وجهات نظر
مثنى عبدالله
لن نبرر اطلاقا ما حدث في سورية من جرائم، فليس من حق احد ان يلقي رداء البراءة على وجه النظام كي يرتد ناصع البياض، كما ليس من حق احد ان يمارس دور محامي الشيطان عن اي نظام سياسي، مهما كان يحمل من مسميات المقاومة والممانعة او المصافحة والمصالحة او الوطنية والعمالة، بل اننا نعتقد ان الانظمة السياسية في الوطن العربي تشترك جميعها في اثم كل جريمة ترتكب بحق شعبنا، في اي قطر من الاقطار العربية، من خلال الدور السلبي الذي درجت عليه هذه الانظمة في التعامل مع الاحداث والمتغيرات السياسية، التي شهدها الوضع العربي خلال العقود الماضية، ثم برز بشكل واضح جدا خلال السنوات الثلاث الاخيرة.
فمنذ خمسينيات القرن المنصرم كان كل حدث داخلي عربي تصطف خلفه دائما قوتان عربيتان متضادتا الموقف، احداهما تقف في صف القوى السياسية المعارضة للنظام، وتدعمها بكل الوسائل، والاخرى تقف في صف السلطة وتمد يدها لها كي توغل في دمائنا سفكا، حتى القوى الشعبية التحررية التي انطلقت كي تقاتل المحتل الغاصب لارضنا، جرى استغلال حاجتها للدعم السياسي والمادي، فاغتصبتها الانظمة كي تكون اذرعا لها تطلقها للقتال بالنيابة عنها. حدث هذا في فصائل الثورة الفلسطينية وبعض حركات التحرر التي انطلقت في الخليج والجزيرة العربية والمغرب العربي ايضا، حيث كان واضحا جدا اي فصيل يمثل هذا النظام، واي فصيل يمثل الاخر، وعندما كانت تتصاعد لهجة تبادل الاتهامات بين الانظمة في الاعلام، كانت هذه الفصائل تشرع في القتال على الارض بشراسة في ما بينها، الى الحد الذي بات يهدد وجود قطر ما على الخريطة، كما حصل في لبنان، التي انقسم فيها النظام الرسمي العربي الى فريقين، داعم وداعم مضاد. ثم انتقلت هذه السياسة الى مستوى اخر اكثر خطورة في الموقف من القوى الاجنبية، فكان واضحا من الذي وقف مدافعا مع العراق عن ارضه وشعبه في الحرب العراقية الايرانية، ومن الذي وقف بالضد الى حد التحالف مع ايران وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية عن العراق، وبالصواريخ بعيدة المدى، كي تدك العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية. وقد تكرر هذا الموقف اثناء الغزو في العام 2003، وفي الموقف من نظام الدمى الذي خلفه الاحتلال في بغداد، ثم في الموقف من التغيير السياسي في تونس والحرب على ليبيا والتغيير السياسي فيها، وكذلك في مصر ضد مبارك ثم محمد مرسي، وصولا الى الموقف من النظام الحاكم في سورية. وقد خلقت هذه الثنائية في النظرة السياسية لما يجري في داخل البيت العربي من قبل ساسته وزعاماته، بيئة صحية لنمو مصالح قوى دولية واقليمية وارتباطها استراتيجيا بوجود هذا النظام او ذاك، مما ادى الى استحالة نشوء حالة توافق الحد الادنى في السياسية العربية، حتى في النظرة الى مصالح الداخل العربي، وبالتالي بات العجز العربي صفة واضحة في كل المراحل، حتى انتجت وضعا شبيها بحالة القاصر، الذي لا بد له من وصي يدير شؤونه، خاصة ان هذه البقعة الجغرافية تشكل شريان العالم في مجال الطاقة، ومن غير الممكن ان تسمح القوى المستفيدة بنشوء حالة اللااستقرار غير المسيطر عليه فيها، لذلك بات لدينا اوصياء، امريكي وروسي وايراني وتركي.
ان سياسة معاقبة نظام سياسي عربي ما بسوط خارجي دولي هي ليست بفعل ارادة انظمة عربية مناوئة له اطلاقا، واذا كانت هنالك بعض الانظمة قد تبجحت بانها استطاعت التحشيد الدولي في معركتها ضد نظام سياسي اخر، وتباهت بان طيرانها او جيوشها قد قاتلت في ساحة شقيق عربي، فهي ليست سوى ادوار ساندة لقوى الغرب وبأمر منه، فالدول تذهب الى الحروب لاسباب ثلاثة، إما المصلحة او الخوف او الشرف. فهل تخاف الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو من انظمتنا العربية، كي تدخل معها في حروب فتسقط هذا وتحاصر ذاك؟ أم هل قيم الشرف هي التي كانت المحرك للغرب كي يعاقب هذا النظام العربي او ذاك؟
يقينا لا هذا ولا ذاك هي الاسباب الحقيقية لظاهرة العقاب الغربي للانظمة العربية، لان الولايات المتحدة الامريكية هي القوة الاعظم في اللحظة التاريخية الراهنة، وبالتالي لا خوف لديها من احد. اما في موضوع الدفاع عن قيم الشرف فلو كان حقا هو الدافع لما دعمت الكيان الصهيوني على مدى عقود من الزمن، ولما كذبت في موضوع اسلحة الدمار الشامل العراقية، ولما صهرت اجساد الاطفال والشيوخ والنساء في جريمة ملجأ العامرية والفلوجة باليورانيوم المنضب، ولما سمحت للكيان الصهيوني بقصف اهلنا في غزة بالفسفور الابيض. أليس الضحية في كل هذه الافعال من قبل الحاكم المستبد والاجنبي المعتدي هو نفسه شعبنا العربي؟ اذن لم تبق سوى المصلحة دافعا اساسيا لتحريك الامريكان والغرب عموما لتطبيق سياسة العقاب ضد الانظمة العربية، مما يعني ان الخلاص من نظام عربي بعامل خارجي ثمنه مصلحة اجنبية وارتهان خارجي، وبديله نظام اخر قد يكون الذي سبقه افضل حالا منه، وافضل مثال على ذلك التجربة العراقية التي لازالت مستمرة منذ عشر سنوات. ان تغيير الانظمة العربية بايادٍ خارجية وبدعم وتحريض عربي سيبني حالة عداء مستديم بيننا كعرب، وسيفت في عُرى التلاحم القومي بيننا حتى يجعلنا غرباء عن بعضنا بعضا، بينما سيجني الغرب من ذلك صورة جديدة له في نفوس اجيالنا على انه المنقذ لنا من ظلم انظمتنا، بينما كان حتى وقت قريب يمد يد التعاون والتنسيق مع هذه الانظمة، ولم يرفع صوته حتى احتجاجا على ممارساتها ضد شعبنا. وعندما نقول ذلك فاننا مطلقا لا نعني السكوت عن قتل اطفالنا ونسائنا وشيوخنا بالسلاح الكيماوي وغيره من قبل انظمة محلية مجرمة، لكننا نحاول ان نبرز الصورة الحقيقية التي تحوي خيارين لا ثالث لهما، اما الاستعانة بالذئب المستورد، كي ينقذنا ويحمينا مقابل تقديم ثرواتنا ومستقبل اجيالنا فريسة له، او ان تنهض الامة بواقعها من خلال آليات عمل عربي جديد تكون فيه الارادة الشعبية هي اساس الحكم، وهي التي يجب ان تتقدم على كل الاعتبارات الحزبية والطائفية والقبلية، مضافا اليها تفاهم رسمي عربي قائم على تحريم الاستعانة بالاجنبي اولا، وعزل الحكام الطغاة ومحاسبتهم ومقاتلتهم، ان تطلب الامر بالمال والقوة العسكرية العربية بعمل مؤسساتي، بدلا من حشد مالنا وعسكرنا خلف جيوش وارادات اجنبية لن نفي فواتيرها حتى اخر لتر نفط من ارضنا، وربما اخر قطرة دم من اوردة اجيالنا، بينما التغيير يجب ان نبدأه نحن بايدينا .
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق