هذا مقال بالغ الأهمية، يعرض وقائع موثَّقة عن طبيعة العلاقات الايرانية مع الكيان الصهيوني.
تكمن أهمية هذا المقال، في الخبرة التي يحظى بها كاتبه، السيد سليمان الحكيم، من جهة، وما يتضمنه من وقائع تفصيلية دقيقة بعضها يُنشر لأول مرة، وخاصة يما يتعلق بالتنسيق الايراني الصهيوني لاستهداف المفاعل النووي العراقي في يونيو/ حزيران 1981.
إنه مقال يستحق أكثر من القراءة فعلاً.
مع الإشارة إلى اننا سبق ان نشرنا موضوعاً مهماً عن بعض جوانب هذه العلاقة، هنا.مصطفى
.........
.............
في السابع من حزيران 1981 انطلقت 12 طائرة حربية من قاعدة "أتزيون" الاسرائيلية لتنفذ العملية "أوبرا" وهدفها تدمير المفاعل النووي العراقي "أوزيراك" , وقد ورد في تقرير لوكالة "اسوشيتدبرس" يوم 1-2- 1982 أن اسرائيل قد استعانت في التخطيط لهذه العملية بصور وخرائط جوية قدمتها لها ايران في اجتماع عقد في باريس مطلع تلك السنة بين ضباط اسرائيليين وايرانيين, وقد شرح الإيرانيون خلاله أسباب إخفاق هجوم جوي سبق أن قام به سلاحهم الجوي في 30 ايلول 1980 على المفاعل العراقي, وأبلغوا الاسرائيليين كذلك بموافقة حكومتهم على السماح للطائرات الاسرائيلية في حال الاضطرار بالهبوط بمطار تبريز خلال العملية.
بعد ذلك بشهر واحد تقريباً تحطمت طائرة شحن أرجنتينية بالقرب من الحدود الروسية – التركية كانت تحمل أسلحة اسرائيلية لايران، وقد روى العقيد "اسحق سيغيف" – وهو آخر ملحق عسكري اسرائيلي بايران في عهد الشاه – في كتابه (المثلث الايراني) أن الموقف العسكري الإيراني في تلك الفترة كان يائساً أمام الجيش العراقي, فحاولت الحكومة الإيرانية أن تجس نبض الولايات المتحدة لتزويدها بالسلاح, وخطر لأحد مسؤوليها أن يستعين في هذا الشأن بتاجر السلاح السعودي "عدنان خاشقجي" الذي قال له أن الطريقة الوحيدة للاتصال بواشنطن تمرّ عبر اسرائيل, وعرض أن يقوم هو بالتوسط لصالح ايران بصفقة سلاح أميركي مشفوعة بتوصية اسرائيلية, وهو ما جرى فعلا بعد صدور موافقة "هاشمي رفسنجاني" ومعها رسالة مؤداها أن ايران لو انتصرت في هذه الحرب فلن تنسى أولئك الذين ساعدوها , وسوف يشهد موقف طهران من تل أبيب تغيراً جذريا. تكرر هذا المشهد في عام 1985 ولكن بشخصيات أخرى, فقد اجتمع "حسن كروبي" وهو أحد المقربين المؤتمنين من السيد "الخميني" في مدينة "هامبورغ" الألمانية مع "دافيد كيمحي" مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية, وورد في محضر ذلك الإجتماع الذي دام أربع ساعات قول "حسن كروبي" للإسرائيليين أن "هزيمة ايران في حربها مع العراق ستدفع بها إلى الفلك السوفييتي ما لم تتدخل الولايات المتحدة واسرائيل بحكمة", ثم طلب بعبارات لا لبس فيها الحصول على أسلحة أميركية واسرائيلية وبالذات صواريخ "تاو" المضادة للدروع , وبعد اجتماع ثانٍ بينهما في شهر تشرين أول في جنيف بدأت شحنات السلاح الاسرائيلي تتدفق على ايران, وبينما كانت اسرائيل تنتظر الإمتنان والعرفان فقد فوجئت بامتعاض الإيرانيين لأنهم اكتشفوا أن الصواريخ قد وصلت مطار طهران وهي تحمل شعار نجمة داود ! بل إن الأمر الذي يصعب على التصديق، ولكنه للأسف موثَّق، وقد ورد في لقاء تلفزيوني يوم 17-10 -2004 على لسان العقيد "اسحق سيغيف" وقد ذكر فيه أن واحداً من تلك الاجتماعات التي دامت طوال حقبة الثمانينات قد جرى عقده في أحد ضواحي تل أبيب في منزله, وكان من بين أعضاء الوفد الإيراني رجلي دين هما "آية الله اسكندري" والسيد "خليلي" , وقد اصطحبهما لزيارة الأماكن المقدسة بمدينة القدس , وأمام حائط البراق سألهما عما إذا كان "الخميني" يسعى حقا لاحتلال القدس, فردّ عليه أحدهما مبتسماً بأن ذلك هدف لن يسعى وراءه أحد مطلقا. وقد حاولت اسرائيل في تلك السنة أن تقوم بلعبة مزدوجة, ففي أثناء زيارة قام بها إلى بغداد "دونالد رامسفيلد" مبعوثاً من الرئيس الأميركي "ريغان" , حمل معه رسالة اسرائيلية لوزير الخارجية العراقي السيد "طارق عزيز" تتضمن عرضاً اسرائيلياً بمساعدة العراق في الحرب مع ايران, لكن الوزير العراقي رفض العرض ولم يقبل استلام تلك الرسالة. .......................... .......................... لم تختلف الصورة كثيراً عقب وفاة "الخميني" , فعلى سبيل المثال أصبح التنقل بين ايران واسرائيل في ولاية "خامنئي" سهلا وذلك عبر تركيا , وتضاعف استخدام الخطوط الهاتفية بينهما – وهي لم تُقطع أبدا – وباتت أكثر رخصاً, وفي عام 1989 صدّرت اسرائيل لايران معدات عسكرية ومواد كيماوية, واستأنفت شراء البترول الإيراني بسعر تفضيلي واستوردت سلعاً ايرانية , وقد حدث في عام 1998 أن استاء مزارعو الفستق بولاية كاليفورنيا الأميركية لأن الفستق الإيراني أغرق الأسواق الاسرائيلية على حسابهم، وفي دلالة لا تقبل التأويل أكد رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في تقريره السنوي عام 2008 أن ايران لا تمثل تهديداً لأن برنامجها العسكري يستهدف جيرانها المباشرين وليس اسرائيل. ........................ ........................ لم يحدث عبر تاريخ الدول – منذ أن عرفت الإنسانية نظام الدولة – أن توقفت دولة عند أخلاقية الوسائل التي تتبعها من أجل تحقيق غاياتها في تلبية مطالب أمنها وسعيها خلف الموارد و نشر النفوذ, وكانت الأديان والعقائد دائماً البرقع الذي يستر طموحات التوسع ونوايا الهيمنة, وعندما تصطدم العقيدة أو مباديء الدين مع مصلحة الدولة العليا فإن اعتبارات المصلحة العليا لها الأولوية دائما, فتلك هي طبائع الأشياء وحقائق الحياة, وليست ايران استثناءً من هذه القاعدة, فهي ليست مكرّسة لخدمة الاسلام والمذهب الشيعي, لكنها تسخّر الاسلام والمذهب الشيعي لخدمة نزعتها القومية, وقد تيقن الولي الفقيه كما الامبراطور محمد بهلوي قبله أنه لا يمكن لايران أن تحقق طموحاتها التوسعية في الخليج العربي وعلى شواطيء بحر قزوين وهي تقيم علاقة رسمية وقانونية مع اسرائيل, وفي ظني أن العلاقة بين ايران واسرائيل ستبقى محكومة بسرية التعاون وبالتنافس على النفوذ في الشرق الأوسط في وقت واحد خاصة بعد أن أصبحا قطبا القوة فيه بعد خروج مصر أولاً والعراق ثانياً من معادلة الصراع, وبانتظار نضوج تسوية دولية تقسّم النفوذ الاقليمي بينهما, فإن ايران واسرائيل لن تصلا يقينا إلى لحظة الصدام بالسلاح على الأقل بحكم الدهاء الفارسي المشهود له والذي لن يرتكب خطأً مدمرا لا يمكن إصلاحه. |
ملاحظة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق