عمر الكبيسي
أولا : الساسة العراقيون الإسلامويين الذين انضموا للمشاركة في عملية غزو العراق وشاركوا فيها بعد تردد وخجل قبل بدء العمليات العسكرية بفترة وجيزة مقارنة بغيرهم من أقطاب تجمعات المعارضة العراقية الليبرالية والوطنية! أصبحوا بعد وقوع الغزو أشد المتشبثين به وبالعملية السياسية التي فرّخها لهم هذا الغزو، والذي بدوره سعى لتكليف هذه القيادات الدينية أحزابا وشخوص بتبنيها وتنفيذها بعد انسحابهم العسكري، ما السر في ذلك؟ وكيف أصبح هؤلاء الإسلامويون الذين اقترفوا إبان تواجد الاحتلال العسكري لسنوات أبشع صور الإرهاب والعنف والفساد بشعارات طائفية ومذهبية أولى من غيرهم بتولي السلطة والوصاية على تنفيذ مشروع الاحتلال بعد الإنسحاب؟
ثانيا : الساسة العراقيون الإسلامويون المتشبثون بالغزو الأجنبي (سنة وشيعة) لم يجدوا مبررا لمساندتهم ومشاركتهم بعملية غزو أجنبي على قطر عربي مسلم كالعراق الا ما برره من قبل أدعياء ومراجع للغزاة بأفضلية الحاكم الكافر العادل على الحاكم الظالم المسلم وهو ما يقع تحت تبرير المظلومية وتحقيق المصالح، وبهذا التبرير يرى الاسلامويون ان الاسلام لا تحده حدود ولا ما يسمى بوطن او تراب والدولة الدينية التي يطمحون لتحقيقها قد تكون بقعة صغيرة او مدينة تقام فيها طقوسهم وحكومتهم إليها يلجئون وبها يبشرون. ومن هذا المنطلق يبرر الإسلامويون أيضا إقامة الإقليم مهما كان حجمه وكثافته كما يكتبون في إرثهم السياسي لتحقيق هذه الدولة.
ثالثا : أميركا ومحميتها الصهيونية تعرف جيدا ان وجود عناصر سلطة دينية مذهبية سياسية في العراق بعد انسحابها ، ستثير حفيظة صراع مذهبي ويستقطب اقليميا ايران وتركيا والخليج وأنظمتها الحاكمة وبالتالي فان مثل هذا الصراع المذهبي سيفضي الى دمار المنطقة وتقسيمها الى أقاليم ودويلات مدن وطوائف ، مقارنة بإمكانية تحقيق هذا التقسيم قي ظل سلطة أحزاب وطنية أو قومية وتمريره أمر صعب المنال لأن وحدة الوطن والتراب في ظل السلطة القومية أو الوطنية يشكل ركيزة الدولة وليس تفتيتها وهذا ما لا يحقق امن إسرائيل ولا أمريكا هيمنتها وتفردها بالثروة .
رابعا :لقد طالب السيد محمد باقر الحكيم زعيم المعارضة الدينية الشيعية منذ انعقاد مؤتمر المعارضة الاول في بيروت عام 1991بوضع جنوب العراق برمته تحت حماية المظلة الدولية كما تم تبني مشروع الفدرالية في تشرين الثاني عام 2002 في مؤتمر لندن لعراق ما بعد الاحتلال بحضور ممثلي المعارضة الاسلامويين شيعة وسنة ، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز اواخر عام 2003 تصريحا ل (ليزلي غالب الرئيس الفخري للعلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي) حول مشروع تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات بعنوان : ( الدول الثلاث في العراق هو الحل ) ، تماما كما كتب مؤخرا الدكتور عدنان الدليمي مقالا في صحيفة الغد الأردنية بتاريخ 2 نيسان 2013 مقالا بعنوان (الأقاليم هي الحل ). وهو نسخة من قرارمجلس الشيوخ الامريكي (مشروع بايدن )غير الملزم في 26 ايلول 2007 والقاضي بتقسيم العراق الى 3 كيانات حسب الانتماء الطائفي العرقي تربط بينها حكومة اتحادية محدودة الصلاحية تتولى حماية الحدود وتوزيع واردات النفط.
توالت دعوات الساسة الاسلامويين بعد الاحتلال بالدعوة الى إقامة الأقاليم ،السيد عبد العزيز الحكيم بالذكرى الثانية لمقتل والده عام 2005قال (نعتقد انه من الضروري إقامة دولة واحدة في الجنوب) وقال زعيم منظمة بدر هادي العامري في نفس المناسبة (يجب ان تكون للشيعة فيدرالية في الجنوب لتضمن حقوقهم والتي يحاول الاعداء حرماننا منها) وهذا نص لما نقله احد المواقع حول تصريحات السيد الحكيم وردود الفعل على تصريحاته:
"جدد الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، مطالبته باقليم في وسط العراق وجنوبه، معتبرا ان هذه الخطوة تشكل ضمانة بعدم عودة الديكتاتورية".
وقال الحكيم خلال مشاركته في احتفالات ذكرى مولد الامام المهدي في كربلاء،" ان الذي يقبل باقليم كردستان عليه ان يقبل باقليم في الوسط والجنوب وبغداد واقاليم اخرى ".
واضاف ان "الفدرالية مطلب جماهيري ندعمه بقوة لانه ضمانة لعدم عودة الديكتاتورية ويحق للجميع التمتع بهذا الحق (...) فالفدرالية تؤدي الى استقرار الاوضاع في العراق وهي امل العراقيين"
واستشهد بـ"نموذج الفدرالية في كردستان التي تشهد نهضة كبيرة وهي دليل على نجاح هذا النظام ". وغالبا ما يطالب الحكيم، رئيس قائمة الائتلاف الموحد (128 مقعدا في البرلمان)، بإقامة فدرالية الجنوب والوسط .
وفي غضون ذلك، قال عدنان محمد سلمان الدليمي رئيس جبهة التوافق (44 مقعدا في البرلمان) "ليس هناك أي مبرر لإقامة إقليم في جنوب العراق سوى الطائفية.
وأضاف في بيان تلقت وكالة فرانس برس منه نسخة منه ان "جبهة التوافق لا يمكن أن تقبل بإقامة إقليم في الجنوب كون ذلك سيؤدي الى استحواذ دولة خارجية لها أطماع تاريخية في العراق على هذا الإقليم" في إشارة الى إيران.
وتابع "نحن نعارض ذلك المبدأ كونه سيؤدي الى تقسيم العراق.
وأكد الدليمي ان "هناك أطرافا كثيرة تسعى الى إجراء تعديلات على الدستور الحالي وجبهة التوافق في مقدمتها فنحن نعترض على ما جاء في الدستور بالنسبة لموضوع الاقاليم والفدرالية وتوزيع السلطات ومدى ارتباط المحافظات بالحكومة المركزية) .
كذلك طالب عمار الحكيم في تشرين الأول عام 2007 بتشكيل إقليم جنوب العراق، الصدريون وهم التيار الإسلاموي الشيعي الوحيد الذي التف حول السيد مقتدى الصدر بعد الاحتلال والذي أعلن رفضه بإصرار للفدرالية وإقامة الأقاليم منذ طرحها كمشروع إدارة بعد الغزو ولا زالوا متمسكين بموقفهم لغاية اليوم .
الدكتور عدنان الدليمي الذي انتمى لحركة الإخوان المسلمين منذ نعومة أظفاره في خمسينيات القرن المنصرم وتدرج في التدريس والتحصيل حتى أصبح عميد كلية وأستاذا في اللغة وقضى 9 أعوام في الأردن، عاد إلى العراق بعد الغزو مباشرة، وشارك في العملية السياسية بتمثيله للمكون السني الاسلاموي وترأس كتلة التوافق السنية مع زعامات الحزب الإسلامي المتمثلة بالدكتور محسن عبدالحميد وطارق الهاشمي الذي ساهم في إقرار الدستور بعد رفض السنة العرب له بسبب نصوص الفدرالية فيه ودعى لقبوله قبل موعد الاستفتاء على الدستور بساعات في 10 اكتوبر 2005 ولم يكن ذلك مستغربا اذا ما تذكرنا موقف الحزب الإسلامي من قضية تبني الفدرالية في مؤتمر لندن عام 2002 .
اعتزل الدكتور عدنان الدليمي انتخابات عام 2010 وتمت ملاحقته بعد ان سجن ابنيه وحماياته بتهمة الإرهاب وعاد الى عمان متربصا للظرف المناسب كما صرح ليستعيد نشاطه السياسي، ثم ليصبح واحدا من أعتى الدعاة للفدرالية والإقليم السني وأشدهم تمسكا بها أواخر عام 2011، وهذا نص منشور لأول تصريح له حول دعوته للإقليم :
قال عدنان الدليمي في برنامج (بين قوسين) على فضائية السومرية، في أيلول 2011 إن “القيادات السنية غيرت موقفها من الرفض الشديد لمشروع الأقاليم إلى المطالبة بالفيدرالية، بعد أن وجدت فيه مصلحة لأبناء السنة”.
وأوضح الدليمي أن “سبب التحول في موقفنا من الرفض إلى المطالبة بالفيدرالية، هو إضعاف الحكومة المركزية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية كون تقوية الحكومة ليس من مصلحة أبناء السنة”، مستدركا بالقول “السياسة ليس فيها ثوابت والمصالح تتغير وفقا للمصلحة التي تراها هذه الجهة السياسية أو تلك”.
وبين الدليمي أن “جبهة التوافق السنية التي كان يتزعمها كانت تعتقد في ذلك الوقت أن مشروع الأقاليم الذي يتبناه الشيعة، هدفه تقسيم العراق لصالح جهات خارجية لديها مصالح في العراق وتريد أن تصنع إقليما محاذيا لها تستطيع أن توجهه وتتحكم به”، مؤكدا أنه “ثبت لنا الآن أن من مصلحة أبناء السنة أن يطالبوا بالأقاليم لأنه ليس من مصلحتنا تقوية المركز ولا سيطرة الشيعة على العراق”.
ولفت الدليمي في هذا الصدد إلى انه استضاف مؤخرا اجتماعا بعض القادة السنة في منزله بالعاصمة الأردنية عمان لمناقشة إقامة إقليم سني في العراق، إلا انه استدرك بالقول “كان اجتماعا واحدا فقط ولم أبد رأيي في الموضوع”.
وكانت جبهة التوافق السنية التي يتزعمها عدنان الدليمي التي حصلت على 44 مقعدا من مقاعد البرلمان السابق والبالغة الـ275، انسحبت من الجلسة التي شهدت إقرار قانون تكوين الأقاليم في 11 تشرين الأول من العام 2006، وسط اتهامات أطلقتها الجبهة بأن الائتلاف العراقي الموحد الذي تبنى المشروع مع التحالف الكردستاني بأنه يريدون تقسيم العراق، وطعنت جبهة التوافق حينها بطريقة إقرار القانون وهددت باللجوء اإلى المحكمة الدستورية للطعن في دستورية إقرار القانون .
واتهم الدليمي الذي كان اتهم بدوره مع عدد من أبنائه بأنهم كانوا وراء الصراع الطائفي الذي شهدته بغداد خلال أعوام 2005 و2006 و2007، الحكومة المركزية بأنها “طائفية لا تريد لأبناء السنة أن ينهضوا ويتقدموا”، معتبرا أن “كل المحافظات السنية مهمشة من الناحية العمرانية، والحكومة المركزية تحارب جميع أبناء السنة وتتطاول عليهم”.
ومنذ انطلاق دعوة الدليمي لإقامة الإقليم تبنى دعاة إسلامويين فكرة الإقليم السني مثل د. طه الدليمي و د.محمد عياش الكبيسي وقيادات الحزب الاسلامي وساندهم في ذلك بعض زعماء الصحوة والعشائر في حين تصدى كبار فقهاء السنة وهيئة علماء المسلمين امثال د. عبد الكريم زيدان ود. عبد الملك السعدي ود. حارث الضاري وغيرهم من المفكرين الإسلاميين رفضهم المطلق لفكرة الفدرلة والتقسيم واقامة الاقاليم، واعتبروها دعوة فاسدة من صنع الصهيونية والإدارة الأمريكية يقصد بها تمزيق وحدة الأمة وإضعافها، مما أدى الى هفوت هذه الدعوات ونكوصها.
خامساً: انطلاقة التظاهرات والاعتصامات في المحافظات السنية للمطالبة بحقوقها المشروعة من حكومة المالكي بشكل سلمي وجماهيري شكلت تغييرا جذريا ونوعيا في شكل وإجماع المعارضة السياسية ونجاحا باهرا في كسر شوكة السلطة المتعندة وإزالة عامل الخوف منها مع انها لم تنجح لغاية اليوم في كسب الشارع الشيعي في مساندته للمطالبة بهذه الحقوق وبالمستوى المطلوب لأسباب عديدة لكن المعتصمون والمتظاهرون اظهروا موقفا صلبا بإصرارهم على الاستمرار بالتحشيد لها وبشكل سلمي مهما طال بهم الزمن وبالرغم من مرور أكثر من مئة يوم عليها واستمرار تعنت السلطة بأساليبها التسويفية بعدم الاستجابة . في هذه الأجواء العصيبة بدأت خطابات المطالبة بإقامة الإقليم السني تظهر ثانية تارة تحت مظلة التبرير بالتهديد وتارة بالتنظير وكأنها تشكل الحل لأزمة المتظاهرين، عندما بدأت التظاهرات كانت لافتات المنصات واضحة بعدم الذهاب الى الطائفية والتقسيم . حاول السياسيون المتشبثون بالعملية السياسية ودستورها البغيض الدخول على منصات المتظاهرين برفع شعار الإقليم وكأنه حل لعناد السلطة تجاه عدم استجابتها للمطالب وقد رد سماحة الشيخ السعدي بفتوى جديدة حرم فيها استغلال ساحات المعتصمين واختراقها بذريعة الفدرالية كحرمة الفدرالية نفسها ، واستجاب المتظاهرون والمنادون بالأقاليم من علماء وشيوخ ومفكرين لهذه الفتوى والكف عن إثارتها فجبوا بهذه الاستجابة الغيبة عن أنفسهم، كون أن المتظاهرين لم يخرجوا الى الساحات من أجل المطالبة بإقامة أقاليم وتمزيق وحدة العراق وإنما لحقوق مشروعة معلنة تتعلق بعيشهم وبنيتهم وتعامل السلطة الطائفي معهم .
خامساً : لماذا يثير الدكتور عدنان الدليمي قضية الأقاليم للمرة الثالثة ويهمز ويتوعد في مقاله المنشور بالأمس (صحيفة الغد 12 نيسان 2013) بأنه على يقين ان المعتصمين سيرفعون مطلب الإقليم في ساحاتهم، لأنه هو الحل لمشاكلهم ؟ أليس في هذا المقال شحنة فتنة تتزامن وتتوافق مع تصريحات وتهديدات المالكي المعلنه تكرارا وظلما بأن التظاهرات ذاهبة الى التقسيم أو الحرب الطائفية ، وكأن منهجيته للتعامل مع الساحات لا تشكل الدفع باتجاه هذه المخاطر!
ألا يشكل نشر هذا المقال بالتزامن مع زيارة اللجنة القانونية للولايات المتحدة ومقابلتها لبايدن ومسؤولي وزارة الخارجية وتصريحات النائب خالد شواني رئيس الوفد بأن (الوفد مقتنع بأن إقامة الأقاليم الثلاثة هو الحل الأمثل للحفاظ على العراق!) رسالة لأصحاب القرار بأن الإسلامويين السنة المتشبثون بالغزو الأمريكي لا زالوا على عهدهم بتحقيق التقسيم وإقامة الأقاليم كما اتفقوا في مؤتمر لندن البغيض؟ .
ملايين المتظاهرين يا دكتور عدنان لو كانوا يطالبون بالإقليم أو لو صدقوا أن بالإقليم نجاتهم كما ادعيت، لكانت ملايينهم خرجت تؤيد نداءاتك منذ سنين ، إن ملايين المتظاهرين لم تعد تثق بساستها ولا بالمحتلين ولا بالعملية السياسية ولا بالدستور الذي كتبه الغزاة وتبرر به دستورية الإقليم وقد اعترف بذلك شركائك السابقون في كتلتي التوافق والعراقية أنفسهم وصرحوا واعترفوا بفشلهم واعترفوا بغياب الدولة وخيبة العملية السياسية ، فهل ترى في جهودك ولقاءاتك ومقالاتك من يصدقك بشرعية الدستور ومصداقية السلطة والالتزام بصلاحيات الحكومة المركزية بالتعامل مع الإقليم الذي تدعوا إليه ؟. ومتى أصبح إقليم كردستان مضرب مقارنة بالإقليم الذي تنظر له ؟، لماذا لم تستطع محافظات الجنوب إنجاز ما حققه الأكراد في محافظاتهم في زمن سلطة حزب الدعوة الطائفي إذا كانت حقيقة المعاناة تعود للتمييز الطائفي فقط ؟.
خامساً: وحين يصبح إقليم كردستان نموذج يحتذي به عدنان الدليمي ودعاة الأقاليم ، يكونوا قد ارتكبوا خطئا كبيرا فالوضع في الإقليم لفترة 12 عام قبل الغزو كان مختلفا والسلطة فيه كانت منفصلة وتحظى بحماية أجنبية دوليا والحزبان الحاكمان في شمال العراق بسبب طبيعتهما العشائرية والقومية عاشا تجربة صراع دموي وفساد إداري وهما يتمتعان بسلطة الحكم منذ عام 1991 قبل الغزو واكتسب الساسة الأكراد خلال تلك الفترة دروسا خففت من وطأة الصراع والمعاناة عام 1996 عندما أعلنوا توافقهم السياسي بعد صراع دامٍ كما استفاد الساسة الأكراد من رعاية دولية وأمريكية بعد الغزو مخطط لها كي يكون ما فعلوه بالإقليم مصدر إغراء وتشجيع للساسة العرب القادمون مع الغزو كي يذهبوا للتقسيم ، في حين أن الأكراد الجادين بالانفصال مازالوا يستغلون ثمرات البقاء ضمن الدولة العراقية في إطار تجربة إقليم اتحادي لتحقيق المزيد من الإنجازات التوسعية والمشاريع الاستثمارية الى حين نضوج الظرف الدولي الذي يتيح لهم إقامة الدولة القومية المتكاملة الموحدة التي تظم الأكراد في العراق وإيران وتركيا وسوريا فيما يعتبروه هدف قومي كردي يمتلك عناصر التأسيس لدولة متكاملة . في حين أن الأحزاب الطائفية الحاكمة للمكون العربي بعد الغزو حكمت بمبدأ الغنيمة والانتقام الطائفي في سلطة لا تحمل معاني الدولة بما سموه الساسة أنفسهم دولة المليشيات والعصابات والفساد والعنف لذلك عمَّ الخراب والتدمير في الوسط والجنوب.
سادساً: إن قيام الدولة الوطنية الحديثة المعاصرة يعني التأسيس لدولة الحرية والعدالة والديمقراطية والتنمية والنهضة التي تنهض بالأمة بكل مقوماتها وارثها وقيمها وهذا هو العنصر الأساس للربط بين مفهوم المواطنة بكل ما يحتاجه المواطن من مستلزمات العيش والأمن برخاء وسلام وحرية الرأي والفكر والثقافة حيث يكون للغة والتاريخ والدين دورها البناء عكس ما يشيعه الإسلامويون عن هذه الدولة ويصفوها بالعلمنة الإلحادية التي تتناقض مع الدين وعلاقته بالدولة، وهو منطق واهم. في حين ان الدولة الدينية كما ينظر لها الإسلامويون هي دولة نصوص حاكمة مطلقة في القرآن والسنة والاجتهادات والقياسات والمصالح والمفاسد فيها في ظل غياب النصوص الحاكمة قابلة للتأويل والتعليل والتبرير والتمذهب والإفتاء بمرور الزمن ومحدثات الأمور فيه، إنها دولة الإنابة والتفويض والعصمة والخلافة وولاية الفقيه والغيبة والظهور، وبالتالي فهي دولة إيمان بالواقع والغيب تقوى وتضع وتتوحد وتتقسم وفقا للتفاوت بين هاتين القوتين التي تتحكم بها الأقدار والظروف.
ختاماً إن كل الأمم والحضارات مهما كانت طبيعة نظم قيادتها تمر بمراحل نهوض ونكوص كما علمنا التاريخ تدور بها الأحداث كما تدور العجلة ، حالة الانقسام والتشظي للدولة الواحدة هي حالة تردي ونكوص ولا يمكن أن تؤسس لحالة التحام ونهوض ما لم ترتقي عقول مفكريها لترفدها بما يصلح حالها وترميم علة تشظيها وانقسامها لأن ديمومة حياتها في وحدتها لا تقسيمها ، ولو عدنا الى قراءة صحيحة لمراحل الانقسام والضعف في تاريخ العرب والمسلمين ودولهم الحاكمة، لعرفنا جيدا حقيقة ان الانقسامات والعصبيات التي لا تحسمها الحكمة والقوة لن تسفر إلا عن ضعف وسقوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق