هذا مقال تحليلي، لباحث أمريكي، يقدم وجهة نظر عن شخصيتي الرجل والمرأة، بطريقة بارعة ومبتكرة.. يمكن أن تقدم حلاً لكثير من الاشكاليات التي تعترض سبيل الحوار بين الرجل والمرأة..
"قصة عقلين" هو العنوان الذي اختاره الكاتب والمحاضر والموسيقي الأمريكي، مارك غونغور، ليقدم مجموعة من المحاضرات الجماهيرية التي صاغها في قالب كوميدي بالغ الروعة والإدهاش بحضور عدد من المتزوجين..
مارك غونغور |
تظن بعض الزوجات أن زوجها قد تغيرت مشاعره تجاهها أو العكس ، والحقيقة هو أن السبب الأساسي هو أن الرجل يحتاج أن يتصرف وفق طبيعته كرجل، كما تحتاج المرأة أن تتصرف وفق طبيعتها كإمرأة، ومن الخطأ أن ينكر أحدهما على الآخر هذا الحق، كما ننكر على أبنائنا أن يتصرفوا كأطفال، أو ننكر على كبار السن أن يتصرفوا ككبار سن ، أو ننكر على الزعماء أن يتصرفوا كزعماء، يحدث كثيراً أن يعجز الواحد منا أن يستمر في تمثيل النفاق لفترة طويلة ، فيعود للتصرف على طبيعته ، فلا يفهم الطرف الآخر فيظن انه تغير فتحدث المشكلة .
يؤكد المُحاضر أن الخلاف بين الرجل والمرأة خلاف في أصل الخلقة، وأنه لا يمكن علاجه، وإنما يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر، ودوافعه لسلوكه التي تبدو غريبة وغير مبررة .
ويري أن نظرياته صحيحة بشكل عام، وأنها تنطبق في معظم الحالات لا علاقه لهذا بالمجتمع ولا بالثقافة ولا بالتربية ولا بالدين، ولكنه يشير إلا أن الاستثناءات واردة .
عقل الرجل صناديق، وعقل المرأة شبكة
وهذا هو الفارق الأساسي بينهما، عقل الرجل مكون من صناديق مُحكمة الإغلاق، وغير مختلطة، هناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى.. الخ.
وإذا أراد الرجل شيئاً فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه، وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه، وإذا انتهي أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا .
وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله ، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يُصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مبارة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب منذ عدة دقائق ينتظر إذناً بالدخول.
عقل المرأة شئ آخر، إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً، كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت.
وبالتإلى فهي يمكن أن تطبخ وهي تُرضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد المسلسل في وقت واحد، ويستحيل على الرجل، في العادة، أن يفعل ذلك.
كما أنها يمكن أن نتنقل من حالة إلى حالة أخرى بسرعة ودقة ودون خسائر كبيرة ، ويبدو هذا واضحاً في حديثها فهي تتحدث عما فعلته بها جارتها وما قالته لها حماتها ومستوى الأولاد الدراسي ولون ومواصفات الفستان الذي سترتديه في حفلة الغد ورأيها في الحلقة الأخيرة لمسلسل ما وعدد البيضات في الكيكة في مكالمه تليفونية واحدة ، أو ربما في جملة واحدة بسلاسة متناهية، وبدون أي إرهاق عقلي ، وهو ما لا يستطيعه أكثر الرجال احترافاً وتدريباً.
الأخطر أن هذه الشبكة المتناهية التعقيد تعمل دائماً، ولا تتوقف عن العمل حتى أثناء النوم، ولذلك نجد أحلام المرأة أكثر تفصيلاً من أحلام الرجل.
المثير في صناديق الرجل أن لديه صندوقاً اسمه "صندوق اللاشئ" ، فهو يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقلياً ولو بقي موجوداً بجسده وسلوكه.
يمكن للرجل أن يفتح التليفزيون ويبقى أمامه ساعات يقلب بين القنوات ببلاهة، وهو في الحقيقة يصنع لا شيء.
يمكنه أن يفعل الشئ نفسه أمام الإنترنت، يمكنه أن يذهب ليصطاد فيضع الصنارة في الماء عدة ساعات ثم يعود كما ذهب، تسأله زوجته ماذا اصطدت فيقول: لا شيء لأنه لم يكن يصطاد، كان يصنع لا شيء..
أثبتت جامعة بنسلفانيا، في دراسة حديثة، هذه الحقيقة بتصوير نشاط المخ، يمكن للرجل أن يقضي ساعات لا يصنع شيئاً تقريباً، أما المرأة فصورة المخ لديها تبدي نشاطاً وحركة لا تنقطع.
وتأتي المشكلة عندما تُحدث الزوجة الشبكية زوجها الصندوقي فلا يرد عليها، هي تتحدث إليه وسط أشياء كثيرة أخرى تفعلها، وهو لا يفهم هذا لأنه، كرجل، يفهم انه إذا أردنا أن نتحدث فعلينا أن ندخل صندوق الكلام وهي لم تفعل.
وتقع الكارثة عندما يصادف هذا الحديث الوقت الذي يكون فيه الرجل في صندوق اللاشيء، فهو حينها لن يسمع كلمة واحدة مما قالت حتى لو كان يرد عليها .
ويحدث كثيراً أن تُقسم الزوجة أنها قالت لزوجها خبراً أو معلومة، ويُقسم هو أيضاً أنه أول مرة يسمع بهذا الموضوع، وكلاهما صادق، لأنها شبكية وهو صندوقي، والحقيقة انه لا يمكن للمرأة أن تدخل صندوق اللاشيء مع الرجل، لأنها، بمجرد دخوله، ستصبح شيئاً .. هذا أولاً، وثانياً أنها بمجرد دخوله ستبدأ في طرح الأسئلة: ماذا تفعل يا حبيبي؟ هل تريد مساعدة؟ هل هذا أفضل؟ ما هذا الشئ؟ كيف حدث هذا؟ وهنا يثور الرجل، ويطرد المرأة .. لأنه يعلم أنها إن بقيت فلن تصمت ، وهي تعلم أنها إن وعدت بالصمت ففطرتها تمنعها من الوفاء به .
في حالات الإجهاد والضغط العصبي، يفضل الرجل أن يدخل صندوق اللاشيء، وتفضل المرأة أن تُعمل شبكتها، فتتحدث في الموضوع مع أي أحد ولأطول فترة ممكنة.
المرأة إذا لم تتحدث عما يسبب لها الضغط والتوتر يمكن لعقلها أن ينفجر، مثل ماكينة السيارة التي تعمل بأقصى طاقتها رغم أن الفرامل مكبوحة، والمرأة عندما تتحدث مع زوجها فيما يخص أسباب عصبيتها لا تطلب من الرجل النصيحة أو الرأي، ويخطئ الرجل إذا بادر بتقديمها، كل ما تطلبه المرأة من الرجل أن يصمت ويستمع ويستمع .. ويستمع فقط .
الرجل الصندوقي بسيط والمرأة الشبكية مُركبة، واحتياجات الرجل الصندوقي محددة وبسيطة وممكنة وفي الأغلب مادية، وهي تتركز في أن يملأ أشياء ويُفرغ اخرى ...
أما احتياجات المرأة الشبكية فهي صعبة التحديد وهي مُركبة ومُتغيرة، قد ترضيها كلمة واحدة ، ولا تقنع بأقل من عقد ثمين في مرة أخرى، وفي الحالتين فإن ما أرضاها ليس الكلمة ولا العقد وإنما الحالة التي تمت فيها صياغة الكلمة وتقديم العقد ..
والرجل بطبيعته ليس مُهيئاً لعقد الكثير من هذا الصفقات المعقدة التي لا تستند لمنطق، والمرأة لا تستطيع أن تحدد طلباتها بوضوح ليستجيب لها الرجل مباشرة .. وهذا يرهق الرجل، ولا يرضي المرأة.
ووفقاً لتحليل السيد مارك، فإن الرجل الصندوقي مُصمم على الأخذ، والمرأة الشبكية مُصممة على العطاء. ولذلك فعندما تطلب المرأة من الرجل شيئاً فإنه ينساه، لأنه لم يتعود أن يُعطي وإنما تعود أن يأخذ ويُنافس، يأخذ في العمل، يأخذ في الطريق، يأخذ في المطعم، بينما اعتادت المرأة على العطاء، ولولا هذه الفطرة لما تمكنت من العناية بأبنائها.
إذا سألت المرأةُ الرجلَ شيئاً، فأول رد يخطر على باله: ولماذا لا تفعلى ذلك بنفسك؟ وتظن الزوجة أن زوجها لم يلب طلبها لأنه يريد أن يحرجها أو يريد أن يُظهر تفوقه عليها، أو يريد أن يؤكد احتياجها له، أو التشفي فيها، أو إهمالها، هي تظن ذلك لأنها شخصية مركبة، وهو لم يستجب لطلبها لأنه نسيه، وهو نسيه لأنه شخصية بسيطة ولأنها حين طلبت هذا الطلب كان داخل صندوق اللاشيء، أو انه عجز عن استقباله في الصندوق المناسب فضاع الطلب، أو انه دخل في صندوق لم يفتحه منذ فترة طويلة.
هناك تعليق واحد:
شكرا لك أخيناالعزيز استاذ مصطفى على تقديم هذا المقال الرائع والواقعي بنسبة كبيرة جداً،الذي يجيب على الكثير من التساؤلات التي لا نعرف جوابها،ويقر بعظمة المرأة المعطاءة مهما كانت بسيطة، ويعترف بالضغوطات التي تواجهها يوميا .. حياك الله أستاذنا العزيز
إرسال تعليق