مم يخاف ديك تشيني؟ ولماذا؟ وماهي ردود فعله بإزاء ذلك الخوف الذي يتملَّكه؟
هذا ماستقرأونه في هذه المقالة، التي ينبغي على الحقوقيين العراقيين بشكل خاص، والعرب عامة، قراءتها وتفعيل مضامينها.
ديك تشيني: لماذا أنت خائف؟
آريال دورفمان*
يخاف ديك تشيني اليوم من مصير «بينوشيه»..
لا أختلق شيئاً: لا الخبر ولا التعبير عنه. لقد أخبرني رئيس الأركان في عهد كولن باول الجنرال لورنس ولكرسون بالأمر شخصياً، وهو من استخدم كلمة «بينوشيه» تيمناً بالدكتاتور التشيلي السابق، ليكشف عن ان تشيني لا يغادر البلاد مخافة أن يعتقل بتهمة ارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية، ويلقى المصير الذي واجهه بينوشيه قبله.
وما يؤرق نوم نائب الرئيس السابق (وما ينبغي له أن يفعل كذلك مع الرئيس جورج بوش) هي فكرة أن يكون ذات صباح مستلذاً في شرب الكابوتشينو في أحد مقاهي باريس أو يتنزه على طول مسار نهر التايمز أو يتأمل أحد لوحات بيكاسو في متحف الملكة صوفيا في مدريد (هل سيعترف فقط في غزوه للعراق؟)، عندما سيضع أحدهم يده على كتفه ويدعوه إلى مرافقته إلى أقرب مركز للشرطة. طبيعي هنا أن يرافق المشهد أكبر قدر من المجاملة.
هناك لن يضرب أحد تشيني ولن يخطر في بال مخلوق أن يخضعه للتعذيب في غوانتانامو لانتزاع اعترافاته، وبطبيعة الحال لن يقول له احد «إن لم يكن لديك ما تخفيه، فلا داعيَ للخوف».
سيأخذ المحققون بصماته، وفقاً للإجراءات المتبعة، ثم سيمثل امام القاضي حسب القانون الدولي، وتوجَه إليه تهم الضلوع في اعمال تعذيب يعاقب عليها القانون الدولي. أما لاحقاً، فسيحظى تشيني، عكس ضحاياه، بإمكانية ان يدافع عنه محامون يستطيعون الطعن في حجج متهميه.
وتجنباً لهذا الكابوس، لا يغادر تشيني بطبيعة الحال حدود بلاده، ولا يغامر بمصيره، إلا لزيارة اليمن او البحرين، اللتين لم توقعا على معاهدات تدين التعذيب. ولكن كل ذلك، لا يمنع تشيني من أن يكون غارقاً في الخزي والعار.
هذا الخزي يلحق للأسف كذلك بالبلد الذي ولد فيه تشيني، والذي يقدّم له اليوم الملجأ والفرصة للإفلات من العقاب. فبمعارضتها لأي تحقيق (ناهيك عن الإجراءات القانونية) يطال أعضاء الحكومة في عهد بوش المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تؤكد الولايات المتحدة للعالم أجمع أنها لا تحترم لا المعاهدات التي وقعتها، ولا حتى قوانينها الخاصة. هي تعترف أيضاً بأن بعض مواطنيها، الأكثر نفوذاً، هم فوق القانون، وتعلن انضمامها إلى قائمة الدول التي تخضع أسراها للتعذيب والإذلال وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
بتصرفها هذا، تتنكر أميركا لحقيقة أنها كانت يوماً أرض لينكولن، كما للتاريخ النضالي الطويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة التي شاركت هي نفسها في وضع مسودتها بعد الحرب العالمية الثانية. إنها بلد يصفق لمحاكمة مبارك في مصر ويستاء من التعذيب في ليبيا ويندّد بالمجازر في سوريا، لكنه غير مستعد لمحاسبة نخبه الخاصة.
سواء حوسب تشيني داخل حدود بلاده، وسواء حكمت هيئة المحلفين ببراءته أم لم تحكم، سيكون من غير الأخلاقي «عدم القيام بكل ما هو مطلوب» (حتى التعذيب) بهدف «حماية البلاد من هجمات مماثلة لـ11 أيلول»، لا بد من استجواب علني ومن تحقيق مستمر بحق تشيني وأمثاله لحماية أمن أميركا، وفي حال العكس فإن سلام البلاد يصبح مهدّداً بعد أن تتدهور صورتها في الخارج وتزيد الأحقاد عليها التي تشجع المتعصبين الجهاديين على شن هجمات إرهابيّة جديدة.
ديكتاتور تشيلي، أوغستو بينوشيه، في آخر أيامه |
وما يؤرق نوم نائب الرئيس السابق (وما ينبغي له أن يفعل كذلك مع الرئيس جورج بوش) هي فكرة أن يكون ذات صباح مستلذاً في شرب الكابوتشينو في أحد مقاهي باريس أو يتنزه على طول مسار نهر التايمز أو يتأمل أحد لوحات بيكاسو في متحف الملكة صوفيا في مدريد (هل سيعترف فقط في غزوه للعراق؟)، عندما سيضع أحدهم يده على كتفه ويدعوه إلى مرافقته إلى أقرب مركز للشرطة. طبيعي هنا أن يرافق المشهد أكبر قدر من المجاملة.
هناك لن يضرب أحد تشيني ولن يخطر في بال مخلوق أن يخضعه للتعذيب في غوانتانامو لانتزاع اعترافاته، وبطبيعة الحال لن يقول له احد «إن لم يكن لديك ما تخفيه، فلا داعيَ للخوف».
سيأخذ المحققون بصماته، وفقاً للإجراءات المتبعة، ثم سيمثل امام القاضي حسب القانون الدولي، وتوجَه إليه تهم الضلوع في اعمال تعذيب يعاقب عليها القانون الدولي. أما لاحقاً، فسيحظى تشيني، عكس ضحاياه، بإمكانية ان يدافع عنه محامون يستطيعون الطعن في حجج متهميه.
وتجنباً لهذا الكابوس، لا يغادر تشيني بطبيعة الحال حدود بلاده، ولا يغامر بمصيره، إلا لزيارة اليمن او البحرين، اللتين لم توقعا على معاهدات تدين التعذيب. ولكن كل ذلك، لا يمنع تشيني من أن يكون غارقاً في الخزي والعار.
هذا الخزي يلحق للأسف كذلك بالبلد الذي ولد فيه تشيني، والذي يقدّم له اليوم الملجأ والفرصة للإفلات من العقاب. فبمعارضتها لأي تحقيق (ناهيك عن الإجراءات القانونية) يطال أعضاء الحكومة في عهد بوش المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تؤكد الولايات المتحدة للعالم أجمع أنها لا تحترم لا المعاهدات التي وقعتها، ولا حتى قوانينها الخاصة. هي تعترف أيضاً بأن بعض مواطنيها، الأكثر نفوذاً، هم فوق القانون، وتعلن انضمامها إلى قائمة الدول التي تخضع أسراها للتعذيب والإذلال وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
بتصرفها هذا، تتنكر أميركا لحقيقة أنها كانت يوماً أرض لينكولن، كما للتاريخ النضالي الطويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة التي شاركت هي نفسها في وضع مسودتها بعد الحرب العالمية الثانية. إنها بلد يصفق لمحاكمة مبارك في مصر ويستاء من التعذيب في ليبيا ويندّد بالمجازر في سوريا، لكنه غير مستعد لمحاسبة نخبه الخاصة.
سواء حوسب تشيني داخل حدود بلاده، وسواء حكمت هيئة المحلفين ببراءته أم لم تحكم، سيكون من غير الأخلاقي «عدم القيام بكل ما هو مطلوب» (حتى التعذيب) بهدف «حماية البلاد من هجمات مماثلة لـ11 أيلول»، لا بد من استجواب علني ومن تحقيق مستمر بحق تشيني وأمثاله لحماية أمن أميركا، وفي حال العكس فإن سلام البلاد يصبح مهدّداً بعد أن تتدهور صورتها في الخارج وتزيد الأحقاد عليها التي تشجع المتعصبين الجهاديين على شن هجمات إرهابيّة جديدة.
آريال دورفمان
ترجمة : هيفاء زعيتر
ترجمة : هيفاء زعيتر
ملاحظة:
نشر المقال هنا
* الكاتب:
روائي وكاتب وناشط في مجال حقوق الانسان، يحمل الجنسية الأميركية، وينتمي لأصول من الارجنتين وتشيلي، ولد في بوينس أيرس، عام 1942.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق