وجهات نظر
علي خليل
أسماعيل الحديثي
قد لاتعني للكثير منا بعض الأسماء مثل داعش والنصرة أوغيرها
شيئا، ولكن مفهومها وضمونها فعلاً يعني للجميع أكثر. خاصة إذا ماعرفنا أن المعنى
الحقيقي من وراء بعض المصطلحات مثل "داعش" قد تختصر أسماءً بمسمى واحد (فالدال
= دولة، والألف = إيران، والعين= عراق، والشين هو الشام)، وهو في الواقع يمثل
مؤسسة إيرانية لإشاعة الفوضى والحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد سواء كان في
سوريا أم العراق. ويمكن إجمالها بعبارة واحدة هي "الحرب على التعايش الإجتماعي
السلمي" .
إذن، فالمشكلة هي ليست مع مصطلح داعش أو النصرة. بل مشكلتنا
الحقيقية هي مع من يقف خلف هذه الظاهرة ويغذيها ويدعم مقومات نجاحها.
دعوني أضرب لكم مثالاً مع إعتذاري عن المسميات الطائفية،
فالحقيقة لم نتربى في عراق القائد الشهيد صدام حسين على أية فرقة مذهبية أو حتى
طائفية، كلنا كان عراقياً وطنياً.
ففي بغداد مثلاً، كنت تجد في الحي السكني الواحد أو حتى في
المجمع السكني الواحد من يسكنه من العراقيين
والعرب من كل الطوائف، فالسني جار الشيعي وجار المسيحي والكردي والصابئي، كل واحد
منهم أقرب للثاني ربما حتى من أهله المقيمين في منطقة سكنية أخرى.
ذلك الحي أو المجمع السكني الآن، إن لم يهجّر ساكنيه بالقوة
والتهديد بفعل الطائفية، أصبح الشيعي المقيم فيه والشيعي الآخر المقيم في أبعد
الجنوب هو أقرب منه الى جاره السني في السكن المجاور له. والعكس صحيح، فالسني أصبح
يشعر أنه أقرب الى السني المقيم في الأنبار أو حتى ذلك المقيم في عمان منه الى
جاره الشيعي المقيم جنباً الى جنب منذ عقود.
نعود الى الشطر الثاني من العنوان وهو سقوط حدود الدول
وتخريب حالة التعايش السلمي التي كنا ننعم بها قبل العام 2003.
حقيقة، لو تطلعنا الى هذا الموضوع (تخريب حالة التعايش
السلمي وسقوط الحدود)، لوجدنا أنفسنا أمام برنامجين خبيثين لإستهداف مقدرات هذه
الأمة. فالأول، إيراني بحت نجحت فيه للأسف الشديد بإجتياز حدود الدول من خلال
تصديرها لمايسمى بالثورة الإسلامية وإجتذاب العرب لتشييعها ومن ثم إخراجهم من
النسيج الوطني والأجتماعي ودفعهم لولاية الفقيه كمرجع ديني سياسي أعلى.
أما البرنامج الثاني، فهو برنامج القاعدة (أمريكي
إستخباري النشأة)، الذي يعمل على إخراج السنة المتعاطفين معه من نسيجهم الإجتماعي
وولائهم الوطني الى ولاية الأمير (أمير الجماعة) الذي لا يعترف هو الآخر بحدود
الدول، ولايعترف كذلك بمصطلح "التعايش السلمي" إذ لامكان لديه لفكرة مثل
التعايش أساساً، ويرى نفسه خليفة الله وسلطانه على الأرض. وخير دليل على مايجري
اليوم في العراق وسوريا.
بالمناسبة، سوريا اليوم ليست هي كما كنا نعرفها قبل 3
سنوات، إذ لم تعد بتلك الصورة الإجتماعية السابقة، والفضل في ذلك لداعش والنصرة.
أما التساؤل الذي يطرحه كل عربي شريف غيور على أمته
ودينه وأرضه، فهو: كيف سيتعايش أبناء المجتمع الواحد من سنته وشيعته في العراق إذا
كان رئيس وزرائه الحالي يسمي مايحصل من دمار وخراب وقتل في الأنبار الجريحة اليوم بإنها
"إستمرارٌ للمواجهة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد"؟
وبالتالي، نفس السؤال ينطبق على الحالة في سوريا اليوم،
كيف سيتعايش السني مع العلوي بعد مافعلته (داعش والنصرة) في الشعب السوري، وبعد
مافعله مايسمون (شبيحة النظام السوري) بالمجاميع السنية في سوريا.
ومن منا لايشعر بالخجل والآسى على مايتعرض له إخواننا
المسيحيون في شمال العراق وحتى في سوريا حالياً، من إضطهاد وتعذيب وتهجير وإبادة
لم تحدث قط في تأريخ الإسلام والأمة العربية.
لا أحب التشاؤم ولكن الصورة قاتمة جداً للأسف هذا العام،
وعلينا أن نعترف إن كلاً من إيران وحليفتها إسرائيل قد حققتا إنتصاراً خطيراً على هذه
الأمة دون أن تخسرا جندياً واحداً، فكل الدول المجاورة لهمابل أهم ثلاث دول عربية
في المنطقة اليوم (العراق، سوريا ومصر) منغمسة بالدم والحروب الأهلية.
ما أخطر الطائفية والمذهبية وما أخطرعبارة "لانريد
العيش معاً" حينما نسمع من يرددها سواء كان ذلك في العراق أم في سوريا أم في
أية دول عربية أخرى. فالهدف معروف في محو الهوية لهذه المنطقة وإستبدالها بأعراق
طائفية وتيارات مذهبية مقيتة من خلال حروب الإبادة والتهجير والتشييع السياسي
الفارسي التي بدأتها في العراق وأمتدت الى سوريا ولبنان وستصل رياحها غداً الى
كافة دول الخليج العربي .
فالتحالف ليس إقليمياً بل دولياً، غربي – شرقي لكن رؤوس
حرابه الطوائف والأقليات، التي قبلت على نفسها أن توظف في مشاريع غير وطنية، ودفعت
لإرتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتورطت في قتل الأبرياء دون أن تعي لعواقب أفعالها
الإجرامية.
لذلك سوف لن تحفظ تلك الحدود المستباحة ووحدة الشعب
وسيادة الوطن إلا بمرور نوع آخر من الدكتاتورية الشمولية والتي (ربما) ستكون أعدل
بكثير من ديمقراطية الطائفية والأقليات المشروطة بالتبعية والتضحية السيادية بل
وحتى في الهوية، فقد باعت البلاد وفتكت العباد.
(ربما) ستتيح هذه الدكتاتورية الشمولية فرصة أخرى إذا
ماكانت من داخل التراث والهوية لبقاء الأوطان حرة مستقلة عزيزة، بل (وربما) ستهئ
الظرف لثورة داخلية ديمقراطية حقيقية وليست ديمقراطية مكونات حرامية، تبقى بيد
الأغلبية دون أن تضحي بالثوابت الوطنية، ودون أن ترهن للتبعية.
وهنا يأتي دور المثقفين من هذه الأمة لإعادة قراءة
المسيرة بمدخل إيجابي يأتي منسجماً مع روح هذا العصر نحو الحضارة والتقدم، لأن
خلاف ذلك يبدو مسيرة لا أخلاقية نحو الخراب والغياب عن هوية وتأريخ هذه الأمة.
وصدق الشاعر حين قال:
إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم
ذهبوا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق