وجهات نظر
علي الكاش
ثورة الأنبار ثورة شعبية إتَّسمت بالصبر الطويل والنهج السلمي
وعدم الإنحراف عن البوصلة الوطنية في مطالبها، بإعتراف الأمم المتحدة والمنظمات
الدولية ودول الإتحاد الأوربي، ورغم محاولات البعض ان يجيرها لصالح التنظيمات
الإرهابية أو بعض دول الجوار، او يصفها بصفة طائفية فإن تلك محاولات حمقاء وفاشلة،
فالكل أدرى من هو الطرف الخارجي المؤثر في الحكومة العراقية وبيده مقدرات العراق
السياسية والإقتصادية ويسيرها وفق أجندته الخاصة ومصالحه.
إن تأثير تهديد ووعيد المالكي في نفوس أهل السنة بليغ
الأثر، ولا يمكن تجاهلة أو نسيانه، ليس من ناحية التخوف من المالكي وقطعانه
المسلحة فهذه فقاعة لا تعني شيئا عند الثوار. لكن من ناحية شق الشعب الى فصائل
متناحرة فيما بينها لتفيذة أجندة خبيثة تخدم أعداء العراق، وتجعل من الجيش العراقي
إداة وحشية لقمع الشعب، وهذه لطخة عار في جبين الجيش لا يمكن محوها أبدا. لو جعل المالكي
تعداد الجيش 13 مليون عنصر، اي نصف العراقيين حرسا على النصف الثاني لما تحقق
الأمن في العراق. السياسي الأحمق يفتقد دائما بعد النظر. المشكلة ليست في كثرة
الجيش والشرطة وتأسيس قوات جديدة كدجلة وسوات والحمايات الخاصة والشركات الأمنية
وقوات الصحوة والأصح تسميتها الغفوة حيث فقدان العقل والتعقل. ولنا في التأريخ أسوة
حسنة وموعظة دائمة، فهو الحاكم والحجة التي لا يمكن دحضها. الأمن يتعلق بالعدالة
والمساواة والحرية والتعقل. إغرس العدل تجني الأمان، والفضل يكون الغارس وليس
للجاني. العدل اساس الملك. والعدل اساس الأمن، والعدل أساس الثقة، والعدل اساس
التقدم.
أما طلب المالكي من البيت الأبيض بسرعة إمداد قطعانة المسلحة
بالأسلحة الجديدة لمحاربة ما يسميه في عرفة المريض النتظيمات التكفيرية والظلامية
وأزلام النظام السابق والقاعدة، فأن هذه الأسلحة لا تعني شيئا أمام إرادة الشعب.
فهل نفعت أسلحة الإتحاد السوفيتي النووية والتقليدية النظام السابق من عدم السقوط؟
أما طلبه بتدريب قطعانه المسلحة في الأردن أو دولة أخرى فالعراق الخائض بوحل الجهل
والتخلف والفقر والجوع بحاجة الى تعليم وبعثات علمية وليس تجييش وتدريبات عسكرية
وأسلحة تصرف عليها المليارات بلا فائدة، وجيش المالكي الجديد وأسلحته المهانة شاهد
حي على إفلاسه. ثم هل إستطاع المارينز بقوتهم وأسلحتهم المتطورة وتفوقهم التدريبي
وخبرتهم الحربية من إركاع أهل الأنبار؟ ليتمكن جيش المالكي الهزيل المكون من عناصر
الميليشيات المنفلته من إركاع أهل الأنبار. إنه المستحيل بسابعه وليس أوله.
الحرب ضد المواطنين أشد بلاءا من الحروب الخارجية، وأقوى
خطرا على وحدة الوطن، وإدعى الى هلاك الشعب وإضمحلال الأمة. أحمق من يظن أن هذه
الحرب يمكن أن تصنع مجدا، وتثبت حكما، وتردع خصما. الحاكم الذي يحارب شعبه المسالم
الذي يطالب بحقوقه المشروعة إنما يحفر قبره بإظافره. والحاكم الذي يرمي الأبرياء
من المتظاهرين بالرصاص الحي بذريعة عدم توفر الرصاص المطاطي سيكون مصيره مصير
سيدته ماري انطوانيت. والحاكم الذي يقسم شعبة الى أصحاب يزيد وأصحاب الحسين، نسي
بأن أصحاب الحسين قد خذلوه وباعوه بثمن بخس، وان يزيد من إنتصر في الحرب وليس
الحسين. وان ظن المالكي إنه يحكم بمباديء ثورة الحسين فأنه يسيء للحسين قبل غيره.
فهل مباديء الحسين هي القتل والخطف والسلب والنهب والإعتقال بلا جريرة واغتصاب
المعتقلات والتزوير والكذب والجوع والفقر والدجل وحماية الفاسدين؟
وإذا كان يظن بأن الإنتخابات القادمة تستوجب الشحن
والإستقطاب الطائفي وإرضاء شيوخ عشائر الجنوب والوسط من السائرين في قافلة الولي
الكريه في إيران، فأنه على خطأ كبير فقد بدأت طوابير القتلى من قطعان الجيش النافقة
وعناصر المليشيات والمتطوعين من عشائر الجنوب تتوافد عليهم، وبذلك فإن سحر المالكي
قد إنقلب عليه.
العراقيون الشرفاء يعرفون جيدا بأن الصل المالكي كان ينتظر
إشارة من الأفعى الفقيه الخامنئي لينفص سمومه القاتلة والمدمرة على المحافظات
السنية ليدمر العراق إثرها.
وهذا يفسر الدعم الإيراني والمشاركة مع قطعانه المسلحة
في الهجوم على الثوار بإعتراف أسرى من الصحوات وقطعان الجيش بوجود مدربين لا
يتكلمون اللغة العربية. والحقيقة إن ثورة الأنبار كشفت حقيقة التنسيق الأمريكي
الإيراني الذي موهه الإعلام الأجير، وأنكره الطرفان خلال السنوات الماضية. لقد كان
للشيطانين الأكبر والأصغر نظرة واحدة وموحدة في دعم المالكي في عدوانه على أهل
الأنبار، وإمداده بالأسلحة المتطورة. والغريب أن هذه النظرة موحدة أيضا بشأن
الموقف من جزار دمشق الذي أقسم على تدمير سوريا وإبادة شعبها حفاظا على كرسيه
المتداعي للسقوط. كذلك التوافق في الموقف من تمرد الحوثيين على السلطة المركزية في
اليمن. ومع تظاهرات الغوعاء في البحرين حيث تدعمها إيران جهارا، والولايات المتحدة
سرا. مع ملاحظة أن هذه النظرة تتوحد أيضا مع رؤية الكيان الصهيوني الذي يتوافق معهما نصا
وروحا في دعم قوى الشر والضلال في المنطقة. ومع هذا لا يزال بعض الحمقى يؤمنون
بالصراع ما بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، مع
إن الأوراق مطروحة أمام الجميع وواضحة للعقلاء والمبصرين.
لو إفترضنا جدلا بأن المالكي عبر الدعم الأمريكي
والإيراني وإمداده بالسلاح والمقاتلين قد تمكن من تحقيق نصر عسكري في الأنبار! فهل
يعتقد إن الأمر سيصل إلى هذا الحد وينتهي ببساطة؟ هل يظن بان ثورة الرمادي ستخمد
ولا تندلع شرارتها مجددا ومجددا ومجددا؟ هل توقف الأنباريون الغيارى عن قتال
الأمريكان وعناصر المليشيات الموالية لإيران بعد إنسحاب القوات الأمريكية من
الأنبار؟
ثم الطائرات والمدافع والدبابات التي قصفت الأحياء
السكنية في الأنبار والتي وصلت إلى حوالي(250) غارة، وقُتل فيها المئات من
الأبرياء!
اليس للضحايا فم يطالب بالثأر من القتلة؟ وهل الأب الذي
قتل أمام أولاده بلا ذنب، سيتخلى بنوه عن ثأرهم من ميليشيات المالكي عن مقتل
معيلهم؟ هل من سقط سقف بيته فوق رؤوس عائلته الآمنة سيتسامح مع المالكي ويقول له
هم فداء لك ولأبنك البار جدا أحمد؟ العنف سيولد عنف، والإنتقام سيتمخض عن ثأر،
وسيبقى نزيف الدم العراقي متواصلا بسبب الهجمة العدوانية على أهل الأنبار وبقية المحافظات
ذات الأغلبية السنية. لقد رسم المالكي مستقبلا دمويا لمستقبل العراق وسيدفع الجميع
ضريبة الدم نتيجة الإنقياد الذليل لسياسته الطائفية الرعناء.
يبدو إن بعض رؤوساء العشائر في الجنوب والوسط بسبب
غبائهم المستديم لم يدركوا بعد مغبة تأييدهم للمالكي في عدوانه على عشائر الأنبار
وفتحوا باب التطوع في عشائرهم للعدوان الآثم. لقد كسروا العظم مع عشائر الأنبار،
وسيدفعون ثمن تهورهم عاجلا أم آجلا. سوف لا يكون هناك مالكي وأوباما وخامنئي
يحميهم من الثأر. الثأر يؤجل ولكن لا يلغى. صحيح إن عشائرهم تكبدت العديد من
القتلى، ولكن ذلك كان بسبب عدوانهم وإنصياعهم لطائفية المالكي، وقد حذرتهم مرارا
وتكرارا عشائر الأنبار بالتوقف عن إرسال المتطوعين للقتال، لكنهم لم يذعنوا لصوت
الحق وساروا بإرادتهم خلف الطاغية وشياطينه في قم. وهم بذلك يتحملون جريرة دمائين،
دماء القتلى من أبناء عشائرهم من جهة، ودماء الشهداء من أهل الأنبار ممن قتلوا على
أيديهم. لقد صنعوا شرا مستطيرا وسيلاقوا مثله، فالمالكي وسادته زائلون ولكن
العشائر باقية وستبقى.
الحاكم العاقل الذي يحب وطنه وأرضه، هو الذي يخلف لمن
يليه وطنا مستقرا وشعبا آمنا وعلاقات طيبة في الداخل والخارج، ويمهد الطريق القويم
لسلفة لكي يسير على خطاه ويكمل المشوار، وهكذا دواليك. فما الذي حققه المالكي؟
كان يتشدق يمنجز واحد هو الأمن! وواقع الحال يكذب المقال!
فالتردي الأمني يسير بوتائر متصاعدة وساخنة، والسبب في ذلك هو تفاقم الظلم
والتهميش والأقصاء والتهجير والإعتقال والإستقطاب الطائفي علاوة على الجهل والفقر
والجوع والفساد الحكومي في القطاعات كافة. كان المالكي يدعي قبل عدوانه على
الأنبار بأن السيارات المفخخة تفخخ في الأنبار، بل وفي ساحة الإعتصام نفسها. حسنا!
الأنبار الآن محاطة من قبل القطعان المسلحة والميليشيات من كل الجهات، ولا منفذ للسيارات
المفخخة للعبور من الأنبار لبغداد وهي الأقرب والأهم. فكيف تُفسر التفجيرات
المتصاعدة الآن في بغداد وغيرها من المحافظات؟
من أين تأتي السيارات المفخخة الآن لتعصف بالناس
الأبرياء مع إنتشار الآلاف من السيطرات وكاميرات المرقبة الألكترونية ؟
إن كانت السيارات المفخخة التي تضرب المناطق ذات
الأكثرية الشيعية مصدرها أهل السنة كما ينوه المالكي. فما هو مصدر السيارات
المفخخة التي تستهدف مناطق أهل السنة؟
فجر الأرهابيون المئات من مساجد أهل السنة وهي تحت حماية
الشرطة، ومراقبة بدقة عبر كاميرات وعيون ومخبرين سريين، ومع هذا لم يلق القبض على
واحد من أولئك الإرهابيين!!! هناك إحتمالان، أما الإرهاربيون من الأشباح ولا يرون
بالعين المجردة، أوأن الإرهابيين هم من عناصر الحكومة نفسها، لذا تراهم في مأمن في
تحركاتهم ونشاطاتهم وتنقلاتهم وتفجيراتهم.
لم يكتفِ المالكي بتحميل العشائر العراقية مغبة فتح باب
التطوع للعدوان على أهل الأنبار. ولم يكتفِ بجرهم إلى معارك حالية ولاحقة ستحرق
الأخضر واليابس. ولم يكتفِ بشق العراقيين إلى جماعة يزيد وجماعة الحسين. بل إنه
منذ الآن مهد طريق الفشل المحقق لخلفه.
لقد نشط منذ الان على افشال الحكومة التي ستليه حيث ترك
لها حملا وعبئا ثقيلا يقصم ظهرها مهما كانت قوية وحكيمة.
فلا يزهو أحد بنشوة الفوز في الإنتخابات القادمة لأنها
نشوة دموية قاتمة. الحكومة والبرلمان القادم سوف لا يختلفان عن الحاليين. وليس
الأمر بعجيب!
وإن غدا لناظره لقريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق