارا مواقع مدنية.  ففي الأيام الأولى من حرب عام 1991 قصف الأميركيون بصواريخ توماهوك، معملا صنف بأنه معمل لإنتاج السلاح البيولوجي. لكن تبين فيما بعد، وهو ما تأكد منه الصحفيون لدى زيارتهم المعمل، بأنه معمل لإنتاج حليب الأطفال. وكان الأمر مضحكا لدرجة أنه أصبح موضع تندر بين رجال الإعلام الذين زاروه أكثر من مرة في محاولة للتأكد بأن شيئا ما لم يخف عليهم، وفي كل مرة كانوا يتأكدون أكثر وأكثر، أنه لم يكن إلا معملا لإنتاج حليب الأطفال. وحاول الرئيس  بوش مرارا أن ينفي وقوع الخطأ، كما أصر مارلين فيتزووتر، الناطق بإسم وزارة الخارجية، أن التقارير الاستخبارية أكدت أكثر من مرة أنه معمل لإنتاج السلاح البيولوجي،  مستندين لكونه محاطا بأسلاك شائكة، وكانه لا يجوز إحاطة معمل حليب عادي بأسلاك شائكة .
وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني 1991 اصطحبني سعدون الجنابي، مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام، مع بيتر أرنيت مراسل “سي ان ان” ، في زيارة لمدينة “الدور” التي تبعد قرابة 175 كيلومترا من بغداد.  ووجدنا المدينة مدمرة تماما.  وأحصيت فيها 80 منزلا مدمرا أو مصدعا.  كما شاهدنا في مقبرة المدينة عددا كبيرا من القبور الحديثة جدا. كما أكد لنا الأحياء من سكان المدينة، أن الكثيرين من المدنيين الأبرياء  قد قضوا نحبهم ، وفي حالات عديدة تم مقتل عائلات بكاملها لدى انهيار المنزل عليهم. وادعى البنتاغون أن المدينة تضم ”المعمل الفني“، وهو معمل لإنتاج الآلات الاليكترونية، وأن مدينة سامراء التي تبعد عن الدور قرابة 30 كيلومترا ، هي مركز لإنتاج المواد الكيماوية.  ولم يفسر أحد في البنتاغون لما قصفت الدور جوا، ولم تقصف سامراء، طالما أن المواد الكيماوية تنتج في سامراء وليس في الدور. 
وفي 13 شباط 1991، قامت الطائرات الأميركية بقصف ملجأ استخدمت في قصفه قنبلة معينة أعدت خصيصا لهذه الغاية، وهي قنبلة تخترق عدة طوابق من الحواجز الإسمنتية السميكة. وفسرت الولايات المتحدة قصفها لذاك الملجأ، بوجود معلومات استخبارية مؤكدة لديها،بأن الملجأ هو مركز قيادة وتحكم بالعمليات العسكرية، وأن صدام حسين كثير التواجد فيه. ولكن الحقيقة التي كشفتها الصور والتقارير الصحفية، أثبتت عكس ذلك تماما.  إذ تبين أن الملجأ كان ملجأ مدنيا عاديا، وأن مئات العراقيين المدنيين المفقيمين في تلك المنطقة، كانوا يلجأون إليه في وقت الغارات، مما أدى إلى وفات المئات منهم ومعظمهم من النساء والأطفال والمسنين . وشكل  ذلك القصف وتلك القنبلة الذكية ، فضيحة كبرى للولايات المتحدة ولعدم الدقة في تقارير مخابراتها الاستخبارية . 
وفي 17 كانون الثاني 1993 ، وقبيل رحيل جورج بوش الأب عن كرسي الرئاسة بثلاثة أيام، أطلقت الولايات المتحدة قرابة 50 صاروخا موجها على منشأة النداء التي قيل بأنها تنتج أسلحة دمار شامل، وتبين فيما بعد أنها تنتج قوالب لإنتاج مواد صناعية عادية.  ولكن بعض صواريخ توما هوك أصاب عدة مواقع مدنية، وكان من بينها إصابة فندق الرشيد، تلك الإصابة التي أدت إلى مقتل فتاتين شابتين عاملتين في الفندق، وإصابة 16 نزيلا بجروح مختلفة.  وكان بين المصابين السيد أمجد تادرس، الإعلامي العامل مع شبكة “سي بي أس نيوز” الأميركية. ومرة أخرى ترددت أنباء في واشنطن أن تقارير(يرجح بأنها استخبارية) توفرت لديهم أن صدام حسين كان متواجدا في ملجأ!
فهل سيعتمد أوباما بعد ذلك على تقارير استخبارية أميركية كعذر لقصف سوريا، وهل بات يدرك الآن أن بعض هذه التقارير الاستخبارية، إن لم يكن جلها، تؤدي إلى كوارث إنسانية. ولعل بداية تكون هذه القناعة لديه، هي التي دفعته لاعتماد ضرورة الحصول على موافقة الكونغرس قبل تنفيذ عملية عسكرية كهذه، بحيث تصبح المسؤولية مشتركة بينه (وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام) وبين الكونغرس فيما لو أدى القصف الجوي أو الصاروخي لكوارث إنسانية ، كتلك التي حصلت في العراق وربما في بلدان  أخرى .
لكن العنصر الأهم الذي أفرزته القضية السورية، هي أن الرؤساء باتوا يخسرون موقعهم كزعماء قادرين على اتخاذ بمفردهم قرارات جوهرية كهذه . فرئيس الوزراء البريطاني رجع إلى مجلس العموم من أجل اتخاذ قرار كهذا.  وخذله المجلس. وها هو الرئيس أوباما يوافق على التنازل عن صلاحياته الدستورية ، ويقرر السعي للحصول على موافقة الكونغرس قبل الشروع بعملية عسكرية ما.  ويجيء هذا في وقت ارتفعت فيه الأصوات في فرنسا مطالبة بوجوب استشارة البرلمان الفرنسي قبل الشروع أو المشاركة في عملية عسكرية ما.  وكشف استفتاء أجري في فرنسا ، أن 68 بالمائة من المستفتين ، طالبوا بوجوب لجوء الرئيس أولاند  للبرلمان الفرنسي قبل المشاركة في أية عملية عسكرية ضد سوريا أو غيرها.

وهكذا نلاحظ أن زمن إنفراد الرؤساء باتخاذ  قرارات كهذه، قد ولى وانقضى، أو على وشك أن ينقضي تماما. فالشعب وحده هو صاحب الحق في اتخاذ قرارات خطيرة كهذه. فالشعب هو الذي ينتخب الرؤساء، ومن حق الشعب الرجوع إليه في حالة القرارات الخطيرة كقرارات الاشتراك في مغامرات عسكرية كتلك التي كانت تزمع بعض الدول الغربية القيام بها، وربما ما زالت تفكر في ذلك، وهو الأمر الذي ستكشفه الأيام القادمة.   

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..