وجهات نظر
نواف شاذل طاقة
انتمي إلى أسرة موصلية، وأحب الموصل بالتأكيد وأحب أهلها أيضاً، ولكني لم اسكن يوما فيها، فقد نشأت في بغداد وعشقتها أكثر من أي مدينة أخرى في حياتي.
أما البصرة فقد كانت دائما بعيدة عن بغداد في مخيلتي، فضلا عن كونها بعيدة كل البعد عن الموصل بمقاييس أيام زمان، حيث تبلغ المسافة بينهما نحو 1000 كيلومتر.
غير أن البصرة وأهلها يقترنان في ذهني دائما بأحاسيس جميلة ودافئة تدعو إلى البهجة. أعرف منهم بعض الاصدقاء، ولكني بصراحة لا اتذكر فيهم انسانا سيئا. وتقترن البصرة في طفولتي ببعض أصدقاء اسرتنا، وبأشعار السياب، وبتمورها أيضا، إذْ كل ما مرّ ذكر اسمها، تذكرت معه صديقة أسرتنا السيدة نعمت الأمير، شقيقة الأديبة العراقية ديزي الأمير، التي كانت تأتي لنا من البصرة بأطيب التمور كلما زارتنا في بغداد.
وقد تعرفت على البصرة في منتصف التسعينات عندما كنت أزورها شهريا لحضور اجتماعات عمل مع دول التحالف على الحدود العراقية الكويتية ولمدة سنتين متتالتين.
لم تكن البصرة في منتصف التسعينات كما كنت اسمع عن عزها وزهوها فقد كان واضحا أن الحروب قد انهكتها، لكن أهلها ظلوا طيبين. واثناء اليومين اللذين كنت اقضيهما في البصرة كنت اتجول في المساء، كلما سنحت الفرصة، في أسواقها الشعبية القريبة من فندق شيراتون البصرة حيث كنت اقيم. وكنت دائم الاعجاب بطيبة أهل المحلات وأدبهم الجم وطريقة تعاملهم الودية مع الزبائن والتي غالبا ما تنتهي بعبارة ((تفضلوا على العشاء عندنا.. استاذ))، وهي معاملة لن تجدها في بغداد أو الموصل.
تذكرت البصرة اليوم، بعد أن رأيت في أكثر من موقع للتواصل الاجتماعي صورة أسرة بصرية جليلة تخرج بمفردها للتظاهر احتجاجا على الأوضاع المتردية في المدينة، وهو موقف شجاع ومؤثر واعتقد أنه نادر الحدوث ليس في البصرة فحسب بل في أي مكان آخر في العالم. ولا يمكن لأحد أن يتكهن بعمق وحجم المشاعر التي دفعت بهذه الأسرة إلى المجازفة بالتظاهر ضد النظام الفاسد في العراق، وامكانية اتساع نطاقها، فعلماء السياسة والاجتماع غالبا ما يؤكدون أن لا أحد يستطيع أن يتكهن بموعد ومكان حدوث الثورات والانتفاضات.
ولكن، من يدري؟ فقد تنطلق شرارة الثورة من البصرة الفيحاء!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق