لعل هذا واحد من أهم الأسئلة التي تطرح اليوم في العراق وفي جواره العربي والإقليمي، بل وفي المحيط العالمي.
فبعد أن سيطر الحزبان الكرديان العميلان على شمال العراق، وعلى العراق كله، بات من الحتمي أن يعلن أولئك الساسة الذين ارتضوا المتاجرة بالشعب الكردي طيلة عقود انفصالهم عن الوطن، العراق.
في هذا الاطار يكتب الاستاذ مثنى عبدالله، مقالته في صحيفة القدس العربي، التي يسرنا إعادة نشرها وتقديمها لقرائنا الكرام.
مصطفى
..........
أينفصل الأكراد بعد أن بات العراق كله دولة كردية؟
يقينا أن العراقيين كانوا سيبتهجون كثيرا لو شاهدوا عبر شاشات التلفاز ان جميع اعضاء الوفد العراقي المشارك في أجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة من القومية الكردية، ولكن ليس في الظرف الراهن كما الذي حصل قبل أيام. فلقد كانوا يأملون أن يتحقق ذلك من صميم قلوبهم، بعد أن خبروا الاكراد وطيبتهم ونقاء سريرتهم على مدى عقود طويلة من الزمن. وفوق كل ذلك فهم مواطنون في بلدهم لهم ما للآخرين وعليهم ماعليهم. ولهم الحق في تسلم أي منصب في الدولة العراقية. فليس هنالك شيء أسعد من أن يتم الوفاق والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد، وأن تذهب جهود الجميع لبناء الوطن والنهوض به، وأعلاء شانه بين الامم من خلال صورة صادقة تمثل الوحدة الوطنية لكل الذين يعيشون على ثراه.
فلقد أنتظر العراقييون طويلا نزول قادة الاحزاب الكردية وميليشياتهم من جبال العراق، وكانوا يحلمون دوما أن يفك هؤلاء أسر الشعب الكردي الذي صادروا خياراته في الحياة الحرة الكريمة على مدى عقود من الزمن، وتاجروا بالامه كي يبنوا على مأساته أمبراطورياتهم المالية وأقطاعياتهم السياسية، وعلاقاتهم المشبوهة وغير المشبوهة مع هذا الطرف الدولي أو ذاك الاقليمي، وأختاروا أن يكونوا حصانا يمتطيه أي صاحب غرض سيء يريد الشر بالعراق وأهله، وأعطوا الدليل الواضح على توجهاتهم تلك في أشهارعصيانهم المسلح في كل الازمنة السياسية التي مرت على العراق، فلو أنتفضوا ضد نظام واحد أو أثنين لقلنا نعم يمكن أن يكون ذلك النظام قد صادر حقوقهم، لكن رفع السلاح بوجه كل الانظمة التي مرت على العراق ملكية وجمهورية، يسارية وقومــــية وأسلامـــية، قد أسقط الحجة من بين أيديهم، لانه لايعقل أن يكون الجميع بنفس التوجــــهات ضـــد الاكــــراد، لان تلك الانظمة الســــياسية كانت تمـــثل أحـــزابا جماهيرية ذات قواعد عراقية عريضة، مما يعني أن قطاعات واسعة من أبناء الشعب العراقي كانت مع أضطهاد الاكراد، وهذا شيء من المحال لأن المجتمع العراقي لم يعرف على مدى تاريخه الطويل أي تمييز بين أفراده على أسس لاوطنية، بل أن بعض مظاهر قوة وحدته الوطنية كانت تؤشر الى صور غريبة حقا.
ففي العاصمة بغداد كان هنالك حي للاكراد في منطقة أســــكان غربي بغداد تقطنه عوائل المقاتلين الاكراد الذين القوا سلاحهم وتصالحوا مع الدولة العراقية في بداية ستينيات القرن المنصرم، بينما لايفصله سوى زقاق ضيق عن حي أخر يسمى حي شهداء الشرطــة الذي تقطنه عوائل افراد جهاز الشرطة العراقية الذين كانوا يعملون في مديريات ومراكز المنطقة الشمالية، وقتلوا على أيدي ميليشيات البيشمركه الكردية المسلحة أنذاك.
وطيلة عقود من الزمن لم يسجل أي حادث فعل أو رد فعل بين الطرفين أطلاقا، على الرغم من أن أبناءهم كانوا يدرسون معا في مدارس ذلك الحي، وتختلط عوائلهم يوميا في الاسواق ومرافق المنطقة الاخرى. كما أن أحياء باب الشيخ وشارع النضال والثورة وغيرها الكثير من التي تسكنها العوائل الكردية كانت شاهد أثبات على الروح الوطنية العليا التي تعتمر في نفوس العراقيين ودليل
واضح على متانة الاخوة.
أن المقارنة بين حالة السخط والنقمة على المستوى الشعبي التي أثارتها صورة الوفد العراقي المشارك في أجتماعات الامم المتحدة مؤخرا، والمؤلف من قادة وزعماء الحزبين الكرديين فقط دون غيرهم، وبين صورة الرضا والاحترام الشعبي التي كانت تحيط بالزعماء السياسيين الاكراد، الذين تقلدوا مناصب وزارية وعسكرية عليا في الدولة العراقية في العهود الملكية والجمهورية التي مرت على العراق، أنما يشير الى حالة خلل بنيوي في التركيبة السياسية وليس خللا أجتماعيا محضا، لان السلوك السياسي هو من يحدد حالة الرفض والقبول لهذا الزعيم أو ذلك القائد. أما العامل الاجتماعي فيبقى دوره ثانويا وغير ذي تأثير حاسم حتى لو كان المجتمع قائم على أختلاط أثني ومذهبي.
وأذا نظرنا الى السلوك السياسي السابق واللاحق لقيادتي الحزبين الكرديين، يتضح بجلاء سبب ذلك الاعتراض الشعبي. فلقد صادروا جبال العراق لفترة زمنية طويلة، قاتلوا منها الجيش العراقي وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية، ومنعوا البناء والاعمار فيها كي لايتعزز وجود الدولة، كما قاتلوا حتى أبناء جلدتهم من الكرد البسطاء الذين كانوا يعملون في دوائر الدولة المدنية في تلك المنطقة كي يكسبوا قوت يومهم، وكانوا يغيروا على قراهم ويحرقوها ويهجرونهم منها.
وعندما نزلوا من تلك الجبال لم يكتفوا بمصادرة ثلاث محافظات عراقية تقطنها القومية الكردية، بل صادروا العراق كله من خلال أصدارهم خرائط موجودة فقط في مخيلتهم تتحدث عن حدود دولة كردستان كي يقضموا من هذه المحافظة أقضية ونواحي ومن الاخرى مدن وقرى حتى بتنا نسمع عن مناطق متنازع عليها تدخلها مليشيات البشمركة متى ما تشاء كي تنفذ سياسية الحزبين فيها.
ثم باتوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة العراقية وسياستها وأقتصادها وعلاقاتها الدولية والاقليمية، وينتقون من (الدستور) المقيت مايعجبهم من بنوده، ويلقون تحت أقدامهم كل ما لايتفق ومصالحهم، ويستقطعون من ميزانية الدولة نسبتهم المالية التي هي أكبر بكثير من ما مخصص ماليا للمحافظات الاخرى، مضافا اليها كل ثروات المنطقة الشمالية الطبيعية، والاموال المستحصلة من ضرائب الواردات اليها.
كل ذلك يجري دون أية رقابة مالية أو سياسية من أية سلطة عراقية. أما أشتراكهم في السلطة المركزية فتلك مفارقة أخرى تدلل على الخلل السياسي والاخلاقي الذي يمارسونه يوميا. فهم يشتركون في السلطتين التنفيذية والتشريعية بمراكز مؤثرة وحساسة تمثل العراق كله، لكن من يتبوأ منهم هذه المناصب يفقد شروط التأهل للمسؤولية العراقية العامة في أول أحتكاك بين مصالح قوميته والمصلحة الوطنية العليا للعراق، ويظهر على حقيقته قوميا متعصبا لايعترف بحقوق الاخرين أطلاقا.
فرئيس الجمهورية يصبح قوميا كرديا بمجرد أن حل في محافظات شمال العراق وأرتدى الزي الشعبي الكردي، ويطغي على كل تصريحاته الهم الكردي وكيف يجب أن يستعيد المناطق المتنازع عليها، كما طغى على خطابه في الامم المتحدة مؤخرا الهم الكردي دون الهم العراقي الاكبر. ويتبعه في هذا السلوك كل المسؤولين الاكراد الاخرين.
نعم كانت قيادة الحزبين الكرديين رأس الرمح في غزو العراق، ومن قبلها هيأت الارض التي كانت تسيطرعليها في شمال العراق ملاذا أمنا لاجتماعات فلول المخابرات الامريكية والغربية والصهيونية والايرانية للتحضير للاحتلال. وأذا كان لها من فضل في ذلك على أحد فهو على القاطنين في المنطقة الخضراء فقط، وليس على الشعب العراقي الذي ذاق الويلات والقتل والتهجير والمعاناة التي نقلته الى رأس قوائم الفساد العالمي والجهل والمرض والامية والهجرة، بينما (يتبرمك) رئيس الجمهورية بأموال العراقيين على الجرحى وعوائل القتلى من الجنود الامريكيين والبريطانيين، وعلى نفسه ووفده في المؤتمر الاخير بملايين الدولارات كي يتحدث في محفل أممي عن تجربة حكم شمال العراق التي يقودها مع شريكه في الحزب القومي الكردي الاخر، ويحرف معاناة الشعب العراقي عن حقيقتها كي يضفي الطابع الانساني والفعل الشجاع على عملية الغزو والمشاركين فيها فليس لاحد حق من كل المشاركين في العملية السياسية في الحديث باسم العراقيين، حتى أولائك المدعين بالوطنية فيها لأنهم منافقون وغير قادرين على الوقوف بوجه أطماع الحزبين الكرديين الذين صادروا العراق كله حتى بات دولة كردية.
أن الهياكل السياسية المفروضة بأرادات خارجية والتي لم تكن نتيجة تفاعلات حية بين مختلف أنماط النبض الاجتماعي للنسيج الوطني لاي شعب من الشعوب، لن تخلق حلولا أجتماعية وسياسية مقبولة بل تنتج عنها هياكل خشبية منخورة، وحلولا هلامية تظهر لها أذرع غير شرعية تمتد لتقظم كل ما يصب في مصلحة الجزء وليس الكل، وبالتالي يصبح تأسيس كل شيء قائم على أساس أني مرحلي.
ولقد صنع الامريكان هذا النموذج في العراق، ونجحت قيادة الحزبين الكرديين تماما في التعامل معه بدفع مباشر منهم ومن حلفاء أخرين لهم خاصة الاجهزة الامنية الصهيونية، التي دربتهم على كيفية التعامل مع العالم الخارجي بأصطناع مأساة خاصة بهم يلقونها على طاولات المحافل الدولية، كي يلقوا المساندة والدعم التي تمكنهم من الاستمرار في اللعبة، لذلك نجدهم اليوم قد تمسكوا بوزارة الخارجية العراقية ودسوا كل عناصرهم في كل البعثات الدبلوماسية العراقية في الخارج خاصة في أوروبا، كي يوثقوا علاقاتهم بالاخرين على حساب علاقات العراق الخارجية، التي نجدها باتت واضحة جدا في فتح العديد من الدول قنصليات لها في شمال العراق، بينما ليس لبعضهم مثلها في العاصمة بغداد.
لقد ترصع تاريخ العراق في شتى حقوله بأسماء كردية كانت جواهر لامعة في سمائه على المستوى السياسي والثقافي والعلمي وغيرها، ومثلته في المحافل الدولية شخصيات كردية لامعة دافعت عن حقوقه الوطنية، وأن شعبنا سيصفق طويلا أن مثل العراق من على منبر الامم المتحدة أو أي منبر أخر، كردي من أمثال أولئك الوطنيين الشرفاء، فلقد مثل الهند وزير خارجية من السيخ، وتقلد منصب رئيس الوزراء فيها سياسي من السيخ أيضا، وهم لايمثلون الا نسبة أثنان بالمائة من الشعب الهندي، وكذلك شعبنا بحاجة الى من يمثله تمثيلا وطنيا صادقا بعيدا عن الهويات الصغرى، وللاسف عناصر الحزبين الكرديين لايمثلون العراق وطنيا، بل وحتى لايحوزون على نسبة تمثيل عالية من أبناء قوميتهم أيضا.
د. مثنى عبدالله
هناك تعليقان (2):
جزيل الشكر على اعادة نشر المقالة فهي مقالة رائعة جدا مليئة بالقيم و الافكار الوطنية و فاضحة لخيانة الحزبين الكرديين و خدمتهم للاجنبي تحت شعارات كاذبة
نشكر كتاباتك الرائعة الحزبين الكرديين العميلين لم يستطيعو ان ينالو من العراق لولا تعاون الطائفيين من جماعة حزب الدعوة والمجلس الاوسخ اللا اسلامي نكاية بالوطنيين العراقيين الان يتذكرون ان الدستور فيه وهل من امة كتبت دستورها تحت الاحتلال وهل من دستور ليس فيه من مراجعة الا دستور العملاء الذين هدمو العراق
إرسال تعليق