علي الكاش
(لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
بعد إنسحاب الوزراء الأكراد والقائمة العراقية من حكومة المالكي وما تبعها بإنسحاب الوزراء الصدريين وعودتهم بلا حياء للحكومة حسب توجيهات الخامنئي. نسأل: ما الذي تبقى في حكومة المالكي؟ وهل هي كما يدعي مرارا وتكرارا تمثل جميع مكونات الشعب العراقي؟
وكذلك الأمر بإنسحاب العديد من النواب وغياب العدد الأكبر منهم عن الجلسات. هل يمكن القول بأن مجلس النواب يمثل الشعب العراقي؟
إذا كان الحاكم لا يمثل المحكوم بأي شكل من الأشكال. فأية تسمية يمكن إطلاقها على مثل هذا البلد كي تتناسب مع وضعه الحالي. علما إن السلطة القضائية هي نفسها السلطة التنفيذية؟ فالبرلمان غير قادر تماما على إستضافة رئيس الوزراء نوري المالكي لمناقشته وإستيضاحه حول تردي الوضع الأمني في البلاد ، بل غير قادر على إستضافة وزير التعليم العالي علي الزندي وهو ليس بعراقي بل إيراني الجنسية. فأي برلمان هذا؟
لقد أوضح النائب المستقيل حيدر الملا وضعية البرلمان بقوله "عندما يقتل العراقيين نهارا من قبل القوات العسكرية لا نستطيع أن نفعل شيئا سوى الشجب والاستنكار والهرولة إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق التي لا تغني من جوع، فضلا عن الفشل المطبق على المستوى التشريعي من خلال عدم تشريع أي قانون لخدمة الدولة، وإذا ما نجحنا بذلك وهي من النوادر كان فيتو المحكمة الاتحادية حاضرا".
وقد كان الملا واضحا في وصف المرحلة الحالية بأنها "لا تقبل القسمة على إثنين أما أن نكون مع الشعب أو مع قتلة الشعب". نعم مصلحة الشعب العليا ليس فيها منطقة وسطى أما مع الشعب أو ضده، والحياد يدخل في خانة الضد.
وإن كان رئيس الوزراء لا يحترم ممثلي الشعب فأي حاكم هذا؟ لذا إستخدمنا كلمة بلد وليس وطن لأن العراق الجديد لا تنطبق عليه مواصفات الوطن. إنه فعلا كما صرح الزعماء الإيرانيون: الفناء الخارجي لإيران.
عندما يفتقد البلد السيادة والإستقلال وتتدخل دول الجوار في كل واردة وشاردة، وتحكم المرجعية الدينية سياسته، ويفتقد الشعب الكرامة ويعيش في قاع المذلة، فهذا ليس بوطن. وعندما يقوم جيش الحاكم بأمر الخامنئي بإطلاق كلمات طائفية بذيئة على أكبر شريحة من الشعب مستقويا بأسلحته وعدم خضوعه للمساءلة القانونية بسبب القضاء المجير لخدمة القائد العام للقوات المسلحة بإعتباره الصدر الأمين لإرضاع القتلة والمفسدين. فأي بلد هذا؟
لقد أدت حصانة العسكر من قبل قائدهم الخراساني إلى تمادىهم في الحماقات والإنتهاكات، فالجندي والشرطي، حوالي 80% منهم أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، يتجرأ على إهانة عضو في مجلس النواب عن معرفة وليس جهلا بشخصة. ونقطة تفتيش عسكرية تمنع نواب من دخول العاصمة وتعيدهم من حيث جاءوا. وقوة عسكرية بمستوى فصيل تنتهك حرمة وزارة المالية السيادية فتخرب وتعبث بمحتويات الوزارة وتسرق أجهزة الحاسوب وتسوق فوج حماية الوزير كالغنم الى ثكنتها العسكرية. وحضيرة عسكرية تنتهك حرمة الجامعات فتدخل وتخرب وتعتقل وتشتم أهل السنة من الطلاب.
رئيس البرلمان وأي وزير من غير حزب الدعوة يُداس بمداس جندي من قوات المالكي دون أن يجرؤ على فتح فمه.
هذا هو حال جيش المالكي فهل تستغرب منه العدوان على شعبه؟ والحقيقة إنه لا يعتبر أهل السنة من الشعب، بل هم أعداء أهل البيت وتجيز لهم مراجعهم الصفوية الصفراء قتل أهل السنة ونهبهم واغتصاب نسائهم وفقا للأحاديث المنسوبة كذبا للأئمة الذين كانوا ومازالوا سبب بلائنا المستديم.
لذا عندما يحمي المالكي العسكريين القتلة من المساءلة القانونية فإن ذلك الأمر لم يأت من فراغ، بل من أقوال السلف الطالح وإلتزام المرجعية بها حرفيا! وهذا ما يفسر قوة مناعتهم القانونية وتكريمهم أحيانا على جرائمهم كما جرى مع المالكي بتكريمه مغتصبي فتاة عراقية وكذلك قاتل الطفل إبن شقيق رئيس مجلس النواب في الموصل. وما يعلن عن المرجعية من أخاء ومودة ورحمة، فإنه لا يخرج عن نطاق عقيدة التقية وهي نصف دين آل البيت الصفوي وأتباعهم.
وما يؤكد كلامنا هو ما حصل في الحويجة عندما قامت عناصر الجيش المرابطة قرب ساحة العزة والكرامة بشتم أم المؤمنين عائشة وعمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق رضي الله عليهم جميعا لإستفزاز مشاعر المعتصمين. وردٌ عليهم المعتصمون" إنكم إيرانيون ولستم عراقيين" وتطور الأمر من المشادة الكلامية الى إستخدام السلاح ضد المعتصمين. وكانت هناك تغطية كبيرة على جريمة هي أكبر من العدوان على المتظاهرين ولا يمكن السكوت عنها. فعل جبان لا يفعله من عنده ذرة من الغيرة والشرف والإيمان والمواطنة. حنى المأبونين وأولاد السفاح لا يجرؤون عليه، وهو الإجهاز على الجرحى خلال عملية نقلهم إلى المستشفى، وقتل الجرحى في الساحة برصاصة النقمة! وهذا ما عبر عنه أهالي الضحايا عندما رفضوا تعويض المالكي والتفاوض مع لجنته البائسة بقولهم" لقد ذُبحوا أولادنا بالسكاكين".
نعم تم ذُبح الجرحى والمصابين بالحراب من قبل قوات المالكي وأحرقت جثث بعض الجرحى بحجة حرق الخيم. وهذا ما لم يُذكر في تقرير الطب العدلي لمدينة كركوك حيث أشار فقط إلى "القوات الحكومية قتلت الشهداء بطلقات في الرأس والقلب ومن مسافات قريبة جدا"! رغم إن التقرير كان أمينا في نقل موقع الإصابات "عن قرب في القلب والرأس" لكنه لم ينقل الحقيقة كاملة بشأن الذبح والحرق. ومن المتوقع أن لا تسلم الحكومة جثث الشهداء المذبوحين والمحروقين لذويهم كي لا تكشف الجريمة الكبرى.
هذا هو الجيش العراقي الجديد الذي يدافع عنه البعض ويطالب بعدم إستهداف عناصره المجرمة!
وفي خبر لاحق بعد أن فاحت رائحة الجريمة إتهم محافظ كركوك وكالة (أركان سعيد) قوات الجيش بأنها أعدمت بعض الضحايا بعد إعتقالهم. حيث نقلت فضائية بغداد العراقية عنه إن "بعض ضحايا الحويجة تعرضوا للإعدام المباشر من قبل القوات المقتحمة، وآخرين تم إعدامهم بعد اعتقالهم"! مضيفا بأن "الدم العراقي أغلى من أي مشروع سياسي، وما حدث في ساحة اعتصام الحويجة لا يمكن السكوت عنه. وأنا كنائب لمحافظ كركوك ومحافظ بالوكالة حاليا، وكذلك المجموعة العربية في مجلس المحافظة نفكر بالاستقالة إحتجاجاً على ما جرى في الحويجة".
كما إن هذه الجريمة الكبرى تؤكد ضلوع عدد من قوات الحرس الثوري الإيراني في الهجوم على الحويجة. وقد أشار الشيخ خالد الجميلي بأن" المالكي وجيشه الطائفي ارتكبوامجزرة الحويجة بدعم مباشر وتوجيه كامل من فيلق القدس الايراني الذي ينفذ مخطط ابادة اهل السنة والجماعة من العراق مثلما يحدث في بورما". وقد أوصل أهالي الشهداء رسالة خاصة عبر بعض النواب من ممثلي محافظة كركوك بهذا المعنى إلى رئيس البرلمان. وعلى ضوء تلك المعلومات الخطيرة إضطر اسامة النجيفي يوم 24/نيسان الجاري لإرسال أعضاء من لجنة حقوق الانسان النيابية فورا الى كركوك "للاطلاع والتحقق عن كثب حول حقيقة ما ذكر على لسان شهود عيان من قيام قوات الجيش بسلسلة اعدامات مباشرة وجماعية طالت المواطنين الجرحى في مجزرة الحويجة، وآخرين اعتقلوا اثناء مداهمات الجيش لساحة الاعتصام".
ويبدو إن رئيس مجلس النواب يدرك جيدا عدم نزاهة لجنته البرلمانية، لذلك طالب (مفوضية حقوق الانسان) بالتأكد من صحة هذهالأنباء الخطيرة، والتي تعد جريمة صارخة وانتهاكا لكل القوانين والقيم الانسانية وفاجعة "لا يمكن السكوت عنها او تجاوزها في اي حال من الاحوال" على حد قوله. لكننا نؤكد، بل نجزم له، بأنه سيتم تجاوزها كالعادة بصفقة سياسية والأيام تحكم بيننا.
وكما أشرنا سابقا بأن الموقف الكردي سوف لا يتجاوز الشجب حسب توجيهات النظام الإيراني لنثر الرماد في العيون. وإقتصر على تنديد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بما اسماه "زج الجيش العراقي في الخلافات الداخلية". كإشارة إلى أحداث الحويجة دون أن يسميها بإسمها! بل إن وصف البرزاني للمجزرة بـ(خلافات داخلية) أمر مخجل ولا يناسب ما حصل. ولو كان الضحايا من إخواننا الاكراد ـ لا سامح الله ـ لما وصفها بذلك، ولما إكتفى بالتنديد.
الموقف الأمريكي، كما إستقرأنا في المقال السابق، سيقتصر على لقاءات وإستفهامات وتوضيحات لا أكثر. وإن وصل القمة فإنه سيطالب الطرفين بالعودة إلى الحوار ولا فرق بين من إعتدى ومن وقع عليه الإعتداء. وهذا ما توضح لاحقا في لقاء نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الخدمات صالح المطلك يوم 32 نيسان الجاري مع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق ( باربرا ليف) والسفير الأمريكي في المنطقة الخضراء (جيمس جفري) حول الأحداث. الموقف الأمريكي لخصته باربرا " نعبر عن قلقنا حيال الأحداث في العراق والتصعيد الذي حصل في الحويجة، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس والاحتكام إلى منطق الحوار سعيا لحلحلة المشكلات بين الأطراف السياسية المختلفة من جهة وبين الحكومةوالمتظاهرين من جهة أخرى". لم تطالب (الهانم) حتى بتحقيق فوري أو إرسال فريق تحقيق أمريكي للمساعدة، أو تطبيق الدستور بعدم زج الجيش في الخلافات السياسية وضمان حق التظاهرات السلمية، أو الدور الإيراني في الأحداث. المرأة قلقة وإدارتها قلقة! لكنه قلق بلا صداع. أقاموا الدنيا على تفجير بوسطن رغم إن عدد القتلى والجرحى الأمريكان يمثل جزءا يسيرا من ضحايا العدوان على الحويجة.
لتعلم وتفهم جيدا، ايها العراقي، كم أنت رخيص في نظر حملة مشاعل الديمقراطية!
لكن الأخطر ما جاء في هذا اللقاء وبلعته باربرا وسفيرها الأخرس ما جاء على لسان المطلك بأنه أجرى إتصالات مكثفة مع رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الدفاع وكالة، الصفوي حتى النخاع، سعدون الدليمي "لغرض إنهاء هذه المشكلة قبل إندلاعها. لكن كما يبدو أن هناك أطرافا كانت تدفع باتجاه التصعيد". لم يسمِ المطلك تلك الأطراف ولا داعِ لأن يسميها لأنها معروفة للجميع وهذا ما عبرت عنها النائبة وصال سليم بقولها "إنني استغرب تشكيل لجنة تحقيقية من قبل المالكي لبحث احداث الحويجة! كيف للقائد العام للقوات المسلحة أن يصدر أمرا بإقتحام الحويجة ومن ثم يشكل لجنة تحقيقية لمعرفة الأسباب؟" أي يفسر الماء بعد الجهد بالماء!
أما موقف الأمم المتحدة وممثلها الماكر الذي لم يسمح له جنود المالكي بالتقرب من ساحة الإعتصام لنزع الفتيل قبل إشتعال الساحة. فإنه لا يختلف، كالعادة، عن الموقف الامريكي! لاذ كوبلر بالصمت كأن المسألة إنتهت وعفا الله عما سلف! وهذا ليس بمستغرب منه فالرجل جاء للعراق كمستثمر وليس كخبير أممي! ولو كان له ذرة من شرف المسؤولية لطالب أمينه العام بإرسال لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق عن مجزرة الحويجة وتحديد المسؤولية. لكن بدون الرجوع إلى مرجعيته الحقيقية، ليس المقصود الأمم المتحدة، وإنما قم والنجف، لا يمكنه فعل ذلك.
أما موقف المرجعية فإنه موقف في غاية الإبتذال، فقد اثبتت فعلا بأنها في قمة التطرف الطائفي وراضية كل الرضا عن سياسة المالكي وحماقاته. وما توجهه له من إنتقاد مجرد هواء في شبك.
إن سكوت المرجعية عن دماء أهل الأنبار والموصل والحويجة لا يمكن أن يفسر سوى إنها فعلا في خدمة نظام الملالي في طهران.
لطالما ناشدها سماحة الشيخ عبدالملك السعدي، يحفظه الله ويرعاه، وهو أكبر مرجع لأهل السنة في العراق والزعيم الروحي للإنتفاضة الشعبية، بإتخاذ موقف إسلامي ووطني، لكنها لم تكلف نفسها حتى بالردٌ على مبادراته ونواياه الحسنة للحفاظ على وحدة ودماء المسلمين. وكان آخرها ما جاء في رسالته بعد مجزرة الحويجة بقوله "أما رسالتي الرابعة فهي إلى السادة المراجع الدينية في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة. إن الضحايا المغدور بهم في ساحات الاعتصام هم ابناؤكم وعهدي بكم أن لاترضون بذلك فلا يليق لكم الصمت الخجول وسكوتكم بأنكم راضون عن هذا القتل الطائفي وهذا لايليق بكم".
إننا بدورنا نناشد سماحة الشيخ بأن يكون هذا آخر نداء يوجهه لهؤلاء الخرس الأعاجم. وكما قال شاعرنا العربي عمرو بن معد يكرب (لقد إسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي). لذا نهيب بشيخنا التوقف عن مناجاة مرجعية النجف أو أن يرسل خطاباته باللغة الفارسية لعلها تلفت نظرهم! وهذا ما نشك فيه أيضا!
وحول عنوان موضوعنا السابق "حقق المالكي وعده فهل ستحقق المقاومة وعدها؟" فإننا نحمد الله ونشكره على سرعة الفعل المقاوم، فقد أثلج رجال المقاومة الوطنية المجاهدة، وعلى رأسهم رجال الطريقة النقشبندية درة تاج المجاهدين، صدورنا بعملياتهم الجريئة والمكثفة والسريعة على أوكار الشيطان. نسأل الله عزً وجل أن يحفظهم ويسدد خطاهم دائما في طريق الحق إنه السميع المجيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق