في مقالته التي بعث بها إليَّ، مشكوراً، يوضح الكاتب العربي المقيم في أستراليا، الأستاذ فؤاد الحاج، جانباً من الازدواجية التي يعيشها العالم المنادي بحقوق الإنسان، وهو يشاهد ويستمرئ مشاهد الدم والعنف وقتل الأسرى على نحو ماشاهدناه في ليبيا، على يد ثوار الناتو، مؤخراً.
في عصر حقوق الإنسان
يبدو أن الضمير الإنساني غائب في عصر الهوان، عصر ما يسمى بعصر حقوق الإنسان! والأكيد أنهم غيبوه في عصر العولمة الإعلامية.
فمنذ ستينات القرن الماضي تشكلت على الصعيد العالمي، والمحلي لكل دولة، لجان للدفاع عن الطيور البرية والبحرية، وقامت قيامة تلك اللجان ووسائل الإعلام في الغرب عموماً، إثر تلوث بطة بالنفط الذي تسرب من ناقلة النفط العملاقة (أكسون فالديز) إثر اصطدامها بصخرة في الرابع والعشرين من آذار/ مارس عام 1989، حيث غطى النفط مساحة 28 ألف كلم مربع وقرابة الألفي كيلومتر من الخط الساحلي، وأسفر التسرب عن مقتل نحو 600 ألف إلى 700 ألف من الطيور والأسماك والحيوانات الثديية المائية، يومها بثت وسائل الإعلام الديمقراطي الأمريكي، صورة تلك البطة المسكينة، وادعوا أنّ الجيش العراقي قد سكب في مياه الخليج العربي كميات ضخمة من النفط، واتهموه أنه يلوّث البيئة، وظهر فيما بعد، أن تلك الصورة ملتقطة في مياه "خليج برنس وليام في ألاسكا بعد تسرب نحو أربعين مليون ليتراً من النفط الخام فيه من ناقلة النفط العملاقة (أكسون فالديز)، مما ساعد في تأليب الرأي العام ضد العراق قبل شن العدوان الثلاثيني الغادر ضده عام 1991. ومع توالي الأيام ازداد عدد لجان الدفاع عن الحيوان بحيث أصبح يوجد كل بلدان العالم أكثر من مجموعة تحمل صفة الدفاع عن الحيوان، وتطورت تلك اللجان حتى أصبحت تملك مستشفيات، وتخصص لها أطباء وعيادات، وأنتجت لها المختبرات أحدث الأدوية والعلاجات، ويقدَّر المصروف السنوي لإطعام كلب أو قطة في ما يسمى بالدول المتحضرة، حوالي ألف دولار، عدا العلاج والشامبو والمساحيق، والتلقيح ضد الأمراض، والتدريب في مدارس خاصة يشرف عليها أساتذة متخصصون، كلفة تعليم كل منهم تكلف أكثر من معلم مدرسة عادية للبشر بعشرات المرات، وغير ذلك رأفة بالحيوانات.
أما الإنسان الذي أصدرت له ما تسمى بهيئة الأمم المتحدة، ولجانها المنبثقة عنها مجلدات من القوانين، لحمايته وعدم انتهاك حقوقه، والمس بكرامته، بقيت حبراً على ورق، حتى بات ذلك الإنسان سلعة بأيدي أصحاب تلك القوانين ومن ورائها من أعداء الإنسانية!.
فهل ان أعضاء ما يسمى بمجلس الأمن وكل لجان أممها المتحدة، وحكومات العالم بأسره، لم يشاهدوا الفيلم الذي انتشر عبر الانترنيت، ومدته ثلاث دقائق فقط، عن عملية اعتقال القذافي وهو حي ولم يكن مصاباً، والزعران يلكمونه بأيديهم ويركلونه بأرجلهم، ويشتمونه، ويصرخون بصوت عال (الله أكبر)!
يرافق ذلك إطلاق نيران في الهواء، والدم ينزف من وجهه وكتفه، وبعد عدة دقائق تم إطلاق رصاصة على رأسه!. ثم يسحلونه على الأرض بعد موته، بعد ذلك جاءوا بجثته في صندوق سيارة مكشوفة، وقيل أنهم نقلوه بعد ذلك في سيارة إسعاف! وتم وضعه في غرفة في متجر تحتوي على مبردة مفتوحة لمن يريد مشاهدة جثته، وبدأت محطات التلفزة تعرض صور أشخاص تقف صفوفاً طويلة، لتشاهد جثته! ثم يطل علينا عملاء الناتو وأمريكا ليعلنوا أنه سيتم دفنه على الطريقة الإسلامية!!!
ألا يعرف هؤلاء أن إكرام الميت هو الإسراع بدفنه؟! وألا يعلم هؤلاء أنهم بتصرفاتهم في التمثيل بالميت لا علاقة لها بالإسلام!! وألا يعرف هؤلاء أنهم عندما يصرخون (الله أكبر) وهم يضربون المعتقل قبل قتله، أنهم يسيئون للإسلام أمام العالم والغرب خصوصاً؟! ألا يعرف هؤلاء أن محطات الفضائيات الناطقة بالعربية وغير العربية، تعيد بث تلك المشاهد، ويعلقون عليها، من أجل تبرير تدخل الغزاة في ليبيا؟! حتى بات الأطفال في الغرب أسرى تضليلهم الإعلامي، وبدأ الطلبة في المدارس يتحدثون عن الأعمال "البطولية" التي قام بها حلف الأطلسي وأمريكا من أجل حماية حقوق الإنسان، وتحقيق الديمقراطية!
وهنا أود أن أوضح أن كلمتي هذه ليست دفاعاً عن القذافي، ولا عن أي طاغوت حاكم في كل البلدان العربية دون استثناء، لأنهم كلهم طغاة وهم مرتهنون لطاغوت الشر المتمثل في إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة، جمهوريون وديمقراطيون، وأطلسيون على حد سواء! وأن أتباعهم من أنظمة الفساد وعرب اللسان هم سبب بلاء الأمة، وأنهم سبب ما يحصل في البلدان العربية اليوم في ما يسميه البعض "ثورات".
وللتذكير فقط أن معمر القذافي هو الذي اغتال قيادات الثورة الليبية الحقيقيين، وهو الذي اغتال العديد من القيادات الوطنية والقومية الليبية، أمثال منصور الكيخيا وعامر الدغيس وجبريل عبد الرازق الدينالي وإبراهيم احمد الفاضلي، وغيرهم الكثير من الذين اغتالهم حرس القذافي بأمر منه داخل وخارج ليبيا، من أجل إفراغ المجتمع الليبي من القوى السياسية، وأخفى أماكن دفن الكثير منهم، وحرم الشهداء، الذين اغتالهم في الخارج، من حق الدفن في أرض الوطن.!
وهو الذي منح مليارات الدولارات إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وهو الذي عيَّن سيء الصيت توني بلير مستشاراً له، وهو الذي بتصرفاته الرعناء ورضوخه للغرب الاستعماري بدد كل ما قاله عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين وصفه بأنه "الأمين على القومية العربية"! وهو الذي أعطى ملالي إيران الصواريخ التي دكت بها بغداد (بتاريخ 13/10/1987 وخلال حرب المدن - كما سُميتْ في حينِها بين العراقِ وإيران، دكَّ صاروخ إيراني مدرسة ابتدائية جنوب بغداد، خلّف مجزرة مروعة، نتج عنه ثمانية وثلاثون طفلاً قضوا وعشرات جرحوا).
إضافة لذلك أقول أني في العام 1996 طلبت لقاء صحافي مع "العقيد" وبعد أيام وصلني الجواب بأنه موافق فقدمت موضوع الأسئلة التي تراودني، بعد ذلك تم سجني في بهو (الفندق الكبير) لمدة أربعة أيام بحيث منعت من مغادرة الفندق، لأنه كما قيل لي أنه من الممكن أن يطلبني للقائه في أي وقت! وبعد أربعة أيام لم يجري اللقاء قررت مغادرة الفندق، ولكن المرافقين منعوني من ذلك، وبعد جدل معهم، رضخت للأمر الواقع ولعنت الساعة التي طلبت فيها اللقاء، وفي اليوم التالي مساء قال لي أحد المرافقين أن أهيئ نفسي للقاء "الأخ العقيد"، وكان اللقاء أقصر لقاء في تاريخ الصحافة العربية كما أعتقد.
المهم هو ما جرى في ذلك اللقاء، فقد سألني عن أحوال أستراليا وجماعتهم فيها، فقلت له اختصاراً أن الأموال الليبية التي صرفت في استراليا، ذهبت في طرق غير صحيحة، بعد سماع تلك الجملة التي لم أكملها، وقف "الأخ العقيد" فجأة وأدار ظهره وقال انتهت المقابلة! وخرج من الغرفة.. فدخل المرافق وقال لي "دكتور تفضل" فسرت معه في الردهة متعجباً، أريد أن أعرف لماذا انتهت المقابلة؟ فأشار المرافق بيده أن أصمت!
وبعد عودتنا إلى الفندق، طلب مني أن أضع أغراضي، في غرفتي وألاقيه خارج الفندق، وهكذا كان، ذهبنا إلى منطقة على شاطئ البحر، هناك قال لي "لماذا قلت للأخ العقيد أن الأموال الليبية التي تصرف في أستراليا تذهب في غير طريقها الصحيح؟" فقلت متعجباً: هذه هي الحقيقة، لأن النفعيين هم الذين استولوا على تلك الأموال.
فأجابني ألا تعلم أنه لا يتم صرف سنت واحد إلا بأمره، وأنه هو الذي يسيطر على كل الأموال الليبية؟ لذلك هو لا يريد أحد أن يقول له ماذا عليه أن يفعل! ولا يريد أحد أن يناقشه.
وبعد حوار أكثر من نصف ساعة مع المرافق، عدنا إلى الفندق، فوجدت أن الحقائب في غرفتي قد فتحت، وتم وضع بعض الأوراق التي كانت في إحدى الحقائب في غير مكانها، فعلمت أن ذلك كان مقصوداً، وفي اليوم التالي قرأت خبراً في صحيفة "الزحف الأخضر" عن فقدان جواز سفر أسترالي، مع العلم أنه لا يوجد غيري أسترالي في ليبيا آنذاك، فقمت بعدة محاولات لتفقد جواز سفري الذي أخذ مني في نقطة الدخول البحرية، وقمت بإبلاغ أكثر من جهة رسمية عربية بما حصل، تحسباً، وقام المرافق بمساعدتي أيضاً، وبعد أقل من أسبوع غادرت ليبيا بحراً إلى مالطا، وفي جعبتي عشرات التساؤلات عن حكم القذافي، وعرفت لماذا تم اغتيال معارضيه ومحاوريه الذين ذكرت بعضهم آنفاً.
لذلك أكرر إن كلمتي هذه ليست دفاعاً عن القذافي، لأن الفاجعة التي حدثت في ليبيا بغض النظر عن رأيي بالقذافي، أكبر مما يجب أن تقال في كلمات، لأنها إساءة للدين الإسلامي الذي يتنطح باسمه أتباع الأطلسيين وعملاءهم، ولو كانت حركة المعارضة داخلية صميمة وانقلاب ضد القذافي، كنت من أوائل المؤيدين لهم، ولكن أن تأتي من خلال قاذفات الطائرات العسكرية الأوروبية والأمريكية، والصواريخ والأعتدة العسكرية التي يصل ثمنها إلى مليارات الدولارات، وبمشاركة قيادات وقوات عربية، وحرس ملالي إيران الذين يقاتلون مع عناصر الأطلسيين، وهم الذين فككوا صواريخ ليبية روسية الصنع ثم سحبوها عبر السودان، ومن ثم إلى جماعتهم في لبنان كما تقول الأنباء! فهذا ما لا يمكن أن يقبل به عربي حر وشريف.
وأن يأتي مقتل القذافي بهذه الطريقة الهمجية فهو أيضاً يثير اشمئزاز العالم، كما يثير قرف كل حر وشريف من المناهضين لأعداء الإنسانية في العالم، كما يثير الشرفاء والأحرار في العالم تحالف إدارات الشر الأوروبية والأمريكية وملالي إيران وأعداء الإنسانية، متسائلين عن سر هذا تحالف الشر الثلاثي هذا، الذي قاد العدوان على العراق واحتلاله في نيسان/أبريل 2003، وقبل ذلك في أفغانستان.!!
فأين الضمير الإنساني من تلك الجريمة النكراء؟ وأين المتشدقين بحقوق الإنسان؟ وأين الضمير الذي يغيِّب متى أراد الطغاة؟ وبحسب مزاجهم يأمرون به وينهون؟ وأين إنسانية الإنسان في عصر الظلم والطغيان؟ وهل أصبح حق الحيوان أهم بالتطبيق من حق الإنسان؟ وحتى لو اعتبرنا أن الإنسان هو حيوان ناطق كما يحلو للبعض أن يقول، فلنعامله هذا الإنسان معاملة الحيوان في عصر حق لجان حقوق الحيوان!.
وأخيراً أقول أنه مهما تباينت المواقف والآراء، فأن معركة الأمة مع الاستبداد لن تنتهي بإسقاط رؤساء، وملوك، وأمراء، وزعماء متألهين فوق العروش، بل إن المعركة الحقيقية هي "المعركة الفكرية والثقافية بلا منازع ولا تأجيل. وهي المعركة التي لن تحسم عبر سنين أو حتى عقود، لأنها ستحتاج أن تمتد في الزمان والمكان، وأن تتجذر في العقول والنفوس وفي تركيبة الشخصية العربية وسلوكياتها." كما يقول المفكر القومي الدكتور علي محمد فخرو.
أما عن عدد الذين استشهدوا جراء قصف تحالف الشر الدولي من الليبيين، ومدى الدمار الذي ألحق بالمدن والبلدات الليبية، ومن سيعيد إعمارها، فإن الأيام القادمة ستنبئنا بما لم نتوقعه! كما ستنبئنا عن قيام "فيدرالية ليبيا الجديدة"، وكم ستكون ديون "ليبيا الديمقراطية" لدول الغرب، وتحت أي مسمى ستتواجد قوات تحالف الشر في ليبيا، بحجة هشاشة الأوضاع هناك؟!! هذا ما نتركه لتجيب عنه الأيام القادمة، عندها سيكون لكل حادث حديث.
22/10/2011
· صحافي عربي يقيم في أستراليا
هناك 3 تعليقات:
لماذا (ليس دفاعا عن القذافي)؟. لماذا لا تكون (دفاعا عن القذافي)؟ دفاعا عن القذافي في موقفه النهائي باعتباره (رجلا كبير السن عربيا مسلما أسيرا جريحا عذبه وقتله الناتو وعملاؤه؟) لماذا يكتب مقالته اذا لم يكن يريد ان يدافع عن شخص بهذه الصفات؟ هل يخجل من الدفاع عن موقف انساني؟ ممن يخجل؟ من الناتو ام من عملائه؟ غريبة مواقفنا واساليبنا العربية. لو كان القذافي مجرما عاديا (وليس رئيس دولة) يعيش في امريكا، وعومل هذه المعاملة ولم يسمح له بمحاكمة قانونية، لثارت ثائرة الشعب الأمريكي، كما حدث حين قتل شخص أسود (نسيت اسمه) على ايدي الشرطة لأنه قاومهم.
نعم لنا الشرف مابعده شرف ان ندافع عن الشهيد القاذفي وكل من استشهد معه ومن ابنئه ورفاقه وبالرغم من بعض هفواته فوالله انه رجل شريف عفيف ونعم الرجل لقد اراد للامة العربية كل الخير واراد للعرب وللمسلمين العزة والكرامة وارق قلبه ودمه واعصابه في سبيل هذا المبدأ ولا ولن ننسى انه اشبع الافواه الجائعه من الذين يحسبون انفسهم عربا واحسن اليهم كل الاحسان علما انهم لاساوون بعرور في مؤخرة كبش
ان جريمة قتل الشهيد القاذافي وابنائه ورفاقه سيبقى وصمة خزي وعار مابعده عار في جبين كل المستعربين والمتأسلمين خدم وعبيد الغرب الامبريالي والصهيونية
بعض الحقائق التي يجهلها البعض عن قذافى ليبيا
استهلاك الكهرباء في البيوت مجاني
...استهلاك المياه في البيوت مجاني
...
سعر لتر من البنزين لا يتجاوز 0.08 يورو
البنوك الليبية لا تعمل بالربى
المواطن لا يدفع أي ضريبة . والرسم على القيمة المضافة غير موجود تماماً
لا يوجد ديون على ليبيا ابدا
سعر شراء السيارات في ليبيا هو نفس سعر الشراء من المصانع
كل طالب يريد إكمال دراسته في الخارج تدفع له الحكومة 1627 يورو شهرياً
كل طالب يحصل على شهادة جامعية يحصل على راتب مميز جدا حتى دون عمل !!
عندما يتزوج الليبي يحصل على قطعة أرض مجانية تصل إلى 150 متر مربع أو مسكن
كل عائلة ليبية مسجلة تحصل على 450 يورو شهرياً !!
الحكومة اعطت اكثر من 3 مليون فيلا دوبلكس للشعب الليبي مجانا
يمنع الليبي من العمل خارج ليبيا بل تؤمن له دراسته في الخارج
يستطيع السفر الى اي بلد كان بسهولة ما عدا فلسطين المحتلة نظرا لقطع العلاقات مع اليهود
___________________________
ده احنا كده فى كوكب البخ ؟!!! افهم شئ واحده بس يارب شنو اللى كان مش عاجبهم الليبيين ؟؟؟
إرسال تعليق