عطفاً على مقاله، برنامج إلهي..شيطاني!، يكتب الاستاذ شاكر الفلاحي مقالاً عن ثوابت السياسة الإيرانية ومتحولاتها، يستعرض فيه أهم الثوابت والمتحولات في السياسة الإيرانية مع الجوار العربي عبر التاريخ.
السياسةُ الإيرانيةُ ... المتحولاتُ والثوابت
شاكر محمود الفلاحي
كلما هممتُ بالبحث في السياسة الإيرانية.. شؤونِها وشجونِها.. ما لها وما عليها .. تحولاتِها وثوابتِها.. أهدافِها ومساراتِها.. ما تُضمر وما تُعلن من أهدافٍ واستراتيجياتٍ, ترتسم أمامي صورةٌ لحدثٍ واحدٍ وهو إقدام إيرانَ في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 1971 على احتلال الجزر العربية الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) قبل ساعات قلائلَ من الإعلان الرسمي على قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وأتساءل لِمَ هذا التزامن والتوقيت تحديدا !!!؟ ولِمَ تغتصب الفرحة العربية ويوأد العرس العربي بهذا الشكل الاستفزازي !؟
هل لهذا علاقةٌ باستغلال الظرف وانسحاب القوات البريطانية من هذه الأراضي والمياه واعتبارها فرصةً ذهبيةً لتنفيذ وصية (رضا بهلوي) قبيل وفاته لولده ووريث عرش امبراطوريته التي يوصيه فيها (لقد حررت الشاطيء الشرقي للخليج الفارسي من العرب وعليك أن تحرر الشاطيء الغربي)!!!
أم أنها الطبيعة المتوارثة في الذات السياسية الإيرانية والتي تدفعها لحب السيطرة وفرض الهيمنة على أرض الجوار ؟
يقودني هذا التساؤل إلى عودةٍ سريعةٍ إلى التاريخ لإلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على نشوء الدولة في إيران والتي تشير كل الدلائل إلى أن (الدولة الفارسية) ومنذ أن وضعت لَبِناتها الأولى في التاريخ عام 539 ق . م وإلى يومنا هذا صاحبتها سماتٌ ومزايا لم تفارقها البتة رغم اختلاف العصور والتطورات وتبدل الثقافات, وبالرغم من دخولهم الإسلام الذي ما زال مدار جدلٍ ونقاشٍ بين المؤرخين حيث اختلفوا وتباينت آراؤهم في الكيفية التي دخل بها هؤلاء إلى الدين الإسلامي الحنيف ..هل كانت عن قناعةٍ وإيمانٍ أم لحاجةٍ في قلب (فارس) قضاها !!!!؟
إن المثير في تاريخ هذه الدولة منذ حكم الأخميني مؤسس الدولة الأخمينية والتي اتفق المؤرخون جميعا على الكيفية التي ولدت بها والولاءات التي رافقت هذه الولادة الى حكم الخميني مؤسس النظام (الاسلامي) في ايران وصاحب نظرية (ولاية الفقيه) مرورا بكل الحقب والأنظمة التي تناوبت على حكم بلاد فارس هو الثوابت السياسية التي لم تتزعزع ولم تتغير وسنأتي على إثبات ذلك من خلال حديثنا عنها .. فمن أهم هذه الثوابت والأسس التي تشكل حجر الزاوية والعمود الأساسي لهذه السياسة، مايأتي:
1- التوسع على حساب الجيران والعرب بشكل خاص
المتفحص لتاريخ إيران السياسي يلاحظ أن التوسع والسيطرة وحب امتلاك أراضي الآخر وبشكلٍ خاصٍ جيرانهم العرب سمة لازمت الإيرانيين منذ نشوء دولتهم والتي كان أساسها نتيجة تواطؤ فارسيٍّ – اسرائيليٍّ ضد حكومة بابل (العراق) حين تقدم (كورش) عام 539 ق.م واحتلها .
واستمرت هذه السياسة التوسعية والنهج العدواني على حساب الآخر حتى بعد أن فُتحت بلادهم على يد المسلمين ولكن هذا الفتح المبين لن يردعهم أو يغير من هذه الطبيعة في نفوسهم لا بل ازدادوا غياً على غيهم ووصل بهم الأمر حاضراً الى حد التبجح والمجاهرة به دون رادعٍ من ضمير أو دين حيث توالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بحقهم المزعوم في الأراضي والمياه العربية دون النظر إلى تاريخٍ أو جغرافيا .
لقد صرح (روحاني) في 16-6- 1979 ( أن البحرين ستظل جزءً لا يتجزء من إيران ) .
وأضاف (قطب زاده) على تصريح زميله ما يلخص بشكل مختصر السياسة الإيرانية وأطماعها إذ قال لإذاعة مونت كارلو في 30-4-1980 ما نصه (جميع دول الخليج هي جزء من الأراضي الإيرانية) وهذا غيضٌ من فيضٍ من تصريحاتٍ وادعاءات الإيرانيين عن حقوق مزعومة في الأراضي العربية .
أما عن التدخل الحالي في العراق وأقطار الخليج العربي فحدث ولا حرج إذ لم تكتفِ إيران بالتدخل الأمني والتواجد المسلح في العراق بل غطى الأمر كل القطاعات الحياتية حتى بات (التومان) هو العملة الأساسية في وسط وجنوب العراق .
وما تشهده البحرين والكويت وأقطار الخليج العربي الأخرى من اضطرابات وعدم استقرار أمني ليس بخافٍ على أحد, حيث أن إيران تنفذ برنامج تسميه (البرنامج الألهي) و تشرف عليه قوة خاصة ترتبط بمكتب الولي الفقيه يهدف الى إبقاء المنطقة قلقة, تسهيلاً لاحتلالها والسيطرة عليها من قبل الجالية الإيرانية المنتشرة في هذه الأقطار وتحت عناوين ومسميات شتى .
2- سياسة بث الفرقة بين أبناء وحكومات الأمة العربية
تأتي هذه السياسة جراء الحقد الدفين الذي تكتنزه إيران للأمة العربية وللعرب خصوصاً ولكل ما هو عربي بشكل أخص وهذه ليست وليدة الساعة وإنما قديمة قدم الدولة الفارسية ومما زاد الطين بلة فتح بلاد فارس وانهيار امبراطوريتهم الكسروية على يد العرب في الفتح الإسلامي (وسنأتي على تفاصيل الحقد وحيثياته في كتابنا الذي سيرى النور قريباً بإذن الله) .
لقد استمدت إيران هذه السياسة من مبدأ استعماري بريطاني قديم مشهور (فرق تسد) إذ استخدمت ايران سبلاً عدة لتجسيد هذه السياسة في الوطن العربي فقد مد الشاه جسور الوئام والمودة مع بعض الأنظمة (الرجعية) العربية آنذاك ليضرب بها ومن خلالها أقطاراً أخرى ويعتدي على أراضيها في حين عمد الخميني ومن تلاه في الحكم الى مد جسورٍ من الوئام والمودة مع أنظمةٍ عربيةٍ تدعي (الصمود والمقاومة) وكشر أنيابه على العراق وأقطار الخليج العربي وشن عليهم حربه العدوانية. إذاً اتبعت إيران سبيلين وسياستين مختلفتين متضادتين لتحقيق هدفٍ واحدٍ ونجحت بشكلٍ أو بأخرَ في بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة متوكلةً على سياسة (فرق تسد) .
3- سياسة الشرطي والشيطان
تميزت العلاقة بين إيران من جهةٍ والولايات المتحدة الأميركية واسرائيل من جهةٍ أخرى بالحميمية والحفاظ على حماية مصالح الآخر والتعاون ضد أي طرفٍ يشكل تهديداً أو خطراً عليهما وعلى مصلحتيهما, ويذكر المؤرخون أن أول ثمرةٍ أينعت لهذا التعاون بين بني اسرائيل والفرس هي ولادة الدولة الفارسية على أنقاض دولة (بابل).
واستمر هذا التعاون المثمر بينهما عبر تأريخيهما لكنه اتخذ أشكالاً وصوراً وأساليبَ تختلف باختلاف من يتولى الأمر من الطرفين وبما يتواءم والظرف المحيط بهما .
لن ينسى المؤرخون والساسة دور الشرطي و الحارس الأمين للمصالح الأميركية والإسرائيلية في الخليج العربي والمنطقة برمتها والذي كان يجسده وبكل إتقان (شاه إيران) وكان هو شخصياً يعترف بذلك حتى يوم سقوطه بعد أن رموه وتخلوا عنه كما يُرمى أي منديل ورقي بعد استخدامه, وكانت هذه هي السياسة الإيرانية في تلك المرحلة وكانت سياسته مع اسرائيل بنفس المستوى إن لم تكن أكثر رصانة . في حين استخدم النظام (الإسلامي) - الذي جيء به - عقب الشاه سياسةً مختلفةً بالكامل حيث استخدموا عبارة (الشيطان الأكبر) لوصف الولايات المتحدة الأميركية في مظهر معلنٍ معادٍ لها ولإسرائيل , ولكن التطبيق العملي الخفي كان يختلف عن المعلن تماماً وكان تجسيداً تاماً للتقية السياسية، وقد كشف النقابَ عن ذلك مسقطاً ورقة التوت التي كانت تتستر بها السياسة الإيرانية التصريحُ الذي أدلى به (محمد علي أبطحي) نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية في اختتام أعمال مؤتمر (الخليج وتحديات المستقبل) والذي عقد في أبو ظبي بتاريخ 13-1-2004 إذ قال (لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد) ومكافأةً لهذا التعاون فقد سلم (الشيطان الأكبر) العراق وأفغانستان على طبقِ من ذهب الى (آيات الله).
وأحدث ما تجلى عن التعاون مع إسرائيل هو ما كُشف قبل أشهر من تعاونٍ تجاريٍّ نفطيٍّ، وما خفي كان أعظم, حيث أن السفن العائدة لشركتي (عوفي بروذرز) و (تانكر باسفيك) وشركات اسرائيلية أخرى تبيع وتشتري نفطا إيرانيا وسفنها تجوب الموانيء (الإسلامية) الإيرانيه بكل حريةٍ وجهاراً نهاراً ... فهل يحتاج الأمر إلى دليل أوضح !
إن هذه السياسةَ (سياسة الشرطي والشيطان) تمثل سبيلين متنافرين متضادين إلا أنهما يلتقيان لينفذا ذات السياسة وذات الهدف الذي يصب في خدمة أميركا واسرائيل .
4- نكران الحقوق القوميه للقوميات غير الفارسية
تعتبر إيران من البلدان متعددة القوميات ويعاني حكامها وعلى مدى التاريخ من هذه المشكلة إذ وعلى امتداد عمر الدولة الإيرانية تميزت الفئة الفارسية الحاكمة بعدم قبول الآخر وبغمط حريات القوميات غير الفارسية وتعاملهم على الدوام كمواطنين من درجاتٍ دنيا , وتعتبر مطالبتهم بأيٍّ من حقوقهم خطاً أحمراً وتجاوزاً على سيادة الدولة .
,عند تسلم النظام (الإسلامي) مقاليد الحكم في إيران لم يكن بأفضل من سابقيه, فقد سار على نفس الخطى ولكن كالعاده بأسلوبٍ جديدٍ يتواءم والتعاليمِ الإسلاميةِ التي يتشدق بها , حيث اعتبر أن المطالبة بالحقوق القومية محرمة في الدين الإسلامي إذ تعتبر هذه المطالبة تعصباً قومياً حرمه الإسلام.
لقد تناغم النظامُ (الإسلامي) في نهجه هذا مع النظام (الشاهنشاهي) الذي كان يضربُ بيدٍ من حديدٍ كلَّ من يتجرأ ويطالب بحقه القومي . وهكذا توحد الهدف في نكران حقوق القوميات غير الفارسية ومنعها من المطالبه بحقوقها المشروعة ولكن اختلف أسلوب الوصول إليه .
ومن كل ما سلف نخلص إلى حقيقةٍ واحدةٍ مفادها أن الثوابتَ في السياسة الإيرانية واحدةٌ , لا ولن تتغير مهما تغيرت الأزمنة والعصور والثقافات, وتبدلت وجوهُ معتلي سدة الحكم في إيران .
إلا أن المتحول الوحيد في هذه السياسة هو أسلوبُ بلوغِ الهدف والطريق الموصل إليه , حيث تتجسد (البراغماتية) في أبهى صورها لدى رجال الحكم في إيران مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم ومشاربهم من أجل الوصول الى الهدف الثابت في السياسة الإيرانية .
هناك تعليق واحد:
مقال مهم يثير الشجون خصوصا و انا أطلع على المقال السابق للكاتب حيث لم أكن اطلعت عليه في حينها و قد شدني السجال الذي دار في التعليقات على المقال الاول بين الكاتبة الاستاذة سارة الشيخلي و السيد غير معرف الذي سعى لاثبات أن الحكومة العراقية و ما تضمره من نوايا عدوانية بنت عليها توجهها السياسي الخاطيء تجاه ايران كان هو السبب لتردي العلاقة و للاضرار التي لحقت بالعراق و بالعرب المؤيدين لنهجه في الخصومة مع ايران. ان ايران كدولة ذات حجم كبير نسبياً و ذات تاريخ عريق و امكانات كبيرة من الطبيعي أن تتطلع الى لعب أدوار اقليمية و دولية تتناسب و حجمها و تاريخها و امكاناتها و هي حرة في اتباع السياسة الخارجية المناسبة لحفظ مصالحها و التنافس مع الاخرين و التفوق عليهم سواء كانوا عرب ام مسلمين شرقيين ام غربيين لان في العالم المفتوح ان لم تسبق الاخرين و تتفوق عليهم في المنافسة المتواصلة المفتوحة فيه على اشدها فان غيرك سيتقدم عليك و سينتزع من بين يديك كل شيء بل سيصل نفوذه الى عقر دارك. السياسة الدولية لاتسير بالاخلاق أو بالنوايا الحسنة و الاعلانات الطيبة في هذا المجال ماهي الا دعايات توظفها و اسلحة تستخدمها لخدمة أهدافها و لنشر نفوذها. لربما تكون الحكومة الدينية الايرانية اختارت دعم الفلسطنيين و اعلان سياسة خصومة مع الكيان الصهيوني و هي سياسة و مواقف مفيدة للفلسطنيين و للعرب و للمسلمين في هذه المرحلة لكن تقييمها و التفاعل معها ايجابياً شيء و مراقبة النوايا الحقيقة و السياسة بعيدة المدى و عموم جوانب سياستها المختلفة شيء أخر فقد تتفق الدول في مرحلة ما و في قضية ما في شيء معين لكن ذلك لا يجب أن يقود بالضرورة الى الاتفاق على كل شيء و على طول الخط بما يفضي الى اغماض العيون و الركون الى الاطمئنان و الثقة المطلقة ، اذا أن من يفعل هكذا شخص لا علاقة له بمفردة اسمها السياسة لا من قريب و لا من بعيد هو اما أن يكون ساذج أو رومانسي أو طابور خامس يروج للغفلة و الاستغفال. مع شديد الاسف أن فئة كبيرة من مثقفينا العرب و المسلمين و منهم صحفيون كبار و ساسة و مفكرون استراتيجيون روجوا لفكرة أن اعلان ايران لصداقتها مع الفلسطينيين و معاداتها للصهاينة تستحق ازالة التوجس من مختلف جوانب سياستها النشطة لنشر نفوذها في المنطقة و بشتى السبل. نعم ان التعامل الايجابي السلمي مطلوب مع ايران كما هو مطلوب مع مختلف الدول في السياسة الدولية لكن بشرط عدم الغفلة و عدم السكوت عن الجوانب الخطرة جداً في سياستها النشطة و التوسعية. لابد و نحن نفكر بأهمية صداقة ايران و أهمية المحافظة على تلك الصداقة أن نفكر قبل ذلك بأهمية كل شبر من أراضينا العربية و بمصالحنا الحيوية و بحصانة و امن مجتمعاتنا و مواطنينا فلا يعقل أن نضحي بهؤلاء في سبيل أولئك. لقد كان القائد الشهيد صدام حسين على وعي استراتيجي حين اختار اسلوب الرد العسكري الواسع يوم 22 ايلول 1980 على نوايا ايران العدوانية الشريرة المجسدة باعلامها و تصريحات رئيس جمهوريتها و وزير خارجيتها و مختلف قادتها المدنيين و العسكريين
إرسال تعليق