في مقالته هذه، يحلل الكاتب العراقي الأستاذ نزار السامرائي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر.
وتكشف المقالة، التي تفضل السيد السامرائي بإرسالها إلى بريدي الإلكتروني، المساعي الإيرانية في اختراق هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للأمن القومي العربي، وتحديداً في السودان، الذي اختاره الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، منصة لتوجيه رسائل، تحمل معانٍ كثيرة، إلى العرب وجيرانهم الأتراك.
البحر الأحمر في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية
نزار السامرائي
في طريق عودته من نيويورك، اختار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التوجه إلى بلاده عبر الأجواء الأفريقية وحل ضيفا في الخرطوم على الرئيس السوداني عمر البشير، وكأنه يريد أن يقول إن إيران تستند في علاقاتها الدولية وخطابها السياسي العالي النبرة، على ركائز سياسية عريضة تمتد إلى قارات العالم الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويبدو أن للوطن العربي رصيدا اعتباريا في السياسة الإيرانية في الوقت الحاضر، تلح على صنّاعها أن يقولوا إنهم وعلى خلاف الشائع أو الطافي على السطح، فإنهم يحققون خرقا مهما في جبهة الدول العربية، التي تكثر الشكوى من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، لتقويض استقرارها وإضعافها وقضم بعض أراضيها، إيران من زيارة نجاد تريد أن تقول إن بعض الدول العربية حينما تزاحمها الضغوط السياسية، فإنها تستعين بالدعم الإيراني لموازنة المشهد السائد على المستويين الداخلي والخارجي، قد يكون هذا الاحتمال قائما، ولكن إيران ليست بالطرف الذي يعتمد عليه لتقديم الدعم لأحد ما لم تحصل على مكاسب سياسية لترصين جبهتها في مواجهة التحالف الدولي المضاد، يزيد كثيرا عما تقدمه من خدمات أو مساعدات أو وعود.
توقيت الزيارة قد لا يرتبط ببعض التوتر الذي طفا على سطح العلاقات المتقلبة المزاج بين أنقرة وطهران، واكتسى هذه المرة رداء الدرع الصاروخية الأمريكي، وإن كانت له هواجس إيرانية من التمدد التركي على لافتة الإسلام السياسي المطروح بصوت عال في المنطقة، وأدى إلى انقسامات عمودية وأفقية مع أنه يحمل شعار توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، خاصة وأن إيران كانت طرحت شعار تصدير الثورة الإسلامية، ليكون أكثر الشعارات عدوانية منذ عصر الحقبة الاستعمارية الغربية، التي غزت الوطن العربي، تحت شعار التحرير ولتفرض عليه ما أسماه الغرب بالتحديث والعصرنة على رغم أنفه، وليس هناك شعارات توسعية تحمل وقاحة التمدد على الآخرين، ألا ما جاءت به الحملة الأوربية على الوطن العربي بدءا من حملة نابليون على مصر، إلى عهد الاحتلالين الفرنسي للوطن العربي على أنقاض الدولة العثمانية، وتمرير اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، وكذلك ما جاءت به إيران بزعامة خميني تحت ظل نظرية الولي الفقيه، مع الفرق بين الحالتين أن الأولى جاءت إلى العرب بشعارات التحديث ومجاراة حركة النهضة، والثانية أرادت فرض ردة حضارية ثقافية على أرض وشعب منهما انطلقت حركة التنوير في إيران نفسها بعد الفتح العربي الإسلامي، وإن كانت قد قوضت أركان الدولة الفارسية، ويبدو أن هذا الذنب التاريخي والاستراتيجي الذي ارتكبه العرب، مما لا تستطيع الذاكرة الفارسية محوه من عقلها أبدا، حتى بفرض أنها تظاهرت بقبول الفتح الإسلامي وتعاملت به كأمر واقع غير قابل للرد، إذ كانت خياراتها تضيق عليها مع الوقت، ولم تكن تستطيع التسلل إلى المسلمين بشعارات معادية لدينهم بشكل صريح، ولذا فإن الخطوة الأولى كان يجب أن تكون بالغلو في تبني الشعارات الدينية تمهيدا لنسفها الواحد تلو الآخر، فأرادت ركوب الموجة التركية الجديدة واتخاذها جسرا للعبور فوق حواجز توصلت إلى قناعات راسخة أنها عالية جدا، ولكن المشروع التركي الذي إن حقق بعض النجاح لم يكن على استعداد أن يجند نفسه كقوة من جيش المرتزقة الكثيرين الذين وضعوا خدماتهم تحت تصرف إيران، تركيا أصلا كانت تتحرك على الضد من الدور الإيراني الذي لم يجد كابحا سياسيا ومكافئا أيديولوجيا له منذ احتلال العراق عام 2003، ولهذا أسقط الأتراك، الإيرانيين في وهم عبور حقل الألغام المزروع وسط حقل الأشواك العربية، ولما وصل المشروعان إلى هذه النقطة حصل الصدام، فكان طبيعيا أن الخاسر الوحيد في الصراع سيكون الدور الإيراني الذي ظل يقدم مع وجبات الطعام الشرق أوسطية بلا انقطاع.
وربما اضطر نجاد أن يوجه هذه الرسالة من الخرطوم لزعماء تركيا الذين لم يستجيبوا لطلباته بعدم إقامة الدرع الصاروخية الأمريكية على مقربة من الحدود الإيرانية، وينقل لهم أنه ضيف مرغوب فيه عند الأبعدين بعد أن نأى عنه الأقربون، ولكن الأتراك مضوا إلى النهاية في تنفيذ الخطط الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة أخطار ضربة صاروخية مبكرة روسية أو إيرانية مفترضة أو من نسج الخيال لتبرير نصب الدرع، بسبب إصرار الحكومة التركية على نصبها، في أراضي بلد ظنت حكومة الولي الفقيه في جمران أنها تستطيع أن تسحبه من شبكة علاقاته الاستراتيجية التاريخية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، لعلاقات قلقة تأخذ طبيعتها من تقلبات المناخ على مدار فصول السنة، في منطقة يتقلب فيه المناخ السياسي أسرع من تقلب الفصول.
تهريب صواريخ من الترسانة الليبية إلى السودان
زيارة نجاد للسودان تزامنت أيضا مع أنباء تدفقت من ليبيا بغزارة حتى طغت على سير المعارك بين أنصار القذافي والقوات المدعومة من الناتو، عن نجاح الحرس الثوري الإيراني الذي يتخذ في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور قاعدة عسكرية له، بتهريب كميات كبيرة من الصواريخ الليبية والروسية الصنع والمتطورة ومن أنواع مختلفة، من معسكرات ليبية سقطت بأيدي القوات المناهضة للعقيد القذافي أثناء المعارك التي دارت بين الطرفين، على نحو أثار تساؤلات عن أسباب وجود الحرس الثوري الإيراني في دافور من جهة، وكيف نجح في دخول ليبيا؟ وعما إذا كان قد شارك إلى جانب قوات الناتو العدو اللدود على صفحات الصحف الإيرانية والتابعة لها، في القتال ضد قوات القذافي، بحيث ستبدو إيران متنكرة لحقبة من ذهبية من العلاقات بين الطرفين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ووصول العلاقات بينهما حد إرسال صواريخ سكود الروسية، التي أدار تشغيلها خبراء ليبيون وتم ضرب بغداد بها من قبلهم من داخل الأراضي الإيرانية، مما أدى إلى دخول عنصر جديد في صفحات تلك الحرب، واستمرت تلك العلاقات بتلك المتانة ولم تشبها حساسية تقليب صفحات ملف اختفاء رجل الدين الإيراني اللبناني موسى الصدر، وأكدت الخطوة الليبية حينها أن هناك طرفا عربيا خرق ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، ليس بوقوفه على الحياد في نزاع دولة عربية مع طرف غير عربي، بل بانحياز ليس في الموقف السياسي وإنما بقوة السلاح إلى جانب الطرف غير العربي الذي يخوض حربا ضد بلد عربي.
الحكومة السودانية من جانبها نفت أنباء تهريب الصواريخ إلى أراضيها، إلا أنها لم تنف وجود معسكر للحرس الثوري الإيراني في مدينة الفاشر، التي كان ساحة صراع إرادات، سال فيها دم غزير وتقلبت ورقته بين أياد كثيرة كلها تريد أكل جزء من الجمل الذي سقط قبل الأوان، وبات الحديث عن الانتهاكات التي ارتكبها الرئيس السوداني فوق ما يتقبله عقل عاقل، كما أن الخرطوم لم تقل متى وصلت قوات الحرس إلى المنطقة وعما إذا كانت جزءً من جهد تفتيت السودان أو لتكريس وحدته، ولم تتحدث أيضا عن واجبات هذه القوة الإيرانية في السودان على المستوى الإقليمي، وعما إذا كانت تقدم الدعم للحكومة السودانية في تدريب القوات السودانية؟ أم أن واجبها يتلخص بإثارة النزاعات الداخلية بين أبناء البلد الواحد؟ ثم تعرض خدماتها لحل هذه النزاعات بعد أن تمتلك مفاتيح التأثير على طرف أو أكثر من أطراف النزاع، ولما كان معروفا عبر التجربة الميدانية بالسياسة الإيرانية، أن المواقف السياسية عند إيران استثمار أيديولوجي، تسعى سلطة الولي الفقيه من ورائه إلى جني مكاسب أبعد بكثير من وجود عسكري له سقفه الزمني للرحيل، إلى زرع مستعمرات تبث أفكارها ورسائلها بالدعوة لنظرية الولي الفقيه من الداخل، وتبدأ موجاتها بالتتابع والتوسع، حتى يصبح التخلص منها هدفا وطنيا يحتاج إلى تضحيات جسيمة من أجل تحقيقه، فهل تتمكن الحكومة السودانية وأمامها التجارب المرة للتدخل الإيراني، في العراق والبحرين واليمن وأخيرا وليس آخرا ما حصل في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، من التعاطي مع الدور الإيراني بوجوهه المتعددة؟ وهل يعتقد الرئيس عمر البشير أن تأثير الوجود العسكري للحرس الثوري في السودان على وضع البلد الداخلي، سيكون أقل خطرا من وجود الدعم الإسرائيلي لحركة التمرد في جنوب السودان؟ والتي أدت في نهاية المطاف إلى فصل جمهورية السودان الجنوبية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تقسيم جديد للسودان، وهل تظن حكومة السودان أنها تستطيع إخراج قوات الحرس الثوري الإيراني متى ما أرادت؟ وحتى إذا خرج هل يمكن أن تعرف حجم الخلايا النائمة التي زرعها في المنطقة حل بها؟ وهل تدارست الحكومة السودانية الآثار الداخلية لوجود هذه الكتلة التي تتحرك بميكانيكية مسلحة بفكرة واحدة؟ وهي تنفيذ برامج الولي الفقيه في كل مكان يمكن الوصول إليه والعمل فيه بحرية؟ وهل قدرت التبعات الدولية لوجود إيراني عسكري في البحر الأحمر إذا ما قررت الحكومة السودانية منح إيران تسهيلات بحرية في موانئها في هذه البحيرة العربية التي حولتها إسرائيل وإيران إلى بؤرة للتوتر والصراعات الإقليمية والدولية، نتيجة غياب خطة عربية متكاملة من جانب أكبر بلدين عربيين مطلين على ضفتيه الشرقية والغربية، السعودية ومصر، وكذلك اليمن والسودان، هل فكرت حكومة البشير بردود الفعل الدولية لعلاقاتها مع إيران في هذا الظرف بالذات وهل هل بحاجة إلى وجع رأس إضافي؟ وماذا لو استغلت الدول البحرية الكبرى هذا الظرف لفرض وجود دائم لأساطيلها الحربية مما يهدد استقرار المنطقة وقد يستدرجها لسباق تسلح يحول موارها نحو السلاح بدلا من التنمية الاقتصادية والبشرية، أم أن إيران والسودان يجدان نفسيهما في عزلة ويريدان الخروج منها بأي ثمن؟
حينما أمر مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، قائد قواته البحرية بأن يعد قواته للتواجد الدائم في المياه الدولية وأعالي البحار لتأكيد حضور إيران السياسي دوليا، فإنه أعطى المراقبين خيطا للربط بين سفرة نجاد إلى الخرطوم وهذه الأوامر وما ستقدمه الحكومة السودانية من تسهيلات بحرية لإيران، وعلى العموم فليس كل من يمتلك أسطولا بحريا بإمكانه السباحة به في كل المياه، وليس كل من امتلك الصواريخ العابرة للقارات، امتلك الشجاعة الكافية لاستخدامها، وليس كل من امتلك السلاح النووي كان بمقدوره تكرار ما قامت به الولايات المتحدة في هيروشيما وناكازاكي، لاسيما وأن آلامها كانت عصية على النسيان، وخاصة في حال عدم وجود تهديد خارجي جدي يتطلب اللجوء إلى ردع استراتيجي أو ردود فعل غير عادية، أو في حال عدم وصول الحلول البديلة إلى أبواب مغلقة تماما، ومع ذلك فإن هذه الدعوة الآمرة التي أطلقها مرشد الثورة الإيرانية، لا بد أن تطرح فرضيات مختلفة عن أهدافها من جهة، والقدرة على مواصلتها من جهة أخرى، لأن التراجع عنها سيعني نكسة لفكرة المشروع من أساسه، ستكون له تداعياته على مكانة إيران المفترضة أو المتاحة في أعالي البحار والمحيطات وحتى داخل حدودها الجغرافية، ثم أن ردات الفعل المضادة من قبل الدول المتشاطئة أو من قبل الدول البحرية الكبرى، لا بد أن تحسب بدقة، فالأمر ليس نزهة سياحية، بل هو استعراض للقوة وتلويح بالعصا الغليظة، قد يدفع أطرافا أخرى لمجاراته أو للتصدي له، ثم أن السياحات البحرية ليست سليمة العواقب على الدوام، فحادثة سفينة تيتانيك البريطانية معروفة للجميع وأصبحت مثلا على الفرق بين الطموحات المشروعة وغير المشروعة، والخيال غير القابل للتحقق، تيتانيك هي السفينة التي قال مصمموها أنها أكثر سفينة أمنا في العالم وأنها الوحيدة التي لن تغرق أبدا مهما واجهت من ظروف، ولكنها غرقت في العاشر من نيسان/ أبريل عام 1912 في أول رحلة لها من دون أن تتذوق شيئا من حلاوة البحر، ومما ضاعف من حجم الصدمة على الجمهور والراكبين، تلك التصريحات التي خرجت عن حدود المعقول لمهندسها الذي تحدى بطيش فارغ، إرادة الله كما يحصل اليوم في إيران، فهل تصادف حركة أساطيل الحرس الثوري الإيرانية البحرية ما صادفته تيتانيك في أول رحلة لها وكانت الأخيرة أيضا؟
ربما تحاول الجهات الحاكمة في إيران صرف الانتباه عن فضائح من وزن ثقيل مثل فضيحة الفساد المالي، في بلد لا يتعب من تكرار الحديث عن المتانة الخلقية والدينية لمسؤوليه، وفجأة تنفجر قنبلة من عيار ثقيل لتهز الثقة بمصداقية التطبيق وابتعاده عن الشعارات المرفوعة بلا كلل، في شارع ولي عصر وساحة آزادي في طهران، لكن هذا ليس كافيا للقيام بخطوة من قبيل تحريك قطعات بحرية، إذ يمكن أن يكون هناك هدف آخر يختفي وراء هذه الخطوة الاستعراضية.
ظاهر العلاقات بين قطب سلطة الولي الفقيه علي خامنئي، لا تبدو في أحسن أحوالها، مع محمود أحمدي نجاد قطب السلطة التنفيذية، الذي تحدى غير مرة قائده الأعلى، ويبدو أن الولي الفقيه ولأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية بات عاجزا عن لجم حالة التململ التي أخذت تطفو على سطح السلطة التنفيذية الإيرانية، جراء حالة التصادم بين الوجاهة الخارجية لمنصب رئيس الجمهورية، وضآلة دوره الحقيقي في داخل بلاده، بحيث يمكن الافتراض بأن رؤساء الجمهورية الإيرانية بلا استثناء مع وجود الولي الفقيه، يتمنون لو أن مكاتبهم الرئاسية تفتح فروعا لها في أي بلد آخر غير إيران كي يشعروا ببعض طراوة منصبهم، ويتحرروا من قبضة الولي الفقيه التي مع كل ذلك، اعتراها وهن كثير وبدأت تتراخى نتيجة تقدم عمر التجربة وعمر من يحمل اللقب.
هل هو خلاف حقيقي أم خلاف متفق عليه؟
وربما يكون الصراع بين مؤسسة الولي الفقيه ومؤسسة رئاسة الجمهورية مصطنعا لتمرير أجندات مفهومة وأحيانا خفية، إلا أن الإيرانيين وبحكم المعرفة بطبائعهم وحرصهم لدرجة الهوس بوجاهة المناصب أيا كان وصفها وبريقها، والأدوار المناطة بها، قد يرد هذه الفرضية ويدحضها تماما، لأن أحدا في إيران ليس على استعداد للتخلي عن سنتمتر واحد عن مساحته التي يعتبرها إرثا مقدسا، لأي شخص آخر، من يستذكر تجربة الخميني مع رؤساء الجمهورية في إيران والذين وصل عددهم خلال أقل من عشر سنوات قبل موته عام 1989، إلى أربعة هم ابو الحسن بني صدر الذي أطيح به بقرار خاطف من الخميني، ومحمد علي رجائي الذي وصفته الصحافة العالمية بأنه أسوأ من مثل بلاده فوق منبر الامم المتحدة، ومضى بتفجير مدوٍ وغامض بحيث تم التعرف على جثته المتفحمة بصعوبة بالغة حتى جاء من بعدهم خامنئي، من يستذكر تلك التجربة الصماء، سيؤشر قبضة فولاذية للخميني قطعت على الرؤساء أنفاسهم، وحولتهم إلى روبوتات تتحرك وتقف عند إشارات ضوئية تصدر بحزم عن عين الخميني، الذي كان بإشارة من أصغر أصابعه يزعزع الكراسي من تحتهم، ويقذف بهم على قارعة الطريق، أو في قاعدة جوية انتظارا لفرصة الفرار من قبضة الحرس الثوري، الذي كان حينها ما يزال في مرحلة التشكل عسكريا وفكريا، فماذا حل بخامنئي وهو الولي الفقيه الثاني كي يقف عاجزا عن إزاحة مدير مكتب رئيس الجمهورية عن منصبه، على كثرة الطعون الموجهة إليه وإلى نشاطاته وارتباطاته، وليس إزاحة رئيس الجمهورية نفسه، فهل وصلت التجربة إلى نهاية الطريق بسبب تصادمها مع طبيعة النفس البشرية؟ أم أن الأمر يرتبط بخواص كان يمتلكها الخميني وافتقدها خامنئي، حتى عجز عن حسم أبسط الأمور، على حين أن الخميني وقف منفردا ضد كل دعوات وقف الحرب مع العراق على الرغم من إجماع القيادات السياسية والعسكرية على حتمية إيقافها، وإلا فإن البديل نهاية التجربة الإيرانية نفسها، فأصر وقاوم منفردا حتى سقطت الصواريخ العراقية على مقربة من مقره في حسينية جمران، حينها فقط وافق على وقف الحرب مضطرا.
هذا بفرض أن الصراع بين خامنئي ونجاد بشأن علاقات مدير مكتبه بإسرائيل والصلاحيات وأمور أخرى كان حقيقيا، على الرغم من أن أنباء صفقة السلاح الإسرائيلية الأخيرة التي تم ضبطها في أحد موانئ ألمانيا وكانت تتألف من عربات وأسلحة إسرائيلية متطورة، لم يعقدها مدير مكتب نجاد، وإنما عقدها الحرس الثوري الذي يدين بالولاء للولي الفقيه وليس لرئيس الجمهورية، ألا يعكس كشف هذه الفضيحة وحدة الموقف من إسرائيل مع فارق واحد وهو أن صوتهما يختلف في نبرته بين آونة وأخرى، علينا أن نفترض أن إسرائيل لا يمكن أن تشتغل خلافا لمصالحها حينما ترسل بصفقة أسلحة لإيران الثورة الإسلامية والولي الفقيه.
السودان في لحظة فاصلة من تاريخه السياسي
من حق الحكومة السودانية وخاصة بعد أن تأكد تآمر حكام بعض الدول العربية المجاورة لها، مثل حسني مبارك ومعمر القذافي على وحدة أراضي السودان الوطنية واللذين تحركا بدوافع شخصية مضادة للرئيس السوداني، حتى وصل الأمر إلى فصل الجنوب، وما تزال المؤامرة مستمرة على دارفور في الغرب ومناطق أخرى شرقه، من حقه أن يبحث عن تحالفات تساعده على مواجهة الأخطار التي تحدق بما تبقى له من كيان سياسي ووحدة أراض وسيادة وطنية، وخاصة بوجه الجبهة الشعبية التي لم تكتف بفصل الجنوب، بل أوجدت لنفسها تنظيما جعلت منه ذراعا عسكريا جنوبيا لممارسة الضغط وابتزاز الشمال، وإجباره على تقديم تنازلات في المناطق الحدودية المختلف عليها بين الجانبين، وخاصة تلك المناطق الغنية بالثروة النفطية.
يبدو أن رأس السودان هو المطلوب وليس رأس رئيسه، وهذا الأمر ليس حدثا طارئا، بل هو مخطط مرسوم منذ زمن بعيد، ويراد حذف اسم السودان من خارطة أكبر بلد عربي، وتحويله إلى كيان قلق غير قادر على حماية نفسه، ومن يصل إلى هذا الحد من الضعف سيبدأ بالبحث عن قوة خارجية مهما كانت طبيعة توجهاتها وأهدافها، لتأمين هذه الحماية التي لا وجود لها للأسف الشديد في القاموس العربي، على الرغم من كثرة النصوص التي ضمها ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، وتوصيات مؤتمرات القمة العربية، ولكن هل من حق كل طرف يشعر التهديد أن يستجدي الدعم الخارجي؟ حتى إذا كان يحمل بين ثناياه تهديدا على منظومة الأمن القومي العربي، أحيانا وفي ساعة الاختبار الأولى تكون القوة المستنجد بها أكثر خطرا من الخطر الذي جاءت لمواجهته وحصر آثاره.
ألم يفكر الرئيس السوداني أن عقلية الاستثمار السياسي التي تعتمدها الحكومة الإيرانية ستفرض على السودان ثمنا كبيرا من سيادته وانسجامه الديني والاجتماعي مما هو ليس بحاجة إليه أو قادرا على مواجهته؟ وأن إيران ليست بلدا يؤجر فائض القوة في حال وجودها لديه، وإنما على العكس من ذلك تماما إيران تسعى لتعزيز مكاسبها السياسية بتوسيع دائرة انتشارها الجغرافي، وشهر سلاح المجال الحيوي المتوسع جغرافيا بوجه أعدائها، وابتزاز بعض العرب ببعض آخر منهم.
هناك تعليق واحد:
تحيه للأستاذ ألكاتب على هذا ألتحليل ألقيم،ألوطن ألعربى فى أشد ألحاجه للدراسات ألإستراتيجيه مع ضرورة إيجاد ألسبل لتفعيل ما يخدم ألأوطان حرصا على ما تبقى منها. إنه لمن ألمؤسف أن يشعر ألمواطن ألعربى بأن ألمستقبل ألقريب لطموحاته ألطبيعيه قد بات مهددا وقد تتحول قناعاته إلى ألبحث عن بدائل تؤدى بالنهايه إلى ضياع ألأجيال و المقدرات لا سمح الله, نسأل ألله أن يحفظ أوطاننا و كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته,,,,,
إرسال تعليق