وجهات نظر
مثنى عبدالله
كلما أصخت
السمع الى خطابات رئيس وزراء العراق، يزداد اعتقادي بأن الرجل مازال يعيش في عالم آخر غير
البلد الذي يتولى فيه كل السلطات، المدنية والعسكرية والتنفيذية والتشريعية
والقضائية.
حتى يوم عاشوراء لا يمكن للوزير الاول أن يتركه يذهب، من دون فصل خطاب، مدعيا فيه بأنه حسيني بينما به الف صفة من صفات عبيدالله بن زياد والي العراق آنذاك.
هكذا يقول عنه شركاؤه السياسيون وأطراف ‘البيت السياسي الشيعي’ والراسخون في العلم من جهابذة العملية السياسية، ولسنا نحن من نقول ذلك. أنصتوا له وستجدون قاموسه اللغوي يحمل النقيضين تماما بعبارات يصدم بعضها بعضا، حتى تكاد تسمع منها رنين الزيف والخواء الفكري والفشل العملي والتهاون في تحمل المسؤولية.
هو يتحدث عن العملية السياسية الديمقراطية الانتخابية، والعراق الجديد التعددي الذي باتت تجربته تشع على المنطقة، فيهدد العروش والكراسي من جهة، ومن الجهة الاخرى يتحدث عن الشركاء السياسيين الذين وصل بهم التآمر حدا لم يعرفه القاموس السياسي، حتى في أكثر الدول تخلفا، حيث ادعى في خطاب متلفز أن نفرا ضالا من الشركاء السياسيين قام بوضع صخرة وزنها أكثر من 150 كغم في مجاري مياه الامطار في بغداد، مدفوعين بمؤامرة خارجية هدفها عدم تصريف المياه واغراق العاصمة، كي يثيروا المواطنين القاطنين فيها ضد الحكومة، وبالتالي أسقاط الدولة والحكومة. وفي زاوية أخرى يدعو الى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب في العراق، الذي كسر شوكة الارهاب، بعد أن قام الجيش والشرطة والقوى الامنية بقيادته، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، بقتل واعتقال مئات الاف منهم وتدمير معسكراتهم فوق وتحت الارض، بينما في الزاوية المقابلة تستعرض الميليشيات بأسلحتها الكاملة في المحافظات بحماية القوى الامنية، وتنطلق حملة اغتيالات منظمة في العاصمة وبقية المحافظات، وتعود الجثث المجهولة في شوارع بغداد ونهرها ومزارعها، وتنطلق من الاراضي العراقية الصواريخ باتجاه الاراضي السعودية، بينما هو يقف عاجزا عن ارهاب ذوي القربى ضد الاخرين، الى الحد الذي يظهر فيه زعيم ميليشياوي على قناة فضائية معروفة متحديا اياه بأن ينفذ قرار القاء القبض المزعوم بحقه، مما يؤكد ان السلطة الحالية التي يتزعمها المالكي هي المنتج الرئيسي للارهاب في العراق والمنطقة، بسبب الفشل الذريع في بسط سيطرتها على كامل الاراضي العراقية، وعدم مقدرتها على احتكار السلاح والقوى المادية لاجهزة الدولة واضمحلال القوة المعنوية للقانون، مما جعلها ركنا أساسيا في ماكنة انتاج العنف والقتل والدمار. لقد نسي رئيس وزراء العراق ان هنالك رجالا يسعون باستمرار وراء أضواء التاريخ، لكن زاوية الضوء دائما ما تنكسر حين يمرون من تحت شعاعها، كي لا يصنع التاريخ لهم مكانا في مشهد الضوء، لانهم غير جديرين بهذا الشرف، نتيجة سلوكهم اللامسؤول وتسببهم في مآسي انسانية باتت معروفة للقاصي والداني، وهناك أخرون يسعى التاريخ نفسه وراءهم، نتيجة عملهم الخلاق وفعلهم الراقي الذي حولوا به شعوبا متخلفة ودولا غير معروفة في الخريطة السياسية الدولية، الى أيقونات اقتصادية وسياسية وثقافية وعلمية في زمن قصير، والامثلة على ذلك كثيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، على الرغم من قلة الموارد والثروات وظلم الجغرافيا والعمق التاريخي القصير، على العكس تماما من المقومات المادية والمعنوية والجغرافية والحضارية التي يتمتع بها العراق، الذي شعت في جنباته حضارات سامقة حين توفرت القيادات التي تفعل ما تقول، ولا تقول اكثر مما تفعل.
لقد تحولت ‘المظلومية التاريخية’ التي يؤمن بها المالكي ورهطه الى مظلومية شخصية له، بعد أن تولى السلطة ولم تعد هنالك حجة بالمظلومية التاريخية، لذلك تراه في كل خطاب يتحدث وكأنه خارج السلطة الفعلية أو كقطب معارضة، حيث يهاجم بشراسة لفظية واضحة كل الشركاء السياسيين حتى من كان منهم ضمن البيت السياسي الذي ينتمي اليه، ملقيا عليهم كافة أعباء الفشل السياسي والاقتصادي والخدمي. اذن لماذا هو موجود في الساحة السياسية ان كانت كل هذه الافعال هي من صنع الاخرين؟ أليس ذلك عجزا وعدم أهلية لتحمل المسؤولية؟ اذن هل التاريخ أعمى كي يخلده؟ ينتقدنا البعض حين نتحدث بالنقد الموضوعي عن الاداء السياسي للمالكي، مدعين انه جاء عبر صناديق الاقتراع. كلا انه لم يأت بالانتخاب بل بالتوافق السياسي والضغط الامريكي داخل السفارة الامريكية في بغداد وبالضغط الايراني كذلك. حتى لو جاء بالانتخاب، أليست هنالك آليات في النظام الديمقراطي تعزل الفاشل حتى لو حصل على نسبة 100′.
يقول نائب عراقي معروف في حديث عبر التلفاز في الاسبوع الماضي، بانه سمع من المالكي ان الانتخابات المقبلة ان لم يفز بها هو فانه سيمنع أن يكون المنصب الاول من حصة الصدريين أو المجلس الاعلى. صفقوا معي لصناديق الانتخابات التي لا تلد ما تحمل.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق