وجهات نظر
مصطفى كامل
مصطفى كامل
متابعة للحلقة الأولى هنا.
ومع انتهاء كلمة المدير العام للمركز المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، بدأت أعمال الجلسات العلمية.
ففي الجلسة الأولى، المخصصة لشهادات بعض من عايشوا العدوان والاحتلال، والتي رأسها المفكر العربي رغيد الصلح، افتتح وزير خارجية العراق، في النظام الوطني الشرعي، الدكتور ناجي صبري الحديثي، الجلسة فقدَّم أول شهادة استهلها بالإشارة الى ان "عملية الغزو الذي قادتها اميركا قبل 10 سنوات كانت بداية تنفيذ المرحلة الأخيرة من حملة حربية عالمية قادتها أميركا على العراق منذ الثاني من آب 1990 واستمرت حتى الآن أكثر من 20 سنة ردا على التدخل العسكري العراقي في الكويت بخطوات محسوبة ومدروسة وكأنها مهيئة مسبقا".
وقال ان "هذه الحملة اتخذت 4 مسارات أساسية:
مسار دبلوماسي وسياسي، ومسار عسكري، وثالث اقتصادي، ورابع للحرب النفسية.
أولا : في المسار الدبلوماسي والسياسي، قال الدكتور الحديثي ان "الولايات المتحدة استثمرت البيئة السياسية الدولية الجديدة بعد زوال النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية، فسعت سعيا حثيثا لكي تفرض هيمنتها على العالم وما يرتبط به من نظام عالمي أحادي القطبية. ودشنت هذا المشروع بالحملة الحربية على العراق".
وأضاف أن "هذا المسار قام على أساس السيطرة على الأمم المتحدة وتسخيرها لخدمة مشروعها الإمبراطوري وباكورته الحملة الحربية على العراق من خلال التحكم بهيئتها القيادية التنفيذية مجلس الأمن ودفعه لخدمة هذه الحملة بشتى القرارات والتدابير المنتهكة لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة . وتبلور هذا المسار من خلال منع أي حل سياسي سلمي للأزمة بين العراق والكويت سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، والالتفاف على أحكام ميثاق الأمم المتحدة التي تنظم عمل وسلطات وصلاحيات مجلس الأمن وخصوصا المادة 24 من الفصل الخامس التي تنص على أن (يعمل مجلس الأمن في أداء هذه الواجبات [حفظ السلم والأمن الدولي] وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها والسلطات المخولة له لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر".
ثانيا: وعن المسار العسكريلهذه الحملة الحربية العالمية أكد أن أميركا بدأت العمل العسكري ضد العراق منذ يوم 7 / 8/ 1991 بقيام بحريتها وبحرية حليفتيها بريطانيا وأستراليا بمحاصرة حركة الملاحة من والى الموانىء العراقية بقوة السلاح . ولتوفير غطاء دولي لهذا الاستخدام غير المشروع للقوة اصدر مجلس الأمن قراره 665في 25 / 8 / 1990.وأضاف الدكتور ناجي صبري الحديثي أن الحملة الحربية اشتملت على ثلاثة حروب كبرى قادتها اميركا ضد العراق هي:
1.الحرب الشاملة الأولى من 17/ 1/ 1991 حتى يوم 28 /2/ 1991 وشاركت فيها 33 دولة. وشاركت أميركا بثلاثة أرباع المليون جندي. وللتدليل على حجم التدمير الكارثي الذي تسببت هذه الحرب أشار الوزير العراقي الى تقرير بعثة الأمم المتحدة برئاسة ماري اهتساري مساعد الأمين العام التي زارت العراق بعد اقل من اسبوع على توقف الحرب الذي أكد : " إن النزاع الذي حدث مؤخرا يـُشبه أحداث يوم القيامة في آثاره على الهياكل الأساسية الإقتصادية لما كان يعتبر حتى شهر كانون الثاني/ يناير 1991 مجتمعا حضريا. أما الآن فإن معظم الوسائل الداعمة للحياة الحديثة قد دمرت أو أصبحت هزيلة. لقد اعيد العراق الى عصر ما قبل الثورة الصناعية وسيظل كذلك فترة من الزمن".
2. حرب الاستنزاف العسكرية: بدأت منذ اليوم الأول لتوقف الحرب الشاملة الأولى، واشتملت على ست اعتداءات جوية كبرى شنتها الولايات المتحدة على العراق، الاربعة الأولى بصواريخ كروز هاجمت فيها قاطع الدفاع الجوي الثالث في 8 / 3/ 1991. وفندق الرشيد ببغداد ومنشأة النداء الصناعية المدنية الخاضعة لنظام الرقابة في 17 / 1 / 1993 وجهاز المخابرات ومنازل مدنيين في بغداد في 27/ 6/ 1993. ومواقع عسكرية ومدنية في بغداد ومناطق أخرى في 3 و 4/ 9/ 1996. وفي المرة الخامسة شنت القوات الاميركية والبريطانية عدوانا جويا واسعا على العراق في 16 - 20 / 12/ 1998 ضربت فيه مواقع عسكرية ومرافق صناعية مدنية بـ 425 صاروخ كروز وبأكثر من 600 غارة. وفي العدوان السادس أغارت 36 طائرة أميركية على مواقع عسكرية ومدنية في بغداد يوم 16/ 2/ 2000.
كما شملت حرب الإستنزاف انتهاكات جوية يومية في ما سمي بمنطقتي الحظر الجويتين في جنوب العراق وشماله من جانب القوات الاميركية والبريطانية (والفرنسية حتى عام 1996 ) منذ توقف الحرب الأولى حتى الحرب الشاملة الثانية في 2003 . وبلغ عدد هذه الانتهاكات منذ بدء فرض هذه المناطق عام 1991 حتى يوم 15/12/2001، 211 الفا و476 انتهاكا جويا تخللتها الاف الغارات على المواقع العسكرية والمدنية والحقول الزراعية. وراح ضحيتها 1476 شهيداً و 1320 جريحاً. وتعد هذه الإعتداءات والإنتهاكات انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن.
3. الحرب التدميرية الشاملة الثانية عام 2003 وهي التي تنصبُّ عليها اعمال هذا المؤتمر.
ثالثا: وفي المسار الاقتصادي للحملة الحربية العالمية التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، أوضح وزير خارجية دولة العراق الوطنية أن اميركا شنت حربا اقتصادية شاملة على العراق لا نظير لضراوتها وشدتها في التاريخ وتمثلت بـالعناصر التالية:
1. حصار اقتصادي فرض بموجب قرار مجلس الأمن الذي صممته الولايات المتحدة رقم 661 يوم 6/ 8/ 1990 ويعد الأقسى والأشمل في التاريخ كله، حسب اعتراف الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية . وهو اجراء حربي بدلالة صدوره ليس وفق المادة 41 من الميثاق الخاصة بالتدابير العقابية التي لا تشتمل على استخدام القوة ، وإنما وفق المادة 51 التي تجيز للدول استخدام القوة دفاعا عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة عليها، وذلك الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة. وبقي الحصار قائما باستثناء بعض الإجراءات التجميلية بموجب قرار 986 وبرنامج النفط مقابل الغذاء بعد عام 1996. وقد فرض الحصار على العراق بحجة رفضه الانسحاب امثالا لقرار 660 ليوم 2/8 رغم عدم إعلان العراق عن رفض الامتثال بل بالعكس كان قد أعلن نيته البدء بالانسحاب يوم 5/8/1990.
2. حملة نهب انتقامية واسعة لموارد العراق وثروات أجياله القادمة من خلال عملية التعويضات التي شهدت فضائح وفضائع يندى لها الجبين.
3. حملة تدمير واسعة لمرافق العراق الاقتصادية وبنيته الأساسية في الحرب الأولى عام 1991 .
4. تدميرمتواصل لبنية العراق الأساسية من خلال الهجمات الجوية اليومية من آذار/ مارس 1991 حتى آذار/ مارس 2003.
5. تدمير فرق التفتيش لمصانع العراق العسكرية الجبارة ومنعه من الاستفادة منها في صناعته المدنية.
6. تدمير عجلة التنمية والنشاط الإقتصادي بالحصار الشامل .
7. واستكمال تدمير اقتصاديات العراق في الحرب الشاملة الثانية عام 2003
8. البدء بنهب ثروة العراق النفطية من خلال الغاء قرارات التأميم والغاء السياسة النفطية الوطنية ووضع صناعة النفط الوطنية تحت رحمة الشركات النفطية الاجنبية التي طردها العراقيون منذ أوائل السبعينيات.
رابعا: وعن مسار الحرب النفسية قال الدكتور الحديثي انه بدأ من كذبة الحاضنات الى العشرات من الأكاذيب التي رافقت الحملة الحربية منذ بدايتها حتى باتت صناعة متخصصة تعتمد عليها الإدارات المتعاقبة في تجييش الرأي العام الأميركي والكونغرس لتأييد مشاريع حكام أميركا للعدوان على الشعوب.
ما الذي فعله العراق لدرء خطر الحرب
وفي الجزء الثاني من شهادته تناول وزير الخارجية في العهد الوطني التدابير التي اتخذها العراق في الفترة من آذار/ مارس 1991 -- أذار/ مارس 2003 لدرء خطر حرب أخرى ، فأشار الى أن "العراق بدأ يواجه تهديد الولايات المتحدة وتحضيراتها لشن حرب أخرى منذ اليوم الثاني لوقف الحرب الشاملة الأولى. واستعرض الإجراءات التي اتخذها العراق منذ اواسط شهر شباط / فبراير 1991 للإنسحاب من الكويت ، وأنه أبلغ الأمم المتحدة في 27 شباط/ فبراير انسحابه وامتثاله لقرارات مجلس الأمن الثلاثة : 660 في 2آب/ أغسطس 1990 الذي طالب العراق بالانسحاب، و 662 في 9 آب/ أغسطس الذي اعتبر قرار العراق في 8 آب/ أغسطس بضم الكويت باطلا؛ و 674 في 29 تشرين أول/ أكتوبر الذي حمل العراق مسؤولية التعويض عما تسبب به احتلاله الكويت من أضرار للغير. كما أبلغ الأمم المتحدة استعداده لإطلاق سراح أسرى الحرب مباشرة بعد وقفها . وبإنسحاب العراق أصبح القراران 662 و674 هما كل ما بقي من قرارات لم يمتثل لها من بين القرارات الإثني عشر التي أصدرها مجلس الأمن بشأن الأزمة قبل الحرب".
وتحدث الوزير العراقي عن "إعلان الرئيس الأميركي بوش فجر يوم 28 شباط/ فبراير1991، توقف العمليات القتالية ضد العراق، وتجاهله انسحاب العراق من الكويت وهو الهدف المعلن للحرب، وامتثاله لقراري إلغاء ضم الكويت ومسؤولية التعويضات، واستعداده لإطلاق سراح الأسرى". وقال ان "بوش حدَّد شروطا لكي يتحول هذا التوقف الى وقف لإطلاق النار، وجدد التهديد بشن حرب أخرى على العراق في المستقبل. وفي 2 آذار/ مارس أصدر مجلس الأمن قرارا بالرقم 686 تعامل فيه مع وقف الحرب من ذات المنظور الذي تحدث به بوش. حيث أشار في ديباجته الى جميع القرارات الإثني عشر التي اتخذها بشأن الأزمة بين العراق والكويت. ثم أشار الى رسائل العراق الى الأمم المتحدة في 27 شباط/ فبراير حول امتثاله لجميع هذه القرارات والى نيته إطلاق سراح أسرى الحرب. لكن القرار تجاهل كل ذلك في فقراته العاملة، فأكد سريان مفعول هذه القرارات وجدد مطالبته العراق بالامتثال لها وبإطلاق سراح الأسرى وإعادة الكويتيين ورعايا الدول الأخرى المحتجزين ، وبإرسال ممثليه لاجتماع مع قوات التحالف لوضع ترتيبات عسكرية لوقف أعمال القتال. وبعد كل الذي تعرض له العراق من حرب مدمرة شاملة طالبه مجلس الامن ان [يوقف هجماته على هذه القوات]! كما ناشد دول العالم التعاون مع حكومة الكويت لإعادة إعمارها وأغفل الإشارة الى الدمار الشامل الذي لحق بالعراق".
وقال ان "قصد الولايات المتحدة من هذا الإلتفاف تجميد حالة الحرب مؤقتا وإبقاء التهديد بها قائما، ريثما تنتهي من صياغة قرار جديد يعبر من خلاله مجلس الأمن عما تريد الولايات المتحدة بوصفها الدولة المنتصرة أن تفرضه من شروط مجحفة على العراق، ويحدد بمقتضاه الإطار الدولي لعملية إنهاك العراق دولة وشعبا واستنزاف قدراتهما ومواردهما البشرية والاقتصادية والعسكرية تمهيدا للغزو الشامل بعد أكثر من 10 سنوات. بدأ العراق على الفور تنفيذ التزاماته بموجب قرار 686. فعقد وفد عسكري عراقي يوم 3 آذار/ مارس 1991 اجتماعا مع وفد عسكري أميركي في صفوان حيث اتفقا على ترتيبات الفصل بين القوات وتبادل الأسرى والإبلاغ عن خرائط الألغام. وفي 5 آذار/ مارس أعلن العراق إلغاء جميع القرارات التي اتخذها منذ 2 آب/ أغسطس 1990 بشأن اجتياح الكويت. وفي اليوم نفسه أبلغ الأمم المتحدة البدء بإعادة الممتلكات الكويتية التي بحوزته. وبهذه الإجراءات يكون العراق قد أكد امتثاله لجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
إلا أن "الولايات المتحدة"، والحديث للوزير العراقي "كانت تبيِّت النية لقرار خطير هو القرار 687 في 3نيسان/ ابريل 1991 الذي اتخذ تحت الفصل السابع ويعد أطول قرار في تاريخ الأمم المتحدة حيث ضم 26 فقرة في ديباجته، و33 فقرة عاملة، أهمها فرض تخطيط الحدود بين العراق والكويت، وإلزام العراق بأن يدمر تحت إشراف مجلس الأمن مابحوزته من أسلحة دمار شامل مزعومة إضافة الى صواريخ يزيد مداها عن 150 كيلومترا، وإعادة ممتلكات الكويت ورعاياها ورعايا الدول الثالثة، وتشكيل لجنة تفصل في المطالبات بتعويضات الحرب، وربط الحصار الذي زالت مسوغاته بانسحاب العراق من الكويت امتثالا لقرار 660 لعام 1990، بهدف جديد هو ضمان قيام العراق بتدمير أسلحته المذكورة، ونبذ الإرهاب. وجاءت الفقرة 33 لتنص على ان الحرب ستشن على العراق من جديد إذا لم يوافق خطيا على الأحكام الواردة في هذا القرار, ذلك بجعل وقف اطلاق النار رهنا بهذه الموافقة".
وقال ان "أبلغ وصف لقرار 687 لسنة 1991 هو ما قدمه مساعد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون القانونية، رالف زاكلين، في ندوة قانونية عقدت بباريس عام 1991 بقوله "هذا القرار، وثيقة تاريخية لا سابقة لها في تاريخ الأمم المتحدة... وهو في أهدافه ومطالبه معاهدة فرَضَ بموجبها المنتصر على المنهزم سلسلة من الالتزامات الباهظة التي يضْمـُنُ قبول العراق بها كونها مفروضة بموجب الفصل السابع ومرتبطة باستمرار العقوبات.إن القرار 687 لا سابق له من عدة جوانب: إنه أول قرار فرض تخطيط حدود، كما أن مهمة المراقبة هي الأولى التي تنشأ في إطار الفصل السابع دون أن ترتبط برضاء الدول لنشرها، وهو أول قرار فرض تدمير أسلحة بلد ، كما أنه الأول في إنشاء صندوق للتعويضات يـُموّل من إيرادات البلد المنهزم. ومن الناحية السياسية فإن القرار فرض على الأمم المتحدة مسؤولية لا يمكن تحملها".
واكد أن "العراق اضطر، تحت التهديد بحرب مدمرة أخرى في وقت ما يزال يعاني من الآثار الكارثية للحرب الشاملة الأولى وما يزال يرزح تحت حصار شامل لا نظير له في التاريخ، أن يبلغ الأمم المتحدة يوم 6 نيسان/ابريل أنه "يجد نفسه امام خيار واحد لا غير وهو القبول بالقرار".
وأوضح ان "العراق كان عليه ان يصارع على جبهتين الأولى أن يعمل على تنفيذ متطلبات قرار 687 الباهظة لدرء مخاطر حرب مدمرة جديدة من جهة، والثانية أن يسعى في الوقت نفسه لتجنب الأضرار الجسيمة لتنفيذ هذه المتطلبات على أمنه الوطني ومصالح شعبه ، ولتأمين الشروط الضرورية لحياة شعبه في ظل الحصار ولإعادة الحياة للخدمات الضرورية المدمرة من جهة أخرى".
وتناول الدكتور الحديثي خلفيات فرض تخطيط الحدود بين العراق والكويت في قرار 687 لعام 1991 فقال ان "مجلس الأمن تعامل مع مسألة الحدود بموجب الفصل السابع مسجلاً بذلك سابقة غير معروفة. فصلاحياته ووظائفه لا تمنحه الحق في فرض عملية تعيين الحدود بين الدول ذات العلاقة التي تخضع بموجب القانون الدولي لقاعدة الاتفاق بينها أو بتوجه الطرفين أو الاطراف المعنية الى محكمة العدل الدولية. وأوضح "أن الولايات المتحدة على ما يبدو قد انتبهت أو نـُبـِهت في وقت متأخر إلى هذه الثغرة القانونية، ما دعاها الى السعي لتداركها من خلال قيام حليفتها بريطانيا بتزويد مجلس الأمن يوم 28 آذار/ مارس بخرائط افتراضية للحدود العراقية- الكويتية أعدها مكتب المساحة العسكرية الملكية البريطانية تستند لتوصيف للحدود سعت بريطانيا لفرضه على العراق أيام سيطرتها على العراق والكويت، وظهر في رسالة أرسلها رئيس وزراء العراق نوري السعيد يوم 21 تموز/ يوليو 1932 الى الحاكم البريطاني للكويت السير ف همفرين الذي رد عليها يوم 7 آب/ أغسطس عام 1932 . وكان كل من العراق والكويت آنذاك يفتقر الى السيادة والاستقلال. فالعراق تحت الانتداب البريطاني، حيث لم ينضم إلى عصبة الأمم إلا في 3 تشرين أول / أكتوبر 1932، والكويت تحت الحماية البريطانية،وقد أشير الى هذا التوصيف في محضر مباحثات رئيسي وزراء البلدين في 4/10/1963 وذلك بالعبارة الآتية " تعترف الجمهورية العراقية باستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق بتاريخ 21 من تموز/ يوليو 1932 والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ في 10 من آب/ أغسطس 1932". غير أن هذا المحضر بقي بلا فعالية قانونية حيث لم تتخذ الإجراءات الدستورية لتصديقه من جانب السلطة التشريعية (المجلس الوطني لقيادة الثورة) ورئيس الجمهورية. أي أن المحضر لم يتحول الى اتفاقية دولية مصدقة بين البلدين".
وأضاف أن "أميركا سعت من عملية التزوير هذه توفير أساس فني تستند إليه في الزعم بأن المجلس لا يخطط الحدود بين البلدين وإنما يساعدهما بصورة تقنية لتنفيذ ما سبق أن اتفقا عليه! وهكذا جاء القرار ليطلب من العراق أن يحترم المحضر المذكور، وليطلب من الأمين العام أن يساعد في تخطيط الحدود مستعينا بالخرائط البريطانية! وجدير بالذكر أن لا الكويت ولا العراق اشارا في اي مناسبة سابقة الى هذا المحضر كونه بلا فعالية قانونية. وكانت الكويت على الدوام تشير الى الحدود التي وقفت عندها قوات الامن العربية التي أرسلتها جامعة الدول العربية عام 1961 عند مطالبة العراق باعادة الكويت آنذاك. وحتى مجلس الأمن لم يشر الى هذا المحضر ولا الى مسألة الحدود في أي من قراراته الأربعة عشر التي اصدرها بشأن الحالة بين العراق والكويت منذ بدء الأزمة في 2 آب/ أغسطس 1990 قبل قرار 687، وكان يكتفي بالإشارة الى وجوب احترام سيادة الكويت والعراق وسلامتهما الإقليمية واستقلالهما السياسي".
وأضاف أن "مسألة ترسيم الحدود انطوت على التفاف واضح من مجلس الأمن على القانون الدولي، وتجاوز لصلاحياته، وانتهاك للفقرة الثالثة من ديباجة القرار نفسه التي نصت على احترام سيادة العراق وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي" وقد تجاهل المجلس اعتراضات العراق وفرض التصور البريطاني/ الكويتي للحدود في قرار أصدره تحت الفصل السابع برقم 833 في 28/ 6 / 1993 الذي رُسمت الحدود العراقية الكويتية بموجبه. ولم يكن أمام العراق إلا الموافقة عليه في 10/11/1994 بعد أن وافق (مضطرا) على قرار 687 الذي استند اليه وذلك ضمن مساعيه لدرء مخاطر حرب جديدة".
وبعد أن استعرض وزير خارجية العراق في العهد الوطني تدابير العراق لإعادة الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والممتلكات الكويتية تطرق الى التعويضات وقال ان "مجلس الأمن منح نفسه (وهو هيئة سياسية) وظيفة قضائية للفصل في المطالبات، وأنشأ بلا تخويل من الميثاق لجنة جسَّدت قراراتها الرغبة الانتقامية الجامحة للدولتين المهيمنتين في مجلس الأمن في إنهاك الدولة العراقية وإفقار المجتمع العراقي وإلحاق اكبر ضرر ممكن بفرص إعادة بناء مرافق الحياة. كما شهدت قرارات لجنة التعويضات فضائع وفضائح، منها مثلا الحكم بأكثر مما يطلبه المدعي في انتهاك صارخ للقواعد القانونية المعروفة. وفي سياق المعايير المزدوجة وانتهاك مبادئ المساواة بين الدول (الفقرة 1 من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة) ومبادئ العدل والقانون الدولي في حل المنازعات (الفقرة 1 من المادة الثانية من الميثاق) حرم القرار في الفقرة 29 العراق ورعاياه من تقديم أية مطالبة للتعويض عن الأضرار الهائلة التي ألحقتها الحرب والحصار في بنية العراق الأساسية وبالملايين من رعاياه، كما ضيقت لجنة التعويضات على حق العراق المدعـَى عليه في الدفاع عن نفسه أمام هذه المطالبات من خلال حرمانه من عضوية اللجنة، وعدم إتاحة الوقت الكافي له لممارسة هذا الحق، وعدم اطلاعه على أوليات المطالبات، ومنعه من السحب من أمواله المجمدة لتغطية نفقات حضور المرافعات وتوكيل خبراء ومكاتب قانونية متخصصة".
ثم تحدث الدكتور الحديثي عن متطلبات نزع السلاح الواردة في القرار 687 وقال انها "كانت الأكثر خطورة وتعقيدا بين جميع المتطلبات الصعبة التي جاء بها القرار.وقد ربط بها المشرع الأميركي دوام او تخفيف أو رفع الحصار الذي كان قد فـُرض اساسا بموجب قرار 661 في 6 آب/ أغسطس 1990 لضمان انسحاب العراق من الكويت. وبعد الإنسحاب غيـّر مجلس الأمن الهدف الى ضمان التخلص مما أسماها باسلحة الدمار الشامل العراقية. وكان على العراق في إطار اضطراره للقبول بالقرار أن ينفذ ما تطلبه الهيئة التي شكلها مجلس الأمن لهذا الغرض باسم اللجنة الخاصة اونسكوم إضافة الى ما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن يثبت لهما أنه قد فعل ذلك بشهادتهما".
وتابع "لقد ثبت أن رضا المجلس عن امتثال العراق لمتطلبات القرار 687 مستحيل من الناحية العملية، لأن المجلس اعتمد في قياس هذا الامتثال قواعد مناقضة للأعراف القانونية التي تعارفت عليها البشرية. فبينما تستند التشريعات القانونية كلها على قاعدة المتهم بريء حتى تـَـثبـُت إدانته، وأن المُدعي هو المسؤول عن عبء الإثبات، فإن آلية المجلس تقوم على اساس أن العراق المتهم بحيازة واخفاء اسلحة محظورة مُدان حتى يُثبِت هو وليس الجهة المدعية بأنه قد تخلص منها، وحتى يقتنع بذلك مجلس الأمن. وبما أن قناعة مجلس الأمن رهن بقناعة فرق التفتيش وان هذه الفرق كانت خاضعة لسيطرة الأجهزة الاميركية والبريطانية، فإن الحَكـَم في هذا الشأن كان هو الخصم نفسه".
وتحدث عن "التدابير التي اتخذها العراق للتعاون مع فرق التفتيش والتضحيات الجسيمة التي قدمها لتلبية شروطها التعجيزية في مقابل تفنن فرق التفتيش في اساليب التحايل على الإتفاقات والتغيير الدائم في قواعد العمل وتوسيع نطاق التفتيش والتدمير وتصعيد المطالبات وعمليات التجسس والإستفزاز والتعمد في إلحاق الضرر بالعراق وبأمنه ومرافقه الإقتصادية والتحريض على العدوان على شعبه، حتى بلغ تواطؤ رئيس لجنة المفتشين بتلر مع الحكومتين الأمريكية وبريطانيا حد دعوتهما للإعتداء على العراق اواخر 1998 بعد قراره بسحب المفتشين من العراق، ما جعل العراق يرفض عودة المفتشين في وقت ساد فيه إحساس بخيبة الأمل وبعدم جدوى التعاون مع فرق التفتيش. وفي الامم المتحدة ارتفعت الأصوات تستنكر استفزازت اللجنة الخاصة وتجسس فرقها على اتصالات وتحركات القيادة العراقية لحساب الولايات المتحدة. وشكلت لجنة رأسها السفير البرازيلي اموريم لمراجعة كل جوانب الأزمة بين العراق ومجلس الأمن. إلا أن المجلس تجاهل ذلك وأصدر في 17 كانون الاول/ ديسمبر 1999 قرار 1284 تحت الفصل السابع وأعاد تشكيل اللجنة باسم جديد هو "انموفيك" وقلل من النوافذ الضيقة المتاحة للعراق الموجودة في قرار 687 لعام 1991. وقد رفض ثلاثة اعضاء دائميين وماليزيا الموافقة عليه. ورفض العراق التعامل معه لإحساسه بالمرارة لإمعان المجلس في تجاهل حقوقه ومعاناة شعبه وبذلك رفض عودة المفتشين الى العراق".
كما تحدث عما سمي بالبرنامج "الإنساني" فقال ان "ما تسببت به الحرب الأولى وتدابير الحصار الشامل من كوارث للعراق أدت الى تصاعد الاصوات المستنكرة في العالم والمطالبة بإغاثة شعب العراق وإنقاذه من هذه الإجراءات التعسفية". وأضاف أن "مجلس الأمن كان يبحث عن وسيلة لتمويل وكالاته وهيئاته التفتيشية وغيرها في العراق. فأصدر قراري 706 و712 لعام 1991 بالسماح للعراق بتصدير كميات من نفطه لسداد تكاليف وكالات الامم المتحدة وسداد مطالبات التعويض وشراء مواد غذائية ودوائية. وقد رفض العراق التعامل معهما لأنهما يمسان حقه السيادي في السيطرة على موارده الطبيعية، ولمراهنته على تعاونه وتلبيته متطلبات قرار 687 بما يمكن أن يؤدي اليه من رفع للحصار. وفي 14 نيسان 1995، تبنى مجلس الأمن القرار 986 الذي سمح بموجبه للعراق ببيع كمية من نفطه بقيمة مليار دولار أميركي كل ثلاثة أشهر لتسديد التعويضات للدول الأخرى ولتغطية تكاليف وكالات الأمم المتحدة وفرق التفتيش في العراق أي تكاليف انتهاك سيادة العراق وأمنه ومصالحه أولا، ولتمويل مشتريات البضائع الانسانية ثانيا. وقدسمي برنامج النفط مقابل الغذاء الذي استحدثه القرار بالبرنامج الإنساني لخداع الرأي العام بان الأمم المتحدة تتولى إغاثة شعب العراق. فالحقيقة هي ان مجلس الأمن فرض على العراق أن يمول الأمم المتحدة نفسها. وقد اضطر العراق للتعاون مع الأمم المتحدة في تنفيذه في اطار مذكرة تفاهم باعتبارها اجراءً مؤقتا لحين رفع الحصار. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا سعتا لجعله اداة اخرى لاستنزاف موارد العراق، وأفشلتا الجزء اليسير المخصص لإغاثة شعبه من امواله من خلال فرض آليات معقدة وتعويقية وبالسماح لعمليات فساد وهدر لاموال العراق، بعد ان تكون الأمم المتحدة قد اقتطعت منها عشرات المليارات لتمويل وكالاتها وتغطية نفقات موظفيها. وقد دفعت هذه الحالة اثنين من مسؤولي البرنامج هما مساعدا الأمين العام للأمم المتحدة دنيس هاليداي وهانز سبونيك والسيدة يوتا بيرغهاردت ممثلة برنامج الغذاء العالمي في العراق والدكتورأشرف بيومي الخبير في برنامج الغذاء العالمي للإستقالة احتجاجا على التعسف والظلم الذي انطوى عليه هذا البرنامج".
وعاد الوزير العراقي للحديث عن فترة 1999- 2001 فأشار الى أن "المزاج الشعبي والرسمي في العراق ساده احساس شديد بالمرارة ازاء التعامل مع مجلس الأمن ومع هيئات التفتيش". كما تطرق الى "تصاعد التهديدات بالحرب ضد العراق بعد تسلم بوش ومؤيديه ذوي الميول المتطرفة والإرتباطات الإسرائيلية المعلنة الإدارة الأميركية" وقال ان " القيادة العراقية أجرت في اواسط عام 2001 تغييرا واسعا في المؤسسة الدبلوماسية العراقية التي وضعت خطة واسعة لمواجهة تطورات الأزمة مع الأمم المتحدة. ونشـّطت مجالات التعاون مع وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة بالعراق. وعقدت ثلاث جولات واسعة من الحوار السياسي والفني مع الامم المتحدة واجهزتها المختصة بمهمات نزع اسلحة العراق بين آذار/ مارس وتموز/ يوليو 2002 بهدف البحث عن أرضية مشتركة لقيام الطرفين بتنفيذ التزاماتهما بموجب قرارات مجلس الأمن واحكام ميثاق الامم المتحدة. واتخذ العراق تدابير مهمة على طريق حل المشاكل المعلقة مع الكويت. فعقد إتفاق قمة بيروت مع الكويت في آذار/ مارس 2002 وأعاد الأرشيف الكويتي. وبدأ في عام 2002 جولات للحوار معها بإشراف الأمم المتحدة حول موضوع المفقودين الكويتيين".
وتطرق الى قرار العراق في 16 أيلول/ سبتمبر عام 2002 بالسماح بعودة مفتشي الأمم المتحدة بلا شروط وقال انه "بذلك أحبط محاولة الولايات المتحدة صياغة قرار جديد لمجلس الأمن يضفي الشرعية على مشروعها لشن حرب عدوانية غير مشروعة على العراق، وذلك باستغلال رفضه عودة المفتشين لفرض شروط ومهل تعجيزية يتعذر على العراق تلبيتها مما يجيز للولايات المتحدة وبريطانيا شن الحرب بغطاء دولي".
وأضاف أن "الولايات المتحدة رفضت خطوة العراق واستأنفت مساعيها على ذات النهج فقدمت مشروع قرار في اوائل تشرين الثاني /نوفمبر 2002 ، لكن قرار العراق إعادة المفتشين والتعامل المنفتح والإيجابي والواقعي مع الأمم المتحدة وملفات الأزمة أديا الى إفشال ضغوط ومحاولات الولايات المتحدة وبريطانيا لاقناع الأعضاء الثلاثة الدائميين الآخرين بوضع فقرة لشن الحرب على العراق بدون الرجوع للمجلس. وصدر القرار يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 تحت رقم 1441".
وأشار الى "عودة المفتشين بموجب القرار الجديد الى العراق واستئنافهم عملهم بعد ثلاثة أسابيع، والى الجهود الجبارة التي بذلتها الجهات العراقية لسد ما تبقى من ثغرات فنية في موقف العراق كانت فرق التفتيش تتذرع بها لتعويق اي تسوية للأزمة وإدامة حالة التوتر بما يوفر الذرائع للولايات المتحدة وبريطانيا لمواصلة الضغط العسكري والإقتصادي والسياسي على العراق وتسويغ شن الحرب عليه. وقد أفلحت هذه الجهود في إفشال محاولة أخرى في 24 شباط/فبراير 2003 لإصدار قرار من مجلس الأمن يجيز شن الحرب على العراق. كما فشلت محاولات أميركا وبريطانيا المماثلة الأخرى. فأقدمتا على تنفيذ حربهما العدوانية غير المشروعة يوم 19 آذار/مارس 2003 في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".
واختتم وزير خارجية العراق قبل الغزو الدكتور ناجي صبري الحديثي ورقته بالتأكيد ان "عملية الغزو وما جرى بعدها كشف بما لا يقبل اللبس حقيقة كل قرارات مجلس الأمن التعسفية وما فرضته من حصار شامل على العراق وتدمير اسلحته وامكانياته العسكرية وانتهاك مؤسساته العسكرية والأمنية. فقد الغى مجلس الأمن في قراره رقم 1483 في 22 أيار/ مايو 2003 تدابير الحظر بما فيها لجنة العقوبات المتخذة بموجب قراره 661 لعام 1990 والقرارات اللاحقة ومنها قراره 678 لعام 1991 قبل التحقق من الهدف الذي وضع له بموجب قراره 687 أي تدمير وازالة كل ما اتهم العراق بحيازته وإخفائه وتطويره من أسلحة ومكونات ومرافق محظورة. وبذلك قدم المجلس دليلا واضحا على أن الهدف من فرض كل تلك القرارات لم يكن لتغيير أو "تصحيح" مسار سلوك النظام السياسي الوطني في العراق وفقا للقانون الدولي، كما كانت تزعم الدول الراعية لهذه القرارات، وإنما لتهيئة الظروف المناسبة لغزو العراق واحتلاله".
وتحدث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الانسانية في العراق للفترة من 1989 إلى 2000، الدبلوماسي والباحث الألماني هانز فون سبونيك، عن الظلم الذي لحق بالعراقيين جراء تطبيق اتفاق النفط مقابل الغذاء، وتساءل: كيف يمكن أن يطلق على هذا البرنامج صفة (برنامج انساني) في الوقت الذي كان كل شيء فيه يموَّل من أموال شعب العراق؟
واستعرض التعسف الأميركي في التعامل مع احتياجات شعب العراق الأساسية، في حين تم التعامل بإيجابية مفرطة مع احتياجات سكان المحافظات الكردية في شمال العراق.
وقال السيد مؤيد الونداوي في محاضرته، انه "مرت أسابيع طويلة وهو يفكر في كيفية كتابة شهادته عن واحدة من الجرائم الكبيرة التي ارتكبت بحق شعب في العصر الحديث، جريمة لا تزال اثارها ماثلة بعد 10 سنوات من ارتكابها من جانب أكثر من 30 دولة تدعي رعايتها لحقوق الانسان ونشر الديمقراطية وتمثيل العالم المتحضر".
وأضاف انه كعراقي، شاهد جيوش هذه الدول تغادر بلده بعد ارتكاب الجريمة، خارج إطار الشرعية الدولية، ولم تترك أية معلومات أو وثائق عن سبب ارتكابهم لها، ولا عن سبب انسحابهم من العراق!
وقال انه يصعب عليه تحديد أي شهادة يتقدم بها، فهناك شهادات كثيرة جدا عن مآسي الغزو والاحتلال.
وأضاف "تركت هذه الدول مسرح جريمتها يعاني الدمار مخلفة نظاما سياسيا فاشلا يقود العراق والعراقيين نحو مزيد من الانقسام والتشظي ويقف اليوم على اعتاب حرب اهلية طائفية وعرقية يمكن ان تتسع لتجر معها دول اقليم المشرق في حرب طويلة لن يكون بوسع احد ان يقرر متى يمكن ان تتوقف او يقدر كم سيكون حجم الخراب والدمار الذي سيرافقها".
وقال "كان واضحا امامي ان قيادات موظفي الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أصبحوا طرفا في التمهيد لارتكاب الجريمة البشعة المتوقعة مستذكرا شخصيتين هما هانز بليكس ومحمد البرادعي، بوصفهما، وبعد سنوات طويلة من البحث والتفتيش وتدميرهما للكثير من الامكانات العلمية العسكرية والمدنية العراقية استمرا مصرين على ابقاء ملفات الاسلحة الكيميائية والبايلوجية والذرية مفتوحة، برغم علمهما واطلاعهما بأن العراق لم يعد يمتلك شيء مما يمكن ان يوصف به بأنه "مصدر تهديد للعالم". واستذكر "اللحظات التي وقف فيها وزير الخارجية الامريكي كولن باول في مجلس الامن وفي مشهد مسرحي كان مبعث سخرية واضحة ليقدم عرضه المصور عن قدرات العراق الكيميائية والبايولوجية في محاولة منه لتشجيع اعضاء في المجتمع الدولي لمنح بلاده سببا في تغطية جريمتها القادمة".
وتابع "كان الاصرار على ارتكاب جريمة غزو العراق واضحا ولم يكن هنالك اي مسعى ومن اي طرف لمنع ارتكاب هكذا جريمة، خصوصا وقد نجحت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش من إقحام دول عديدة نأت بنفسها ولعقود طويلة في ان تكون طرفا مشاركا في جرائم من هذا النوع، كما تمكنت هذه الادارة من جمع العديد من قادة الدول العربية والاسلامية من حولها مستفيدة من قدرات وإمكانات دولهم، وهكذا كان واضحا ان مسالة غزو العراق وتحطيمه تحطيما كاملا لم تكن سوى مسألة وقت، ومن المؤسف لم ينظر احد ولم يراع اطلاقا ان بلاد ما بين النهريين هي منطقة لها جذورها الانسانية والحضارية الممتدة في عمق التاريخ، وانها في يوم ما كانت مركز الاشعاع الذي مدَّ الانسانية بالكثير من القيم والمبادئ التي باسمها جاء الغزاة لينفذوا جريمتهم، قيم سرعان ما تخلى عنها الغزاة بعد ارتكابهم لجريمتهم ومن ثم عملوا بجهد لتحويل مبرراتها الواهية الى شيء اخر (منح العراقيين حريتهم وكرامتهم) الموضوع الذي عاد على العراق والعراقيين بمزيد من القتل والدمار ونهب ثروات البلاد، ليصبح العراق المكان الذي لا يريد احد السفر اليه او العيش فيه بما في ذلك الملايين من العراقيين انفسهم ممن اصبحوا لاجئين خارج بلادهم".
ثم تحدث عن القرارات الـ 97 التي اتخذها الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، والتي كان القصد منها الغاء الوطنية العراقية وإعادة صياغة صورة الدولة ومؤسساتها على أساس تنوع الشعب العرقي والديني والطائفيقبل أي شيء آخر، كما تحدث عن النظام السياسي القائم على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والمتمثل بمجلس الحكم، وما تلاه، وعن الدستور الذي قال انه تحدث كثيراً عن الديمقراطية وحقوق الانسان، ولكنه كان يمهد بقوة للاحتراب والصراع.
وأشار إلى سرعة تشكل قوى المقاومة العراقية، وكونها تضم فصائل وطنية وقومية وإسلامية كثيرة.
وشدد على انه "كان واضحا أن سلطة الاحتلال وبعد أن حلَّت الجيش العراقي وكافة مؤسسات الشرطة والأمن الوطنية أخذت تشكل قوات شرطية للعمل تحت إمرتها، وضمَّت إليها المجرمين وأصحاب السوابق ليكونوا أول المجنَّدين، فضلاً عن السماح لميليشيات أحزابا لمعارضة بتسلم الأمور والعمل إلى جانب القوات الغازية لفرض الأمن والنظام المفقودين أصلاً، مايعني أن هناك فوضى من نوع جديد سيعانيها المجتمع" متحدثاً عن ان "كثيرا من العراقيين وجدوا أنفسهم وسط اتساع سريع لأعمال الخطف والقتل لأسباب سياسية وإجرامية، معظمها كان على يد من قبل التعاون مع المحتل ومساعدته".
وتحدَّث الباحث الونداوي عن "ظهور الجماعات المسلحة التي ترتدي الزي الرسمي وتقوم بخطف الناس وقتلهم وإخفاء جثثهم أو رميها على قارعة الطرق"، مؤكدا ان "بعض الذين اعتقلتهم القوات الأميركية تمت تصفيتهم داخل معسكرات الاعتقال التابعة لها، والتي كانت تمارس فيها أعمال التعذيب والتنكيل".
وأكد ان "قوات الغزو لم تكتف بذلك، بل فتحت الباب لجيوش أخرى لتدخل البلاد، وهي جيوش المرتزقة والوكلاء المحصَّنين ضد أي مساءلة قانونية، وعملت أيضاً على تشكيل قوات مرتزقة محلية للقتال إلى جانبها واعتبارهم نواة لتشكيل الجيش العراقي الجديد".
وأشار إلى "قيام قوات الغزو والاحتلال بإلغاء كافة الملكيات المتحققة بين عامي 1968 و 2003، الأمر الذي خلق مشكلات كبيرة متعددة وصراعات اجتماعية وسبباً للفساد الاداري والمالي وسرقة المال العام على نحو واسع".
وتحدث عن "كيفية تمكين قوات الاحتلال أشخاصا لقيادة البلاد، جميعهم ممن تعاون مع الغزاة وكانوا لوقت طويل ممن ينادون بضرورة مواصلة الحصار على شعبهم وشن الحرب عليه، وهم معروفون بارتباطاتهم بأجهزة المخابرات الدزلية وعلاقاتهم المتنية بالكيان الصهيوني، وهم يتبجحون بذلك".
وتابع " تم إضفاء صفة الارهاب على المقاومة العراقية المشروعة، فلم يسع أحد الاعراف بوجودها، كما أضفت الأمم المتحدة الشرعية على الغزو، رغم انها لم تجزه ابتداءً، ولم تعترف بحق العراقيين بمقاومته، والتزمت في تقاريرها آراء سلطة الاحتلال، ومكَّنت إدارة الاحتلال من التصرف بأموال شعب العراق ووضعتها تحت يديها،، وغضَّت النظر عن أعمال التعذيب والقتل التي تعرَّض لها العراقيون، وسكتت عن تدخل بعض دول الإقليم في الشأن الداخلي العراقي".
أما السيد رعد الحمداني، الذي كان يشغل منصب قائد فيلق الفتح المبين في قوات الحرس الجمهوري العراقية، فقدَّم عرضاً عن الوضع العسكري والتسليحي في العراق في المرحلة السابقة لغزو العراق، وتحدث عن تأثيرات مرحلة الحصار على القدرات العسكرية العراقية.
وأكد ان بريمر اصدر، بناءً على موافقة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، ثلاثة قرارات خطيرة أضعفت العراق كثيراً، هي:
1. إسقاط مرتكزات الدولة العراقية الحديثة.
2. تمزيق الإجماع الوطني العراقي.
3. تشويه مظهر الوحدة الوطنية في البلاد.
وتحدث عن تأسيس عملية سياسية ديمقراطية، وصفها بأنها "مضطربة" وعن جعل الاجنحة العسكرية لأحزاب معارضة مختلفة ايديولوجيا أساساً في بناء المؤسسات الأمنية والدفاعية للدولة الجديدة.
وأكد ان العراق بات اليوم تحت نفوذ ايراني متسع في معظم مفاصل الدولة والمجتمع والاقتصاد، وانه سيكون الساحة الاساسية في حال تطور المواجهة بين الولايات المتحدة وايران.
وخلص بعد ذلك الى تقديم شهادته عن العدوان الأميركي/ البريطاني في العام 2003، وهي شهادة من خبير عسكري لا يمكن مجاراة خبرته، لكنه، في تقديري وتقدير كثير من الذين استمعوا الى شهادته، وقع في فخٍ نصبه لنفسه عندما تناول قضايا سياسية، فقد تحدث كثيراً عن استراتيجيات سياسية قال ان القيادة العراقية اتبعتها وعن أخطاء سياسية استراتيجية رأى ان القيادة وقعت فيها، ما دفع وزير خارجية العراق الدكتور ناجي الحديثي إلى الرد عليه بالقول "عندما يتحدث الفريق رعد الحمداني عن الأمور العسكرية فهو يتحدث عن معرفة، ولكن عندما يتحدث عن التقديرات السياسية للقيادة السياسية فإن هذا يبقى في إطار التخمين والرأي فقط، لأن التقديرات التي تفضَّل بها أنا لا أدري بها، والمفروض انني أول من يعرف بها".
أما الوزيرة البريطانية السابقة كلير شورت فقد قدمت شهادتها عن المساعي التي بذلها رئيس الوزراء البريطاني بلير لتسويغ قرار المشاركة في الغزو، وعرضت سلسلة من الأكاذيب التي قدَّمها بلير في هذا الغرض، والجهد الذي بذله لتضليل الرأي العام البريطاني، والعالمي، لاحقاً، لمشاركة بوش في هذه الجريمة.
وتحدث الصحفي البريطاني جوناثان ستيلعن الخطأ الاساسي الذي ارتكبه دورج بوش وتوني بلير في العراق والمتمثل بعدم ادراكهما ان الشروع في الغزو هو عمل أحمق أصلا، وأكد انه "يزعم كثير من المحللين ان السبب الذي ادى الى نشوء الفوضى هو فشل الغزاة في إعداد خطة ملائمة لحكم العراق بعد الإطاحة بحكم الرئيس صدام حسين، والحقيقة ان هذا كان خطأ ثانويا، فحتى لو أدار الأميركيون الأمور بطريقة أكثر ذكاءً وعقلانية وكفاءة كانوا سيواجهون مقاومة كفيلة بأن تثبت انه لا يمكن وقفها".
وأكد ستيل انه "كلما زادت أعداد العراقيين الذين يعتقلون أو يقتلون على أيدي الغزاة كلما زادت شرارة المقاومة في وجههم"، وأشار الى ان "الاعلام أعطى تركيزا أكبر لصورة العراقيين من ضحايا السيارات المفخخة والانفجارات، في حين بقي ضحايا القوات الأميركية بعيدون عن عدسات الإعلام".
وتحدث عن زيادة مخاطر الارهاب العالمي بسبب غزو العراق، والى المسؤولية الأميركية، وتنظيم القاعدة لاحقاً، عن زيادة حدة الصراعات الطائفية بعد اعتماد مبدأ المحاصصة الطائفية عاملاً سياسياً في الحكم.
ورأى ان "زيادة النفوذ الايراني في العراق كان من أكبر النتائج غير المخطط لها جراء غزو العراق، حتى انه بات أقوى من نفوذ واشنطن، برغم ان سفارة الأخيرة في بغداد تضم 16 ألف موظف!".
وقبل انتهاء الجلسة الأولى جرت مساهمة بعض الحاضرين في المداخلات والأسئلة، فقدم السيد طارق الهاشمي مداخلة قال فيها إن "مبررات الغزو تقرأ من خلال النتائج التي تحققت بعد عشر سنوات، فالكل يعلم ان الولايات المتحدة ساقت من الأكاذيب والافتراءات مايكفي، لكن بعد عشر سنوات من الغزو يبدو العراق بلداً محطماً وشعبه منقسم، موارده تتعرض إلى نهب لم يسبق له مثيل بسبب الفساد، سيادته ناقصة، هل هذه هي الأجندة الخفية لغزو الولايات المتحدة للعراق؟".
وقدَّم السيد الهاشمي الشكر لجميع المساهمين، لعرضهم وضع العراق اليوم وتساءل "مالذي يمكن القيام به لتصحيح المسار؟".
وفي معرض اجابته على تساؤلٍ عن نتائج المفاوضات التي قادها بنفسه قبل الغزو مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، وماهية الموقف الدولي، وتحديداً الأميركي منها، قال وزير خارجية العراق السيد ناجي الحديثي "بعد منتصف عام 2001 حدث توجه عراقي واسع النطاق للانفتاح على الأمم المتحدة لغرض دفعها خارج سيطرة الولايات المتحدة عليها جهد الإمكان، وهي رغم كونها مهمة عسيرة إلا ان الدبلوماسية العراقية تحملتها وأدتها بنجاح، بدأنا المفاوضات مع الأمم المتحدة في ثلاث جولات، الأولى في 7/3/2002، والثانية في شهر مايو/ أيار من نفس العام".
وتابع "أما عن موقف الولايات المتحدة، ففي الجولة الأولى وجهت 19 سؤالا إلى الأمين العام وطلبت الحصول على اجابة عنها من مجلس الأمن، والتساؤلات كانت لكي نعرف موقعنا ونحدد موقفنا في موضوع تلبية المطالبات التي كانت تطالبنا بها المنظمة الدولية، رفضت الولايات المتحدة او منعت مجلس الأمن من الاجابة على تساؤلاتها المشروعة، ثم بدأت أجهزتها المختلفة، علاوة على ذلك، بالتحرش بأعضاء الوفد العراقي ومضايقتهم، وكان الوفد يضم كبار المسؤولين في التصنيع العسكري وملفات الأسلحة ومسؤولين دبلوماسيين وقانونيين، وفيه وزيران، بدأت المضايقات من السفارة الأميركية في عمان وعبر الطائرة المتجهة إلى نيويورك وفي مطار نيويورك، مضايقات واتصال وترهيب لأعضاء الوفد ومفاتحتهم عنوة لخيانة بلدهم واللجوء إلى خصمه، الولايات المتحدة، ما اضطرني بعد الجولة الثانية إلى تقديم شكوى إلى الأمين العام السيد كوفي عنان، لأن هذه التصرفات انتهاك واضح وصريح لاتفاقية المقر التي تلتزم الولايات المتحدة بموجبها بتأمين وصول سالم وآمن لممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى نيويورك، قدمت هذه الشكوى إلى الأمين العام واقترحت نقل مكان المفاوضات، وفعلا تم نقل الجولة الثالثة إلى فيينا وعقدت في تموز/ يوليو من العام 2002".
وقال "في منتصف أيلول/ سبتمبر من العام نفسه كنت في نيويورك، وفي أثناء اجتماع لوزراء الخارجية العرب حينها التمس مني عدد من الوزراء والأمين العام للجامعة العربية أن نأخذ على محمل الجد التهديد الخطير الذي أطلقه الرئيس الأميركي بوش عندما حضر الى اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة والتهديدات الموجودة، وأكدت لي هذه الالتماسات ماعلمته هناك من ان السيد كولن باول، وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، كان موجودا في مقر المنظمة الدولية يقود اجتماعات لمستشارين قانونيين أميركيين وبريطانيين لوضع مسودة قرار يجيز شن الحرب على العراق، يستخدم هذا القرار ذريعة عدم عودة المفتشين الى العراق لكي يجيز شن الحرب، بمثل ماجرى في القرار 678 في 29/11/1990، فبعثت برقية مشفَّرة الى الرئيس المرحوم صدام حسين من جملة واحدة تقول: أميركا تعد لمشروع قرار يجيز ششن الحرب على العراق بذريعة عدم عودة المفتشين، أقترح الموافقة على عودتهم. وبعد ساعتين تقريبا اتصل بي سكرتير الرئيس وقال: حصلت الموافقة وتوكل على الله".
وأكد "بدأت بمساعدة الأمين العام للجامعة العربية ممثلاً عن مجموعة الدول العربية بوضع صيغة لعودة المفتشين، مع الأمين العام وأعلن قرار عودتهم في 16/9/2002، فاستشاطت الادارة الأميركية غضباً، لأنني كنت متأكداً ان الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية لا ترغبان بعودة المفتشين وكانتا تستغلان عدم عودتهما لزيادة الضغط على العراق، فبهذا الاجراء الاستباقي أحبطنا مشروعاً لشن الحرب على العراق فهوجمت شخصياً وهوجم القرار العراقي باعتباره خديعة وكذب".
وأضاف "ثم رفضت الولايات المتحدة إعادة المفتشين إلى العراق إلا بعد إجراءات جديدة، ضمِّنت في القرار 1441، وهذا القرار كان أسوأ من كل القرارات السابقة، ولكن الولايات المتحدة وبحكم الانفتاح الواسع للعراق على المنظمة الدولية وبعد عودة المفتشين وبعد المواقف الإيجابية الأخرى، فشلت في أن تُجبِر أعضاء مجلس الأمن الدائميين الثلاث، روسيا وفرنسا والصين، على أن يُضمَّن القرار إجازة فورية لشن الحرب على العراق، كما حدث في القرار 678. ومن هنا نخلص إلى ان موقف أميركا كان ضد الحوار مع الأم المتحدة، ضد أن نلبي نحن الشروط الموضوعة، وهناك تصريحات لباتلز يقول فيها ان "مساعد ممثل أميركا في الأمم المتحدة قال له: ضع من الشروط الخلافية ولا تُبِح في الشروط التي تقدمها للعراق عن المتطلبات الحقيقية المطلوبة لكي يحسم مجلس الأمن الموضوع ويرفع الحصار عن العراق".
أما عن تساؤلٍ حول تعمد العراق للغموض حول اسلحته المحظورة، كما ورد على لسان الرئيس صدام حسين على لسان الأميركيين الذين التقوا به بعد أسره من ان العراق كان يتعمَّد ذلك لإخافة إيران، أكد السيد ناجي الحديثي انه "لاصحة على الاطلاق لما يشاع من ان العراق تعمَّد الغموض بشأن وجود أسلحة الدمار الشامل، وهذا كذب في كذب، والدول الخمسة دائمة العضوية تعلم علم اليقين منذ عام 1991 أنه ليس في العراق أسلحة دمار شامل غير الأسلحة الكيماوية التي أعلنها العراق وصرَّح بها قبل الحرب أساساً، وليس هناك غيرها، هناك صواريخ ذات مدى يزيد عن 150 كلم، وهناك تجارب في المجال البايولوجي، وكلها في إطار البحث، وليس هناك شيء غير ما أعلنه العراق، ولم تستطع كل فرق التفتيش التي زاد عدد أعضائها على 6180 مفتشاً، وقامت بأكثر من 13 ألفاً من الزيارات المفاجئة للمواقع العراقية، ووضعت مئات الاميرات واللواصق والمتحسسات على المكائن والمصانع، ولم يبق موقع، حتى معامل الدباغة التقليدية، وضعت فيها كاميرات ومتحسسات وغيرها، ولم تعثر فرق التفتيش على مايخالف الإعلان العراقي، وكان العراق يعلن صباح مساء وفي كل نشاطاته وكل اعلاناته وكل بياناته انه لاتوجد أسلحة دمار شامل لديه، وانه ملتزم بكل ماجاء في قرارات مجلس الأمن، وكل ماصرَّح مسؤول في بريطانيا أو أميركا بأن هناك موقع في المكان الفلاني توجد به أسلحة، نتحدى نحن هذا المسؤول ونقول: نحن مستعدون لاستقبال مفتشيك، وفعلنا هذا مع الكذاب توني بلير في منتصف عام 2002 عندما قال: ان هناك موقعا في المكان الفلاني فيه اسلحة، قلنا: حسناً ابعث مفتشيك ونحن مستعدون لاستقبال مفتشيك ليفتشوا هذا المكان، ورفض، وقلنا هذا للكونغرس الأميركي، وكلما تحدث أحد من هاتين الادارتين بشيء عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، نقول له: نحن مستعدون لاستقبال مفتشيك وخبرائك، فليأتوا إلى العراق ونحن نقدم لهم كل التسهيلات ليروا بعينهم انه لايوجد هذا الشيء".
وأكد "أما ان الرئيس المرحوم صدام حسين أخبر المحققين، أولا، التحقيق مع أسير حرب انتهاك لاتفاقيات جنيف، لاتجيز اتفاقيات جنيف التحقيق مع أسير حرب، والأسوأ من هذا الانتهاك أن تُدَسُ عبارة في هذا التحقيق وينشر في الإعلام، والعبارة التي دُسَّت هي: ان الرئيس المرحوم صدام حسين قال للمحقق: نحن كنا نُوهِم العالم بأن لدينا أسلحة دمار شامل لكي نردع إيران. لاحظوا الكذب والافتراء، والهدف من هذا هو تبرير هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الولايات المتحدة ومن تحالف معها بحق شعب العراق بالقول اننا لم نكن ندري، المسؤولون العراقيون أنفسهم كانوا يوهمونا، الحكومة العراقية كانت تُوهنا، ونحن لاندري، الرئيس العراقي يقول كنا نوهم العالم، وهذا طبعاً كذب. الغرض من نشر هذا التحقيق هو فقط تمرير هذه العبارة المدسوسة عمدا في الكلام، وهو عمل مقصود طبعاً".
وأجابت السيدة شورت عن تساؤلٍ لكاتب السطور مفاده "كيف يمكن استثمار الاعترافات الجديدة والمتتالية لقادة دول العدوان الأميركي/ البريطاني على العراق في تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة الدولية؟" حيث أجابت بقولها "مع أن كثيرين في بريطانيا وحول العالم يرغبون برؤية بلير في المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما لايتوقع حصوله في حياتنا، إلا هناك أشكالاً كثيرة للعدالة، ومنها المواقف الشعبية المتنامية في تجريم الغزو والاحتلال وفي النظر إلى مرتكبيها على انهم مجرمي حرب، وأن هذه الجرائم تلتف حول أعناقهم، فالجميع يهاجم بلير أينما ذهب حول العالم، بسبب مهاجمته للعراق، كثير من البريطانيين يتمنون رؤيته مقدماً للعدالة، وإذا لم يحدث هذا فلا يعني انه لن يحاسب، ومع تقديم مزيد من الحقائق فإن الشعوب ستكون أكثر غضباً إزاء ماحصل".
يتبع في حلقة ثالثة رجاءً..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق