وجهات نظر
ضرغام الدباغ
منذ سنوات عديدة وأنا أشارك في ندوات علنية وأخرى تلفازية ومحاضرات، تناقش الأوضاع في سورية. وكنت في جميع الأحوال أشدد أن لا ينبغي أن نقبل بخيار التدخل الأجنبي بأي شكل من الأشكال، لسبب أجده جوهرياً ويتقدم على جميع الأسباب، وهو أن الأجنبي عندما يدخل يضرب ويحرق ويدمر (بلا وجع قلب ولا وخز ضمير)، فهؤلاء لا يحبونا، ولا يريدون لنا الخير، وعندما يتجشمون عناء قتلنا فلابد أن في ذلك مصلحة عظمى لهم أولاً، وللكيان الصهيوني المدلل على قلب الغرب الرأسمالي الإمبريالي/ العولمي.
بعبارة أوضح، التدخل الأجنبي في المشكلة لا ينطو على حل كل المشكلة من الجذور حتى الفروع، عقلاؤنا وحتى أنصاف عقلائنا يدركون هذه الحقيقة التي أجدها ساطعة.
ولكن، هل شهد أحد منكم حاكماً في العالم انتقل في ضرب محتجين صبية من تلاميذ المدارس، من الأسلحة الخفيفة والاغتصاب في السجون ودس العصي في مؤخرة الأطفال والبنات، ثم باستخدام المدفعية وصولاً للطيران. ابتدأ بالطائرات المروحية، وانتهى إلى مدفعية الميدان والطائرات المقاتلة والقاصفة، وتواصل تطوره حتى بلغ درجة ضرب شعبه بأسلحة الدمار الشامل، من الغازات السامة والأسلحة الكيميائية؟ هل بعد هذا الجنون من جنون؟ ولماذا كل حفلة الدم هذه؟
هو يريد أن يواصل حكمه لأربعمائة سنة أخرى، فبعدما استولى فيها على البلاد ما فوق الأرض وما تحته، ونهب مئات المليارات ولا يريد الاكتفاء..! اليوم يريد تغيير خارطة البلاد وذاكرتها السياسية والثقافية، وكل ما هو من الثوابت ليمكث في الحكم أطول مدة، هو لا شأن له بالوطنية ولا العروبة ولا الدين!
الرئيس الأب استولى على الحكم بالقوة المسلحة واعتقل رفاقه وقتلهم سقماً وكمداً في سجونهم ثم أورث الحكم لأبنه الأبله الذي لا يجيد سوى: أريد الحكم...! والسيدة الوالدة تقول " تشاءمت من بشار منذ أن تخلى عن لبنان وهي لبيت الأسد!" فتصوروا!
هذا النظام الذي عقد الاتفاقيات السرية والعلنية مع كل من استولي على أرض وطنية، وقذف بالبلاد في أحضان قوى أجنبية لغرض واحد وحيد، دعوني أواصل حكم هذا البلد ولكم ما شئتم. نظام يطمئن الجميع، عدا شعبه، يقول للفرس: أنا شيعي مثلكم أؤمن بولاية الفقيه، ويقول للروس: لم يمنحكم غيري حلمكم منذ القياصرة وحتى اليوم في قواعد البحار الدافئة، ويقول للغرب: لا أحد في العرب والإسلام يقبل بوجود إسرائيل غيري، فرمى بمقدرات البلاد بيد دول عظمى (روسيا) لا يهمها سوى مصالحها، وسوى ذلك الخراب، وحليف من الملالي الطائفيين المخرفين (إيران) يريدون الانتقام فحسب وليس غير ذلك. نظام يطمئن الجميع عدا شعبه.
هذا النظام يقتل وكأن من يقتلهم ليسوا أبناء وطنه، يقتل بلا هوادة، تجاوز كل الخطوط، يستغل كل ظاهرة فقط ليقتل ويسرق ويواصل تراكم الثروات بالمليارات وكأنه بطن غول خرافي لا قعر له، ولا نهاية لشراهته، وخلال ثلاث سنوات تقريباً يواجه شعباً ثائراً دون تراجع قيد أنملة.
هذا النظام ارتكب كل ما يمكن أن يدخل في عداد الجريمة الوطنية والخيانة العظمى.
هذا النظام ارتكب كل الجرائم التي تنص القوانين الجنائية حتى في أكثر الدول تخلفاً، بل حتى تلك التي تنص عليها شريعة حقوق الإنسان والحيوان.
هذا النظام الذي لا يرى أي حل لمطالب الشعب إلا بتشغيل آلة القمع الدموية، فهو يرى البلاد ملكاً صرفاً له، والشعب رعية من العبيد.
هذا النظام لا يكترث ولا يحتج لاحتلال أرضه لمدة 46 عاماً، بل ويتفق سراً أو علانية على عدم الاعتداء، ثم يتطاول بصفقة ليقول أنا نظام ممانعة، ويزمر له في أبواق الدعاية من يقبض، ومن يتواطأ ومن يداهن، ومن يلتهم السمن والعسل.
الشعب أراد الاحتجاج على دولة تحكم بقوانين الطوارئ لأكثر من أربعين عاماً، وبمحاكم استثنائية وعسكرية، ومحاكم ثورة، وبدستور متخلف يقنن الطغيان والديكتاتورية، بلاد ليس فيها حياة سياسية، عدا الرئيس القائد. وبلاد ينهب اقتصادها وتحرم من التطور بصراحة ووضوح مطلق لصالح عائلة واحدة ولا توجد غير عائلة المافيا الاسدية، يقتل من يحتج بالرصاص بدم بارد، وعندما شيعوا قتلاهم بصمت أطلق النار على المشيعين ..!
لم يعد هناك حزب، حتى بصيغه السخيفة، حتى بقياداته الكارتونية. ليس هناك مجلس نواب يستحق أن يسمى بهذا الاسم، فما يدور فيه يشبه صفوف محو الأمية، ليست هناك حكومة تدير البلاد، هناك أجهزة أمن ومخابرات هي تدير كل شيئ، وتسمح لهذا بالكلام لهذا وتغلق فم ذاك بحفنة من تراب الوطن المقدس.
ولكن هل يبقى الوطن مقدس حتى بعد كل هذا العذاب الأسطوري؟
أنا أقول نعم، يبقى الوطن مقدساً، ولكن ليقولها من يشاء لرجل اغتصبت زوجته وبناته أمام عينيه؟ أو أم مزقوا أولادها أشلاء أمامها ...
ماذا نقول لمن تمزقهم خوازيق الطائفية التي مارسها ويوغل في ممارستها النظام وحليفه حزب الله وإيران التي لم تعد محتملة؟
الأوربيون والأمريكان والمدللة إسرائيل يريدون لهذا النظام أن يبقى، ولكن بطل الجريمة خرج وابتعد كثيراً عن النص وحدود المسموح لذلك يستحق (العقاب) إلى جانب حقائق أخرى:
1. أن هذا النظام لا علاقة له بالأخلاق، بعد كل ما ارتكب من جرائم وضيعة.
2. أن هذا النظام لا مصداقية له، وليست هناك حدود تحد أطماعه وسفالته، فمن يضرب شعبه بأسلحة الدمار الشامل يفعل ذلك مع غيره، إن أستطاع أن يتجاسر ويفعلها يوماً، لأنه لا يهتم بمصير الألوف.
3. القوى الغربية صارت محرجة وهي تسوف وتماطل، وتضع الخطوط التي تتساقط الواحدة تلو الأخرى، النظام يفعلها غير مبال بشيئ، يفعل كل شيئ حتى ينال ما يريد، كل شيء. وهذا مخيف!
4. بل أن النظام لا يبدو عليه مهتماً بمصير حتى أنصاره، فلا يكترث ولا يستمع لأصوات تناشد الحل السلمي، إما كل شيء أو لا شيء، بالضبط كالهتاف البدائي المبتذل: الأسد أو نحرق البلد. وهذه دول لها قوانين صارمة في التعامل، ولا تسمح لولد مدلل أن يبالغ في الدلال وأن يتولدن عليها، فأهوج مثله يمكن أن يفعل أي شيء، والأفضل تأديبه. وهكذا يقولون نصاً.
5. صار بقاء هذا المخرج والممثل وبال علينا، فلنؤدبه ليتأدب ويفهم التحذير والتنبيه.
مواقف النظام بمجموعها تطرح الأمر هكذا: دعوني أحكم سورية وخذوا كل ما تريدون، وبالمقابل دعوني أبيد من يعارضني، ولو كانوا 90% من الشعب!
الغرب لا يعارض كثيراً على القتل، ولكن عموم مصداقيته وشرفه أصبح على المحك، فهم احتلوا ودمروا بلداً راقياً (العراق) لمجرد الاشتباه بامتلاكه الكيمياوي، وهاهم يشاهدون بأم أعينهم وبالصورة والصوت جرائم جنائية علنية، وإبادة كيمياوية، يحكون رؤوسهم، يفكرون كثيراً، يتشاورون فيما بينهم، يحاولون إيجاد المخارج، ويعطون المهلة بعد المهلة والتسويف بعد التسويف شهراً، شهران، بل 33 شهراً، ولكن الطفل المعجزة يصم أذنيه ويواصل اللعب!
سوف لن تبق لهم أدنى مصداقية ولا شرف بعد اليوم، هم يشاهدون شعباً يهجر ويقتل ويعتقل ويغتصب بلا هوادة، ليس بالمئات، ولا بالألوف بل بالملايين، صارت قرصة الأذن ضرورية.
لمن بدأوا بالنواح نقول: لا أستحسن ولا أفضِّل ولا أؤيد التدخل الأجنبي مطلقاً ولو كان من صنف الملائكة، ولكن انظروا رجاء إلى جلودنا وقد اكتوت حتى تفحمت بالبراميل المتفجرة، لطفاً انظروا إلى الأطفال الذين شبعوا من غاز السارين والخردل بدل أن يشبعوا حليباً من أمهاتهم، البعض يحلل قتل الإسلاميين وكأنهم ليسوا أبناء وطننا، وقد انقلبوا ذئاباً تأكل أبناء جلدتها!
هل بوسع أحد أن يقترح علينا مالعمل؟ الصمت لم يعد ممكناً!
الغرب ليس حريصاً على دمائنا لهذه الدرجة، النظام وليس سواه من أخطأ في إدارة الأمر من التململ حتى التذمر، والتظاهر، وأرغم الشعب على الثورة المسلحة.
نطلق كلمة تحذير: أن إحذروا، إحذروا، إحذروا ........ الآخرين يدققون في أدق التفاصيل، يفترشون الخرائط ويسيرون ببوصلة محكمة، ونحن نبكي مرة على الخروف ومرة على الجزار ...!
بلا ملل أعيد التحذير: إحذروا، إحذروا، إحذروا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق