موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

الحويجة.. يوم انتصار الدم على طاغية العراق

مثنى عبدالله
لتذهب كل منظمات حقوق الانسان الى الجحيم. لتهرب متلفعة بالعار كل الامم المتحدة وهيئاتها الحقوقية والقانونية.
ليصمت كل المتاجرين بدمائنا وأعراضنا وأرزاقنا في مؤتمرات دولية وأقليمية لم نسمع منهم على مدار عشر سنوات سوى كلام إثر كلام.


هكذا انفجر غضبه صارخا وهو يقف وسط جثث أشقائه الاربعة المطروحين على ظهــر شاحنة صغيرة في باب الطب العدلي، بينما كان أحد أبناء عمومتـه يسحب مصور احدى القنوات الفضائية من يده بحالة هستيرية، صارخا فيه كي يصور تلك الجريمة، وراح يكشف الغطاء عن الجثث ويفتح بيدين مرتعشتين من هول الغضب الجروح الغائرة في الرؤوس والصدور، وسيول الدماء النازفة من الانوف والافواه، بينما كان يُتمتم في حضرة رهبة الموت: نعم انها ديمقراطية أمريكا والمالكي وحزب الدعوة وقوات سوات، ثم يبكي بحرقة وهو يقبّل تلك الوجوه الغارقة في الدماء ويسألها بصوت خفيض، ماذا سأقول لأطفالكم ولنسائكم، بل كيف أضعكم بين يدي الحجي والحجية. في اشارة الى الوالدين الطاعنين في السن؟

نعم انها المجزرة التي انداحت فجأة على مدينة الحويجة، فخلعت أبواب وشبابيك بيوتها من هول الصدمة وجعلت الافواه فاغرة والعيون مفتوحة في حالة من اللاوعي، فتحول الكلام الى خليط صراخ ودموع وعويل وشتائم ودعاء وأيضا دعوات للثأر والانتقام. كانت ساحة الاعتصام في المدينة على مدى أكثر من مئة يوم تمثل أملا لكل القاطنين هناك. كانت بالنسبة للجميع بمثابة ضوء في نهاية نفق حشروا فيه مرغمين عشر سنين ثقيلة، مارسوا فيها كل متطلبات الديمقراطية الزائفة من تصويت وانتخاب وترويض وتدجين، أملا في أن يجد المجتثون والمهمشون والمقصيون والمعتقلون والمغيبون منهم فرصة للعيش الكريم، فقطع الاعناق أهون من قطع الارزاق. كانوا في كل ذلك منصاعين مرة الى حالة اليأس التي يمرون بها، ومرات الى نصائح سياسيين طارئين، تبين أنهم يبحثون عن الثراء في كومة مأساة شعبهم الذي لا يعرفونه، أو الى رموز اجتماعية حولوا بنادقهم من كتف الى آخر كي يفوزوا بعطايا السلطان، أو رجال دين كانوا يدعونهم الى الصبر والسلوان. وعندما نفضوا أيديهم من كل ذلك وعرفوا نوايا أولئك، تلقفوا شرارة العزة والكرامة من الانبار حال انطلاقتها، فنصبوا خيامهم في الساحة وأطلقوا العنان لحناجرهم كي تجهر بالحقوق .
كانت عوائلهم تعتقد أن الفرج قد قرب، وأن المحنة التي طالت حتى بدت كليل مظلم باتت قاب قوسين على النهاية، لذلك اندفعوا الى ساحة الاعتصام مدفوعين بفرح الاهل وسرور الاطفال الذين راحوا يروحون ويغدون كل يوم حاملين الى ابائهم بعض الاطعمة وفرش النوم البسيطة، لكن لم يخطر ببالهم ولو للحظة واحدة أن أجساد الاباء والاحبة سوف تُلقى بين أيديهم بعد صبر طويل جثثا هامدة، مغطاة بالدماء ووشم أسود من بارود الحقد الاعمى المنطلق من فوهات جيش قالوا عنه انه جيش العراق، وبقرار جبان من طاغية يقول انه يمثل شعبه بأصوات حصل عليها من صندوق الانتخاب. أية جريمة هذه التي تأخذ من عائلة واحدة أربعة أشقاء تم اعدامهم بطلقات في الرأس، اخترقت العيون والجباه ونفذت من خلف الرأس في سبق أصرار وعمد على سلب الحياة؟ أي شرف هذا الذي سوف يحمله هذا العسكري الذي كان سببا في تيتيم أطفال كانوا يحلمون بأن يعود آباؤهم الى اعمالهم التي أجتثوا منها؟ وأية شجاعة وقرار صائب وحكيم ذلك الذي اتخذه الطاغية، عندما وجه طائراته وفرقته ومليشيات الدمج في ساعة صفر تجاه متظاهرين سلميين ذاقت أجسادهم برودة الطقس وحرارته منذ أربعة أشهر؟
نعم لقد انتصر طاغية العراق في نزع بارقة الامل التي كانت في تلك العيون التي انطفأت، لكن الدماء البريئة التي سالت هي التي انتصرت على طغيانه الاعمى عندما فضحت تجرده من أية عوامل انسانية، وزرعت في قلوب وعقول كثيرين فكرة التصميم على الخلاص منه، كما أعادت الى الذاكرة تلك الاعمال الاجرامية التي قام بها حزبه في ثمانينيات القرن الماضي في العراقو التي راح ضحيتها الكثير من الابرياء، مما يؤكد استمرارية النهج الاجرامي الذي سلكه عندما كان خارج السلطة. أما البطولات التي كان يتغنى بها يوميا في كل ملتقى ومؤتمر، وذلك التبجح الخيالي ببناء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحقيق الامن والامان، فقد انكشف زيفها في مجزرة الحويجة وبان وجه النفاق والكذب والمراوغة، كما عرضها وزير التربية المستقيل، الذي قاد المفاوضات بين قوات الجيش والمتظاهرين السلميين، حينما أكد على أن الطاغية لم يكن راغبا حتى في سعي الوزير الى ايجاد حل للمشكلة، حيث كان قد حدد ساعة الصفر للهجوم على ساحة الاعتصام، ورغم استعداد المتظاهرين لايجاد تسوية سلمية للقضية وموافقتهم على تفتيش الساحة والقاء القبض على من يشاؤون من المتظاهرين للتحقيق معهم، لكن ساعة الصفر التي حددها الطاغية لم يتم تأجيلها بغية الاتفاق على رفع الخيّم نزولا عند رغبة المتظاهرين، الذين طلبوا مهلة ساعات كي ينفذوا ذلك، وهم مواطنون عراقيون يدعي بأنهم ناخبوه وهو ممثلهم، بينما لم يحرك قواته ولم يضع لها ساعة صفر حاسمة كي يحرر حقل الفكه النفطي عندما احتلته القوات الايرانية، بل كان يؤكد هو وكل جوقته ومستشاريه وأعوانه بأن ليس من مصلحة العراق اثارة المشاكل مع ايران، وان احتلال حقل الفكه يمكن أن يحل بالوسائل السلمية.
لقد اختار الاتكاء على عامل القوة والتهديد باستخدامها منذ اليوم الاول لانطلاقة شرارة التظاهرات، ثم عزز هذا الخيار حتى عندما تجول في بعض المحافظات الجنوبية للترويج لقائمته الانتخابية في مجالس المحافظات، حيث كان التهديد واضحا في كل تصريحاته بضرورة فض خيار الشعب السلمي لاستحصال الحقوق، والسبب في ذلك هو شعوره بأن التظاهرات باتت عامل ضغط سياسي عليه داخليا وأقليميا ودوليا، وتشكل مؤشرا واضحا على فقدانه المقبولية الوطنية من غالبية الشعب، وبالتالي أصبحت تأكل حتى من جرفه الطائفي، لذلك لم يكن اعتباطا ائتلافه في انتخابات مجالس المحافظات مع زعيم فيلق بدر وحزب الفضيلة وتيار الاصلاح وخضير الخزاعي زعيم الجناح الاخر في حزب الدعوة، بل كان ذلك يؤكد حاجته الى الصقور في مواجهة الحمائم داخل البيت الشيعي من جهة، الذين باتوا يتهمونه بأنه قادر على صنع أزمات وليس قيادة بلد، ومن جهة أخرى تشكيل جبهة قوية تؤمن بالحل العسكري ضد المتظاهرين، لذلك سمعنا بكل وضوح صوت حليفه زعيم منظمة بدر وهو يهدد ويتوعد ساحات التظاهر أيضا.
لقد هُزم الطاغية ومن معه منذ اليوم الاول عندما هدد المتظاهرين السلميين بالقوة العارية للجيش، لكنه هُزم هزيمة أكبر عندما استخدم القوة فعليا. ان استخدام الجيش في النزاعات الداخلية قد يكون عامل حسم في بعض المواقف لصالح السلطة، لكنها تكون المرة الاخيرة التي يصلح فيها للاستخدام، لأن الشرف العسكري يسقط تحت دماء الابرياء ويخسر كرامته ويفقد هيبته في عيون الشعب، لذلك نجد اليوم هذا الحراك الشعبي المدفوع بفتاوى دينية وتأييد من رموز اجتماعية، لتشكيل جيوش تحفظ أمن وكرامة المواطن في المحافظات العراقية، بعد أن حسمت موضوعة ولاء الجيش الحالي لصالح السلطة بعد أحداث الفلوجة والحويجة، آخذين بنظر الاعتبار الشكوك الكثيرة التي كانت تحوم حول تشكيله وتدريبه ومهامه وولائه منذ اليوم الاول لانشائه، حيث كان يمارس طيلة الفترة الماضية دور الشرطة ويوجد داخل المدن والازقة والحارات، وكانت كل القضايا التي يتابعها ويتعامل بها دون الدور المرسوم للجيوش في العالم، مما جعله يفقد هيبته أن كانت له هيبة، وبالتالي بات مجرد هراوة لا تخيف في يد الطاغية.
لقد فات المالكي أن حاجز الخوف قد انكسر في العراق، وكانت أعظم خدمة قدمتها التظاهرات هو تعزيز عامل الثقة بالنفس لدى المواطن، وهذا هو العامل الرئيسي الذي دفع بمتظاهري ساحة الحويجة الى عدم الهروب منها، وهم ينظرون الى ما حولهم من قوات مكافحة الارهاب وسوات وألوية وفرق الجيش. أي أنهم كانوا على استعداد للاستشهاد في سبيل القضية، على الرغم من عدم تكافؤ القوة المادية بينهم وبين من يقابلهم. فانتصر الدم أخيرا. 

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..