موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 28 يوليو 2012

الفقه السياسي الإيراني المعاصر، في كتاب

صدر عن مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في القاهرة، قبل أيام، كتاب الفقه السياسي الإيراني المعاصر، قاموس المفاهيم والمصطلحات، في جزئه الأول، وهو أحدث نتاجات الأستاذ الدكتور عبدالستار الراوي.
هذا القاموس السياسي، الفكري، هو الأول في بابه وموضوعه، ويقع في ثلاثة أجزاء، يتناول الجزء الاول منه، الذي صدر مؤخراً، الفترة  بين عامي 1979- 1990، أما بقية الاجزاء التي تغطي المراحل السياسية اللاحقة فستظهر تباعا. 
أنجز الدكتور الراوي الجزء الأول من هذا القاموس خلال فترة عمله سفيراً لجمهورية العراق في طهران، بين العامين 2000 و 2003.


لقد جاء هذا الكتاب ليسدَّ فراغاً حقيقياً في المكتبة العربية، حيث أنجزه الباحث استناداً إلى خبرته الميدانية وعمقه الفلسفي، وبنظرة شمولية وتفصيلية، تصل ألى أدقِّ الأفكار والتحليلات والمفاهيم، متجرداً، لأعلى مدى، من نوازع الموقف الشخصي والإملاءات السياسية والعاطفية، سعياً إلى تكوين صورة للفكر الخميني الذي نشر على العالم تخلفه وظلامياته ودمويته وعنصريته.
مهم جداً أن أقدِّم للقراء الكرام تنويهاً عن الكتاب، وقبل ذلك، أقدم السطور التي حملت إهداء هذا القاموس..
أهدى الدكتور الراوي، كتابه 
إلى ذكرى الشهداء الأبرار
 حراس الأوطان وقناديل النور
الذين أضاؤوا ليالي الأمة الحالكات،
بالأمل والغد والنهضة.

ومن مقدمة الكتاب أقتبس النص التالي..


حفلت الثورة الإيرانية خلال العقد الأول (1979 - 1989) من تجربتها السياسية المفعمة بالأحداث الكبرى والصراعات المستديمة بين قواها ومراكز القرار في قيادتها، وما أنتجته تحت ظل الدولة الدينية من رؤى وافكار لا حصر لها من بينها:
-       شعارات كونية: أممية الثورة الإيرانية
-       تصدير نموذجها الثيوقراطي إلى العالم عن طريق العنف المسلح.
-  نداءات تحريضية تدعو إلى قلب أنظمة الحكم في أقطار الوطن العربي والعالم الإسلامي باسم المستضعفين ضد المستكبرين.
-       جعل رجل الدين الإيراني (الفقيه المرشد) وليّ أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كل هذا الحشد من الكلاميات النظرية والوقائع العملية يجعل الباحث أمام مهمة مركبة لا تخلو من معضلات جدية، وهو يحاول استقصاء تاريخ وأهداف أيديولوجية الثورة، أو يسعى إلى تدقيق مراميها والكشف عن أهدافها.
إذ لم يكد ينتهي حدث ما من أحداثها المتعاقبة حتى يليه حدث آخر أشد غرابة وأكثر عجبًا، فتتفجر قضية إثر قضية، وظاهرة تتلوها ظاهرة أخرى؛ مما يصعب معه متابعة تفاصيل مثل هذه الدراما الزاخرة بالوقائع والرؤى والاجتهادات، فيختلط الخطاب العاقل بالضجيج والقانون بالفوضى؛ طبقًا لتعدد مراكز التوجيه وتنوع مصادر القرار، وتداخل المواقع والإدارات، عندها تضيق الرؤية، فيتعذر التمييز والفصل بين (الخاص) و(العام).
لعل المراجعة التقويمية لصفحات المشهد الإيراني في ظل ولاية الفيه والتعرف على فكر (الخميني) تتيحان للباحث والقارئ معًا فرصة معرفة المقدمات الأولية خلال العقد الأول من تاريخ الثورة الإيرانية ليدرك طبيعة النتائج التي انتهت إليها التجربة الدينية، فعقب مرور ثلاثين عامًا على حركة التغيير التي بدأت في الحادي عشر من من شباط – فبراير 1979 لا تزال الظاهرة الخمينية كقوة إقليمية ضاغطة على منطقة الخليج العربي، وتسعى عبر محمود نجاد إلى إحياء خطاب الحرب، واقتحام دول الجوار، والتدخل في شؤونها الداخلية، واستعادة تقاليد أيديولوجية الإرهاب الذي مارسته باسم الإسلام الثوري مرة، وتحت عباءة المستضعفين مرة أخرى طوال السنوات العشر الأولى من قيامها تحت شعار تصدير الثورة.
1-  لقد جاءت مواقف التأييد الجارف للثورة من كافة قوى الشعب الإيراني على اختلاف مواقعهم ونظرياتهم يسارًا و يمينًا طبقيًّا وقوميًّا، جاءت نتيجة تصور ذاتي من أصحاب تلك المواقف للثورة بوصفها تغييرًا لصالح عموم الإيرانيين بصرف النظر عن الجنس واللون والدين والمذهب.
أما هويتها الحقيقية فجاءت في المرتبة الثانية، لقد بنى كل مؤيد لها موقفه الذاتي للثورة، وليس على حقيقة ما هي عليه موضوعيًّا.
2-  أنجزت الحركة الجماهيرية أولى خطواتها بتعطيل فعالية الجيش الإمبراطوري وتحييده، الأمر الذي مكنها من إسقاط السلطة البهلوية بكاملها، هنا وفي هذه المرحلة بالذات تعاظم المد الشعبي، وكان صلبًا متماسكًا، ومعبرًا أيضًا عن عموم الأقوام والأديان، كان كل إيراني متعاطفًا مع التغيير الجديد بصرف النظر عن هويته الفكرية، فالمواطن في الشمال كما في شرق البلاد وغربها ... كان يجد في الثورة محط آماله وتجسيدًا لأحلامه، فراح يضفي عليها الكثير من تصوراته وأمانيه ... كلّ حسب معتقداته وقناعاته، وطبقًا للأيديولوجية التي يريد لها أن تنتصر، أو اعتبرها انتصرت في إيران أو انتصرت إيران بها.
3-  منذ البدء قفز رجال الدين إلى مقدمة الصفوف في محاولة استغلال العاطفة الشعبية المتفجرة والعمل على برمجة الاتجاه العام تجاه الأهداف الخبيئة، فعمدوا إلى تعبئة الشعب الإيراني في إطار نهضوي جماهيري سلمي ومسلح في آن معًا، في وجه تراكمات قرون من التسلط الإقطاعي الاقتصادي والعسكري، تنفذه سلطة مدنية في ظاهرها، قمعية في عمقها وحقيقتها: إنها سلطة الشاهات عبر العصور.
لكن السؤال الحقيقي هو كيف استطاعت الحركة الدينية احتواء قوى الشعب واستخدامها كأداة لإسقاط النظام الملكي وإنهاء العصر البهلوي؟!
4-    تمكنت الحركة من مواجهة العصا الإمبراطورية الغليظة بأسلوب جماهيري مر بثلاث مراحل متلاحقة:
المرحلة الأولى: تأزيم الأوضاع السياسية والاقتصادية عن طريق رفض شعبي لكافة أشكال السلطة وتحدّ يوميّ أدى إلى محاصرة النظام السياسي وتطويق مؤسساته العاملة، ومجابهة القوات الأمنية وجهًا لوجه، مما اضطر الشاه أن يلجأ إلى لعبة الكراسي الموسيقية، في محاولة تجميل شكل الحكومة واستبدال بعض الوجوه البغيضة بأخرى، ولم يجد محمد رضا وهو يتعثر في الزمن الضائع أيما فرصة مواتية لمعالجة التدهور الأمني في البلاد، كما لم يعد بوسع عقل الدولة القدرة على احتواء الأزمة التي اتسع مداها، وأصبحت كما النار الموقدة في الهشيم، امتدت ألسنتها إلى ما وراء أسوار المدن ومراكز المحافظات، فانتقل السخط الشعبي إلى البلدات الصغيرة وترددت أصداؤه في أرجاء البلاد، فاقتحم الصوت الغاضب الريف والقرى البعيدة .
المرحلة الثانية: رفع المشكلة إلى مستوى الأزمة العامة، فطرحت مصير النظام الإمبراطوري بكامله، وجعلت المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية غير قادرة على وقفها عند حدود، أو حتى التحاور معها بعد أن تحولت إلى ثورة شعبية عارمة.
المرحلة الثالثة: صعود الحركة الجماهيرية الثورية إلى مستوى الثقة بالنفس، جعلتها تتجسد في سلطة (الظل) يقف في مقدمة صفوفها رموز القوى الوطنية ... ثم الحكومة المؤقتة، والاتجاه نحو السلطة الإمبراطورية لتدميرها والإجهاز عليها، وإحلال سلطة الحركة الجماهيرية مكانها، وهذا هو الذي حصل فعلًا.
5-  في ظل الحماسة الشعبية التي انغمرت في شعارات التغيير الثوري لم يَجْرِ أي فصل أو تمييز بين القوى والأهداف، بين الإرادة العامة والتطلعات الحزبية والفئوية، اصطف الجميع كتلة واحدة، انتظم الجميع على خط البداية؛ لذلك كان (الخميني) هو الصوت والصدى، يمثل في تلك اللحظة الاتجاه العام الشامل الذي ضغط كل التيارات والقوى الفاعلة في المجتمع إلى نقطة أحادية النواة هي المؤسسة الدينية وحوزتها ورجل الدين القادم من المنفى. وسط هذا الضجيج العاطفي لم يدرك في لحظة الانتصار أيّ من القوى الاجتماعية والمنابر السياسية، لم يدرك أحد طبيعة التناقض بين لاهوتيات المؤسسة الدينية والأفكار والصيغ الوطنية الأخرى ... إلا بعد حين ... فقد كانت الشعارات التي ينادي بها رجال الدين توحي بقبولهم (التنوع) بكل ألوانه ودرجاته وملامحه ماركسيًّا، أم دينيًّا ... يسارًا ويمينًا، وهو ما جعل الصوت الشعبي الهادر الباحث عن العدل والمساواة والتكافؤ يأتلف مع المؤسسة الدينية ليجد نفسه تحت عباءة الخميني السحرية بوصفها الخيمة التي تتسع لعموم الأذواق والاتجاهات ...
6-  لكن سرعان ما تحولت الحوزة من مركز ديني إلى قيادة سياسية، استبدلت الآخرة بالدنيا، فانقلبت على عقبيها لتصبح سيدة البلاد والعباد، وهو ما كشفته يوميات الثورة عبر سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي أفضت في الأسابيع الأولى إلى المراجعة والنقد والتقويم ... ترتب عليها إعادة صياغة المواقف والأفكار والرؤى، .فيما برزت أولى النتائج المخيبة للآمال وهي استحواذ طبقة رجال الدين على الثورة وانتزاعها من حاضنتها الشعبية، بعد أن وضع المعممون اليد على مؤسسات الدولة ... بدأت تتشكل ملامح حكومة اللاهوت السياسي، وأيًّا كان عليه حجم ومستوى (آيات الله) ونضالهم فإنه لا يعد سببًا مقبولا لاختزال ثورة الشعب الإيراني وتراثه الوطني في دائرة الحوزة الضيقة.
7-  لم تكتف الطبقة اللاهوتية على الصعيد الداخلي بتحويل الثورة الشعبية إلى حركة (أيديولوجية) ذات بعد واحد، وإنما بدأت تسعى إلى ما وراء أفقها الجغرافي، وبدلا من أن تتكامل التجربة الجديدة أو تتفاعل مع الأقطار العربية ومع القوى الإقليمية المجاورة في الخليج العربي، فإنها باشرت إلى الاصطدام بالعراق بعد أن حاولت (تصدير) نموذجها الأيديولوجي إليه، وهو ما عجل في الكشف عن نوايا وأهداف الولاية الفتية التي لم يمض على قيامها أكثر من ثمانية عشر شهرًا ... عندما قفزت على الواقع الإقليمي والدولي ففاجئت العالم بشعار تصدير ثورتها إلى شعوب العالم وتصميم قادتها على إسقاط الأنظمة والتجارب السياسية في الدائرتين الإقليمية والعالمية، وأنها باشرت إعداد جيش الثورة العالمية قوامه عشرون مليون مقاتل ... لتحرير الفقراء والشعوب ... وبموجب هذه العقيدة الكونية المدججة بالسلاح وبهذا الكم البشري الهائل اختار أن يخرج (الولاية) من إطار الدولة الوطنية إلى الدولة الكونية ... وهو بهذا المنهج الكوزموبوليتي يحرق كافة مراحل التطور التاريخي والإنساني، ولا يعنيه إلا تمكين حلمه الأيديولوجي ذي الطابع التوسعي الإمبراطوري، الذي يقضي بالحتم والضرورة القفز على الواقع والتخلي عن حقائق التاريخ والتجاهل المتعمد لقيم وتجارب الأمم. وبهذا المنطق اللاتاريخي فإن نقيضة الفقيه الإيراني الكبرى هي أنه جعل من الشعوب أهدافًا سياسية بوسعه (تحريرها) من طهران، بعد أن ينتزع جيش العشرين مليون أوطانها ... وجيش القدس هو واحد منها، الذي لمس العراقيون وجهه القبيح عقب العدوان الذي شنته الولايات المتحدة عام 1991، و دوره الدموي الوضيع أثناء وبعد الاحتلال الأمريكي المجرم، وهو يواصل سعيه المحموم عبر ذيوله ومريديه وعلى مدى السنوات السبع الفائتة، أن يجعل من العراق ولاية موالية (للمركزية الإيرانية) عن طريق تفكيك وحدة شعبه وتفتيت خارطته الوطنية، تنفيذًا لكلاميات الخميني ووصيته التي يحث فيها على اقتلاع رأس العراق ثأراً وانتقاماً بسبب السم الذي تجرعه جراء الهزيمة المرة التي مُنِيَ بها مشروع الولاية الأممية.
8-  طبقًا لمعطيات النصوص النظرية (الدستور، الخطب، النداءات)، والإجراءات العملية، فقد أظهر الواقع السياسي الإيراني عبر العقد الأول (1979 - 1989) بأن التجربة الدينية تنوء بجملة من الغايات والأهداف، تقع خارج حدود (الخصوصية المحلية)، وفي منأى عن (الممكنات) الذاتية والموضوعية في آن في ظل قيادة سياسية غير مدربة، وربما غير مستوعبة لطبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية من حولها.
إذْ لم يدرك القادة الدينيون على مدى السنوات العشر من تجربة (ولاية الفقيه) بأن ما يصلح لإيران من خيارات أيديولوجية أو تبني لنموذج سياسي محدد كفلسفة لنظامهما إنما هو شأن داخلي (خاص) بإيران وحدها لا يلزم أيًّا من الدول الأخرى اعتماده أو تَبَنِّيه؛ لأن لكل بلدٍ تجربته السياسية الخاصة به، وأن (الإملاء) الأيديولوجي أو اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لفرض نموذج سياسي بعينه هو أسلوب مرفوض، فضلا عن كونه لا يتوائم والتجربة التي تدعي الحرص على وحدة المسلمين؛ مما يضع الفكر الإيراني في دائرة الشبهات فضلا عن سقوطه في تناقضات لا حصر لها.
يقول الخميني خلال لقائه برجال الدين في قم بتاريخ 22 - 10-  1979: (إن هذا الحكم الذي قام لأول مرة في تاريخ إيران هو أول حكم لله في العالم، وإن مخالفة ولاية الفقيه تعتبر مخالفة لإرادة الله ومعاداة للإسلام).
فإذا كان فرض (ولاية الفقيه) كمنهج أيديولوجي حتمي مقرر سلفًا على الشعب الإيراني والقيام بإقصاء الأفكار والنظريات الأخرى قد تسبب في إحداث فجوة عميقة بين التجربة والشعب الإيراني، فكيف الحال إزاء الأقطار العربية والبلدان الإسلامية؟!
9-  فيما لم يكف قادة الولاية ومنذ ثلاثة عقود عن نداءاتهم الحركية والتحريضية على العنف الدموي لقلب أنظمة الحكم أو تغيير الأوضاع السياسية بالقوة المسلحة أو عبر الأحزاب الموالية للفقيه الإيراني تحت دعوى (الثورة الإسلامية العالمية) وهم يطالبون الشعوب الإسلامية كافة بالامتثال لتجربتهم الدينية والانقياد الكلي لولي أمر المسلمين الذي ورث مقامه الديني وسلطته الروحية بتفويض الإمام الغائب بوصفه النائب الحاضر عن إمام الزمان الغائب.
10-      ثمة خلط سياسي بين (الفقه الإيراني) بصيغته العاطفية العائمة، والمحددات الإقليمية والدولية، والذي أنتج أهدافًا ومهام (تجاوزية) –ذات طابع كلي، يعتمد تعميم الولاية ويفرضها على العالم كله، بوصفها رسالة كونية– أممية، تقضي الضرورة الحتمية تجاوز جغرافية الدولة الإيرانية إلى ما جاورها وما يليها من الدول والكيانات والأنظمة، وهو ما عبرت عنه بوضوح شديد السياسة الخارجية الإيرانية في مرحلتها الأولى (1979 - 1990) ثم أعادت طهران إحياء مشروعها التوسعي في عهد محمود أحمدي نجاد الذي يرى بأن وصية الخميني التي جرى إهمالها والتخلي عن جوهرها في عهد الرئيس خاتمي تلزمه هذه الوصية بتجديد العزم على المضي في طريق الولاية العالمية، حتى تعم أنوارها جهات الأرض الأربع، وقد واصل نجاد إعلاناته التحريضية والتعبوية عبر أدوات تصدير الثورة وتعميم فكرها عبر أحزابها الموالية لولاية الفقيه الإيرانية تحت الشعارات ذاتها التي رفعها الخميني عشية قيام تجربته السياسية اللاهوتية، ومن بينها:
أ‌-     تصدير الثورة.
ب‌-        الدعوة إلى اتحاد عموم مسلمي العالم تحت راية ولي الأمر (الولي الفقيه).
ت‌-        دعم الأحزاب السياسية الموالية لإسقاط الحكومات العربية والإسلامية .
ث‌-        اعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية أرض الوعد الإلهي، وقد عبرت هذه الشعارات عمليًّا عن هويتها الأيديولوجية بالتدخل الفاضح في الشأن العراقي، تزامن معه العدوان اليومي المسلح على القرى والقصبات والمدن العراقية المتاخمة للحدود الدولية بين البلدين، أعقبه إعلان (الحرب) ضد العراق التي بدأها الطرف الإيراني يوم 4 -9- 1980، فيما جاء الرد العراقي في 22 -9- 1980، ولم تكن الحرب في جوهرها الأيديولوجي ومعناها السياسي وكوارثها الانسانية  التي نزلت بالشعبين المسلميًْن إلا تطبيقيًّا عمليا  لماهية الفكر وحقيقة المرامي التي ينطوي عليها شعار (تصدير الثورة).

يتعذر استيعاب المشهد السياسي القائم أو فهم أيديولوجية إيران المركبة أوتمثل منهج وتجربة ولاية الفقيه، دون أن نتعرف عن قرب على هويتها السياسية ونحيط علمًا بماهية مشروعها (الأممي) وهي أمور تلزمنا أن نضع أمامنا وبين أيدينا أدوات البحث المنهجية التي من شأنها أن توفر لنا فرصة الوقوف على طبيعة عمل وآليات العقل السياسي في التجربة الإيرانية، ولتحقيق معرفة علمية ممكنة في هذا الامر،  كان يتعين علينا مراجعة الخطاب السياسي للثورة الايرانية وتتبع بداية مشروعها الايديولوجي، وفي ضوء ذلك إنبثقت  فكرة وضع قاموس بمصطلحات ومفاهيم الفقه السياسي  التي تعبر عن عقيدة الثورة وعن فلسفتها السياسية، وقد حاول كاتب هذه السطور في هذا الجزء الذي يتناول المرحلة الأولى من عمر التجربة الايرانية ، حاول الكاتب متابعة ورصد واستنباط مفردات وجزئيات الخطاب السياسي لقادة التجربة ومؤسسي الجمهورية الدينية على مدى عشر سنوات (1979 - 1989) .
يستطيع الباحث أن يزعم أن يكون بقدر الإمكان  منصفا وموضوعيا،  لم يَسْعَ في إعداد هذا العمل إلى إستعادة الظلال القاتمة لسنوات الحرب الطويلة بكل مآسيها وآلامها، وما تلاها من نتائج التدخلات المأساوية في الشأن العراقي والعربي؛ لذلك فإن الأساس الذي انطلق منه هذا العمل الموسوعي هو عرض الوقائع من خلال استنباط المفاهيم والمدركات وتحديد المصطلحات وتوصيف النداءات والشعارات، توكيدًا للمنهج العلمي النقدي، وإلتزاما بالموضوعية في تثبيت النصوص وتدقيق الوقائع، من غير إنحياز شخصي، أو هوى ذاتي، تعبيرًا عن إيمان الباحث بـ(ثقافة الحوار) بين أمة العرب والجار الإيراني، التي تلزمنا استقصاء دواعي التلاقي، وبيان أوجه الخلاف التي من شأنها أن تقيم أسسًا واقعية  تنهض على الفهم الواعي والمصالح  المتبادلة، والإفادة من استخلاص الوقائع والحقائق واستنباط الدروس العملية التي تجعلنا حريصين على بناء مستوى نموذجي لعلاقة سوية متكافئة قائمة على الاحترام المتكافئ، وإزالة أسباب التوتر ومعالجة الخلاف للوصول إلى تعايش مكين بين الأمة العربية والشعب الإيراني.
يبقى هذا العمل في كل الأحوال نصًّا أوليًّا .. بقدر ما ينشد الصواب فإنه أيضا يحتمل الخطأ.. وفي كلا الحالين  فإن كاتب السطور  يرحب بكل الآراء الجادة التي تسعى إلى التقويم والنقد، تهذيباً وتشذيباً ونقضاً... إيماناً بمبدأ حق النقد العلمي وتوكيداً لنسبية المعرفة الإنسانية.


هناك تعليق واحد:

أبويحيى العراقي يقول...

جهد علمي أكاديمي في خدمة قضايا الأمة و كشف النسيج الفكري لأعدائها تخطه من جديد أنامل أستاذنا سعادة السفير و الأستاذ الدكتور عبد الستار الراوي حفظه الله و أدام همته و نشاطه و عطائه. التحية موصولة لأستاذنا مصطفى كامل لجلب إنتباهنا لهذا الانجاز الثري و الهام و ما عرضه من مقدمة الكتاب و التي أحتوت العديد من الأفكار و المفاهيم الهامة لهذا الحدث الذي مر بتاريخ إيران و المنطقة في نهاية السبعينيات و بداية الثمانينيات من القرن الماضي و المسمى بالثورة الايرانية و التي أنتجت دولة دينية تبنت و طورت و عدلت المشروع الامبراطوري الايراني و نقلته إلى مستويات خطيرة بتناغم مع اهداف السياسية العالمية الأمريكية في مرحلتي الحرب الباردة و صدام الحضارات و التلاعب بالهويات.

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..