وجهات نظر
مثنى عبدالله
فجاة
ومن دون مقدمات يوهمنا رئيس الوزراء العراقي بانه اكتشف مستعمرات داعش في الانبار.
يصفق له الحلفاء، شرقيين وغربيين، اقليمين ودوليين، فتتقدم قوات النخبة من الفرقة
الذهبية ومكافحة الارهاب للصولة على المعسكرات. تغطي سماء المنطقة طائرات امريكية
وغربية وصلت على عجل للمالكي تكريما له على اكتشافه المثير، بينما يغطي ارض
المعركة لهيب صواريخ هليفاير الامريكية المتطورة، التي وصلت قبل موعد التسليم
الرسمي المتفق عليه. توزع وزارة الدفاع العراقيـــة صورا للمعركة، تواريخها تشير
الى العام الماضي وما قبله مترافقة مع اصوات الاناشيد الوطنية.
تتوالى بيانات وتصريحات الجامعة العربية ومجلس الامن والدول الكبرى حول المعركة، ويتوالى الكرم الامريكي والروسي بالمزيد من السلاح اخرها ستكون طائرات استطلاع متطورة نوع ‘سكان ايغل’ من دون طيار، كي تتكرر في العراق صور جثث الابرياء المتناثرة في اليمن وافغانستان وباكستان بفعل ما يقال عن خطا في تصويب هذه الطائرات. تعلن الولايات المتحدة عزمها تدريب قوات عراقية اخرى على مكافحة الارهاب، ويفتح الاردن الشقيق ذراعيه مرحبا بهم كالعادة. كل هذه الحقائق التي اوردناها انفا ليست لقطات فيلم من رسم الخيال، بل هو حقا ما يدور في العراق، لكن لا احد يسأل لماذا اصبح الجيش يطوّق الانبار وليس وادي حوران الذي قالوا ان فيه معسكرات داعش؟
ولماذا يقصفون ليل نهار مدينة الفلوجة الباسلة وليس وادي الابيض، الذي قالوا انه ملاذ الارهابيين؟ ولماذا تعلن السلطات المختصة عن وجود عشرة الاف متطوع للذهاب الى الانبار في حرب يقول عنها رئيس الوزراء انها ‘مقدسة’؟ بل تساءل الكثير من الاهالي كيف دخلت قوات ‘داعش’ والجيش يطوق الانبار كالسوار، والطائرات ترصد كل حركة فيها؟ لقد تحول موضوع ‘القاعدة’ و’داعش’ الى اداة للحصول على التفوق السياسي في الداخل، والى مصدر مهم من مصادر الحصول على الدعم الخارجي السياسي والعسكري والتعبوي، فباسم محاربة هذا الشبح المرئي واللامرئي، الحقيقي وغير الحقيقي، المصنوع والمُصنّع، باتت السلطات تقتل وتعتقل مواطنيها وتحاصر المدن وتقصفها بكل انواع الاسلحة وسط ترحيب دولي. انه العصا السحرية التي بها الحاكم يبدأ حملته الانتخابية للفوز بولايات تصل مدى الحياة، وبها يعاد تأهيل الطغاة والقتلة واميي السياسة ومعوقي الديمقراطيات الزائفة المستوردة من الغرب.
لقد عزف المالكي طويلا على وتر النظام السياسي السابق الذي كان يلقي عليه كل فشله حتى بات الموضوع غير مقنع لعامة الناس، واليوم اكتشف طريقا جديدا يعزز به نظريته الطائفية من خلال الاعلان عن الحرب على الارهاب في الانبار، حتى جعل منه عقيدة يمارس طقوسها يوميا ويحاول من خلالها الدخول السياسي عربيا ودوليا كبطل قومي. لقد بات الرجل مهوسا بالمنصب والولاية الثالثة فلابد من ايجاد عدو يخفي خلفه كل عيوبه السياسية وفشله الذريع، ويقتل به الابرياء ويعتقل الخصوم، ويبعثر النسيج الوطني به، من خلال تأليب الطوائف بعضها ضد بعض بتهمة الارهاب. انه الاسلوب الامثل والوسيلة الانجع له لشن الحرب على الاخرين، خصوما سياسيين ومواطنين، لكنه خدع نفسه او خدعه الاخرون عندما قدموا له مشورة فحواها أن ابدأ بمقاتلة اهل الانبار تخضع لك كل المحافظات المنتفضة الاخرى، باعتبار الانبار هي قمرة قيادة الانتفاضة المعارضة لسياساته، كما انها سيطرة الطريق الواصل بين طهران ودمشق والشريان الحيوي لديمومة التحالف الطائفي في المنطقة.
لقد كان يُمنّي نفسه بربح نقطة جيوسياسية فيها فيصوت له في الانتخابات القادمة اهل الانبار، بالقوة والمال السياسي والاعتقالات، وبالرعب والارهاب الذي تنشره قوات سوات، كي يقول لنا بانه بطل وطني وليس بطلا طائفيا، وان منهجه عابر للطوائف والاقليات.
لقد توهم بان وصول الدمية الامريكية بان كي مون الى بغداد، وبيان الجامعة العربية التي تشرعن دائما قتل شعبنا العربي في كل الاقطار، وتوافد المسؤولين الامريكان وغيرهم، هي اولى بشائر اعادة تأهيله لولاية ثالثة، لكن نسي تماما ان السياسي الذي يجلس على كومة قش يبات كفزاعة الطير في حقول الانبار، بل في العراق كله.
وبما انه وصل الى السلطة بارادة خارجية ومن يحاولون اليوم اعادة تأهيله باسم محاربة الارهاب، هم ايضا اطراف خارجية، فلم يعد مهما لدى المنتفضين من شعبنا ان تولى هو مرة اخرى او لم يتول، لان تاريخ ما قبل الانتفاضة يختلف تماما عن تاريخ ما بعدها، وان حقائقها السياسية باتت ثابتة على الارض تفرض ارادتها وقوانينها على كل من يأتي او لا يأتي الى المركز الاول في السلطة. انه يقاتل اليوم في الانبار ليس من اجل دحر ‘داعش’ وغيرها . انه يقاتل من اجل تأمين وجود له فيها في مواجهة حلفائه من البيت السياسي الشيعي اولا، الذين يتفوقون عليه بالتأثير المرجعي الديني – السياسي على الجمهور، كذلك في مواجهة شركاء العملية السياسية من البيت السياسي السني، كي يتخلص من احتكارهم لهذا الطيف ومناكفتهم له به. انه يريد ان يقول للسحاب امطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك السياسي من كل شبر في العراق. انه الاستبداد الذي بات يتملكه حتى ظن انه الوحيد الذي يملك الحقيقة.
ملاحظة:
نشر
المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق