موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

نيازك نووية تقترب من خزان النفط العربي

عن المشاريع النووية التي تنوي أقطار الخليج العربي إنشاءها هناك، ومحطة بوشهر النووية الإيرانية ومخاطر ذلك على خزان النفط الهائل في الخليج العربي، كتب الأستاذ نزار السامرائي، مقالته التي بعث إليَّ بها على بريدي الإلكتروني، مشكوراً.
نيازك نووية تقترب من خزان النفط العربي


نزار السامرائي
يقال، والعهدة على من قال، إن المفاعلات النووية الفرنسية من بين اكثر المفاعلات في العالم أمنا، لأن ضوابط صارمة تضعها الحكومة الفرنسية على شروط السلامة في المفاعلات التي تصنع في البلاد، وخاصة بعد أن تعرضت أكثر من محطة نووية في مختلف أنحاء العالم، لحوادث أدت إلى كوارث إنسانية وبيئية لا حصر لها، وزعزعت الثقة بالطاقة الذرية كبديل آمن وطويل الأمد للمصادر الأخرى القابلة للنضوب، ولا أريد أن أجادل في مصداقية هذه الأقوال، فلست خبيرا نوويا ولا مهتما بهذا الأمر إلا بقدر علاقته بالأمن القومي العربي لاسيما أمن الخليج العربي وجزيرة العرب، وقد تكون هذه الافتراضات، مجرد وصلات دعائية تطرحها أوساط صهيونية للتستر على أخطار برنامجها النووي الفرنسي المنشأ، ولتطمين المنطقة من أخطار مفاعل ديمونا الإسرائيلي وما وضعه تحت تصرف العسكريتاريا الإسرائيلية من قوة ردع للعرب ومنعهم من مجرد التفكير بمواجهتها، وربما كانت صناعة إعلامية تسوق لها أوساط من مصلحتها الترويج للمفاعلات النووية الفرنسية، وخاصة بعد تعرض محطات نووية من مناشئ أخرى لحوادث لم يتمكن العلماء المتخصصون من حصر آثارها محليا، وربما كانت هذه الكوارث، من الأسباب الجوهرية لعزوف دول أوربية عن برامج سابقة  لإقامة المزيد من محطات توليد الطاقة الكهربائية، عن طريق المحطات التي تعمل بالطاقة النووية، بسب ما ينجم عنها من أخطار جدية على سلامة الكائنات الحية والبيئة على حد سواء.
وكي لا يبدو الحديث دعاية مجانية للصناعات النووية الفرنسية، فمن المناسب العودة قليلا إلى الوراء وحصرا في  بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، حيث شككت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بقدرات فرنسا الصناعية، وأكدت أن على فرنسا التفرغ لصناعة العطور والأزياء والخمور، والتوقف عن محاولاتها للالتحاق بركب الدول الصناعية الكبرى في العالم، وعلى ما في هذه المقولة من عجرفة أمريكية معروفة الدوافع، فإن لفرنسا بصمات واضحة المعالم في دنيا الطائرات الحربية بمختلف مواصفاتها وأغراضها والصناعات الميكانيكية الأخرى كالسيارات مثلا، وعلى مستوى المفاعلات النووية فإن العالم لم يسجل حتى الآن كارثة لافتة لحقت بمفاعل أو محطة نووية فرنسية وإن كان المستقبل محفوفا بكل الاحتمالات، هذا على خلاف المفاعلات الروسية والأمريكية وغيرها.
 ولهذا حرصت كثير دول كثيرة على اقتناء المفاعلات النووية الفرنسية لارتباط هذا التوجه بتصور ساد عن مستوى الأمن الصناعي فيها، على الرغم من القيود التي تفرضها فرنسا على بيع المعدات النووية خارج منظومة من الدول الحليفة لها والتي تنطبق عليها شروط سياسية محددة، منذ أن زودت إسرائيل عام 1957 بمفاعل ديمونا حينما كانت فرنسا المجهز الرئيس للأسلحة لإسرائيل، إلى أن أوقف الجنرال ديغول تزويد إسرائيل بالأسلحة بسبب عدوانها عام 1967 فيما عرف بحرب الأيام الستة، وعلى الرغم من أن البرنامج النووي الإسرائيلي بقي بعيدا عن الأضواء، إلا أن إسرائيل عززته بمفاعلات من مناشئ أخرى، ما تزال مواصفاتها مدار اجتهاد وتأويل، لأن إسرائيل تعتمد مبدأ الغموض المقصود في التعامل مع ملفها النووي، وتحيط مفاعل ديمونا بستار كثيف من دخان السرية والتكتم والغموض، والذي يهدد بلاد الشام ومصر والجزيرة العربية، هذا من غربها، ومن شرقها يأتي الخطر من بوشهر.
ولكن ما يبعث على الحزن أن وطننا العربي ما زال بعيدا عن استخدامات الطاقة النووية لكل الأغراض سلمية أم حربية، مما أغرى أعداءهم على ابتزازهم بصوت عال وبمناسبة وبغير مناسبة.

الحكومة الروسية وفية للتقاليد السوفيتية العتيقة
أما الحكومة الروسية ومن قبلها السوفيتية فقد اعتمدت سياسة الأبواب المفتوحة في خطط إقامة المشاريع النووية في الداخل من دون مراعاة لشروط الأمن، وفي الخارج اتبعت سياسة تجارية هدفها تحقيق أكبر قدر من الأرباح، من دون حسابات سياسية دقيقة لتداعيات برامجها النووية مع الدول الأخرى، أو حسابات التوازنات الاستراتيجية التي يجب ألا تغيب عن العقل الاستراتيجي الروسي، وخاصة أن روسيا تحاول أن تزيل آثار التجربة السوفيتية السوداء عن أذهان شعوب الأرض وتطرح نفسها كتجربة ديمقراطية براغماتية صاعدة، ولكن التجربة الجديدة أكدت أنها ابنة أمها بجدارة، هدفها جني الأموال عبر صفقات السلاح التي تجد لها أسواقا رائجة في مناطق التوتر، مقابل صدود حازم من كل المستهلكين في شتى أرجاء العالم عن صناعاتها المدنية، ولعل مقولة قديمة لغورباتشوف بداية تسلمه منصبه أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفيتي، والذي كان أمينا حقا على تفكيك الحزب والبلاد كلها بجدارة حسده عليها الأعداء الاستراتيجيون للاتحاد السوفيتي، فقد أبدى دهشته من أن بلده الذي تمكن من صناعة أكفأ المركبات التي تجوب الفضاء الخارجي، وتمكنت من الهبوط الآمن على سطح القمر لكن من دون رواد فضاء، وتنتج أحدث الطائرات الحربية، وأقوى الصواريخ العابرة للقارات وأكثر القنابل الهيدروجينية فتكا في العالم، يقف عاجزا عن صناعة سيارة أو براد ينافس مثيلاتهما الأوربية حتى من دول جديدة على الصناعات الكهربائية ووسائط النقل، وأظن أن غورباتشوف اكتشف معضلة التجربة الشيوعية وأسباب إخفاقها، والتي تعاملت مع الإنسان بنظرتين متناقضتين بل ومتصادمتين، فمن جهة وصفت الإنسان بأنه مجرد رأسمال يتنفس أي جزء من العملية الانتاجية ليس إلا، ومن جهة أخرى افترضته ملاكا مجردا من النوازع  الإنسانية والطمع الحيواني، حينما قالت (من كلٍ حسب قدرته ولكلٍ حسب حاجته)، ولهذا يمكن الافتراض دون تردد أن بيع السلاح كان سياسة سوفيتية ثم روسية لم تتغير، لأنها محاولة لتعديل الميزان التجاري مع العالم مع أن الاتحاد السوفيتي كان منتجا كبيرا للذهبين الأصفر والأسود، وفي نطاق هذه السياسة غير المسؤولة واصلت موسكو بعد سقوط التجربة الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي، برامجها لإقامة مشاريع الطاقة الذرية في الخارج، ولم تأخذ بنظر الاعتبار أن ذاكرة العالم مازالت تسترجع مأساة مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا التي كانت يوما جزء من الاتحاد السوفيتي، ففي السادس والعشرين من أبريل 1986 انفجرت الوحدة الرابعة في المفاعل الذي ترك مدينة تشرنوبيل مدينة أشباح حتى اليوم، ولم يكن ممكنا في حينها معرفة المزيد من أسرار الكارثة بسبب الستار الحديدي الذي كان السوفييت يضربونه حول بلادهم، ويبدو أنهم من فرط ما تعودوا على ذلك  يواصلون النهج نفسه مع بعض التحسينات الشكلية، وأدى انفجار مفاعل تشرنوبيل إلى كارثة بيئية في كل دول أوربا الوسطى وامتدت إلى كثير من دول أوربا الغربية والدول الاسكندنافية، وعلى الرغم من أن الحديث في الجانب الفني للمفاعلات النووية يدخل في أدق الاختصاصات العلمية، إلا أن التقارير الصحفية لم تحدثنا عن تعديلات جوهرية أدخلتها موسكو على مفاعلاتها النووية سواء تلك التي تقيمها في الداخل أو تلك التي تبنيها في الخارج.
ما يعنينا بالدرجة الأساس أن التكنولوجيا النووية الروسية المُجَربَة بإخفاق مدوٍ، أقامت محطة نووية تحمل موروث تشرنوبيل على تخومنا وعلى مشارف مدن الخليج العربي وهي محطة بو شهر(أي مدينة العطر)، ولا أحد يدري أي عطر ينتظر سكان منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وعربستان، من عطر الكعكة الصفراء، فيما لو تكررت كارثة تشرنوبيل؟
 هل نكتفي بتقديم اعتذار روسي عن خطأ لن تتعهد موسكو بعدم تكراره في قابل الأيام؟ أم على العرب تحمل تبعات طموح إيراني مراهق ونزق يريد فرض نفسه بقوة الرعب والدب الروسي الذي ما زال يحلم بالمياه الدافئة من عهد كاترين حتى الآن.
إيران أخفقت في تجربتها بفرض نفسها على الشارع العربي بقوة الحجة، أو بتأجيج نار الفتن الدينية والطائفية ولم تسعفها في توسيع دائرة انتشارها، لأبعد من حدود ضواحي طهران الشمالية حيث حسينية جمران،  أو فرض الولاء بقوة الفتوى وإغراء المال على مجندي الحرس الثوري، الذين يظهرون الولاء المطلق للولي الفقيه، ويضمرون البحث عن مصدر مضمون لرزق مع سلطة مطلقة، في شارع يمور بغضب عليها قد ينفجر في كل لحظة، وتحاول تعويض اخفاقاتها بمغامرات طائشة مع أكبر قدر من الإثارة.
من مفارقات التزامن بين القرار الروسي بتشغيل محطة بو شهر النووية، أنه أتى بعد الكارثة النووية في اليابان والتي نجمت عن تسونامي  تموز الماضي، وأدت إلى إلحاق أضرار كبيرة بمحطة فوكوشيما النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، مما أدى إلى اتخاذ قرارات لافتة في عدد من الدول التي تحترم شعوبها والبيئة، لتجميد العمل بخطط سابقة للتوسع في استخدامات الطاقة النووية في انتاج الطاقة الكهربائية، جاء القرار الروسي مستخفا بقيمة الإنسان في المنطقة،  وكأن ذلك رسالة تحدٍ لا تخطأ عين المراقب عن التقاطها، لأن روسيا بحاجة إلى الأموال اللازمة لبناء اقتصاد يعاني من صعوبات الحقبة السوفيتية، ويتبع سياسة تصدير مستنسخة عنها، في مجالات التسليح والحلقات المتممة لها والمساعدة عليها، لان روسيا ما تزال تعيش عقدة تخلف سلعها الصناعية للأغراض المدنية عن مثيلاتها الأمريكية والأوربية واليابانية والكورية الجنوبية، وحتى الصينية والهندية.
من يعرف مخاطر الطاقة الذرية، ويصر على امتلاكها لا بد أن تكون له أهداف أخرى غير الأغراض السلمية، وخاصة إسرائيل التي مضت في هذا الخيار منذ أكثر من نصف قرن، وإيران التي تعاقد الشاه على عشرين مفاعلا نوويا، ثمانية أمريكية وستة من فرنسا وستة من ألمانيا، ولكن سقوط الشاه، عرقل البرنامج النووي الذي أراده الشاه لنفس الغرض الذي يصر عليه الولي الفقيه، وهو استخدام لغة التهديد والابتزاز لمن يرفض المجيء لتقديم فروض الطاعة والولاء راكعا في قصر نياوران أو في جمران.
إيران ترسل أسطولا إلى خليج المكسيك كرسالة لدول المنطقة وليس للولايات المتحدة
افتتاح محطة (تشرنوبيل الجديدة) في مدينة بوشهر، أثار ردود فعل متباينة، إقليميا ودوليا، والروس أعطوا تعهدات بأنهم سيشرفون على أخذ فضلات الوقود النووي ويعيدونها إلى روسيا، مما يعطي ضمانات بعدم توظيفها من قبل إيران في أغراض عسكرية، وعلى الرغم من أن هذا الموقف لا قيمة له من الناحيتين، الأمنية التي قد يعرضها وجود المفاعل على مقتربات المدن العربية الكثيرة والمزدحمة بالسكان في حال تعرضه لأي خطر محتمل، والقريبة من خزان النفط الاستراتيجي في العالم، ومن جانب آخر فإن هذه المحطة ستنقل الخبرة لمئات العاملين الإيرانيين فيها، بمختلف اختصاصات علوم الذرة والفيزياء النووية، وفي كلا الحالتين فإن روسيا كما فعلت فرنسا في الماضي تقدم لواحد من ألد أعداء العرب سلاحا لتهديدهم وابتزازهم به، وكي تكتمل الصورة فإن إيران أعلنت على لسان رئيس لجنة الطاقة الذرية فيها، عن تشغيل وحدة جديدة لتخصيب اليورانيوم وبدرجة تزيد على العشرين بالمئة، مما أثار قلقا مشروعا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشكوكا حول نوايا إيران الحقيقية من كل هذا الجهد المنسق في برنامجها النووي المثير للجدل.
وكي تستكمل إيران صورة المشهد السياسي والعسكري الذي تريد به توجيه رسالة لدول منطقة الخليج العربي خاصة، أعلنت عن أرسال قطع بحرية إلى خليج المكسيك، وكأن هذه الخطوة رد على وجود القوات البحرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، ومع أن هذه المقارنة تبدو في غاية السذاجة، إلا أن إيران وهي تعي ضآلة قوة أسطولها البحري مقارنة بقوة الأساطيل الأمريكية، ومع أنها تعرف جيدا أن إرسال هذه القطع فيما لو تم فعلا، فلن يعرضها لأي خطر جدي لا من جانب البحرية الأمريكية ولا غيرها، باستثناء ما يمكن أن تتعرض له من عوارض طبيعية، فإنها تريد أن تقول للعرب بشكل خاص والذين لم يرضخوا حتى الآن لكل وسائل الحشد الذي تحركه ضدهم في العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، أنها باتت تناطح أكبر قوة بحرية عرفتها البشرية حتى اليوم، وبالتالي فإن من يفعل ذلك فإنه قادر على ترك أسباب القلق في حدودها القصوى، لدى من يظن نفسه قادرا على مواجهتها.
لو أراد ربك بالنملة صلاحا    لما أنبت لها جناحا
لم تكن فكرة ارسال القطع البحرية الإيرانية إلى خليج المكسيك لتأخذ هذا المدى، لو أن العالم تصرف مع إيران  بالطريقة التي تصرف معها العراق، حينما حاولت سلطة الولي الفقيه تجربة حظها الأول عام 1980 فقصفت المدن الحدودية العراقية، فما كان من العراق إلا أن رد بما يعيد لإيران حجمها الحقيقي، لقد أغرت حكمة العالم، مجانين إيران بالذهاب بعيدا في أوهام القوة، حتى تصوروا أن إرسال بارجتين إلى مياه البحر الأحمر، ومن قبل ذلك إرسال قطعتين عبر قناة السويس إلى المتوسط، وكأنها عملية جس نبض وبالونات اختبار لردود الفعل الإقليمية والدولية، ولما رأت أن أحدا لم تأخذه الرجفة من هذه التحركات، بدأت ترفع من سقف آمالها وطموحاتها إلى البحار البعيدة، ولا أحد يدري ما هو التحدي في أن ترسل دولة ما مثل إيران قطعا بحرية إلى بلد صديق هو فنزويلا، على مقربة من السواحل الجنوبية للولايات المتحدة؟ ولا أحد يدري إذا كانت إيران تحاول تحدي الولايات المتحدة في عقر دارها، فلماذا لا تفعل ذلك مع قطع أسطولها التي تجوب مياه الخليج العربي والمحيط الهندي؟
إن إيران أصغر بكثير من أن تتحدى أحدا له القوة على التصدي لها، فهل يصدق أحد أنها تقوم بكل هذه الاستعراضات لإخافة أمريكا، وهي التي اسقطت لها طائرة إير باص فوق الخليج العربي عالم 1988، ولم تفكر يوما بالرد، وحينما حاولت استعرض قوتها البحرية بزوارق السباق السريعة، رد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، بأن على إيران أن تعتبر ملف الطائرة قد أغلق من قبل الولايات المتحدة، وفعلا ومن يومها لم يسمع أحد بأن البحرية الإيرانية أغرقت قطعة بحرية أمريكية أو أسقطت طائرة مدنية أو عسكرية تابعة للولايات المتحدة ردا على اسقاط طائرة الأيرباص.  
فلماذا السفر بعيدا؟ والشيطان الأكبر على مرمى حجر لو كنتم صادقين؟
أمام كل هذه الصور، يبدو المشهد العربي منفردا في سلبيته تجاه ما يخطط له الأخرون، وهم في أحسن أحوالهم يتوزعون بين عدو مجاهر بعدواته بلا قناع أو حدود، ويريد اقتلاع الأمة من جذورها الثقافية والحضارية والدينية، وآخر لا يقل عن الأول في نواياه بشيء وإن كان يغلفها بود علني ويضمر أحقادا صنعتها قرون من ضياع الدور والفرصة التاريخية، ومواقف غامضة يسعى بها إلى إثارة أسباب الفتنة والانقسام في الصف العربي، كما كان يفعل على الدوام من وراء الستار، وتوزيعه على ولاءات متعددة تحت سيل جارف من الشعارات الزائفة  التي تريد تغيير اتجاه بوصلة الولاء من الوطن، إلى أصنام من طراز جديد لها نذورها الخاصة وطقوس التعبد في محرابها.
أعداء الأمة يبنون قوتهم العسكرية والاقتصادية، ويوجهون رسائل ردع للعرب وخاصة منطقة الجزيرة والخليج العربي، عبر ممارسات أقل ما يقال فيها أنها ساذجة إلى حدود بعيدة، ولكنها تحقق كثيرا من أهدافها، لأن صبر العرب محدود جدا، بعد حرب الأيام الستة في عام 1967 أجاب موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك عن سؤال حول أسباب النصر الإسرائيلي والهزيمة التي مني بها العرب في تلك الحرب الخاطفة، قال بالحرف الواحد لقد قاتل معنا الجنرال ملل، وكان يقصد بذلك أن العرب يريدون تحقيق نتائج برامجهم في حالة السلام بسرعة ولا يمتلكون المطاولة والصبر في الحروب، بل يصابون باليأس فيقبلون من دون تحفظ على السلام الذي هو تعبير مجازي عن استسلام فرضه نصر للعدو، وفي مكان آخر أجاب دايان عن أسباب كشفه أسرار خطة العمليات الحربية في سيناء أثناء حرب الأيام الستة، منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حينما حدد في تصريحات صحفية آنذاك، محاور التقدم باتجاه المضائق وخطة الوصول إلى قناة السويس، قال بأنه لا يخشى من ذلك لأن العرب لا يقرأون وإذا ما قرأوا فسرعان ما ينسون.
 فكيف تتعزز معرفتنا بأعدائنا وكيف نستطيع الفرز بين العدو والصديق، تلك قضية مهمة جدا، ولكن العدو التاريخي لن يتحول إلى صديق تاريخي على الإطلاق.
 أما الإيرانيون فكأنهم يقتفون خطوات إسرائيل في تعاملها مع العرب، ويريدون رفع معنويات أتباعهم الذين قضم الزمن من جرفها الكثير، عبر هذه الممارسات التي تحفل كثيرا بمفردات صناعة السينما الأمريكية، لأنهم توصلوا إلى قناعة مطلقة أن نصف النصر يتحقق بالهزيمة النفسية للطرف الآخر.
 لقد دخلت الثورة الإسلامية في إيران في نفق مظلم، وواجهت مفترق طرق شائك وعسير، والتبست أفكارها على المخدوعين بشعاراتها وبريق أيامها الأولى، وفقدت رصيدها داخل إيران نفسها وأكلت الثورة أبناءها تباعا، وربما أعطت كل هذه المؤشرات، خصوم المشروع الإيراني الإقليمي الذي يريد تحقيق أهدافه بهروب بعيد جدا، بحيث يصل إلى شواطئ خليج المكسيك، أسلحة قوية من أجل تفكيك خططه تمهيدا لنسف مرتكزاته الثقافية والسياسية والمذهبية، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة نواياه وقدراته ورصيده الحقيقي والمعلن، مع قدرة على الفرز السليم.
إن التهيؤ لمثل هذه المعركة الحضارية التي ساحاتها الفكر والسياسة والبرامج الاقتصادية الناجحة والإعلام، يتطلب توفير مستلزماتها المادية والبشرية، اعتمادا على النفس والامكانات الذاتية، ومن المؤكد أن أي بلد ثري يجب أن يكون قويا كي يحافظ على ثروته لأن الطامعين بها كثر، وخاصة في منطقة تسعى قوى إقليمية مثل إيران وإسرائيل إلى مزاحمة العرب في ثروتهم بل وإزاحتهم عن حق التصرف بها، إما بإبقائهم ضعفاء إلى الأبد، وإما بتمزيق أوصال اتفاقية سايكس بيكو، بخطة أكثر دهاء من سابقتها بحيث تصبح معها الاتفاقية القديمة مجرد حلم جميل يراود البعض للعودة إليه عندما تشتد عليهم وطأة الظروف القادمة من جهتي الشرق حيث إيران تحلم بإمبراطوريتها الغابرة، والغرب حيث إسرائيل تحلم بدولتها من النيل إلى الفرات.

هناك تعليق واحد:

Anonymous يقول...

متى يفهمون المخدوعين بايران ان ايران واسرائيل وجهان لعملة واحدة

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..