موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

الزعامة السياسية في العراق وشرط القبول الايراني

وجهات نظر
مثنى عبدالله
تدحرج الكثير من مصالح الشعوب والامم تحت عجلة ما تسمى "الواقعية السياسية". صُهر ملايين البشر كي يصنع أحدهم تاريخا له بقبول خارجي. ديست كرامات شعوب وسيادات دول فقط، كي يُثبّت هذا وذاك أقدامهم في عالم السلطة والزعامة السياسية. غريب حقا أن يرتضي البعض لنفسه أن يكون فقط دمية ويتخلى عن كل حواسه بإرادته وبكامل قواه العقلية، فتصبح حركته وتصريحاته ومواقفه كلها محكومة بـ"الريموت كونترول" الامريكي أو الايراني أو غيرهما.

ليس قدرا اطلاقا ذلك الذي دفع الزعامات السياسية العراقية كي تأتي عارية تماما في قافلة المحتل، انها اراداتهم وخياراتهم التي مازالوا مصرين عليها، وهي نتيجة حتمية لخوائهم الفكري وأميتهم السياسية واستعدادهم النفسي والاخلاقي للتعلق بأثواب الغزاة المحتلين، تلك التي جعلتهم يقفون في الصف المليون في التصنيف السياسي للقادة في العالم. لكن الغريب حقا ان يصبح هذه السلوك نهجا سياسيا يتبعه الاخرون، من الذين التحقوا بالعملية السياسية في ما بعد، الذين يطلقون على أنفسهم شتى التسميات الوطنية، وينصبون أنفسهم مدافعين شرسين عن الشعب والوطن. 
يمكننا أن نفهم بأن الواقعية السياسية تتطلب المناورة في بعض الاحيان، وأن لاعداوات أو صداقات دائمة في السياسة، لكن حتى هذه تبقى محكومة بأطر محددة يعتبر تجاوزها أجحافا واضرارا بالغين بالمصالح العليا للشعب والوطن. نعم نعترف بأن أيران دولة كبرى في الحجوم السياسية والاقتصادية والبشرية والعسكرية بالنسبة للعراق، وفي علم السياسة لا بد أن تلقي هذه الحجوم بظلالها على سياسات الدولة الاصغر، لكن الدول تبقى مُنتجا بشريا صنعته ارادة الانسان، أي أن التعويل على الارادة الشعبية هو الاول والاساس في كل شيء، لانه هو الخالق للدول والحجوم والقوى الاقتصادية والعسكرية وليس العكس، لذلك انتصر العراق على ايران في حرب الثماني سنوات، بإرادة المقاتل العراقي لا بإرادة خارجية، على الرغم من الفرق الشاسع في الحجوم والامكانات.
لكن الغريب أن رئيس البرلمان العراقي الذي يُفترض أن يكون أول من يؤمن بالارادة الشعبية، يتخلى عن ذلك علنا ويصبح مؤمنا بأن ايران هي التي تعطيه الزعامة السياسية في العراق، وان تأثير قائد فيلق القدس الايراني في العراق كفيل بأن يرفعه كي يتبوأ أعلى المناصب، إن حاز رضاه، لذلك سارع الرجل الى حضور مجلس العزاء المقام على روح والدة قاسم سليماني في طهران أثناء زيارته الاخيرة لها.
هكذا تقرأ الزيارة شاء من شاء وأبى من أبى.
نؤمن بأن التضامن في المصائب والنوائب مطلوب وواجب على صعيد العلاقات الانسانية، لكن رئيس البرلمان العراقي لم يكن في زيارة شخصية، ولم يرتبط به بعلاقة صداقة منذ أيام الطفولة والدراسة مثلا، وزيارته كانت خارج السياق البروتوكولي، نعم حضر مسؤولون سوريون وفلسطينيون ولبنانيون وغيرهم، وكل هؤلاء لهم تنسيق يومي مباشر بسليماني، وهو صاحب فضل عليهم بالتدريب والتسليح والتجهيز والتمويل، بل انه المسؤول السياسي الاعلى لهم، الذي منه تأتي التوجيهات والتوصيات، فالحضور واجب، لكن هل نسي النجيفي فعل فيلق القدس الايراني في العراق؟ 
يقينا أن الرجل لم ينس كل ما ارتكبته هذه القوات في العراق من مجازر وما زرعته من ميليشيات وعيون وكاميرات مراقبة في زوايا كثيرة من العراق، لكنه وضع كل ذلك في ذيل قائمة اهتماماته، ل:ن عيونه فقط على شيئين مهمين في الوقت الحاضر:
أولهماأن تصبح الزعامة السياسية السُنية في العراق من حصته، بموافقة أطراف التحالف السياسي الشيعي، خاصة ان الذين كانوا يطمحون بهذا الدور اختفوا من الخارطة السياسية للعملية السياسية، وأصبحوا بين طريد وشريد، ولن يحصل له ذلك الا بعد أن يُبخّر الرجل نفسه بالبخور الايراني الذي يطرد عوامل التمرد والاعتراض على دورها في العراق من كل تفكيره. 
ثانياالتحضير للانتخابات المقبلة وضمان الفوز فيها، بما يدفعه الى التقدم لمنصب آخر يراوده غير منصب رئيس البرلمان، وليكن منصب رئيس الجمهورية بدون الاكراد ان أصروا على حصتهم في المنصب، فالمصالح دونها الاوطان في العراق.
يقينا لقد أخطأ رئيس البرلمان العراقي في ذهابه لتقديم العزاء، وكان بامكانه أن يرسل أحدهم مكانه أو أن يكتفي ببرقية تعزية أو مكالمة هاتفية ربما، لكنه كان بحاجة الى هذا السيل من المديح والتبجيل الذي انطلق بحقه من الكثير من أطراف البيت السياسي الاخر الموالي لايران، الذين وصفوا ذهابه بانه حنكة وحكمة سياسية وشجاعة واقتدار ومراعاة لمصالح البلد، وهذه تشكل عوامل قاضمة لرصيد الاخرين المنافسين له في محاولات تزعم البيت السياسي الطائفي الذي يدعيه. 
واذا كانت قصائد المديح قد انطلقت بحق النجيفي من الطرف الاخر بعد وقت قصير من قصائد الهجاء، التي كانت تقال بحقه من نفس هذه الاطراف، والتي تؤشر مدى التأثير الايراني في تقييم الشخصيات السياسية في العراق، وان البعد أو القرب من المسؤولين الايرانيين هو المتوّج للزعامة من عدمها، فان الصحافة والكتاب والمثقفين الاخرين من الموالين له والمسبحين بحمد الطائفة التي ينتمي اليها صمتوا وصموا أذانهم وعصبوا عيونهم عن هذا الفعل، سوى قلة من الاصوات التي اعترضت بهمس خجل، وكان تفسيرهم لذلك هو دعونا نصنع لنا زعامة سياسية ومرجعية دينية على غرار الطرف الاخر، لكن أصحاب هذا القول لم يقولوا لنا لماذا يصنعون رموزهم بنفس طريقة الاخرين، أي دُمى؟
أما يكفي العراق ما به من زعامات سياسية مشلولة الحواس والافعال، وصامتة ومشاركة في الغي والباطل، كي نبارك للاخرين السير على نفس الطريق ونقبل بهم رموزا؟
أما يكفي العراق كثرة الرموز الصامتين عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كي نزيدهم آخرين؟
إن شعبنا بحاجة الى سياسي يقول للمسؤولين الايرانيين بصوت عال، كفوا أذاكم عنا وعوضونا عن طائراتنا التي خنتم أمانتها لديكم، واحترموا حدودنا الدولية والتزموا بحقوقنا المائية، ولكم ما لنا وعليكم ماعلينا وفق القانون الدولي. اننا بحاجة الى مسؤول يشاركنا كوارثنا من خلال التخلي عن أنانيته المفرطة والركض وراء غاياته التي هي بعيدة كل البعد عن غاياتنا الوطنية، واذا كانت ايران تخرق كل المحرمات في سبيل تحقيق مصالحها القومية، وتجعل الاخرين وقودا لمطامحها الذاتية، فلماذا نبقى نحن في موقع الواهب الذي يهب كل شيء لها، والمتخلي عن كل شيء من أجل رضاها؟ لماذا دائما يعتبرها ساسة "العراق الجديد" الضمانة؟
العراقيون شعب جُبل على الاعتزاز بكرامته الوطنية حتى في أحلك الظروف التاريخية التي مرت به، لذلك سيفشل كل سياسي يتنازل عن كرامته ارضاء للاخرين، ولا يتحسّب لحساسية الفرد العراقي تجاه من صنَّفهم في خانة الاعداء.
تباً لكل منصب يأتي بدمية تتسنمه.

ملاحظة:

نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..