إيمان أحمد خمّاس
أشهدُ بأن حكومة نوري المالكي نجحت في انجاز ما عجزت عنه الادارة الامريكية ‘بجلال’ قدر مارينزها ومخابراتها وفرقها القذرة وانتهاكات معتقلاتها في العراق حتى نهاية عام 2011، واعترف بأنني الآن فقط تيقنت من سبب منحهم اياه كرسي رئاسة الحكومة، على الرغم من انه لم يفز في الانتخابات.
فلو قرأنا سيناريو مجزرة الحويجة ليلة 23- 24 نيسان/ ابريل الحالي قراءة سريعة، إذ لا يحتاج الامر الى تأمل عميق، ولو تابعنا تسلسل الاحداث في ما يحدث في الانبار الآن، وفي العراق عموما خلال السنوات القليلة الماضية، لأكتشفنا ان الرجل تفوّق بامتياز في تنفيذ مخطط تمزيق العراق باسم القانون والشرعية على الطريقة الامريكية، كما خطط الاحتلال.
خلال السنوات الماضية عاث الارهاب في العراق سفكا لدماء الوف الابرياء وتمزيق اللحمة الوطنية للشعب العراقي – المشهود له بوعيه السياسي العالي وثقافته الوطنية بكل اطيافه وطبقاته – فضلا عما ارتكبته وترتكبه اجهزة أمن الدولة من انتهاكات ضد المعتقلين السياسيين، يشيب لها الرضيع، من تعذيب وانتهاك حرمات وتهشيم لكرامة الانسان.
وحسب تحليلات العارفين بشؤون وسائل التفجير والتفخيخ ان ما يحدث في العراق لا يمكن ان يتم من دون ضوء أخضر (في الاقل) من الدولة، لأن حجم العمليات واسلوبها لا يمكن ان يكون الا بوجود اطراف عديدة ممولة جيدا، وتمتلك مجالا مفتوحا للتخطيط والتنفيذ من دون خشية من رقيب او حسيب، بل أن المالكي اعترف علنا على شاشات التلفزيون انه يعرف من هم الارهابيون، ولكنه يخشى على العملية السياسية من الانهيار.
وعندما انتفض الشعب العراقي سلميا وخرج في مظاهرات واعتصامات منذ اربعة اشهر، يطالب بحقوقه الاساسية في العيش الكريم، ويحتج على الفساد الذي صارت رائحته تزكم الضمائر قبل الانوف، ويندد بالشلل الاداري والسياسي والخدمي في الحكومة، كان كل ما فعله المالكي أنه وضع اسطوانته المشروخة باتهامهم بالطائفية والارهاب والصدّامية، وحاول ثني المنتفضين بالتهديد والوعيد تارة، وبالاغتيالات بالكواتم لمنسقي الانتفاضة… وما اليها من وسائل الارهاب تارة اخرى، ولكن الانتفاضة صمدت.
توّج المالكي جرائمه بمجزرة الحويجة. لاحظوا معي سيناريو مذبحة الحويجة وقارنوه معي بسيناريو الاحتلال، اتهم المالكي معتصمي ساحة الحويجة اولا بحيازة السلاح (كما فعلت امريكا مع الحكومة العراقية قبل الاحتلال)، قالوا له: تفضّل وفتّش (كما فعلت الحكومة العراقية السابقة) واذا عثرت على موسى حلاقة او سكين مطبخ فلتفعل ما تشاء. رفض وقال انكم تأوون ارهابيين (كما فعلت امريكا ايضا) قالوا له: الساحة امامك اذا وجدت ارهابيا واحدا خذه وافعل به ما تشاء (اعترف المسؤولون الامريكان لاحقا ان الحكومة العراقية السابقة في الواقع لم توافق فحسب، بل تطوعت بالمساعدة في مكافحة الارهاب الدولي). قال لهم: اذن فضّوا الاعتصام وهدّموا الخيام واخلوا الساحة (كما فعلت امريكا عندما طالبت الرئيس صدام بالتنحي عن الحكم).
المعتصمون رفضوا في بادئ الامر على اساس ان ايّا من مطالبهم لم ينفذ، فلماذا يتركون الساحة؟ هنا ابلغهم قائد العمليات انه سوف يقتحم الساحة. طبعا المعتصمون كانوا يدركون انه جاء ليس بحثا عن سلاح او عن ارهابيين، بل جاء ليرتكب مذبحة. فوافقوا وقالوا له: امهلنا بعض الوقت لنشرح الموقف لساحات الاعتصام الاخرى حتى لا يتصوروا اننا خذلناهم واننا لم نغادر الساحة سوى لحقن دماء العراقيين مدنيين وعسكريين. ولكن الجلاد كان لابد ان ينفذ الاوامر.
تفاصيل المذبحة من اطلاق النار الحي على الرأس والصدر، واعدام الجرحى في الساحة، ومنع نقل المصابين الى المستشفى، ودهس الاحياء بالعجلات جاءت كلها مصّورة وموثقة بشهود عيان، من دون ان يرمش للعالم جفن، اما مجلس الامن فأين منه الموتى في صمته (القصص مألوفة خلال عشر سنوات من الاحتلال، أليس كذلك؟)
عفوا تصحيح صغير مجلس الامن احتج على جرح شرطيين فرنسيين في ليبيا.
أمس، ولم تجف دماء اهالي الحويجة بعد، أمهل المالكي أهالي الانبار 24 ساعة بتسليم (المجرمين)، الذين قتلوا خمسة من افراد الاستخبارات العسكرية الذين كانوا يتجولون حول ساحة الاعتصام. نسأل ماذا تفعل الاستخبارات العسكرية في ساحة الاعتصام التي اثبتت أنها سلمية بامتياز. والسؤال الاهم لماذا لم ينتفض المالكي عندما قتلت قواته 9 منتفضين في الفلوجة قبل ثلاثة اشهر؟ ونسأل قبل هذا وذاك لماذا التحشيدات العسكرية الكثيفة في المنطقة الغربية؟ ولماذا يعلن قائد الحرس الثوري الايراني انه سيتدخل في الانبار؟
من فضائل العراقيين، ومنهم الانباريون، انهم شجعان واذكياء معا. وفوتوا الفرصة على المالكي ببدء المذبحة يوم 28 ابريل. ولكن هل سيسمح للانتفاضة الشعبية السلمية ان تأخذ مداها؟
السؤال تقريري بلاغي كما هو واضح ولا ينتظر اجابة. ولكن هل يلوم العراقيين احد اذا ثاروا على كل هذا الظلم؟ بل هل سيعذر العراقيين احد اذا لم يثوروا على كل هذا الظلم؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق