عمر الكبيسي
يصرُّ المالكي وقيادات حزب الدعوة على أن مطالب المتظاهرين الملتهبة في الانبار والمحافظات الأخرى هي مطالب (نتنة وفقاعية وطائفية، لا تخيفه !).
وبذريعة الطائفية قام بتجييش قواته في البداية لينهي التظاهرات بالقوة، كما صرَّح هو، وأعقبه بعد ذلك وزير دفاعه (الوكيل) بمضمون إنهاء التظاهرات بالقوة، لكن مستشاريه من حزبه أشاروا عليه بالتهدئة، وحسنا فعل لأنه أدرك أن ذلك سيسرع من نهاية سلطته.
ثم تغير النهج بعد ذلك باللجوء إلى تجييش المظاهرات المضادة وتسييس الشارع بما يشهر الانقسام بقيادة حزبه وتسخير الموظفين والقوات الأمنية والطلبة وشيوخ العشائر بأوامر وايعازات بوجوب المشاركة في مظاهرات مؤيدة له ترفع فيها صوره تأكيدا على تسييس طائفي بالضد في المطالب من المظاهرات التي تناهضه.
وقد عكس حجم هذه التظاهرات وطبيعة المشاركين بها كونها مظاهرات غير عفوية ومدفوعة الثمن كما وصفها بهاء الاعرجي وزملاؤه من كتلة الأحرار، كما يؤكد حجم المظاهرات انحسار شعبية حزب الدعوة في الشارع .
مؤيدو المالكي لم يتكلموا عن انجازاته ولم يظهروا حماسهم في الهتاف دفاعاً عن فساد وفشل حكومته!.ولم تكن لهم مطالب وكأنهم غير عراقيين، لا مطلب لهم سوى بقاء المالكي للمضي بقانون المساءلة والمادة 4 إرهاب، لا يطلبون ماء ولا سكن ولا كهرباء وليس لديهم سجناء أو معتقلون أو معتقلات!
عفوية وشرعية التظاهرات ومطالبها وحضاريتها وسلميتها بالرغم من مرور ما يقارب من 20 يوما ابهر الجميع، ولقد شاد بها مقتدى الصدر ووصفها بالوحدوية والمشروعية، وكذلك عمار الحكيم، وكل الساسة المنصفين والمراقبين والأمين العام للأمم المتحدة ومنظمات دولية عديدة، وما ميزها عن غيرها هو حالة التصويب بالخطاب والشعارات، والتصعيد في شمولية المطالب لتتجاوز المناطقية والعشائرية إلى الوطنية والشمولية، وهذا ما يؤكد صميميتها.
فيما لم تدع ضجة الإعلام المضاد لها من خدعة أو بدعة ألا ووصمت بها التظاهرات، فلغاية الأمس يكتب احدهم بلا ضمير أن أهم مطلب لدى متظاهري الأنبار أنهم طالبوا برفع الشهادة بإمامة على عليه السلام من آذان الصلاة!
فما كان للمتظاهرين من جواب شافٍ سوى قراءة نصوص من مقتل الإمام الحسين من منصتهم، وكان لحكمة الشيخ العلامة عبد الملك السعدي التي عبر عنها في كلمته للمتظاهرين صدى طيب وهو يلقي عباراته بموعظة وكأنه حمامة سلام طائرة بين الفريقين .
ما يعيب التظاهرات حقا وحقيقة ويحرفها عن عفويتها هو تشبث ساسة الشراكة والمحاصصة بها وحرصهم على اعتلاء منصاتها الخطابية بكل وسيلة مع أنهم اعلنوا فشلهم في تحقيق انجاز لناخبيهم ولم يعد لهم من دور فاعل أو أمل في تصحيح المسار، فبعد هكذا تصريحات لم يعد هناك من دافع لأي منهم أن يوجه ويخطب أو يهتف بين المتظاهرين، وهو يشغل موقعا في حكومة خائبة، أو أو مقعدا في برلمان فاشل.
يفترض أن لا يكون في منصات المتظاهرين مكان للمشاركين في السلطة بعد أن أعلنوا عجزهم ، لأن مسؤولية السلطة تضامنية على الجميع فيما سببوه للشعب من معاناة ودمار وفساد، ما لم يعلنوا براءتهم منها وانسحابهم، بغض النظر عن كتلهم ومكوناتهم.
وكذا الحال فيما يخص التفاوض ومطالب المتظاهرين، حيث تطوع العديد من هؤلاء الساسة والمنتفعين للقيام بدور الوسيط والمبعوث أمر عبثي، فما يحدث في العلن هو تظاهر واعتصام سلمي في ساحات معروفة بصريح الخطاب والوجوه المكشوفة وبمطالب معلنة لرئيس حكومة وسلطة أدت سياساته وفساد حكومته إلى نكبة ومحنة ومعاناة لم يعد بالإمكان الصبر والسكوت عنها، وهو المعني والمسؤول الأول والأخير مع المتظاهرين، فهو دولة المالكي الذي هو دولة الرئيس وأمين عام الحزب الحاكم فيه وزعيم كتلة دولة القانون والقائد العام للقوات المسلحة، مسؤول بمفرده ووفق ما يعلنه البرلمان والوزراء أنفسهم عن ما يحدث، فلماذا الوسطاء؟
الحق أن ممثلي المتظاهرين لا يتفاوضون إلا مع المالكي مباشرة وإلا أصبح التفاوض جلسة من جلسات الحكومة أو البرلمان التي لم تغن العراقيين من ضيم ولم تحمهم من جوع .
إن كنت تريد التهدئة يا دولة الرئيس فجموع المتظاهرين ومفاوضيهم لازالوا في ساحات التظاهر ينتظرون قدومك أو أنهم جاهزون للقاء بك، فمطالبهم موحدة في كل الساحات، لكنك إن كنت تعتقد إن الوقت يعطيك فسحة لحلول تستطيع أن تنهي فيه هذه التظاهرات بأي أسلوب، فكن واثقا انك مخطئ، عليك أن تعرف إن استمرارية التظاهرات والاعتصامات سيصعَّد من سقف المطالب وسيعقد الحلول لما لا تحمد عقباه .
دولة الرئيس
إن مطالب مفاوضينا نيابة عن المتظاهرين ان اخترتم التفاوض للتهدئة، مستعدون ان يبددوا مخاوفكم، جاهزون ان يقسموا أمامك وأمام الشعب بكتاب الله أنهم حريصون على وحدة العراق ويفدوها بدمائهم فلا تهددهم بها، وأنهم لم يستلموا دولارا واحدا من دولة أجنبية أو إقليمية كما تقولت، وأنهم أبرياء من تلطيخ أيديهم بالدم العراقي أو بالمال الحرام والفساد المالي فهم ليسوا إرهابيين أو قتلة فلا تزجهم بالسجون وفق المادة 4 إرهاب المقيتة التي طالت شبابهم وألقت بهم في السجون، فهل لك استعداد يا دولة الرئيس، كما هي كنيتك ويا أمين حزب الدعوة كما اختارك حزبك أن تقسم لهم بنفسك وعن حزبك على المصحف الشريف الذي مما لاشك فيه انك لن تنكث به، اقسم بأنك لن تسع أو تهدف إلى تقسيم العراق وستجنبه الحرب الأهلية ورياح الطائفية البغيضة قولا وفعلا، وان يداك ستكون بريئة من دماء العراقيين ورقابهم إلا بالعدل، وأن تحافظ على ثروتهم وأموالهم فلا تحم الفاسدين وستكشف أوراقهم جميعا وجميع ملفاتهم للإطاحة بهم لا لحمايتهم والتحفظ على فسادهم، أقسم انك لن تنحنِ لإرادة إقليمية أو أجنبية تضر بالعراق وأهله حتى لو كلفك ذاك موقعك، سيادة العراق واستقلاليته يجب أن تكون سمة السلطة الوطنية.
اقسم بأن العراقيين عندك سواسية في الحقوق والواجبات والتكليف بالوظائف والمهمات، وان الكفاءة والنزاهة هي المعيار وانك ستحكم بين الناس بالقضاء العادل وتقتص ممن ظلمهم بالقصاص اللازم، أطلق حرائر العراق من سجونهم واقبل كفالة من يتعهد بإحضارهن إن استوجب القضاء ذلك، في وجودهن بالسجون تعريض للنيل من شرفهن ممن لا ضمير له، كما أن اكتظاظ السجون بالشباب بلا مساءلة وقضاء عادل ظاهرة للحكم الفاسد فهم مستقبل الأمة وعمادها، أقسم انك ستعمل الحفاظ على على كفاءات العراق وعلمائه، وستسعى من أجل عودتهم إلى درجاتهم الوظيفية وأعمالهم المهنية والعلمية، فبدونهم لا يبنى البلد، عوائل المجتثين ومعاشاتهم حق يحسب المساس بها نمط من الوزر المحرم، فأقسم يا دولة الرئيس انك ستكون منصفا لهم.
وفي ظل القضاء تشكل كل القوانين والتشريعات الرادعة الوقتية شبهة استغلال لحقوق العامة ويصبح زوالها واجب ملزم بعد أن ثبت أن تطبيقها فيه ظلم وحيف على المظلومين فاقسم انك ستجد حلا يرضي المتضررين.
لو فعلت ذلك تكون حقا قد أخذت بيد المتظاهرين والمعتصمين وهي مطالب شرعية ومشروعة.
هذا ما يريده المعتصمون والمتظاهرون من دولة الرئيس وهي أمور أصبح السكوت عنها محال والقبول بها استغفال واللف والدوران حولها دجل واحتيال، فقنا شر المواجهة والقتال وكن في قراراتك حكيما بحكمة العقلاء والرجال، فالتاريخ لن يرحم بك مهما كان غطاء عذرك، إن الدين لمتين لا يقبل الإيغال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق