في مقاله هذا، الذي بعث به إلي مشكوراً، يتكلم الأب لوسيان جميل عن فضيلة إنسانية رفيعة يمكن أن تكون لها تطبيقات في سائر حياة الإنسان، غير أنه فضَّل أن يطبقها خاصة في المجال السياسي، حيث وجه كلامه إلى المجاهدين والمناضلين، عموماً وفي العراق خصوصاً، لكي يتركوا مصالحهم الشخصية او الفئوية او الطائفية او الحزبية لكي يتفرغوا لتحرير العراق.
ويؤكد الاب الفاضل في المقال على أن لا خلاص خارج هذه المجانية التي تدعونا إلى أن نشكل جبهة ضد المحتل يكون محورها هدف مشترك غايته التحرير والاستقلال والسيادة الكاملة التي يجب أن تبقى هدفاً طويل المدى، لا بل أبدياً.
المجانية في حياة الانسان
القس لوسيان جميل
المقدمـة:
في هذه المقدمة القصيرة سوف نحاول ان نقدم لقرائنا الكرام المعنى الأولي اللفظي Etymologique لمفردة المجانية، لكي نستطيع ان نتكلم، بعد ذلك، عن معنى المجانية في حياة الانسان، بأبعادها الانسانية الروحية الكثيرة، فردية كانت ام اجتماعية، وطنية كانت ام قومية، دينية كانت ام سياسية، لأننا نعلم ان حياة الانسان باتت خالية من اية فكرة عن المجانية، كما يبدو من تصرفات اغلب الناس وغالبية الحركات والأحزاب السياسية.
المعنى المورفولوجي لمفردة المجانية:
بما ان المقال ليس مقالا في اللغة ومبناهـا المورفولوجي، فإننا سنكتفي بالقول بأن تحليلنا المورفولوجي يدلنا على ان المجانية اسم مصدر مشتق من فعل ثلاثي يعني غاب واستتر، حيث يظهر معنى الغياب فـي الجذر الثنائي ( ج ن Gn ) للكلمة، هذا المعنى الذي يظهر في اللغة السريانية بصورة اوضح قليلا من اللغة العربية. وهكذا تكون المجانية بحسب تحليلنا المورفولوجي غياب واستتار الغاية والسبب والعلة التي تدفع الانسان الى القيام بعمل معين، ولاسيما عندما تكون المجانية حقيقية، ولا تكون مجرد كذب على الناس او كذب على الذات.
المجانية في القواميس:
اما القواميس فتتكلم عن المعنى البسيط للمجانية، بعيدا عن التحليل اللغوي والنفسي، حيث يقول قاموس المنجد مثلا، ان المجانية تعني العمل الذي يأتيه الانسان بدون مقابل او ثمن، اي بلا سبب ظاهري واضح لهذا العمل الصالح. اما القاموس الفرنسي الذي بحوزتي على الكومبيوتر فيعرف كلمة المجانية Gratuité بعين التعريف الذي نجده في القاموس العربي تقريبا، ومن ذلك عدم وجود سبب ودافع منظور لعمل صالح يعمله الانسان.
التعريف الأولي العام لمفردة المجانية:
عندما نتكلم عن التعريف الأولـي لمفردة المجانية، ربما نحصل على احسن تعريف لهذه الفضيلة من خلال ما يخالفها ويتناقض معها. لذلك يكون تعريفنا الأولي للمجانية انه فضيلة تتناقض مع طلب اية مكافأة وأي مقابل وأي أجر وأي ثمن لعمل انساني حسن يقوم به الانسان، سواء كـان هذا المقابل اجرا يقبضه مستحقه حالا بعد الانتهاء من عمله، او كان وعدا بمكافأة نقدية او عينية، او كان وعدا بوظيفة او بمكانة اجتماعية وإدارية وسياسية يحصل عليها الانسان. اما الوعد بالجنة، فله كلام آخر، لا نحب ان نتطرق اليه في هذا المقال، بسبب تعقيده خاصة.
اما التعريف الثاني للمجانية فهو تعريف، ربما كان يأتي سابقا من الأديان، او يأتي من بعض الفلسفات، اما اليوم فنرى ان نفهم المجانية على ضوء الأنثروبولوجيا، هذا العلم الذي نتوقع له ان يكون المعبَر بين الفلسفات وعلوم الانسان المختلفة، لا بل نتوقع له ان يكون البديل الحقيقي لفلسفات الانسان. فبماذا تفيد الأنثروبولوجيا تعريفنا للمجانية؟ الجواب هو انها تفيدنا من حيث تأكيدها على ان الانسان بحاجة ماسة الى العطاء المجاني، اشباعا لفطرة المجانية عنده، ولأن بهذا العطاء يشعر الانسان أنه يملك ما يعطيه للآخرين وأن نفسه ممتلئة وليست فارغة، الأمر الذي يفرحه ويسعده طبعا. وهكذا تعمل المجانية على شعور الانسان بأنه يحقق ذاته الانسانية، من خلال عمله المجاني، الأمر الذي يأتي هو الآخر من نزعة انثروبولوجية لا توجد الا عند الانسان، وان كانت موجودة عنده بدرجات متفاوتة. وبما ان المجانية هي شكل من اشكال الحب، فان هذا يفهمنا لماذا يريد الانسان تلقائيا ان يحب وان يكون محبوبا، في الوقت عينه.
اشكالية المجانية:
على الرغم من ان المجانية فضيلة مفهومة ومحببة لدى البشر، الى الدرجة التي يقول فيها بعض المتصوفة انهم لا يحبون الله من اجل اي أجر، حتى لو كان هذا الأجر هو الجنة نفسها، فإننا نرى، مع ذلك، ان المجانية تثير بعض الأسئلة التي تتعلق بطبيعة الانسان.
فالإنسان، كما يقول علم النفس الأنثروبولوجي، لا يتحرك ولا يقوم بعمل، مهما كان، الا طلبا لحاجة تتحول الى هدف يسعى الانسان الى الحصول عليه، كثمن ونتيجة لسعيه، الأمر الذي يجعلنا لا نفهم بسهولة، حقيقة الدافع الذي يوصل الانسان الى العمل الانساني المجاني.
اشكالية في الظاهر فقط:
غير ان اشكالية المجانية ليست اشكالية الا في الظاهر فقط، وذلك لأن غياب الدافع ليس سوى غياب وهمي، طالما نعرف اليوم ان المجانية نفسها، والعمل الانساني المجاني الذي يقوم به الانسان، هو حاجة انسانية يطلبها الانسان، مثلما يطلب اية حاجة أخرى، وان كان ذلك بشكل مختلف. وعليه لا نرى وجود اشكالية انثروبولوجية عند ممارسة الأعمال المجانية، لأن الدافع الى العمل موجود في حالة المجانية وفي حالة العمل بأجر. وقد يقال في علم الروحانيات التقليدي، ان الخير محبوب لذاته، لكننا نقول اليوم بأن العمل الانساني ليس محبوبا لذاته فقط، ولكنه محبوب من قبل الانسان كحاجة روحية انثروبولوجية تغني نفس الانسان وشخصه الانساني، كما يتمناه من الأعماق ان يكون، وذلك لان الانسان لا يسعى الى الحاجات المادية فقط، ولا يطلب هذه الحاجات حسب، بل يسعى ويطلب الحاجات الانسانية الروحية ايضا. حتى وان كان السعي الى الحاجات الروحية اصعب عليه بكثير من سعيه الى الحاجات المادية، " وان كان طريق الحق والعدل، وطريق الحب والمجانية، موحشا لقلة سالكيه ".
عمق المعرفة يحل الاشكال:
وعليه فإذا ما اردنا ان نحل اشكالية الأعمال المجانية، فلا يكون بيدنا سوى ان نتعمق اكثر في معاني المجانية، لنكتشف ان ما اعتبرناه في البداية مشكلة وتناقض، ليس في الواقع سوى مشكلة وهمية Un faux problème. ففي الحقيقة ان ما يحرك الانسان لفعل العمل المجاني، هو عينه الذي يحركه لعمل سائر اعماله الحياتية الأخرى، الا وهو " الحاجة ".
وفي الحقيقة قد صنف الأنثروبولوجيون وعلماء النفس، ومنهم عالم النفس المعروف: ماسلو، حاجات الانسان الى درجات تصاعدية، ابتداء من الحاجات المادية الحياتية وصعودا نحو الحاجات الانسانية الروحية، غير ان الحاجة تبقى حاجة انسانية، سواء كانت مادية ام روحية، وهي تفعل فعلها كحاجة في حياة الانسان، على الرغم من الاختلاف بين حاجة وأخرى، وعلى الرغم ايضا مما يظهر من ان الحاجات المادية، في حياة الانسان، اكثر وضوحا وأكثر الحاحا عليه من حاجته الى الأمور الروحية، كما يبدو.علما بأن مؤلف هذا المقال يعزو الظاهرة التي تكلمنا عنها، الى كون الأمور المادية متمركزة على القشرة السطحية للإنسان، في حين تكون الأمور الروحية، في عمق ذات الانسان، الأمر الذي نفهم منه ان تحسس الانسان لحاجاته المادية اسرع وأقوى من تحسسه لحاجاته الروحية، وبالتالي هو أسهل.
وهنا، وعلى سبيل المثال، ما لنا سوى ان نتصور، ماذا يحدث عندنا، عندما نكون نصلي مثلا، او نفكر بمسألة تحتاج الى تحليل فكري معمق، ثم يمر بقربنا موكب للعرس بأهازيجه وآلاته الموسيقية الصاخبة. ان فكرنا سوف يذهب الى ما هو اقوى وأكثر صخبا بالتأكيد.
المجانية هي حاجة ايضا:
وهكذا نفهم ان للروح "حاجات" كما للجسد، ومنها حاجاته الى العدل والحب والصداقة والمقاسمة والرحمة والتسامح والمجانية بكل ابعادها، حيث تشكل كل هذه الفضائل وغيرها حاجات انسانية حقيقية، حالها حال الحاجات المادية الحياتية، وان كانت طبيعة الحاجات التي نضعها في خانة ما تسمى "بالبنى الفوقية" مختلفة عن الحاجات المادية التي نراها في اسفل سلم ماسلو، والتي تسمى ب " البنى التحتية " للإنسان. علما بأن الانسان كائن واحد موحد ولا يجوز تقسيمه الى بنى تحتية والى بنى فوقية، حتى وان كان علينا ان نميز بين طبيعة كل فئة من هذه البنى، مضيفين بأن الانسان بدون بناه التحتية لن يكون انسانا، بل ملاكا، وان هذا الانسان نفسه محروما من بناه الروحية الفوقية، ومنها العدل والحب والمجانية في الحياة، لن يكون انسانا بل حيوانا.
المشكلة العملية الخاصة بالمجانية:
ولكن، هل يعني حلنا لإشكالية المجانية النظرية اعلاه، بأننا قضينا على جميع صعوبات المجانية النظرية والعملية؟ بالتأكيد ان حل مشكلة المجانية النظري، لا يلغي المشاكل العملية الأخرى، التي تعود الى صعوبة ممارسة المجانية والتضحيات التي تتطلبها والآلام التي تسببها للإنسان، على الرغم من السعادة التي يمكن ان توفرها المجانية للإنسان، حالها حال الحب تقريبا.
ولذلك تبقى المجانية مثالا جميلا يتمناه اصحاب النفوس الطيبة، دون ان تقبل هذه النفوس على ممارسة المجانية الا فيما ندر، مثلما يحصل مع الكثيرين الذين يشتهون ان يقوموا بمغامرات كبيرة، لكن من يقبل على مثل هذه المغامرات قليلون.
