وجهات نظر
إيمان أحمد خماس
عندما
تعلن الحكومة العراقية انها تشنّ هجوما عسكريا بالطيران وبالمدفعية الثقيلة
والقوات الخاصة في الجيش على مدينة عراقية آهلة بالمدنيين، فتقتل وتجرح العشرات
منهم وتشرّد الاف الاسر في المدن والمحافظات المجاورة وتعطل حياتهم وتقطع الماء
والكهرباء والاغذية والادوية عنهم، بذريعة محاربة الارهاب فانها تتلمس عذرا ابشع
بكثير من هذه الجرائم.
فماذا فعلت الحكومة من اجل وقف حمام الدم؟ ذهبت الى المتظاهرين المسالمين المعتصمين في ساحة المدينة وهدّت الخيام على رؤوسهم، في حادثة تكررت غير مرة.
لا تنسوا ان الحكومة قامت قبل اشهر بالشيء نفسه في الحويجة فطوقت المعتصمين وحاصرتهم اياما ثم ذبحت 45 منهم بعضهم كانوا جرحى اجهزت عليهم بعد اعتقالهم، وغيرها في الموصل وديالى ناهيك عن التصفيات المستمرة ضد المناهضين لسياستها في كل انحاء العراق.
نحن نتحدث عن الارهاب الجسدي فقط ولا نتحدث عن الارهاب المعنوي والاخلاقي والثقافي الذي يستهدف هوية الانسان العراقي ويشوّه صورته ككائن متحضر له اسهاماته الفذة في التاريخ البشري.
ولا نتحدث عن الارهاب الاقتصادي الذي افقر ثلث الشعب واثرى قليلين من محترفي السياسة والبلطجة و’العصابجية’. ولا نتحدث عن الارهاب الاجتماعي الذي اخرس فئات كثيرة من المجتمع اولها المرأة والطبقات المهمشة الاخرى وهكذا حدّث ولا حرج…
من حق الحكومات، بل من اولويات واجباتها ان تحمي مواطنيها وتسهر على سلامتهم. ولكن هل سمعتم بدولة قوية يستتب فيها النظام ولا يسود فيها سوى القانون، وتتمتع بأجهزة تشريعية وقضائية وتنفيذية فعّالة ولو نسبيا، تفشى فيها القتل الفردي والجماعي كما يحدث في العراق؟ واقع الحال ان هذا التوصيف البسيط للدولة هو ابعد ما يكون عن الحكومة العراقية والعملية السياسية التي انجبها الاحتلال. بل ان هذه الحكومة هي التي مارست وتمارس الارهاب منذ البداية وهي التي عملت وتعمل على اشعال حرب اهلية طائفية مناطقية من خلال بثّ الخطاب الطائفي المتخلف والممارسات القمعية التي تستهدف اجزاء وشرائح دون غيرها في الوطن.
ان القلب ليدمى قبل ان تدمع العين وهي تشاهد ابناء العراق سواء من القوات المسلحة ام من المقاتلين يوجهون النار الى بعضهم بعضا، ومن اجل ماذا؟ من اجل ان يبقى المالكي لولاية ثالثة في الحكومة (وما ينطيها كما قال !) وهو الذي سجل ارقاما قياسية في الفشل في ادارة الدولة ولو بأدنى الحدود المقبولة!! لا يجوز بأي شكل ان يقتتل العراقيون وتسيل دماؤهم ويشردون من اجل حكومة فاشلة بل من اجل اية حكومة مهما كانت. ولا يجوز ان يسمحوا للمالكي بذبحهم من اجل ان يحصل على شهادة حسن سلوك من واشنطن وطهران تؤهله لولاية ثالثة هو غير جدير بها ولا بغيرها.
اصبح مفهوم الارهاب الموضة السائدة في عالمنا اليوم، وهو اكثر المفاهيم السياسية ضبابية، يطلق على كل اشكال العنف السياسي بغض النظر عن دوافعه وخلفياته ومعطياته الموضوعية، وهنا تكمن خطورته كمفهوم. ولقد استخدمته الولايات المتحدة عبر تاريخها الحديث ومنذ الحرب العالمية الثانية بعد ان صعدت الى مقام القوة العظمى في العالم للتنكيل بحركات التحرر بذريعة تهديد المصالح الامريكية في زمن ترومن وكندي وكارتر وريغان وكلينتون والبوشين على سبيل المثال فقط لا الحصر، واستخدمته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ضد شعوب العالم بذريعة محاربة الارهاب الذي صنعته هي نفسها للاطاحة بالحكومات ‘العاقّة’ في قاموسها. لقد دمّر العراق واحتلّ بذريعة محاربة الارهاب وهو بريء منه. ولقد أستخدمه الكيان الصهيوني لابادة المقاومة الفلسطينية. وهاهو المالكي يتعكّز على الذريعة نفسها من اجل البقاء في السلطة والاطاحة بخصومه. فالسجون تكتظ بالمعتقلين المنكّل بهم والمنتهكة حقوقهم بتهمة المادة اربعة من قانون مكافحة الارهاب. ويعترف المسؤولون في الحكومة الحالية ان بين المعتقلين الاف الابرياء.
ويسجل العراق اعلى معدلات الاعدام في العالم بهذه التهمة. بل ان كل هذه الانتهاكات هي السبب المباشر وراء تصاعد النقمة الشعبية والاعتصامات.
لو كانت الحكومة العراقية تسعى الى حقن الدماء حقا لأصغت الى الناس وخاصة الى من تتهمهم بالارهاب. ولو انها كانت حريصة على توفير الامان وحماية المدنيين للجأت الى الاساليب القانونية في التحري والمقاضاة بعد اجراءات قانونية علنية وشفافة ونزيهة. بل ان لجوءها الى الجيش والقصف الجوي والمدفعي هو اجراء يموّه الحقيقة وهو اقرار ضمني بفشل النظام القضائي العراقي برمته وعجزه عن توفير الاطر القانونية للاجراءات السياسية الهادفة الى امن المواطن والدولة معا. وشنّ الحرب من قبل الحكومة على مواطنيها انفسهم هو بذاته اجراء ارهابي يُسكت الآخر ويسلبه حقه في الدفاع عن نفسه وشرح دوافعه ويؤطره في خانة الاجرام. ولكن الحكومة لا تسعى الى احقاق الحق، بل انها تستخدم الارهاب غطاء لفشلها وتبريرا لعجزها وارتمائها في احضان المحتل وارتهان قرارها للاجنبي، فترمي الآخرين بدائها. تماما كما فعلت الادارة الامريكية عندما تآمرت على العراق ودمّرته بسنوات من الحصار الشامل وبالغزو والاحتلال من اجل اخفاء جرائمها التي عجز النظام العالمي حتى الآن عن محاسبتها عليه.
ان الحكومة العراقية اقدمت على جريمة اخرى تضاف الى سجل جرائمها السميك عندما اعتدت بالسلاح على المعتصمين السلميين ولن تتوقف نتائج هذا العدوان عند عمليات القتل التي تلتها، ولا عند التهديد والوعيد، ولا عند حدود انشاء اقليم منفصل في الانبار اذا فشلت في مغامرتها، ولا القضاء على من تنعتهم بالارهاب اذا نجحت. انه رهان في الحالتين خاسر. ولو كان المالكي حريصا على وحدة العراق وسلامته فأن اول شيء ينبغي ان يقوم به (ومنذ زمن طويل) هو الاستقالة، لان نتائج وجوده على رأس دولة فاشلة افضت الى تدمير العراق وستجرّه الى اتون حرب تحرق الاخضر واليابس ولن ينهض منها لأجيال.
ملاحظة:
نشر
المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق