وجهات نظر
علي الكاش
شاهد الكثير من الناس العملية البشعة التي قام بها نفر من الرعاع الضالين ممن يسمون أنفسهم "أتباع آل البيت" بقتل أحد العراقيين وتعليقه على عمود كهرباء ثم أضرموا النار فيه.
وقد أثار هذا الفعل الشائن الكثير من المشاهدين الذين لا يرتضون هذه الطريقة البربرية في القتل التي تتعارض مع قوانين السماء والأرض، سيما إنها تمت خارج إطار القانون وأمام انظار الشرطة المسؤولين عن تنفيذ القانون والعدالة كما يفترض. وأشبه بأفلام الهنود الحمر في حفل الشواء البشري، فقد إلتفوا حول "الناصبي" على شكل حلقة يرجمون الميت بالحجار، وفي الوقت الذي كان يتخلل حفل الشواء الهندي طلاسم وهوسات غير مفهومة فإن "أتباع آل البيت" كانوا يرددون (اللهم صل على محمد وآل محمد) كإنهم ثاروا على الفاسدين من الحكام الذين دمَّروا وطنهم وسرقوا ثروتهم وانتهكوا عرضهم وهجروا الملايين منهم داخل وخارج العراق.
القتيل المشوي المرجوم لا نعرف عنه شيئا! ولا كيف تم تجريمه عن حادثة التفجير التي حصلت في جسر ديالى! ولا نفهم كيف توصل جمهور الرعاع إلى الإكتشاف بأنه إرهابي على حد زعمهم في الوقت الذي فشلت فيه التحقيقات الجنائية من التوصل إلى الفاعل الحقيقي كما جرت العادة! كما إن السرعة التي توصل فيها الرعاع لمعرفة الجاني تضعنا أمام معادلة صعبة، فهل لدينا هذا العدد الهائل من أبناء شرلوك هولمز وهناك مئات الألوف من الجرائم فاعلها مجهول؟ ربما هولمز نفسه لا يتوصل إلى معرفة الجاني بهذه السرعة الخارقة!
ربما كان المخبر السري يقف وراء هذا العملية السادية!
فالمخبر السري هو شبه إنسان باع شرفه وضميره ودينه للحكومة الآثمة لقاء مبلغ من المال، وبالطبع من شروط عمل المخبر السري في العراق الصفوي الجديد أن يكون من أتباع (آل البيت). وأن يكون جاهلا، منافقا، طائفيا حاقدا حتى الثمالة كي يصح عمله ويحلل راتبه المعجون بدماء ضحاياه.
أو ربما توصل الرعاع إلى كشف الجريمة بإستخدام طلاسم التحفة الرضوية وغيرها من الكتب المنسوبة للأئمة التي تساعد أتباع آل البيت على كشف الجاني!
لسنا بصدد الدفاع عن الإرهابيين ومعاذ الله أن يجرؤ أحد للدفاع عنهم بغض النظر عن إنتمائهم الديني والمذهبي والقومي. الارهابيون الذين يسفكون دماء الناس الأبرياء في الشوارع والأسواق والمقاهي اوغاد سفلة لا يستحقون الرحمة وإنما الموت غير ماسوف عليهم. شرط أن يتم ذلك وفق القانون وفي محكمة عادلة ونزيهة غير مسيسة، وأن تتحذ الإجراءات الإصولية من خلال التحقيقات لتثبيت التهمة على الجاني، وبعدها يقول القضاء كلمته الأخيرة التي ستكون مقبولة عند الجميع.
أما أن يقوم الناس كل حسبما يرتئي بتطبيق القانون بطريقته الخاصة! فهذا ما لا يمكن السكوت عنه. ولم يغب عن بالنا بعد المحاكمات التي قام بها جيش المهدي (تحقيقات وراء السدة) بحق الناس وتنفيذ حكم الإعدام بهم ودفنهم خلف السدة، وهو ما نوه عنه المالكي أكثر من مرة، عندما إشتدت الأزمة بينه وبين مقتدى الصدر، وكانت وسيلة تهديد رادعة رضخ لها الصدر، وتراجع بسببها عن بعض مواقفه المعارضة للمالكي، لأنه يدرك جيدا حجم جرائمه. مع إن سكوت المالكي (رجل الفايلات) عن هذه الجرائم يعد بحد ذاته جريمة وفق قانون "دولة القانون"!
سبق أن نوه المالكي في كلمتة الإسبوعية (يوم الأربعاء) بأن بعض رجال الأمن والشرطة يرتكبون أخطاء وربما عن قصد! مع إن المالكي يعتبر قتل الناس وسرقتهم إخطاء! لكن كان الأجدر به أن يحذف كلمة (قصد) ويضع محلها كلمة (بتوجيه) لأنه من غير المنطقي أن يجرؤ أي من رجال الشرطة والأمن في التجاوز على المواطنين لحد القتل، إذا لم يكن متيقنا من الحصانة التي تؤمنه من العقوبة. وهذا الكلام عليه شواهد كثيرة. أليس الضباط والشرطة الذين إرتكبوا جرائم القتل ضد المتظاهرين في الموصل والحويجة والأنبار ما زالوا أحرارا دون أن يطالهم القانون. أليس القادة الأمنيون الذين عبثوا بأمن الناس يرفضون المثول أمام ما يسمى بممثلي الشعب للمساءلة. بدعم وحماية رئيس الوزراء نفسه؟
ثم كيف نبرر وجود رجال الشرطة أمام حفل الشواء البشري وهم يحمون الرعاع، ويبعدونهم عن النار كي لا يصيبهم ضررها أو تمسهم أحجار الراجمين؟ وإذا كان المقتول مجرما! أليس هؤلاء الرعاع مجرمين أيضا؟ أليس الشرطة التي تحمي الرعاع مجرمة أيضا.
ماذا سيقول المالكي والاسدي وزير الداخلية وكالة عن هؤلاء الشرطة؟ هل هم أيضا متلبسون بلباس الشرطة؟ هل هم من أزلام النظام السابق أم من تنظيم القاعدة؟ هل سيقلب الأسدي الحكاية مدعيا بأن العملية تمت في الفلوجة وليس في جسر ديالى وإن المشوي كان من أتباع آل البيت. وشعارات (اللهم صل على محمد وآل محمد) التي صاحبت الحفل قيلت للتمويه؟
وهل سيبررها حامي حمى المرجعية صدر الدين القبانجي بأنه يجوز شوي البشر لأن الإمام علي مارس العملية؟ ويستشهد بأقوال مراجعهم كالكشي عن حادثة إبن سبأ. فقد روى بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) قال "إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين (ع) فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار". (اختيار معرفة الرجال/107).أو قول الشيخ هاشم البحراني "ابن سبأ هذا هو الذي كان يزعم أن أمير المؤمنين (ع) إله فاستتابه أمير المؤمنين (ع) ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه". (الحدائق الناضرة 8/115). في حين ورد الحديث النبوي الشريف "لايحرق بالنار إلا رب النار".والحرق بعد القتل ليست حالة مستحدثة عند أتباع أهل البيت. فمختار العصر، المالكي، لا يختلف عن جده المختار الثقفي! الذي قطع قائده الاشتر أيدي وأرجل أبحر بن كعب وأحرقه بالنار. وقتل ابو الاشرس وكان من أعيان جيش عبيدالله بن زياد وحز رأسه وارسله إلى المختار فأحرقه. وقتل المختار أسود الأوسي واحرق جسده بالنار، كما قتل المختار أسود بن حنظلة من بني نهشل، واحرق جسده بالنار.
الحق إن حفلات الشواء البشري لم يعرفها العراقيون إلا في العهد الديمقراطي الأغبر، وكان "جيش المهدي" أول من مارسها بشوي طفل من "النواصب" وإرساله إلى أهله، ثم تطور إسلوبهم بإختراع ما يسمى بـ (تنور الزهرة) وهو تنور نسب لفاطمة بنت النبي، صلى الله عليه وسلم، يتم فيه إحراق "النواصب" بحفل جماعي وتحت هتافات (اللهم صل على محمد وآل محمد). وبعدها يحتفل القتلة بالمناسبة (فرحة الزهرة) فهل كانت الزهراء دموية لهذه الدرجة؟ حاشاها. وإنتهينا مؤخرا بوسيلة جديدة تعلق فيها الجثث على أعمدة الكهرباء وتحرق بنفس هتافات (اللهم صل على محمد وآل محمد)! وهذه المرة بإشراف ومشاركة حكومة "دولة القانون"!
بلاشك إن هذا الفعل الآثم سيترك أثرا سلبيا عند الجميع سواء كانوا من أتباع "آل البيت" أو "أهل السنة" وبقية شرائح الشعب. فـ"أهل السنة" سيعتبرون هذا الإسلوب تعبيراً واضحاً على كراهية (الشيعة) والحكومة (الشيعية) لهم، ويذكرهم بالدريل الكهربائي الذي كان أتباع الصولاغي يعذبون به "أهل السنة". ومنذ تلك الفترة المظلمة عام 2006 لم يتغير شيئا! فالكراهية والحقد الأعمى ما يزالان يعشعشان في عقول الحمقى والجهلة من أتباع "آل البيت"، ولا يغير الله قوما حتى يغيروا ما بأنفسهم. كما إن هذا الإسلوب سيكون له رد فعل مباشر من قبل بعض المتطرفين السنة لكي يمارسوا نفس الإسلوب على إعتبار العين بالعين والبادئ أظلم. بل إن هذه الافعال الشاذة ستجعل البعض يؤيد تنظيم القاعدة الإرهابي أو ربما يتعاون معهم أو على أقل تقدير يُسهل لهم الأمر أو يسكت عن أعمالهم أو يباركها. علما إن الظرف الحالي لا يسمح بأن تمضي الأمور على هذا النحو مع إستمرار حملات المداهمة والتصفية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة الطائفية لإستهداف المكون السني فيما يسمى بحزام بغداد فقد طغى الخطب حتى غاصت الركب.
كما إن القاعدة سوف تستغل هذه الجريمة لدعم منهجها المعلن في حماية "أهل السنة" وهي الحجة التي تحاول أن تمرر بها جرائمها.
هذا الفعل البربري سيجد صداه عند أهل القتيل أيضا، فالعراقي لا ينسى ثأره مهما طال الزمن، ولو فرضنا بأن أخ أو إبن القتيل شاهد ما حدث! فهل من المتوقع أن لا يقوم بعمل ثأري يمكن أن تنتج عنه ضحايا أكثر، أو ينتمي للقاعدة التي ستفتح له ذراعيها وتزكيه بحزام ناسف. كما إن هذه العملية سيكون لها صدى إعلامي عربي ودولي بتثبيت حقيقة مظلومية "أهل السنة". وعند العراقيين سيكون صداها أشد وهذا ما نتوقعه في الإعتصامات القادمة حيث ستؤجج من مشاعر المتظاهرين وكراهيتهم للحكومة وأتباع "آل البيت" وربما ستتخذ التظاهرات منحى جديدا يهدد الجميع، سيما إنها منذ أشهر ترواح في مكانها. ولو بقيت 100 عام على هذا الوضع لما تغير شيئا.
وعند أتباع "آل البيت" فإن هذا الفعل يؤيد القول بأنهم فوق القانون، وإن (الشيعى) بمنأى عن الحساب في ظل "دولة القانون" وهناك الآلاف من الشواهد تدعم هذا الرأي كعصابات "جيش المختار" و"عصائب أهل الحق". فهؤلاء المجرمون شأنهم شأن غيرهم سوف لايطالهم القانون لأن القانون كما شهدنا هو مظلة الميليشيات وحاميها. كما إن هذا العمل من شأنه أن يقوي نزعة "أهل السنة" لتشكيل ميليشات مشابهة للميليشيات الشيعية لتحميهم من جهة، ولكي تثأر لضحاياهم من جهة ثانية، والنتيجة خسارة للطرفين بل خسارة للعراق.
هذه العملية سوف تؤكد بما لا يقبل الشك بأن تنور الزهرة وشواء الطفل الناصبي وحرق الضحايا ليست أساطير من وحي الخيال الناصبي! فهذه الواقعة تؤكد هذا النهج الوحشي عند البعض. كما إن وجود الأطفال الذي حضروا مشهد الشواء البشري سوف يدعم نزعة الشر في عقولهم، وإن تربوا على مثل هذه القيم الهمجية، فإقرأ على العراق الفاتحة.
لا أفهم كيف يفكر النواب الأشاوس بمنع إستيراد أسلحة الأطفال خشية من تأقلمهم مع مظاهر العنف، في حين يهملون هذا الجانب الخطير؟
لقد دعم القائمون بحفل الشواء البشري تنظيم القاعدة دعما قويا وقدموا له دعاية مجانية وسيقبضون ثمنها عاجلا أم آجلا؟ من جهة أخرى إن ترديد الصلوات على آل البيت جعلت الكثير من الناس يحملون الأئمة جريرة ما يرتكبه البعض من إتباعهم من جرائم مسندة بأحاديث منسوبة للأئمة تكفر وتبيح قتل النواصب وإغتصاب أملاكهم واعراضهم. وعندما تشتد الكراهية لآل البيت يوم بعد آخر، من سيكون المسؤول عن تنامي هذه الظاهرة؟
بدلا من يحببوا "آل البيت" ويلتزموا بمبادئهم السامية وقيمهم العليا وسيرتهم العطرة، أخذوا يزرعون بذور كراهيتهم بين الناس وبدأت تنمو. لأول مرة مع الأسف الشديد أسمع من يُحمل "آل البيت" مسؤولية الجرائم التي يرتكبها أتباعهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
لقد أصبحنا أمام أمرين أما إن هؤلاء الرعاع هم من أعداء "آل البيت" ويفعلون ما يتعارض مع أخلاقهم وقيمهم، وهنا لا يجوز أن تطلق عليهم تسمية "أتباع آل البيت" بل "رعاع آل البيت". أو إنهم يجسدون فعلا أخلاق "آل البيت" بأفعالهم هذه! حاشاهم، وهنا الطامة الكبرى.
من جانب الحكومة فإن الإرهاب يفترض أن يقاس بمقياس واحد بمسطرة القانون، فالقتل بغض النظر عن الوسيلة جريمة يعاقب عليها القانون، والذي يفجر نفسه ويقتل الناس لا يختلف عمن يقتل ويحرق الناس. كلاهما إرهابي ويستحق العقاب. ولا نفهم لماذا يتعامل القانون من العراقين بمنهج طائفي؟ وهل هناك مخرج من النفق الطائفي الذي دخل العراقيون فيه بدفع ورعاية الأمريكان والصفويين؟
إن وجود رجال الشرطة في حفل الشواء وعملهم الدؤوب للحفاظ على مراسيم ونظام الشواء البشري يؤكد بما لا يقبل الشك بأن الحكومة القائمة طائفية بإمتياز، وأوغاد الشرطة لا يستحقون الرحمة وإن إستهدافهم من قبل القوى المعارضة للعملية السياسية الفاشلة له قبول عند الشعب المتضرر من أفعالهم، وأخذ الكثير من العراقيين عندما يسمعون عن فطائسهم اليومية يقولون (إلى جهنم وبئس المصير). وأخذت الصورة تتوضح أكثر بأن هذه الأجهزة الفاسدة التي أندمجت فيها عناصر الميليشيات الإجرامية لا يمكن إصلاحها مطلقا. وإن المليارات التي صرفت عليها كانت هواءً في شبك. كما إن وجود الشرطة في حفل الشواء أكد بأنها الشرطة في خدمة الطائفة، وليست في خدمة الشعب العراقي ككل. وأمسى من المستحيل ترميم العلاقة بين الشرطة والجيش من جهة و"أهل السنة" من جهة أخرى. هذه هي الحقيقة التي باتت معروفة للجميع.
رابط حفل الشواء البشري لأتباع "آل البيت" في "دولة القانون"، ننصح بعدم عرضه أمام الأطفال وحسبنا الله وهو نعم الوكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق