وجهات نظر
تسفي مغين
أجرى رئيس الوزراء نتنياهو مؤخرا زيارة الى روسيا والتقى بالرئيس بوتين. كان
هذا لقاءً هاما وذا معنى لا بأس به في المواضيع المتعلقة بالساحة الدولية. وكما هو
متوقع، فان الموضوع الايراني كان الموضوع المركزي الذي بُحث في اللقاء، ولكن لا
يزال من السابق لأوانه استخلاص الاستنتاجات بشأن النتائج العملية لهذا اللقاء.
روسيا، التي تتنافس على مكانة نفوذ في المنطقة، تُبدي مؤخرا تواجدا فاعلا في معظم السياقات الاقليمية، عقب بث ثقة بالنفس حيال الولايات المتحدة. وذلك بعد فترة من عدم الاستقرار شهدتها على مدى أحداث الربيع العربي التي شطبت معظم ذخائرها في المنطقة ودفعتها الى الزاوية، الى جانب شركائها في الكتلة المتطرفة ايران، سوريا وحزب الله.
ومن خلال الاستغلال الناجع جدا للحرب الأهلية في سوريا، نجحت موسكو
في تثبيت خط الكبح الاقليمي لديها، في ظل احتواء جزئي للضغوط من جانب منظومة الدول
السنية، التي عملت ضدها باسناد غربي. وكانت الذروة في هذا الحدث الاقليمي هي مناورة
روسية ناجعة في موضوع السلاح الكيميائي السوري، والتي خلقت امكانية لحماية نظام
الاسد والمحور الراديكالي، حاليا على الأقل، جراء رفع مستوى مكانة روسيا في الساحة
الدولية، على حساب صورة الولايات المتحدة.
إن نجاحات روسيا في الشرق الاوسط، كانت حتى وقت أخير مضى متواضعة نسبيا. ويبدو أن عمليا، في معظم المسائل التي تجتذب انتباه الساحة الدولية، تضع روسيا نفسها خارج اللعب. هكذا ايضا في المسيرة السلمية في القناة الاسرائيلية الفلسطينية وكذا في الموضوع الايراني. وتُعرض الانعطافة الايرانية نحو الولايات المتحدة للخطر وجود المحور الراديكالي المناهض للغرب، العامل باسناد من روسيا. ولكن تنقلب الامور رأسا على عقب مؤخرا حيث أدت الأحداث في الجبهتين السورية والايرانية الى تغيير في توجه بعض من اللاعبين الاقليميين، الذين يشعرون بأنهم يتعرضون للخيانة والتهديد من جانب سلوك الولايات المتحدة الاقليمي. ومنذئذ تجري سياقات، سواء بمبادرة روسيا، التي ترى منذ بداية الربيع العربي مثل هذه الفرص، أم بمبادرة دول مختلفة في الشرق الاوسط. وقد وجدت خيبة أمل هذه الدول تعبيرها ضمن امور اخرى في محاولات جس النبض مع روسيا، التي تستغلها الأخيرة جيدا لاستئناف الحوار الذي ضيعته في عصر التقلبات، وثمة من يرى في هذه التغييرات آثارا بوسعها أن تؤثر على تصميم النظام الاقليمي المستقبلي.
وفي اطار ذلك يمكن الاشارة الى سلسلة تطورات في اتجاه تعاون روسيا مع دول الشرق الاوسط. الانعطافة البارزة تتم مؤخرا في علاقات روسيا مصر. ففي الاسابيع الاخيرة تبدو واضحة حركة وفود مختلفة، وعلى رأسها زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين، الى جانب جهات أمن واستخبارات رفيعة المستوى، كما يدور الحديث عن زيارة محتملة للرئيس بوتين الى مصر. كما نشر أنه يجري الاعداد لصفقة مشتريات كبرى مع مصر، تمولها جزئيا السعودية.
إن علاقات روسيا مع السعودية تغيرت هي الاخرى. فحتى وقت أخير مضى ساد توتر بين الدولتين على خلفية كون روسيا، الداعمة الأساس للمحور الشيعي ونظام الاسد بينما السعودية تعمل كثيرا ضد المصالح الروسية في المنطقة وخارجها. ولكن الميل الامريكي الجديد في الموضوع السوري والايراني يدفع السعودية ايضا الى البحث عن شركاء جدد لتوازن علاقاتها الخارجية. وكنتيجة لذلك تبدو واضحة في الاشهر الاخيرة انعطافة في العلاقات بين الدولتين. في هذا الاطار زار موسكو الأمير بندر بن سلطان، للبحث في تعاون أمني وكذا في نية الدفع الى الأمام بالأهداف السعودية في الموضوع السوري.
في هذه القائمة يمكن أن نُدخل ايضا العراق والاردن. فالعراق الذي هو حليف قديم لروسيا، يوثق علاقاته معها، منذ خروج الامريكيين من اراضيه، بما في ذلك في المجال الامني (فقد اتُفق على صفقة سلاح كبرى، وإن لم تخرج الى حيز التنفيذ بسبب ضغوط مختلفة)، وفي المجال الاقتصادي، حيث تجري في العراق نشاطات تجارية روسية واسعة النطاق. والاردن هو الآخر استجاب مؤخرا للمغازلات الروسية. هذه المرة يدور الحديث عن صفقة لشراء مفاعل نووي روسي. وبين الدولتين تُبحث جوانب مختلفة من مظاهر التعاون الاخرى بما فيها الامنية. ومؤخرا يدور الحديث ايضا عن زيارة قريبة للملك عبد الله الى روسيا.
وينبغي أن تضاف الى هذه القائمة الآن اسرائيل ايضا، التي توجد في منظومة علاقات طويلة مع روسيا التي ترى فيها لاعبا اقليميا هاما، وإن كانت العلاقات تتأثر في احيان كثيرة بآثار المصالح الروسية الاقليمية.
اسرائيل الساعية الى الفرص لتحقيق أهدافها في الساحة الدولية، مع التشديد على الموضوع الايراني، تبدو الآن في نظر موسكو كجهة جديرة بتوسيع التعاون معها. وذلك بهدف إظهار المكانة المتعاظمة لروسيا كلاعب يصبح ذا نفوذ اقليمي مسيطر عندما يكون للتعاون مع اسرائيل كجهة اقليمية مؤثرة وحليفة للولايات المتحدة وزن كبير في هذا الاعتبار.
وفضلا عن ذلك، فان روسيا معنية بترميم مكانتها حيال ايران، التي تضررت عقب اجتياز هذه للخطوط نحو الغرب، الامر الذي ستعمل روسيا على تحقيقه من خلال الدفع الى الأمام بمبادرة جسر خاصة بها. ونجاح هذه الأخيرة لا بد سيمنح موسكو انجازا مناسبا مثل الانجاز الذي تحقق في الحالة السورية.
ولاجمال هذه الصورة الجزئية يمكن القول إن الحديث يدور عن زخم فعل سياسي روسي واضح ومتفرع. والسؤال هو هل في ضوء الظروف الجديدة في المنطقة ستعطي هذه الجهود نتائج حقيقية. يبدو أن القاسم المشترك لدول المنطقة، التي تغازل روسيا، نشأ على خلفية ما يعتبر كصعود لقوة ايران، كتحصيل حاصل للتغيير في السياسة الامريكية، الى جانب احساس الضعف الذي تبثه قيادتها. ولكن يبدو أن المغازلة لروسيا التي تأتي نتيجة لذلك، مؤقتة وتعكس ارادة هذه الدول للتأثير على سياسة الولايات المتحدة بالذات أكثر مما للافادة من الفرص التي تمنحها روسيا في المقابل. واضح أن روسيا لا يمكنها ولا تدعي أن تشكل بديلا عن الولايات المتحدة، وإن كانت العلاقة معها هامة بحد ذاتها، لتوازن علاقاتها الخارجية، مع الافتراض بأن الحوار مع الروس سيؤدي بالولايات المتحدة الى التراجع عن سياستها.
من الجهة الاخرى، واضح أن الولايات المتحدة، التي بهتت صورتها مؤخرا، لن تتخلى عن مكانتها المسيطرة في الشرق الاوسط وستعمل على عدم السماح لروسيا بموطيء قدم ثقيل في المنطقة. يبدو أن السياسة الحالية للرئيس الايراني ليست تغييرا للميل بل خطوة لتوسيع نفوذها على عموم اللاعبين الاقليميين، وإن كان مؤقتا، على حساب مصالح قسم منها.
ومع ذلك، فان هذا السياق لمساعي التقارب الروسية، وإن كانت لن تغير جوهريا خريطة المحاور السياسية في المنطقة ونتائجها لا تزال غامضة، إلا أن فيها ما يمنح انجازات هامة لروسيا. فمجرد الاتصالات وبوادر التعاون، وإن كانت محدودة في واقع تكون فيه المنظومة المناهضة للغرب التي أقامتها روسيا في الماضي توجد في مسيرة تبدد بوسعها أن تساهم في ترسيخها مستقبلا كلاعب مؤثر في المنطقة.
بالنسبة لزيارة رئيس الوزراء نتنياهو، فمن ناحية الطرف الروسي استُغلت لنقل رسالة اخرى الى الساحة الدولية بشأن مكانة روسيا المتعاظمة. يبدو معقولا أن هذه استُغلت ايضا لفحص جدوى مبادرات روسية محتملة في الموضوع الايراني. ومن ناحية اسرائيل ايضا شكلت الزيارة فرصة للتعبير عن الأهمية التي توليها لتوازن علاقاتها الخارجية، اضافة الى نفوذها في طرح رسائلها في المسألة الايرانية، على افتراض أن روسيا لا تزال تمسك بروافع التأثير في هذا الموضوع. أما المواضيع الثنائية، التي طُرحت في هذه الزيارة، فليست جديدة ولكنها حيوية لتثبيت وتوسيع المنظومة القائمة.
إن نجاحات روسيا في الشرق الاوسط، كانت حتى وقت أخير مضى متواضعة نسبيا. ويبدو أن عمليا، في معظم المسائل التي تجتذب انتباه الساحة الدولية، تضع روسيا نفسها خارج اللعب. هكذا ايضا في المسيرة السلمية في القناة الاسرائيلية الفلسطينية وكذا في الموضوع الايراني. وتُعرض الانعطافة الايرانية نحو الولايات المتحدة للخطر وجود المحور الراديكالي المناهض للغرب، العامل باسناد من روسيا. ولكن تنقلب الامور رأسا على عقب مؤخرا حيث أدت الأحداث في الجبهتين السورية والايرانية الى تغيير في توجه بعض من اللاعبين الاقليميين، الذين يشعرون بأنهم يتعرضون للخيانة والتهديد من جانب سلوك الولايات المتحدة الاقليمي. ومنذئذ تجري سياقات، سواء بمبادرة روسيا، التي ترى منذ بداية الربيع العربي مثل هذه الفرص، أم بمبادرة دول مختلفة في الشرق الاوسط. وقد وجدت خيبة أمل هذه الدول تعبيرها ضمن امور اخرى في محاولات جس النبض مع روسيا، التي تستغلها الأخيرة جيدا لاستئناف الحوار الذي ضيعته في عصر التقلبات، وثمة من يرى في هذه التغييرات آثارا بوسعها أن تؤثر على تصميم النظام الاقليمي المستقبلي.
وفي اطار ذلك يمكن الاشارة الى سلسلة تطورات في اتجاه تعاون روسيا مع دول الشرق الاوسط. الانعطافة البارزة تتم مؤخرا في علاقات روسيا مصر. ففي الاسابيع الاخيرة تبدو واضحة حركة وفود مختلفة، وعلى رأسها زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين، الى جانب جهات أمن واستخبارات رفيعة المستوى، كما يدور الحديث عن زيارة محتملة للرئيس بوتين الى مصر. كما نشر أنه يجري الاعداد لصفقة مشتريات كبرى مع مصر، تمولها جزئيا السعودية.
إن علاقات روسيا مع السعودية تغيرت هي الاخرى. فحتى وقت أخير مضى ساد توتر بين الدولتين على خلفية كون روسيا، الداعمة الأساس للمحور الشيعي ونظام الاسد بينما السعودية تعمل كثيرا ضد المصالح الروسية في المنطقة وخارجها. ولكن الميل الامريكي الجديد في الموضوع السوري والايراني يدفع السعودية ايضا الى البحث عن شركاء جدد لتوازن علاقاتها الخارجية. وكنتيجة لذلك تبدو واضحة في الاشهر الاخيرة انعطافة في العلاقات بين الدولتين. في هذا الاطار زار موسكو الأمير بندر بن سلطان، للبحث في تعاون أمني وكذا في نية الدفع الى الأمام بالأهداف السعودية في الموضوع السوري.
في هذه القائمة يمكن أن نُدخل ايضا العراق والاردن. فالعراق الذي هو حليف قديم لروسيا، يوثق علاقاته معها، منذ خروج الامريكيين من اراضيه، بما في ذلك في المجال الامني (فقد اتُفق على صفقة سلاح كبرى، وإن لم تخرج الى حيز التنفيذ بسبب ضغوط مختلفة)، وفي المجال الاقتصادي، حيث تجري في العراق نشاطات تجارية روسية واسعة النطاق. والاردن هو الآخر استجاب مؤخرا للمغازلات الروسية. هذه المرة يدور الحديث عن صفقة لشراء مفاعل نووي روسي. وبين الدولتين تُبحث جوانب مختلفة من مظاهر التعاون الاخرى بما فيها الامنية. ومؤخرا يدور الحديث ايضا عن زيارة قريبة للملك عبد الله الى روسيا.
وينبغي أن تضاف الى هذه القائمة الآن اسرائيل ايضا، التي توجد في منظومة علاقات طويلة مع روسيا التي ترى فيها لاعبا اقليميا هاما، وإن كانت العلاقات تتأثر في احيان كثيرة بآثار المصالح الروسية الاقليمية.
اسرائيل الساعية الى الفرص لتحقيق أهدافها في الساحة الدولية، مع التشديد على الموضوع الايراني، تبدو الآن في نظر موسكو كجهة جديرة بتوسيع التعاون معها. وذلك بهدف إظهار المكانة المتعاظمة لروسيا كلاعب يصبح ذا نفوذ اقليمي مسيطر عندما يكون للتعاون مع اسرائيل كجهة اقليمية مؤثرة وحليفة للولايات المتحدة وزن كبير في هذا الاعتبار.
وفضلا عن ذلك، فان روسيا معنية بترميم مكانتها حيال ايران، التي تضررت عقب اجتياز هذه للخطوط نحو الغرب، الامر الذي ستعمل روسيا على تحقيقه من خلال الدفع الى الأمام بمبادرة جسر خاصة بها. ونجاح هذه الأخيرة لا بد سيمنح موسكو انجازا مناسبا مثل الانجاز الذي تحقق في الحالة السورية.
ولاجمال هذه الصورة الجزئية يمكن القول إن الحديث يدور عن زخم فعل سياسي روسي واضح ومتفرع. والسؤال هو هل في ضوء الظروف الجديدة في المنطقة ستعطي هذه الجهود نتائج حقيقية. يبدو أن القاسم المشترك لدول المنطقة، التي تغازل روسيا، نشأ على خلفية ما يعتبر كصعود لقوة ايران، كتحصيل حاصل للتغيير في السياسة الامريكية، الى جانب احساس الضعف الذي تبثه قيادتها. ولكن يبدو أن المغازلة لروسيا التي تأتي نتيجة لذلك، مؤقتة وتعكس ارادة هذه الدول للتأثير على سياسة الولايات المتحدة بالذات أكثر مما للافادة من الفرص التي تمنحها روسيا في المقابل. واضح أن روسيا لا يمكنها ولا تدعي أن تشكل بديلا عن الولايات المتحدة، وإن كانت العلاقة معها هامة بحد ذاتها، لتوازن علاقاتها الخارجية، مع الافتراض بأن الحوار مع الروس سيؤدي بالولايات المتحدة الى التراجع عن سياستها.
من الجهة الاخرى، واضح أن الولايات المتحدة، التي بهتت صورتها مؤخرا، لن تتخلى عن مكانتها المسيطرة في الشرق الاوسط وستعمل على عدم السماح لروسيا بموطيء قدم ثقيل في المنطقة. يبدو أن السياسة الحالية للرئيس الايراني ليست تغييرا للميل بل خطوة لتوسيع نفوذها على عموم اللاعبين الاقليميين، وإن كان مؤقتا، على حساب مصالح قسم منها.
ومع ذلك، فان هذا السياق لمساعي التقارب الروسية، وإن كانت لن تغير جوهريا خريطة المحاور السياسية في المنطقة ونتائجها لا تزال غامضة، إلا أن فيها ما يمنح انجازات هامة لروسيا. فمجرد الاتصالات وبوادر التعاون، وإن كانت محدودة في واقع تكون فيه المنظومة المناهضة للغرب التي أقامتها روسيا في الماضي توجد في مسيرة تبدد بوسعها أن تساهم في ترسيخها مستقبلا كلاعب مؤثر في المنطقة.
بالنسبة لزيارة رئيس الوزراء نتنياهو، فمن ناحية الطرف الروسي استُغلت لنقل رسالة اخرى الى الساحة الدولية بشأن مكانة روسيا المتعاظمة. يبدو معقولا أن هذه استُغلت ايضا لفحص جدوى مبادرات روسية محتملة في الموضوع الايراني. ومن ناحية اسرائيل ايضا شكلت الزيارة فرصة للتعبير عن الأهمية التي توليها لتوازن علاقاتها الخارجية، اضافة الى نفوذها في طرح رسائلها في المسألة الايرانية، على افتراض أن روسيا لا تزال تمسك بروافع التأثير في هذا الموضوع. أما المواضيع الثنائية، التي طُرحت في هذه الزيارة، فليست جديدة ولكنها حيوية لتثبيت وتوسيع المنظومة القائمة.
ملاحظة:
نشرت الترجمة العربية للمقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق