علي الكاش
(لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
الإنتفاضات والإعتصامات الشعبية تستمر كوميض الفنار منبهة من تداعيات الإنحرافات الخطيرة في بوصلة الحكومة عندما تحيد عن سياسة التعقل والرشاد وتعادي الجماهير أو تقف سدا منيعا أمام مطالبها المشروعة التي تتوافق مع الدستور والقوانين النافذة.
إنها تعبير شعبي صارخ من خضم المعاناة للإعلان عن حالة الطوارئ والتحذير بوصول موجة العنف والظلم والفساد الحكومي إلى اعلى مستوياتها وبما لا يمكن السكوت عنه بأي حال من الأحوال.
ومن المؤسف إن تستهين الحكومات المستبدة بهذه التحذيرات أو تتخذ تدابير متعسفة وقسرية ضد الإنتفاضة فتزيد من قوتها وتصاعدها وربما تجعلها تنعطف إلى مسارات جانبية حادة فيها خسارة وطنية فادحة لكل الأطراف.
بعض الزعماء لديهم قناعة تامة بأن بوصلاتهم تؤشر الأحداثيات الصحيحة وغيرهم على خطأ. محتكرين لأنفسهم الرأي كاملا والحقيقة غير منقوصة. ولا يكلفون أنفسهم عناء الإستماع للرأي الآخر عسى أن يكون فيه صلاح الأمة! في حين أن الحكمة التي تصلح في الأجواء العاصفة والضبابية في بلد مثل العراق هي: أرجح رأيي على الصواب مع إحتمال الخطأ و ارجح رأي من يعارضني على الخطأ مع إحتمال الصواب.
قبل عملية إنتخابات مجالس المحافظات إنصبت دعاية دولة القانون في العزف على الوتر الطائفي كالعادة لإستمالة اخواننا الشيعة إلى صف الحكومة وأحزابها النتنة.
وكانت الصفعة الكبرى في وجه المالكي وحزبه العميل من قبل المحافظات ذات الأغلبية الشيعية التي كان يعتقد جازما إن أمرها محسوم لصالحه. ففي كربلاء والمثنى وذي قار كانت الرياح معاكسة تماما للمالكي. على سبيل المثال في مؤتمر إئتلاف دولة القانون في محافظة ذي قار كان البرنامج الإنتخابي لدولة القانون قد أنصب في التهجم على المنتفضين من أهل السنة بدلا من إشاعة روح المواطنة والتسامح والأخاء بين صفوف الشعب الواحد.
ولا شك إن الحديث بتلك الصيغة الطائفية المنبوذة إنما هو تعبير عن الإفلاس السياسي لدولة القانون وبرنامجها الإنتخابي المضبب. الشعب يريد برنامج واضح عن حقوقه المغتصبة وتوضيح عن خطط الدولة القادمة، والمشاريع التي يمكن أن تنهض بواقع المحافظات المتدهور والتي تعاني من التخلف والفقر والبطالة وانتشار الأمية وسوء الإدارة والفساد الحكومي، وليس التهجم على الشركاء في الوطن، ووصفهم بكلام لا يصدر إلا من أولاد الشوارع. لا يوجد في العالم كله دعاية إنتخابية لحزب ما يتهجم فيها على الشعب بدلا من إستمالتهم إلى صفه.
لقد وصف المالكي المتظاهرين بالمتمردين، محذرا أياهم "إذا لم يعودوا إلى التفاهم على أساس الدستور والوحدة الوطنية، بدلاً من التهديد بالقوة" ولا نعرف أية جهة قد هددت المالكي بالقوة؟ ومن هي الجهة الحقيقية التي تمتلك عناصر القوة؟ ومن الذي قال "سينهوُن إذا لم ينتهوا"؟ وكذلك قوله لقد "صبرنا عليهم كثيراً لأنهم أخوة لنا ولكن عليهم أن يعتقدوا إن جدَّ الجد، وانتهت الفرصة، ولم تعد الحكمة تنفع مع هؤلاء المتمردين فسيكون لنا حديث آخر وللشعب العراقي موقف لن يكون بعيدا".
عجبا لهذا الرجل! من الذي تحلى بالحكمة الثوار أم هو وقواته الطائفية؟ ومن الذي صبر الحكومة أم الشعب؟ ومن الذي كان يراوغ خلال الأشهر الأربع الماضية؟ ولا نفهم أيضا ما دخل الشعب العراقي بسياسة المالكي حتى ينصب نفسه ناطقا بإسمهم؟ وهل المنتفضون هم من غير الشعب العراقي مع إنهم يمثلون ست محافظات عراقية كبيرة؟
أما قوله "لكن الحرص على دماء العراقيين ربما يقتضي منا موقفاً مسؤولاً في محاسبة كل الذين يخرجون عن القانون" فهو أمر أعجب من سابقه!
أليس الدستور يكفل حق التظاهر؟ إذن كيف يطلق عليهم وصف (خارجون عن القانون)؟ ثم أي حرص على دماء العراقيين وقد قتل جنده الصفويون الكثير من المتظاهرين العزل الأبرياء، ولم يُمثل المجرمون أمام القضاء لنيل الجزاء العادل.
يبدو إن إخواننا الشيعة تفهموا أخيرا، جيدا، سياسة المالكي القائمة على التحريض الطائفي وزرع الفتنة مع أشقائهم من أهل السنة.
إن تجربة حكم الشيعة في العراق تجربة مريرة ولن تمح من الذاكرة التأريخية مطلقا وهي تمثل خسارة للشيعة قبل غيرهم، فقد خاب الظن بزعمائهم من أتباع آل البيت ولم يظن أحد إن قادة أتباع آل البيت ليسوا سوى لصوص وقتلة ووقطاع طرق وخونة ومنافقين.
لذا كانت صحوة جيدة ومبادرة طيبة من شيوخ العشائر في ذي قار بإرسالهم رسالة إعتذار إلى أخوانهم من أهل السنة في المحافظات المنتفضة، مؤكدين فيها دعمهم المعنوي لمطالبهم، والبراءة من تفاهات المالكي وهذيانه الطائفي.
مع تصاعد حدة المنافسة المليونية على مناصب مجالس المحافظات، بدأت عملية تصعيد التصفيات الجسدية بكواتم الصمت الإيرانية للعديد من المرشحين السنة فقط! حيث أستهدف (14) منهم. ولم يستهدف أي مرشح من الشيعة لأسباب معروفة. لا يمكن بالطبع إستساغة الإستماع إلى الإسطوانات الحكومية السابقة كالتكفيريين والقاعدة وازلام النظام السابق وغيرها من أوصاف عبيد الخامنئي في العراق. سيما إن الوجوه المرشحة التي تمت تصفيتها كانت تشكل هاجسا لحزب المالكي بسبب قوة شعبيتها وإمكانيتها على حلب المزيد من الأصوات لصالح الأحزاب التي تنتمي إليها.
ومع إنتهاء عملية الإنتخابات الفاشلة وفق كل المقاييس الدولية والدستورية والأخلاقية، وما صاحبها من إنخفاض في نسبة المصوتين وتهويل عددهم رسميا إلى 50% وما صاحب العملية من خروقات صرحت بها المفوضية العليا للإنتخابات نفسها والعديد من المراقبين علاوة على ما سيتبع ذلك من خروقات قادمة خلال عمليات الفرز حتى إعلان النتائج المحسومة مسبقا لصالح دولة القانون. مما جعل بعض الزعماء يطالبون بإعادتها وتحت رعاية الأمم المتحدة مع إستبعاد كوبلر نهائيا الذي حسم ولائه لأتباع آل البيت وتقليد السيستاني. فإن الأوضاع السياسية الراهنة كانت تنذر بغيوم داكنة نتيجة الأمن المفقود، وفشل مجلس النواب في إستضافة المالكي الذي رفضها قلبا وقالبا فوضع النواب ورئيسهم العتيد في موقفٍ مخزٍ للغاية. وهم يستحقون ما لحقهم من عار، لقد فرعنوا بضعفهم المالكي فخرج عن طوعهم وأمست السلطة التشريعية مطية له. وقد وصلت الوقاحة بالمالكي ليصف بعضهم بأنهم مجرمون وإرهابيون ولم يفتح أي منهم فمه! وهذا يعني إما إنهم فعلا كما وصفهم المالكي، أو إنهم جبناء، وكلا الصفتين لا تليق بممثلي الشعب.
اتخذت تهديدات المالكي، وقبله تلمحيات صادرة من اركان حزبه العميل كعلي الزندي وعزت الشاه بندر (إيرانيان) بإستخدام القوة ضد المنتفضين، طريقها للتطبيق الفعلي، وأتخذ الأمر مسارين:
الأول: عبر المليشيات الحكومية وكان ضحاياها الكثير من المرشحين وشيوخ الجوامع ومواطنين عاديين كما جرى في تفجير مقهى العامرية الذي أودى إلى إستشهاد العشرات من شباب من أهل السنة. وإذا خرج لنا من ينهق بأنها من تنفيذ القاعدة وازلام النظام السابق سنقول له أخزاك الله من إدعاء، وسنطلب منه أن يحلف برأس خامنئي إلهه بصدق كلامه.
ويبدو إن المالكي بسبب صدمته من موقف الجماهير الشيعية من عملية التصويت وعزوفهم عن المشاركة فيه والتي ستنعكس نتائجه حتما على حزبه العميل. وفشل المرجعية الشيعية الذريع في دعوتها لحث انصارها على التصويت بعد أن كانت هي وراء تزكية الرؤوس الحاكمة العفنة لدى اتباعها في الإنتخابات السابقة. علاوة على فشل دعوة البرلمان في إستضافة المالكي وتصاعد الحدة الجماهيرية الغاضبة في المحافظات السنية، وتزايد النقمة الدولية على حالات الإعدام التي يصر الوزير الشمري بكل وقاحة ورعونة على تحدي الإرادة الدولية وجعل العراق أول دولة في العالم بإعدام مواطنيها في منافسته لدولة الفقيه. فقد شُبه العراق بسلخانة. حيث ذكر الخبير في منظمة العفو الدولية (كارستن يورغستون) بأن أحكام الإعدام وممارسات التعذيب في السجون الحكومية العراقيةتنفذ بشكل طائفي واضح. معربا عن قلق المنظمة من تفاقم ظاهرة الإعدام بناء على الاعترافات القسرية التي تنتزع من المتهمين تحت التهديد. مضيفا" إننا ندين هذه الممارسات غير العادلة التي يتعرض لها المعتقلون في السجون الحكومية".
كما وزعمركز جنيف الدولي للعدالة بيانا على وسائل الإعلام في الأمم المتحدة يوم 19/4/2013 تضمن إدانة شديدة من الأمم المتحدّة لإستمرار عمليات الاعدام البشعة التي تنفذها السلطات العميلة العراقيّة بإصرار من المسمى وزير العدل حسن الشمّري ، واوضح البيان إن المفوض السامي لحقوق الانسان (السيدة نافي بيلاي) وصفت ما يجري في العراق من عمليات اعدام بأنه "اشبه بذبح الحيوانات في مسلخ". العجيب إن ممثل كي مون في العراق مارتن كوبلر لم ينطق بحرف واحد حول الإعدامات، كأنه موظف في وزارة الشمري للعدل المفقود!
الثاني: هذه المتغيرات جعلت المالكي بحاجة ملحة لأزمة جديدة بشغل بها نفسه والآخرين، فكانت الضحية الجديدة لسياسته الهوجاء ساحة اعتصام الحويجة التي شهدت يوم التاسع عشر من شهر نيسان الجاري اشتباكات قرب نقطة تفتيش مشتركة لقوات الجيش والشرطة قريبة من ساحة الاعتصام. فقد اتهمت قيادة الجيش المتظاهرين بالهجوم على النقطة، والتسبب في المعركة حسب تسميتها كإنهم في حالة حرب! حيث قتل جندي وأصيب آخران. في حين أكد المتظاهرون بأن الجيش هو المسؤول عن الحادث، وقد نجم عن إعتدائهم الآثم مقتل أحد المتظاهرين وجرحاثنين. بالطبع لا أحد يثق بكلام قادة الجيش فلهم سجل حافل من الكذب والتلفيق وترويج الأكاذيب لدعم سياسة الحكومة الطائفية.
الأغرب منه هي محاولة تبرير الهجوم على المعتصمين، حيث فبرك قائد الفرقة 12 في عمليات دجلة، اللواء الركن محمد خلف الدليمي (لاحظ كيف يستخدمون الضباط السنة لقمع السنة) كذبته قائلاً إن "عمليات دجلة تلقت مناشدات من 150 عائلة من أهالي قضاء الحويجة لقوات الجيش العراقي بإنفاذ ابنائهم المحتجزين في ساحة اعتصام الحويجة منذ يوم الجمعة الماضية وإن 150 شابا أرادوا الخروج اليوم من ساحة الاعتصام في القضاء، لكن قياديين في ساحة الاعتصام هما خالد صبار العبز والناطق باسم معتصمي الحويجة حامد الجبوري هددوهم بالقتل".
وفرض القائد الخراساني الحصار على أبناء شعبه وملته بحرمانهم من الماء والغذاء والمساعدة الطبية للجرحى والمسنين والحوامل. وقد شبه مفتي العراق الوضع كإنه "حصار جيش ابن زياد لجيش الحسين في كربلاء".
وفي تبرير سخيف لاحق من قبل قائد القوات البرية (علي غيدان) إتهم فيه ثوار الحويجة بمحاولة إغتياله. علما إنه لم يعلن قبل إدعائه عن أية محاولة لإغتياله. وهذا يذكرنا بإدعاء الوزير الشمري بإنه أعدم خمسة أشخاص لمحاولتهم إغتيال رئيس الوزراء المالكي، وهي إكذوبة فلم يعلن أي مصدر حكومي أو غير حكومي تعرض المالكي لمحاولة إغتيال!
اندفعت أرتال الجيش المهلهل ومدرعات وطائرات أتباع آل البيت للمشاركة في الهجوم على الأعداء من أهل الحويجة! ولا نعرف أين كانت هذه القوات عندما اغتصبت إيران والكويت أراض عراقية؟ ألم يكن مسعود البرزاني على حق عندما ارتاب في تسليح الجيش وصرح بأنه سيستخدم ضد الشعب وليس للدفاع عن الوطن؟ هل هذا جيش للوطن أم للطائفة ام للمالكي؟ ألا يحق بعد ذلك إستهداف عناصره المجرمة من قبل المقاومة العراقية الباسلة؟ ألا تفوا على هكذا جيش وألف تف.
لقد أصدر الأب الروحي للإنتفاضة الشعبية المجيدة سماحة الشيخ الدكتور عبدالملك السعدي، أدام الله ظله، بيانا هاما وضع فيه النقاط على الحروف "يؤسفني أن أقول لكم: لقد خرجتم أيها العسكريون عن الهدف الأساس الذي ينبغي أن لا تحيدوا عنه، فضايقتم المتظاهرين، ووجَّهتم سلاحكم نحو صدورالأبرياء العُزَّل، وأوقعتم فيهم الشهداء، وحاصرتم أهل الحويجة حصارا يُسَجِّلُه التاريخ عليكم بالمهانة والجريمة، وتصرفتم معهم تصرفا غير إنسانيٍّ، فمنعتم عنهم الماء والطعام والدواء فسقط منهم المرضى والعجزة والأطفال والحوامل جوعا وعطشا، في كارثة لا يتسبب بها إلا المجرمون الذين لا يقيمون للإنسانية وزنا ولا للدين احتراما، فأين شرفُ العسكرية؟ وأين عهدُ الله الذي عاهدتم" وبلهجة تحذرية حاسمة قال" إنني أُحَذِّرُكم كلَّ التحذير من هذا الذي ترتكبونه مع المتظاهرين عامة، ومع أهلنا في الحويجة خاصة، وأُحَذِّرُكم بطشَ الله بكم فإنَّ بأسهُ لا يُردُّ عن القوم المجرمين الظالمين، وأُحَذِّرُكم من غضبِ المتظاهرين المجاهدين الذين طال صبرهم على ما يواجهونه من الحكومة العراقية من ظلم وقهر واعتقال وإعدام واغتصاب وتهديد، وأنتم أيها العسكريون تزيدون النار وَقودا بفعلكم هذا مع أهل الحويجة، في وقوفكم مع الجلاد ضد الأبرياء، فقد طفح الكيلُ، ولم يبقَ في قوسِ الصبر مَنْزَع".
لقد قرع سماحة الشيخ جرس الإنذار للحكومة وقواتها النتنة وهي خطوة سابقة لإعلان الجهاد المقدس وعلى كافة القوى الوطنية المقاومة التحضر لساعة الحسم. إن ساعة الصفر ستحل آجلا أم عاجلا طالما إن الحكومة تصعِّد من وتائر العنف المسلح ضد شعبها، وتنفذ أجندة صفوية واضحة المعالم لا ينكرها إلا ذوي الضمائر النجسة. إن جميع قوى المقاومة الوطنية الآن على المحك.
هذا هو الميدان والسيف أصدق إنباءً من الكتب. فعيون الشهداء واليتامى والأرامل والسجناء والحرائر المغتصبات تتطلع للمجاهدين. ودماء شهداء مقهى العامرية لم تنشف بعد وتتطلع إلى الثأر. فهل من مجيب؟
كلنا عيون نتطلع بشغف إلى ردة فعل المقاومة الوطنية البطلة، ونأمل أن يتجاوز هذه المرة القول إلى الفعل. علما إنه لحد الآن لم نستمع إلى رد قوي وفاعل سوى من رجال الطريقة النقشبندية، وهم عند الوعد الحق، دائما وأبدا كما عودوناـ
رجال ونعم الرجال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق