وجهات نظر
جاسم الشمري
علمتنا قراءة
كتب التاريخ أن المدن لها قدر مرسوم مثلها مثل الإنسان تماماً، فمن قدر مكة
المكرمة أن تكون مهبط الوحي وكذلك القدس وبقية المدن التي تشرفت بالرسل والأنبياء،
ومن قدر باريس والقاهرة ولندن والأندلس وبغداد وغيرها من حواضر العالم أن تكون
منارات للعلم والحضارة، وهكذا هو قدر مدينة الفلوجة، التي صارت اليوم مدينة العز
والتضحيات مثلها مثل الجزائر والقدس والجولان وباقي مدن الصمود والبسالة.
الفلوجة الآن هي ساحة لعمليات عسكرية قاسية، حيث
أعلن رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي الحرب على أهلها، والمؤسف أن هذه
المعركة نالها كم كبير من الظلم، حيث أن الحكومة تدعي أنها تقاتل الارهاب،
والحقيقة، أنها تقاتل المدنيين العزل من أبناء الأنبار!
هذه المعركة
الشرسة صورتها بعض وسائل الاعلام المعادية للعراقيين على أنها حرب أهلية بين
الشيعة والسنة!
والسؤال الذي
يمثل أمامنا هنا هل فعلاً ما يجري في العراق هو حرب أهلية؟!
وقبل أن نحاول
الاجابة عن هذا السؤال المهم والمحرج لابد من طرح سؤال آخر يقابل هذا التساؤل، وهو
منْ الذي أوصل الأمور إلى نقطة الانفجار، أو إلى رأس هرم الأزمة، لتنفجر بعدها
الأوضاع على الصورة التي نشاهدها اليوم في العراق؟
الجواب يتطلب
منا عرضاً موجزاً للأحداث التي سبقت هذه الأزمة، حيث إنه لا يخفى على الجميع أن
الاعتصامات السلمية المدنية استمرت لأكثر من عام في ست محافظات عراقية مطالبة
بمطالب دستورية وشرعية وتلخصت بإيقاف الاعتقالات العشوائية والقضاء على التهم
الكيدية التي يفبركها المخبرون السريون، وإلغاء المادة اربعة إرهاب، التي صارت
سيفا مسلطا على كل من لا يتفق مع الحكومة في سياساتها الطائفة الاقصائية بالإضافة
الى مطالب اخرى تضمن حياة حرة كريمة للعراقيين، وهذه الاعتصامات السلمية ومطالبها
الدستورية قابلتها حكومة المالكي بالاستخفاف والتهديد، ورغم ذلك بقيت تلك الاعتصامات سلمية حتى بعد
مجزرتي الحويجة وجامع سارية اللتين راح ضحيتهما أكثر من (500) مدنياً عراقياً بين
قتيل وجريح.
ما يجري في
الفلوجة اليوم هي حرب ابادة جماعية استخدمت
فيها حكومة المالكي كافة أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، فهي تضرب منازل المدنيين الآمنين العزل
بالطائرات والمدافع الثقيلة، وقتلت وجرحت المئات من أهالي المدينة، وتسبب قصفها
العشوائي- كذلك- بتهجير مئات العوائل بعد أن رأت تلك العوائل أن بقائها في المدينة
يعني الموت المرتقب.
وبالعودة إلى
السؤال فإننا نجد أن حكومة المالكي هي التي صعدت من مجريات الأحداث في الفلوجة فهي
التي ضربت ساحات الاعتصام الآمنة في يوم 30/12/2013، وقتلت وجرحت العشرات مما دعا أبناء
العشائر للدفاع عن أنفسهم وهذا حق كفلته القوانين الأرضية والسماوية.
أما بخصوص السؤال
الرئيسي والمتعلق بالحرب الأهلية في العراق فإن المتابع المنصف يمكنه أن يجزم بأن
ما يجري في العراق حرب بين مليشيات المالكي الطائفية، والمتمثلة بقوات سوات
والشرطة الاتحادية وغيرها من الصنوف العسكرية التي تغلغلت فيها المليشيات الطائفية
من جهة، وبين أبناء العشائر من جهة أخرى، والحرب ليست بين السنة والشيعة، وإنما هي
حرب دفاع عن النفس، و ثبات حتى تحقيق المطالب المشروعة التي خرجت من أجلها
الجماهير العراقية.
العراقيون
اليوم من أقصى البلاد إلى اقصاها يرفضون فكرة الحرب الأهلية، والتعايش والتمازج
الاجتماعي والقبلي والديني بينهم يقف سداً منيعاً بوجه احلام غالبية الساسة، الذين
يريدون جرّ البلاد لحرب تضمن لهم بعض المكاسب الشخصية السقيمة.
العراقيون
سيسطرون أروع صور التلاحم الاجتماعي، وسيذهب دعاة الحروب وتجارها إلى صفحات الخزي
والعار في التاريخ الإنساني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق