وجهات نظر
هيفاء زنكنة
منذ جلاء قوات الاحتلال العسكري الامريكي من العراق، في عام 2011، بعد ان أوهنتها ضربات المقاومة المسلحة،
والنظام الحاكم، يتأرجح ما بين الادعاء بالسيادة والاستقلال الوطني الكامل من كل
تدخل أجنبي وما بين التوسل بالادارة الامريكية للتدخل من جديد.
وقد يوحي تعميم مثل هذه الاخبار بان أمريكا قد تخلت، فعلا، عن العراق، خاصة من الناحية العسكرية. مما يترك انطباعا خادعا باستقلالية النظام. غير ان هذا الانطباع هو ابعد ما يكون عن الواقع. فالادارة الامريكية لم تتخل عن مشروعها الاستراتيجي الامبريالي بالعراق وهي مستمرة به ولكن بشكل جديد يقلل من خسائرها المادية والبشرية ويحافظ على سمعتها وشعبيتها لدى الرأي العام الامريكي. ولم تخاطر بحياة مواطنيها من الشباب اذا ما كان بامكانها تنصيب حكومة تعمل كوكيل محلي، وتنفذ سياستها بالنيابة، حسب المفهوم الاستعماري القديم / الجديد الذي لخصه ببلاغة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل حين قال بانه سيقاتل، دفاعا عن مصالح بريطانيا العظمى، حتى آخر جندي هندي؟
ما تحاول امريكا تنفيذه، الآن، هو قتالها حتى آخر جندي ومواطن عراقي لتحقيق سياستها في استمرارية جعل العراق حلبة للمبارزة بينها وبين ايران ودول الخليج، مدركة بأن افضل الحروب، ضمن الاوضاع الامنية العالمية بتعقيداتها وديناميتها، هي التي تدار خارج الحدود الوطنية الى حين غربلة الاوضاع ورسم حدود الشرق الاوسط الجديد، مستفيدة، في سيرورة الحرب، من رخص حياة المواطن العراقي في ظل نظام يجيد الدفاع عن نفسه ومصالحه فقط.
ان ‘الاهتمام الامريكي’ بالعراق، وهو التعبير المهذب للتدخل الامبريالي، بطيفه الواسع، بدءا من التدخل الانساني الى الهيمنة، مستمر، بدرجات متفاوتة، من السياسية الى الاقتصادية والثقافية والمجتمعية، بضمنها منظمات المجتمع المدني، والجانب العسكري.
ما يستوجب التركيز عليه هو جانب التسليح حيث غالبا ما يستخدم السلاح، في معظم البلدان العربية، لقمع ومحاربة المواطنين. ليست هناك معلومات دقيقة عن صفقات الاسلحة التي ابرمها النظام العراقي. اذ يحيط الغموض بالصفقات ومصادرها ونوعيتها، وان طفت على السطح رائحة الفساد الكبير الذي احاط بصفقة السلاح الروسية الذي وقعها المالكي عام 2012 بقيمة ما يقارب اربعة ونصف مليار دولار تقريبا وتم ايقافها ومن ثم اعلان تنشيطها بعد ذلك. ولم يقدم ايا من المسؤولين عن تلقي العمولة في الصفقة الروسية او غيرها او توقيع صفقات اسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية غير صالحة للاستخدام الى المحاكمة، مما يوفر مناخا ملائما لفساد اكبر واوسع ويعطي المسؤولين الضوء الاخضر بالتمادي نتيجة انعدام المساءلة والعقاب.
بالنسبة الى الادارة الامريكية، لم تتوقف الادارة يوما عن مد النظام بالسلاح والعتاد بانواعه، وان كانت تعلن غير ذلك، وان كانت الامدادات مرهونة، ايضا، من ناحية الكمية والنوع بمدى حسن سلوك نظام المالكي (سياسة الجزرة والعصا)، خاصة فيما يتعلق بدرجة انصياعه للنظام الايراني وحدة المناورات بين البلدين.
تثبت ذلك الجداول التفصيلية، الطويلة، الخاصة بتسليح العراق من عام 2007 الى 2012، المذكورة في كتاب ‘التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي ـ 2013′ ، المختص بقضايا التسلُّح والإنفاق العسكري، الصادر سنويا عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (يصدر عربيا عن مركز دراسات الوحدة العربية) . وتغطي الجداول قيمة الصفقات وانواع الاسلحة وتاريخ التجهيز بها. وكان تقرير لصحيفة ‘نيويورك تايمز′ الامريكية قد ذكر بتاريخ 28 كانون الاول/ ديسمبر 2011، بأن ‘إدارة أوباما تمضي قدما في بيع ما قيمته نحو 11 مليار دولار من الأسلحة والتدريب للجيش العراقي… بما في ذلك طائرات مقاتلة متطورة ودبابات، لمساعدة الحكومة العراقية على حماية حدودها’.
وفي كانون الاول / ديسمبر 2013، جاء في الصحيفة ‘نقلا عن مسؤولين في إدارة أوباما، ان الولايات المتحدة تقدم المساعدات الفتاكة، بما في ذلك صواريخ هيلفاير 75 و 10 طائرات استطلاع (سكان ايغل) بدون طيار. كما تقوم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، أيضا، بتوفير معلومات عن موقع شبكات القاعدة ومعسكرات المتشددين’. وقام المالكي، بتقديم قائمة تمنياته (كما يفعل الاطفال حين يقدمون قائمة بما يتمنون الحصول عليه الى بابا نويل) باسلحة اضافية وتدريب فرق خاصة لمكافحة ‘الارهاب’ خلال مهاتفته جو بايدن، نائب الرئيس الامريكي، يوم 16 من الشهر الحالي.
والمعروف ان الادارة الامريكية اعلنت، في الشهر الأخير، عن تسريع تسليم نظام المالكي الطائرات بلا طيار وصواريخ هيلفاير، بعد ان اعلن المالكي بان اعتصام المتظاهرين في محافظة الانبار، غرب العراق، يجب ان يتوقف لأن لديه ‘معلومات دقيقة ومؤكدة بوجود أكثر من 30 قياديا بارزا’ من تنظيم القاعدة فيها. وقام مستشاره علي الموسوي بتكبير حلقة الادعاء قائلا بان ‘لدى القاعدة من الاسلحة الحديثة المتطورة ما يمكنها من الاستيلاء على بغداد’.
ولعل مريم الريس، مستشارة المالكي للاعلام، شعرت بالغبن وعدم
تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية في الآونة الاخيرة فدخلت على الخط، لتزايد على
المالكي ومستشاريه وكل الخبراء العسكريين قائلة بان عدد افراد القاعدة في العراق
هو ‘500 الف ارهابي’. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار بان سكان قضاء الفلوجة المحاصر
والمتعرض للقصف والتهجير هو حوالي 600 ألف فهل هذا يعني، حسب تصريح السيدة
المستشارة، ان جميع السكان تقريبا ارهابيون بمن فيهم الاطفال والنساء وكبار السن
والمقعدون؟ ام انها تعني ان جميع رجال الفلوجة والرمادي وعموم الانبار هم من
الارهابيين؟
عودة الى التسليح العسكري الامريكي للنظام بذريعة محاربة الارهاب، يخبرنا معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ضمن جداوله ان الولايات المتحدة ارسلت ما يقرب من 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية إلى العراق في السنة المالية 2012. والسؤال : ما الذي حل بهذه المبالغ؟ ما الذي حصلت عليه امريكا مقابل هذه المساعدة؟ واذا ما اضفنا هذا المبلغ الى صادرات النفط الهائلة بمعدل 100 مليون دولار سنويا، هل نستغرب اذا ماكان المالكي غير مصدق بانه صار بالحكم ولن يعطيه لغيره ابدا؟ والسؤال الاهم من ذلك كله : هل يظن ساسة النظام ان بامكانهم، مهما كانت الاسلحة التي يتزودون بها والاموال التي يختلسونها، البقاء في مناصبهم على الرغم من ارادة الشعب؟ واقول الشعب لأن الظلم المهيمن على العراقيين، اليوم، لايستثني الكثيرين.
عودة الى التسليح العسكري الامريكي للنظام بذريعة محاربة الارهاب، يخبرنا معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ضمن جداوله ان الولايات المتحدة ارسلت ما يقرب من 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية إلى العراق في السنة المالية 2012. والسؤال : ما الذي حل بهذه المبالغ؟ ما الذي حصلت عليه امريكا مقابل هذه المساعدة؟ واذا ما اضفنا هذا المبلغ الى صادرات النفط الهائلة بمعدل 100 مليون دولار سنويا، هل نستغرب اذا ماكان المالكي غير مصدق بانه صار بالحكم ولن يعطيه لغيره ابدا؟ والسؤال الاهم من ذلك كله : هل يظن ساسة النظام ان بامكانهم، مهما كانت الاسلحة التي يتزودون بها والاموال التي يختلسونها، البقاء في مناصبهم على الرغم من ارادة الشعب؟ واقول الشعب لأن الظلم المهيمن على العراقيين، اليوم، لايستثني الكثيرين.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق