موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأحد، 28 أبريل 2013

السلطة الفاسدة


نواف شاذل طاقة
يتساءل البعض: كيف يمكن لجندي أو عريف مجهول فار من ساحات القتال العراقية الإيرانية أن يصبح وزيرا أو عضوا في البرلمان؟ وكيف يمكن للص تافه صغير يتسكع في شوارع هذه العاصمة الأوروبية أو تلك أن يصبح رئيسا لواحدة من أكبر الكتل السياسية في البرلمان أو أن يترأس وزارة في بلاده؟ وكيف يمكن لصاحب ماخور أن يصبح رئيسا لحزب سياسي متنفذ؟ وكيف يمكن أن "تضيع"10 أطنان من الذهب فجأة من البلاد؟ بل كيف يمكن لرئيس وزراء دولة بحجم العراق أن يقول لشعبه بأنه يعرف تماما المجرمين الذين قتلوا آلافا مؤلفة من الابرياء لكنه لن يكشف عن اسمائهم؟ وكيف، وكيف، وكيف؟


لن تجد أبلغ من وصف الكاتب والروائي البريطاني جورج أورويل[1] لمثل هذه الظاهرة السياسية حيث يقول في إحدى مقالاته واصفا الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة بأنها: أسرة يتسلم فيها الأعضاء الفاسدون زمام السيطرة. إن هذا الوصف الدقيق للراحل أورويل يوضح أكثر من سواه كيف يمكن للطالحين في مجتمعاتنا أن يتسيدوا على شعب مقهور. لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، من وجهة نظر أورويل على الأقل. إذ يمضي الكاتب مبحرا في فضاء هذه الطبقة السياسية المذهلة بفسادها وخستها ممعناً في سبر أغوارها في روايته "مزرعة الحيوانات" التي كتبها سنة 1943 والتي يقول أنه استوحى فكرة كتابتها بعد رؤيته لصبي "يقود عربة كبيرة تجرها أحصنة في ممر ضيق، وكان الصبي يوسع الاحصنة ضربا بالسوط كلما حاولت أن تحيد"[2]. حينها وردت خاطرة إلى ذهنه مفادها لو أن هذه الحيوانات كانت قادرة على إدراك قوتها لما سمحت لهذا الحوذي الأخرق أن يتحكم بها. وهكذا يصور أورويل تسلم "الخنازير" زمام السلطة في "مزرعة الحيوانات"، ليؤكد ثانية للقارئ بأن السلطة الفاسدة لا يمكن أن تقاد إلاّ من قبل "خنازير" خسيسة مستعدة لارتكاب كل أنواع الرذائل في سبيل بقائها في السلطة. تنتهي هذه الرواية، التي رفض الناشرون البريطانيون نشرها لأسباب سياسية لنحو سنتين، عندما تستيقظ الحيوانات الحالمة بالعدالة والتي ضحت بكل شيء من أجل مستقبل قيل لها أنه الأفضل، لترى قادتها "الخنازير" يسرقون ويزنون ويأكلون من عرق جبين الحيوانات الكادحة ليل نهار.
عقب هذه الصورة المأساوية السوداء لواقع الفساد السياسي، التي تنطبق تماما على ما يجري في العراق، لا بد أن يتبادر السؤال التالي إلى الأذهان: كيف يتصرف المواطن المكتوي بلظى هذا الظلم؟ يجيب أورويل على هذا السؤال المُحيّر في واحدة من مقالاته قائلا: "إنه لمن الأكثر سهولة أن تحتقر الطبقة الحاكمة، على أن تضمر الكراهية لها وتحطمها"[3].
ليس هناك أدنى شك بأن الغالبية العظمى من العراقيين تحتقر الطبقة الحاكمة الفاسدة. بيدّ أن ضمر الكراهية لهذه الطبقة الحاكمة والامتناع عن تحطيمها أمر لا يتسق كثيرا مع تاريخ العراق السياسي القديم والحديث!!


[1] جورج أورويل واسمه الحقيقي إريك آرثر بلير. كاتب وروائي بريطاني ولد في الهند من أبوين بريطانيين سنة 1903، وعمل في سلك الشرطة البريطانية في بورما أبان فترة الاستعمار البريطاني لكنه سرعان ما استقال من عمله سنة 1927 وتوجه للعمل الأدبي والصحافي. اشتهر بكتابة المقالات السياسية ولكن صيته ذاع كثيرا بعد روايتيه الشهيرتين "مزرعة الحيوانات" التي كتبها سنة 1943 و "1984" التي صدرت سنة 1949. توفي سنة 1950 بعد معاناة طويلة من مرض السل.
[2]  جورج أورويل. ريموند ويليامز، ترجمة ماهر كيالي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، سنة 1967. ص 100
[3] المصدر السابق. ص 36.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..