وبما ان المجانية صعبة ومتعبة، لا بل مؤلمة احيانا كثيرة، فان القليلين منا يستطيعون ان يجيبوا، مثل ذلك الصبي الذي كان يحمل اخيه، فقيل له: يا فتى ان حملك ثقيل: فأجاب: ولكن هذا ليس حملا: انه أخي! ( أبناء الوطن الواحد إخوة ). وكم واحدا منا يستطيع ان يحول المجانية الى ملكة او فضيلة او حب لا يرضى بأن يبقى حبا عموديا لإله غيبي مجهول، بل يحوله الى حب افقي يمارسه من خلال علاقة حبية افقية مع أخيه الانسان؟
الروحاني والمتصوف:
ولكي نفهم عمق معنى الكلام اعلاه، ربما يفيدنا كلام لأحد الروحانيين الذي يقول ان حقيقة علاقتنا مع الله، وحقيقة ممارستنا للفضائل الانسانية، هي من اجل ان نكون وليس من اجل ان نأخذ To be not to have. اي ان هذه العلاقة لا تعطينا شيئا ماديا لكنها تغير انفسنا نحو الأفضل. اما ان تصل هذه العلاقة الحبية النزيهة بين الانسان والله الى درجة ان يقول فيها المتصوف بأنه لا يعمل هذه العلاقة مع الله خوفا من جهنم ولا طمعا في الملكوت (الجنة)، بل من اجل المحبة الالهية وحدها، اي محبة الانسان الخالصة، وأنه لا يطلب من الله اي اجر، حتى لو كان هذا الأجر الجنة نفسها، فذلك ناتج عن شدة الحب الالهي عند المتصوف، وعن فرط احساسه بهذا الحب، نفسا وجسدا، بما يمكن ان نسميه التحسس الفائق Hyper sensation ، بغض النظر عن اي منطق عقلاني.
ومع ذلك فنحن لا نريد ان نناقش هنا مسألة الجنة والنار ومسالة شرعية الجنة كمكافأة للناس الصالحين. كما اننا لا نريد ان نعترض على نصوص دينية موجودة في المسيحية وفي الاسلام، لكننا نجابه مسألة مهمة، هي مسألة التوفيق بين المجانية الجذرية وبين ميل الانسان الطبيعي الى ان يطلب مكافأة وثمنا لكل عمل صالح يعمله، مع العلم اننا يمكننا من خلال لاهوتنا الانثروبولوجي الواقعي المعاصر ان نفهم عقليا عمق كلام المتصوفة والروحانيين.
اين نجد الكلام عن المجانية؟:
بما ان المجانية صفة او فضيلة انسانية انثروبولوجية مطبوعة في قلب البشر، وفي تركيبتهم البشرية الانسانية، يكون من الطبيعي جدا ان نجد الكلام الايجابي عن المجانية، في كثير من أدبيات الانسان على مر العصور، وفي كتاباته وفي اساطيره ورواياته، كما نجدها في حياة كثير من النساء والرجال العظماء الذين خدموا الانسانية مجانا وبتفان كبير. وبما ان الأديان جزء لا يتجزأ من الروحانية الانسانية الأنثروبولوجية، فلا نعجب اذا ما اتفقت جميع الأديان على تبني هذه الفضيلة العظيمة التي نسميها بالمجانية، وتوصي بها وتحرض عليها. غير اني هنا لا اتمكن سوى ان اسرد وصية السيد المسيح لتلاميذه يدعوهم فيها الى العطاء التبشيري المجاني بقوله: لا تسلكوا طريقا الى الوثنيين ولا تدخلوا مدينة للسامريين، بل اذهبوا نحو الخراف الضالة من آل اسرائيل، وأعلنوا في الطريق: قد اقترب ملكوت السماوات، اشفوا المرضى، وأقيموا الموتى، وابرؤوا البرص، واطردوا الشياطين، أخذتم مجانا فمجانا اعطوا. متى 10: 6-8
المجانية في حياة الروحانيين:
وفي الحقيقة نحن لا نجد المجانية في الكتب الدينية فقط، وعلى شكل نصائح ووصايا، لكننا نجدها ايضا في حياة اناس صاروا نماذج لكثير من الفضائل الانسانية، ومنها فضيلة المجانية، بعد ان كرسوا حياتهم لخدمة الآخرين المجانية، وبعد ان وصل الكثيرون منهم الى التجرد العميق من المنفعة الذاتية. وهنا يمكننا ان نذكر الأم تريزا ومئات الناس الآخرين، ومن جميع الأديان، ممن اشتهروا بخدمتهم المجانية النموذجية، مع العلم ان كل انسان، وحسب استعداده الشخصي يمكن ان يتمتع بموهبة العطاء المجاني.
عالم السياسة والمجانية:
اعزائي القراء!
بعد ان عرفنا شيئا مختصرا عن فضيلة المجانية وحقيقتها، يمكننا ان نجزم بأن فضيلة المجانية المنبثقة عن الحب، لا يوجد لها مكان محدد في عالم السياسة الراهنة، حتى وان كان هذا المكان بقدر واحـة صغيرة خضراء في صحراء متنامية الأطراف، اذ كيف نجد فضيلة المجانية في عالم لا يعرف غير شريعة الغاب، ولا مكان فيه حتى للحقيقة والعدل؟ وكيف نجد فضيلة العدل والمحبة والمجانية في عالم سياسي، كل شيء فيه يقول انه قد عاد الى وثنية، يمكننا ان نسميها وثنية القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
المجانية لا تليق بأشباه البشر:
ويقينا ان وثنية القرن العشرين والحادي والعشرين جعلت من سياسيي هذين القرنين، ولاسيما منذ دخول العالم فيما يسمى بحقبة العولمة، او النظام العالمي الجديد، اشباه البشر، في كل اخلاقهم وتصرفاتهم مع ضعفاء العالم، بشكل خاص. علما بأن المقصود بأشباه البشر هم سياسيو الولايات المتحدة الأشرار وسياسيو الناتو الذين يريدون في ايامنا ان يكونوا البديل للولايات المتحدة على طريق الشر والعدوان.
ويقينا ان هؤلاء السياسيين لن يسمعوا كلمة الحق والعدل والحب والمجانية من احد. ولذلك يرى المنادون بكلمة الحق والعدل، وبكل ما تقتضيه هذه الكلمة، ان "ينفضوا الغبار"من ارجلهم بوجه الظالمين القتلة المستبدين، ويتوجهوا ببشارتهم صوب النفوس المستعدة لقبول كلمة العدل والمحبة والمجانية في حياتهم الجهادية والنضالية ضد المحتلين الأشرار.
لا خلاص بدون جهاد مجاني:
اما بشارة الخلاص التي نوجهها لإخوتنا الرافضين للاحتلال وللهيمنة الأمريكية ولأعمالها الشريرة في العراق، كما نوجهها لكافة ابناء العراق الذين لم يركعوا لصنم المحتل، او لا يريدون ان يواصلوا ركوعهم امام هذا الصنم المذكور، فخلاصتها ان لا خلاص بدون جهاد او نضال مجاني ضد الاحتلال.
فالمجانية في حياة الشعب العراقي المحتل، ليست ترفا روحيا يزين حياة الانسان ويعمقها ويكملها، ولكنها ضرورة قصوى لا يمكن ان يستغني عنها من يريد ان ينتصر على اعداء مدججين بالسلاح، يتصفون بالشر والطمع وابتزاز الضعفاء.
اما سبب حاجة المجاهدين والمناضلين ضد المحتل للمجانية، فيعود الى ان اي جهاد او نضال لا يتحلى بالمجانية سوف تسوده الفرقة حتما، لأن اية فئة مجاهدة او مناضلة تضع لنفسها اهدافا خاصة بها، بديلة عن اهداف التحرير، او بموازاتها، سوف تجد الفئات الأخرى تحذو حذوها، وبذا يرجع الشعب العراقي الى ما يشبه وثنيته القديمة، عندما كانت كل جماعة لا تسجد الا لإلهها الخاص بها، مع قبولنا بأن تكون التعددية مقبولة في زمن ما بعد الاحتلال، ومع تمنياتنا بأن تستمر وحدة الهدف اطول زمن ممكن، او ربما الى ما شاء الله، لأن اجتماع المناضلين حول هدف "موحِد" خير من اجتماعهم حول قيادات تسهل شيطنتها وتدميرها. مع احترامنا لكل القيادات التي اخذت على نفسها مسؤولية تحرير البلد، ومع دعائنا ان تجتمع هذه القيادات نفسها، مع الموالين لها، حول هدف التحرير الموحد الواحد، وصولا الى تكوين جبهة حقيقية، يمكن ان تأخذ قيادة البلد، ليس فقط الى التحرير، ولكن ايضا الى عملية سياسية جبهوية سلمية تبقى ناجحة الى أمد طويل. غير اننا سنبقى بحاجة، كبلد محتل، بدون وجه حق، الى الشخص والحزب الذي يحتفظ بذخيرة الشرعية التي سوف تبنى السيادة المستعادة عليها، لفترة محددة، على الأقل.
القس لوسيان جميل
تلكيف – محافظة نينوى – العراق
12- 10- 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق