أحد شهداء مجزرة الحويجة |
(لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
مثلما توقعنا في مقالنا السابق بأن تهديدات المالكي ورهطه الفاسد ستدخل حيز التنفيذ في القريب العاجل وفقا لتوجيهات أسيادهم في قم. فقد اعدوا العدة لإستخدام القطعان المسلحة ضد المعتصمين المسالمين العزل في ساحات العزة والكرامة. إذ إن زيارة وزير المخابرات الإيراني للعراق لم تكن كما اعلن عنها في وسائل الإعلام الحكومية بأنها لغرض التنسيق الأمني بين الجانبين، فالنظام الإيراني لا يحتاج إلى التنسيق مع حكومة المالكي بل يفرض عليها الأوامر فتذعن لها بكل ذلٌ.
وقد إتخذت التوجيهات الإيرانية الجديدة ثلاثة محاور أولها: سرعة إنهاء الإنتفاضات الشعبية في المناطق السنية لأنها يوما بعد يوم تتخذ أبعادا خطيرة على الصعيدين الداخلي والعربي والدولي، وإن النظام الإيراني سيتخذ كل الوسائل المتاحة لضمان نجاح الخطة الإيرانية ـ العراقية المشتركة التي نافشها الجانبان لفض الإعتصامات بإستخدام القطعان المسلحة، وضمان عدم تدخل ممثل الأمم المتحدة والسفير الأمريكي بالأمر مع عدم إستبعاد الثرثرة الإعلامية التي لا تقدم ولا تؤخر.
المحور الثاني: هو مد جزار دمشق بالمقاتلين والسلاح والمال وتعزيز لواء الفضل أبو العباس المرابط في منطقة السيد زينب في دمشق ومقاتلين حزب الشيطان. والإتفاق على صيغة مقبولة لنثر الرماد في العيون من خلال خطة محكمة وتفاهم مسبق لتفتيش الطائرات الإيرانية المتوجهة لدمشق، بحيث لا تثير حساسية الإدارة الامريكية من جهة، وضمان انسيابية تدفق السلاح لنظام دمشق من جهة ثانية. والمحور الثالث: هو التضييق على منظمة مجاهدي خلق المعارضة بكل الوسائل المتاحة طالما إن ممثل الأمين العام في العراق مارتن كوبلر قد اصبح من أتباع آل البيت ويكٌن للمنظمة كم هائل من الحقد والكراهية. وعدم السماح للأشرفيين بالتوطن في بلد ثالث لضمان بقاءهم تحت مطرقة الملالي.
لقد تسلم المالكي الضوء الأخضر من الوزير مصلحي (الأحرى تسميته مُخرِّبي) وحسب الاسبقيات بفض الإعتصامات عن طريق إيجاد الذرائع للعدوان على المتظاهرين. لكن ليس أولا في الأنبار والموصل وصلاح الدين لأن المواجهة ستكون شديدة حسب توجيهات وزير المخابرات الإيراني. وكانت الحويجة أفضل ميدان لصولة المالكي لصغر مساحتها من جهة وقلة عدد سكانها مقارنة ببقية مناطق الإعتصام إضافة إلى إنها تقع ضمن ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، وضمان إلتزام مسعود البرزاني بعدم التدخل إلا بحدود المساعدة الانسانية. وهذا يفسر تصريحات البرزاني وعدد من المسؤولين الأكراد قبل وبعد زيارة الوزير مصلحي بأنهم سوف لا يتدخلون في النزاع السني ـ الشيعي. لذلك لم نسمع للأكراد صوت في المجزرة رغم مطالباتهم بكركوك لضمها إلى إقليمهم، كإنما الحويجة وأهلها ليسوا من كركوك!
في الوقت الذي ناقش فيه رئيس البرلمان العراقي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر وطالب بإرسال وفد أممي عاجل إلى الحويجة لنزع فتيل الأزمة قيل أن تندلع. لم نسمع شيئا عن المساعي الأممية حتى فاجئنا الثعلب الأممي بان الجيش منعه ويا للعار الأممي! من التقرب من ساحة الإعتصام في الحويجة. وذكر سماحة السيد كوبلر وافر الظل "أنا لست حزينا بل غاضب جدا لأن الحوار لم يجرِ"! إنه ليس حزينا على إستشهاد وجرح المئات من المتظاهرين العزل لكنه غاضب! والأغبى من ذلك دعوته المسؤولين في كركوك والحويجة" إلى تقديم مقترحات لحل الأزمة وإجراء تحقيق شفاف وفوري في هذه الأحداث". فهل بقى من مقترحات يا كوبلر؟ أما التحقيق الشفاف الذي يدعو إليه فإنه لا يختلف عن ورق التواليت الذي يتمسح به كوبلر. فأين هي نتائج التحقيقات الشفافة لمقتل المتظاهرين في الرمادي والموصل التي طالب بها كوبلر وأمينه العام؟
إن إنتشار الوحدات العسكرية داخل المدن وترك حدود البلد سائبة لكلاب دول الجوار لا يمكن تبريرها إلا بأن الجيش مهيأ بشكل جدي للإنقضاض على الشعب. ولا يستغرب ذلك طالما إن الجيش نفسه مبني على اسس طائفية وليس وطنية. إن الجيش الذي يلطم في ساحات التدريب ويقرأ العزاء الحسيني هو جيش طائفي بحت ولا يمكن أن يوصف كوطني. ويكون حتما في خدمة الطائفة وليس في خدمة الشعب وحماية البلد من الإعتداءات الخارجية. لقد خسر الجيش الشعب، كما خسر الشعب الجيش. وأي جيش في العالم لا يحظى بمحبة الشعب وإحترامه هو جيش فاشل وحقير.
هذه هي الحقيقة، الجيش العراقي بسبب توجهاته الطائفية وإتباعه توجيهات حزب الدعوة الحاكم فقط، اصبح عدوا للشعب ومخيب لآماله وغير جدير بالثقة. ونقولها بكل ثقة إن إستهداف عناصره بات واجبا شرعيا لا مناص منه.
لقد عاد شبح الحرب الاهلية عام 2006 للظهور ثانية لكن بهيئة جديدة، فالميليشيات التي هاجمت أهل السنة آنذاك وقتلت الآلاف منهم، ودمرت وأحرقت مساجدهم وأستولت على بعضها(لحد الآن تحت سيطرتهم) هم أنفسهم الذين هاجموا رجال الإنتفاضة في ساحة العزة والكرامة في الحويجة، لكن بلباس عسكري هذه المرة. حيث تم دمج تلك الميليشيات مع الجيش والشرطة.
لاحظوا مهزلة التصريحات وقارنوا بين حديث رئيس السلطة التشريعية ونظيره رئيس السلطة التنفيذية بشأن مجزرة الحويجة لتقدروا حجم مأساتنا. يقول المالكي دفاعا عن ضباطه المجرمين "من المؤسف عندما يحصل خرق أمني لا يدان الإرهاب ولا يتحدثون عن القاعدة او حزب البعث، وإنما يتحدثون عن الضابط، من أجل ان يكسروا هيبة الضابط والجندي ويدينوه ولا يدينوا الإرهاب، ودائماً ما نسمع عندما تحصل عملية أمنية مباشرة الإدانة تطلق على القائد العام للقوات المسلحة وعلى الوزير والضابط، وكأنما هم ليسوا شركاء في هذا الجيش الذي يمثل جميع مكونات الشعب العراقي".
لكن لنقف لحظة! هل فعلا الجيش المهلهل الحالي يمثل مكونات الشعب كافة أم هو جيش الطائفة؟ وهل المتظاهرون في ست محافظات هم من القاعدة وازلام البعث؟ وهل لجيش المالكي من هيبة كي تُكسر؟ هل الجيش الذي يترك الحدوده ويخيم داخل المحافظات له هيبة؟ هل الجيش الذي يلطم في ساعة التدريب كالنساء له هيبة؟ هل الجيش الذي يهاجم العزل له هيبة. هيبة الجيش راحت يوم حلٌه بريمر وجمع المجرمين واللصوص وعناصر الميليشيات ليصنع منهم جييش هزيل مثير للتقزز والإشمئزاز.
لنسمع من جهة ثانية تعليق رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي عن المجزرة حيث يقول" إن قوات الجيش أصبحت أداة لقمع الشعب. إننا في الوقت الذي ندين به بأشد عبارات الشجب والاستنكار الجريمة المؤسفة التي ارتكبتها قوات الجيش بحق المعتصمين في قضاء الحويجة فان قيام الجيش بإطلاق النار على أبناء الشعب العراقي من الذين اعتصموا سلميا في ساحات مكشوفة مطالبين بحقوق مشروعة هو أمر مرفوض قطعا، وجرم مشهود يفضح مستوى المسؤولية المتدني للجيش تجاه أبناء الشعب، ويبين ان هذا الجيش بنهجه الحالي قد أصبح اداة لقمع الشعب وليس مدافعا عنه". واحد يبريء الجيش والآخر يدينه!
سبق ان نوه الكثير من زعماء الإنتفاضة بأن تظاهراتهم وإعتصاماتهم السلمية وتجنب الإصطدام مع قوات الجيش هو للمحافظة على لحمة الشعب والوحدة الوطنية، ويجب أن لا يفسر بأنه ضعف. وهذه حقيقة لا تقبل الجدل فابطال الفلوجة الذين اذاقوا المارينز الأمرين لا يعصى عليهم جيش مفكك في عاشوراء يلطم، وبقية الأيام يرقص في الشوارع. لكن غباء الحكومة وحمق مستشاري المالكي المدنيين والعسكريين جعلهم يتصورون بأن المنتفضين ضعفاء لا حول ولا قوة لهم. في الوقت الذي لعب فيه علماء الدين في المحافظات المنتفضة دورا رائعا في تثبيت وتطمين النفوس. حيث كانوا يطفئون غضب الثوار كلما إشتد، ويغذون صبرهم بإستمرار، ويسيجون جهادهم بالحكمة والموعظة فكانوا حقا رسل سلام وإسلام.
الرسالة التحذيرية للزعيم الروحي للإنتفاضة سماحة الشيخ عبد الملك السعدي حفظه الله ورعاه كانت واضحة ومفهومة لكل لبيب ورشيد. فقد حذر الجيش من مغبة عداء الشعب ونصحه بعدم الخضوع لرغبات السياسيين الذين ينفذون اجندة خارجية معلنة واضحة المعالم. فإن إندلعت الشرارة سيهرب السياسيون ومعظمهم أصحاب جنسيات مزدوجة ويتركون الجيش لقمة سائغة بيد الجماهير الغاضبة للإنتقام منها على ما إقترفته من جرائم بحق الشعب. ولكن أنى لمجنون أن يفهم الحكمة ويتعظ بقول الحق؟
بعد إجتماع المالكي مع مرتزقته فاروق الاعرجي مدير مكتب القائد العاموالفريق طالب شغاتي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب والفريق أول عبود كنبر المالكي معاون رئيس أركان الجيش للعمليات والفريق أول علي غيدان قائدالقوات البرية والفريق عبد الأمير الزيدي قائد عمليات دجلة حددت ساعة الصفر لشن الهجوم البربري على الثوار. كإننا في حرب مع جيش دولة معادية وليس مع مواطنين عراقيين عزل كفل لهم الدستور حق التظاهرّ. كانت حصيلة هجوم الجيش الغاشم على شعبه (250) قتيل وحريح و(400) مفقود. والسفالة بكل معانيها تجسدت بدعوة المالكي لتشكيل لجنة برئاسة المطلك والشهرستاني لتقديم تقرير عن مجزرة الحويجة لمحاسبة المقصرين وتعويض عوائل الشهداء والجرحى بمبالغ مالية. ربما تنجح سياسته هذه مع من يمكن شراء ضمائرهم ونخوتهم وشرفهم بالفلوس لكن ليس مع أهل الحويجة! وما أدراك بأهل الحويجة! لقد رسم المالكي نهايته بهذا العدوان الشائن وسيكون القادم من الأيام شاهدا على كلامنا هذا. فأهل الحويجة سيردون الصاع للمالكي بصاعين إن لم يكن بأكثر.
لقد وصل السيل الزبى فأما أن يكون العراق عراق الجميع لا فرق لعراقي عن آخر في الحقوق والواجبات أو لتكن حسب مقولة شمشون عليٌ وعلى أعدائي. لقد صبر العراقيون بما فيه الكفاية على الفساد الحكومي والإستهتار بحياة الناس والإعتقال على الهوية ومداهمات مناطق أهل السنة وإعتقال شبابهم وأغتصاب نساءهم وتفجير مساجدهم واغتيال شيوخهم وأخيرا تفجير مقاهيهم. لقد طفح الكيل فالعدو يتربص بهم من كل الجهات عدو داخلي وعدو خارجي. الحكومة الطائفية تهددهم، والميليشيات الشيعية تهددهم، وإيران تهددهم. أي وطن هذا الذي يحمي الفاسدين والمجرمين والإرهابيين واللصوص ويقدم لهم كل العون! إنه ليس وطن ولا يمتلك أي من خصائص الوطن، إنه وكر للصوص والمجرمين وقطاع الطرق.
عندما قتل عدد من المتظاهرين في الرمادي توعدت المقاومة الوطنية الباسلة بالرد الحاسم والثأر للشهداء ولم نشهد من ذلك ما يرضينا. وعندما قتل جيش المالكي عددا من المتظاهرين العزل في الموصل أبرقت وأرعدت بعض الفصائل الجهادية ولكنها لم تمطر. والآن قد حصل ما لا يمكن السكوت عنه فإن كان السبب هو الحاجة إلى الفتوى فالجهاد كما هو معروف فريضة ولا حاجة لفتوى. وإن كان الصبر وهو من شيم الرجال فقد طفح الكيل فأمسى صبر أيوب متواضعا أمام صبرنا.
مع هذا فقد أفتى كبير علماء السنة سماحة الشيخ عبد الملك السعدي وافر الظل بذلك" قلت عِدّة مرَّات ناصحا الجيشَ بعدم الإجابة لمن يأمرُ بالقتل كائنا مَن كان، وبالوقت الذي كُنَّا نقول للمتظاهرين إيَّاكم وحملَ السلاح والبدءَ بالعِدوان على القوَّات المُسلَّحة لأنَّا نريد استمرارَ سلميةِ المُطالبةِ ولازلنا نريدها، فإنَّ الدفاع عن النفس في الوقت الحالي أصبح واجبا شرعيَّا وقانونيَّا، فدافعوا عن أنفسكم، ومن قُتِلَ دون ماله أو عِرضه أو وطنه فهو شهيد. وما عدا الدفاع عن النفس أقول: عليكم ضبطَ النفس حتى تفوِّتوا الفرصة على المُعتدين".
لقد حقق المالكي وعده للوزير الإيراني مصلحي فضرب الإنتفاضة ضربة عنيفة موجعة. فهل ستحقق المقاومة وعدها للشعب بضرب المالكي ورهطه الفاسد وجيشه المهلهل ضربة موجعة. الثأر من شيم العراقيين على المستوى الفردي فما بالك بالجمعي!
قلوبنا تفور من شدة الغضب وأحشاءنا تتمزق من فداحة الظلم لا يطفئها سوى سماع هدير المقاومة الوطنية البطلة. فعجلوا يا تيجان رؤوسنا ـ ونخص بذلك رجال الطريقة النقشبندية المجاهدين الغيارى درة تاج المقاومة الوطنية ـ بردٌكم الحازم والحاسم على قوى الشر والطغيان، ولا تطيلوا به علينا. لقد فقدنا الأمل بالأمم المتحدة وممثلها اللعين الجامعة العربية والدول العربية والاسلامية والمرجعية الدينية وبحرقة موجعة بموآزرة محافظات الجنوب ولم يبق في جعبتنا سواكم.
نصركم الله وسدد خطاكم على طريق التحرير من الاحتلال الصفوي الغاشم، وما النصر إلا من عند الله و بثباتكم وهمتكم وجهادكم وهي عالية شامخة كنخيل العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق