إنصاف قلعجي
في أوقات محددة من كل عام، تنثال الصور، شريطا متتابعا تبدو الصور فيه أطياف صور، يوم ولادة بطل، ومسيرة حياة شاقة، وطفولة ما كان لها من الطفولة شيء، سعي مبكر لاكتشاف العالم المحيط به، يمتلك من الشجاعة والذكاء ليحرث العالم بأظافره.
هذه واحدة من الصور المبكرة. ثم تتابعت الصور، عنفوانه الثوري، انضمامه لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومشاركته في العمل الحزبي بما يتطلبه من انضباط، ثم سجنه، وهروبه إلى سوريا وثم مصر ليكمل دراسته في الحقوق، ويتابع مسيرته الحزبية.
صور تمر، تحمل في لحظات بريقا مؤثرا، وتارة يفيض الحزن على كل الصور... لكن عنفوان الشباب فيه يكبر ويكبر، من رئاسة جمهورية العراق، إلى بناء العراق العظيم، إلى صدّ الأعداء الذين تتابعوا طوال مسيرته ليكيدوا لهذا العراق الأبي، إلى حصار جائر. ومع ذلك استمر العراق في البناء وصمد أمام وجوههم الكالحة. وخير العراق يفيض على الأمة وزعمائها الذين خانوه وغدروا به لأنه امتلك مشروعا عروبيا يسعى لرفعة هذه الأمة..
والصور تتوالى حتى يوم احتلال بغداد، وهو يوم مأساوي في حياة الأمة حتى أسر الرئيس صدام حسين في غفلة من الزمن ليحال إلى محكمة هزيلة أعدَّت مسبقا لاغتياله.. أحداث مؤلمة جارحة.
وتبقى الصورة الأخيرة هي التي طغت على كل الصور، يرتجف القلب عند استعادتها. لكنها الصورة التي حيكت مع ما تبقى من الروح.. صورة الشهيد أمام حبل المشنقة، منصة الشرف، صورة الكبرياء والشموخ والرفعة، صورة الرؤى الممتدة أمام موت أسطوري عظيم. صورة يتمناها كل زعيم وطني حارب بكل ما يستطيع قوى استعمارية صهيونية رجعية، ما زالت تخبئ تحت أظلافها كل النوايا الخبيثة لقهر من تبقى رافعا رأسه.
موت أسطوري، لا شك.. لفارس لم يترك قرية في العراق إلا وزار ساكنيها، يتفقد أحوالهم واحتياجاتهم، ويستمع إليهم مثل أب حانٍ دون وسيط، وينام بينهم حين يحلّ الظلام.
صورة الموت. صورة عينيه وهو ينظر إلى البعيد ليرى ما لا نراه. صورة لا يمكن للمرء إلا أن يعيد قراءتها مرات ومرات.
يقول الزميل إسماعيل أبو البندورة في كتابه الجميل "أطياف الشهيد صدام حسين"
"أصبحنا أمام صورة جديدة للشهيد هي الصورة التي نريد في كل الأوقات أن تصبح منارة ونموذجا إيحائيا وملهما لكل من يريد بناء مستقبل عربي مشرق وعزيز، فالقائد الشهيد الذي تكالبت عليه كل حثالات الأرض من أجل عرقلة مسيرته وإسقاطه وإبعاده تماما عن واقع وحيثيات المجال السياسي القومي العربي هو القائد الشهيد الذي يقف أمامنا الآن ليجدد العهد على مواصلة الدرب وهو الذي ينثر أطيافه ويمدها الآن على كل الأرض العربية، وهو الذي أنشأ مقاومة هزمت الأعداء، وحطمت شوكتهم وغطرستهم وجعلتهم في ضلال مبين".
وفي ذكرى ميلاد القائد الشهيد الذي صادف يوم 28/4، فإنني لا أستطيع أن أفصل ذكرى ميلاده عن ذكرى استشهاده، إذ كل ذكرى تستحضر الأخرى. فعسى أن تعيد الأمة قراءة سيرة نضال هذا البطل مرات ومرات لترى كيف دخل الشهيد صدام حسين التاريخ المشرّف من أوسع أبوابه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق