موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

العلاقات الإيرانية - الاسرائيلية.. وقائع موثَّقة

هذا مقال بالغ الأهمية، يعرض وقائع موثَّقة عن طبيعة العلاقات الايرانية مع الكيان الصهيوني.
تكمن أهمية هذا المقال، في الخبرة التي يحظى بها كاتبه، السيد سليمان الحكيم، من جهة، وما يتضمنه من وقائع تفصيلية دقيقة بعضها يُنشر لأول مرة، وخاصة يما يتعلق بالتنسيق الايراني الصهيوني لاستهداف المفاعل النووي العراقي في يونيو/ حزيران 1981.


إنه مقال يستحق أكثر من القراءة فعلاً.
مع الإشارة إلى اننا سبق ان نشرنا موضوعاً مهماً عن بعض جوانب هذه العلاقة، هنا.

مصطفى
.........

العلاقات الإيرانية- الاسرائيلية 

سليمان الحكيم
ليس صحيحاً ما يقال عن علاقة اسرائيلية – ايرانية ترجع إلى ثلاثة آلاف عام وتعود إلى عهد الملك الفارسي "قورش" الذي هزم البابليين عام 539 ق.م. وأطلق اليهود من الأسر , فقد كانت تلك واقعة أنشأتها أحوال التوسع الامبراطوري الفارسي مع جماعة من العرق السامي تعتنق الديانة اليهودية , ولا علاقة لها بدولة اسرائيل التي تتكون من أعراق وأقوام متباينة جاؤوها من أصقاع الأرض وبالذات شعوب من وسط آسيا ومن شرق أوروبا كان أسلافهم قد اعتنقوا الديانة اليهودية , والشاهد أنه لا محل للحديث علمياً عن تاريخ وجذور لدولة اسرائيل التي ربطتها مع ايران علاقة أملتها مصالح سياسية ومطالب أمن لكل من الدولتين فضلا عن قواسم مشتركة أخرى تجمع بينهما تتلخص بما يلي :
إن ايران دولة مسلمة ذات قومية فارسية , وهي بحاجة لحليف غير عربي يتقاسم معها مصالح مشتركة وتحافظ به على التوازن في المنطقة , كذلك فإن نظرية الأمن القومي لاسرائيل تقوم على مبدأ إقامة تحالفات مع دول المحيط غير العربية وخاصة ايران وتركيا وأثيوبيا , ومع أقليات دينية وقومية مثل موارنة لبنان والأكراد .
- كلاهما محاط ببحر عربي تربطه بايران علاقة متوترة تاريخياً , وباسرائيل صراع وجود برغم كل أوهام السلام .
- يحكم الثقافة الايرانية والموروث اليهودي وهم التفوق على العرب , وفي واقع الأمر أن ايران قبلت الإسلام على نطاق واسع , لكنها حافظت على ملامحها العنصرية والثقافية بدون تغيير , ولازال الايرانيون يفخرون بأنهم على خلاف شعوب أخرى , قد نجحوا في مقاومة تعريب بلادهم .
- تدرك اسرائيل أن سلاماً دائماً مع العرب وهمٌ معلق على موازين القوى , كما استخلصت ايران من تجارب القرون الماضية أن استعادة مجدها الامبراطوري يصطدم قبل أي شيء بعوائق عربية تبدأ من الاختلاف الطائفي والعرقي ولا تنتهي عند صراع الإرادات وتباين المصالح الاقتصادية وتضاد مطالب السياسة والأمن .
- شعور الدولتين بالعزلة في محيطهما الجغرافي وإدراكهما بأن قوتهما الذاتية هي سبيل البقاء الوحيد أمامهما وهي أيضاً أداة توسعهما الاقليمي , فالسلاح النووي هو ضمانة اسرائيل الحقيقية وليس أية معاهدات أو تحالفات دولية , وتقول بذلك أيضاً تجربة ايران التاريخية مع القوى الدولية الكبرى وكذلك دروس حربها مع العراق .
- نشوء روابط اجتماعية متينة تغذي باستمرار العلاقة الايرانية – الاسرائيلية , ففي ايران توجد أكبر طائفة يهودية في الشرق الأوسط , وبفضلها أصبحت المخابرات الاسرائيلية هي الأقوى في المنطقة, كذلك يزيد عدد اليهود الايرانيين في اسرائيل عن المائتي ألف ينتمي بعضهم إلى النخبة السياسية والاقتصادية فيها, فكان منهم رئيس الدولة "موشيه قصاب" ومنهم وزير دفاع ورئيسين لأركان الجيش الاسرائيلي هما الجنرال "شاؤول موفاز" والجنرال "دان حالوتس" .
.......................
........................
اعترفت ايران في عهد حكومة الدكتور "محمد مصدق" باسرائيل عام 1951 كأمر واقع دون أن تعترف بها قانونيا , وظل الأمر كذلك طيلة عهد الشاه "محمد بهلوي" , برغم امتداد العلاقات بين البلدين إلى سائر المجالات الأمنية والاقتصادية والعسكرية, وبرغم أن قادة اسرائيل كانوا يزورون ايران بانتظام ويلتقون بالشاه , ولقد كان وزير الخارجية الاسرائيلي "موشيه دايان" عام 1978 أول من انتبه إلى عجز الشاه عن الصمود أمام قوى الثورة, وعقب فراره واستلام "شهبور بختيار" السلطة عرضت المخابرات الاسرائيلية عليه المعونة, فلم يجد ما يطلبه منها سوى "إسكات" الإمام الخميني الذي كان مقيماً وقتها في باريس, ولكن اسرائيل رفضت طلبه !
..........................
..........................
كانت فلسطين وثورتها وواجب تحريرها من المفردات الثابتة في خطاب الإمام الخميني ورجال الثورة الإيرانية منذ اليوم الأول لاستلامهم السلطة في ايران, وقد كان ذلك الخطاب زاعقاً إلى درجة أنه كاد يطغى وقتها على صوت أصحاب القضية الأصليين, ولكن حقائق الجغرافيا السياسية ومطالب السياسة والأمن لابد أن تفرض نفسها فوق أية عقيدة وقبل أية شعارات, وكذلك وعقب شهور قليلة من انفراد الخميني بالسلطة, عرضت اسرائيل على إيران إعادة دبابات أميركية الصنع كان الشاه قد شحنها إليها من أجل  تحديثها, وقد قبلت ايران هذا العرض.
أحمد كاشاني
وفي مستهل العام 1980 قام "أحمد كاشاني" النجل الأصغر لآية الله "أبو القاسم كاشاني" بزيارة اسرائيل, وكانت مهمته عقد صفقة شراء أسلحة وتنسيق التعاون معها ضد البرنامج النووي العراقي, وقد نجح "كاشاني" في عقد صفقة السلاح وزيادة عليها إطارات لطائرات الفانتوم الايرانية , وفي تلك الأثناء قام وزير الدفاع الإيراني "مصطفى شمران" بجسّ نبض الخميني حول شرعية تلك الصفقة, فسأله الإمام عما إذا كان ضرورياً التدقيق بمصدر الأسلحة عند القيام بشرائها , وأجابه الوزير بالنفي, فردّ عليه الخميني بهدوء "إذن نحن لا نبالي" ! وبعدها بأيام سمح الخميني لعدد كبير من يهود ايران بالهجرة .
تسبب إلحاح الخميني على تصدير ثورته إلى العالم العربي – وبخاصة العراق – باندلاع الحرب التي كانت منحنى توثقت به العلاقات الإيرانية مع اسرائيل وحتى مع الولايات المتحدة , إذ لم يكن بوسع الجيش الإيراني صدّ الجيش العراقي بدون تلك العلاقات التي قبعت في الظل تفادياً لتقويض مصداقية الوجه الإسلامي لايران, ولما كانت اسرائيل تخشى انتصاراً عراقياً حاسماً , فإنها لم تكتف بتسليح الجيش الإيراني وإنما سعت إلى تخفيف التوتر في العلاقات الأميركية – الإيرانية, فبعد مرور ثلاثة أيام على اكتساح القوات العراقية للأراضي الإيرانية قطع وزير الخارجية الاسرائيلي "دايان" زيارة كان يقوم بها للنمسا, وعقد مؤتمراً صحفياً حثّ فيه الولايات المتحدة على نسيان الماضي ومساعدة ايران عسكريا, برغم أن السفارة الأميركية وموظفيها كانوا مازالوا رهائن في أيدي الطلبة الإيرانيين, وقام السفير الإسرائيلي في واشنطن بمجهود مماثل مع إدارة الرئيس "كارتر" , ثم راح السلاح يترجم السياسة عملياً وذلك في اجتماع جرى في مدينة "زيورخ" السويسرية بين وفد عسكري اسرائيلي برئاسة العقيد "ايلي بن يوسف" و آخر ايراني برئاسة العقيد "زارابي" مدير المجمّع الصناعي العسكري, تم الاتفاق فيه على بيع أسلحة اسرائيلية لإيران وقيام ضباط اسرائيليين بتدريب عسكريين ايرانيين على تعديل الأسلحة الأميركية حتى تتلاءم مع قطع الغيار الإسرائيلية, وقد تواصل بيع السلاح الاسرائيلي لايران بعلم الإدارات الأميركية المتعاقبة وبموافقتها بطبيعة الحال, حتى بلغ حجم مشترياتها من السلاح الاسرائيلي ما بين عامي 1980 - 1983 80% من مجموع إنفاقها العسكري بما يساوي 500 مليون دولار سددت معظمها بشحنات من بترولها.
 .............
في السابع من حزيران 1981 انطلقت 12 طائرة حربية من قاعدة "أتزيون" الاسرائيلية لتنفذ العملية "أوبرا" وهدفها تدمير المفاعل النووي العراقي "أوزيراك" , وقد ورد في تقرير لوكالة "اسوشيتدبرس" يوم 1-2- 1982 أن اسرائيل قد استعانت في التخطيط لهذه العملية بصور وخرائط جوية قدمتها لها ايران في اجتماع عقد في باريس مطلع تلك السنة بين ضباط اسرائيليين وايرانيين, وقد شرح الإيرانيون خلاله أسباب إخفاق هجوم جوي سبق أن قام به سلاحهم الجوي في 30 ايلول 1980 على المفاعل العراقي, وأبلغوا الاسرائيليين كذلك بموافقة حكومتهم على السماح للطائرات الاسرائيلية في حال الاضطرار بالهبوط بمطار تبريز خلال العملية.
عدنان خاشقجي
بعد ذلك بشهر واحد تقريباً تحطمت طائرة شحن أرجنتينية بالقرب من الحدود الروسية – التركية كانت تحمل أسلحة اسرائيلية لايران،  وقد روى العقيد "اسحق سيغيف" – وهو آخر ملحق عسكري اسرائيلي بايران في عهد الشاه – في كتابه (المثلث الايراني) أن الموقف العسكري الإيراني في تلك الفترة كان يائساً أمام الجيش العراقي, فحاولت الحكومة الإيرانية أن تجس نبض الولايات المتحدة لتزويدها بالسلاح, وخطر لأحد مسؤوليها أن يستعين في هذا الشأن بتاجر السلاح السعودي "عدنان خاشقجي" الذي قال له أن الطريقة الوحيدة للاتصال بواشنطن تمرّ عبر اسرائيل, وعرض أن يقوم هو بالتوسط لصالح ايران بصفقة سلاح أميركي مشفوعة بتوصية اسرائيلية, وهو ما جرى فعلا بعد صدور موافقة "هاشمي رفسنجاني" ومعها رسالة مؤداها أن ايران لو انتصرت في هذه الحرب فلن تنسى أولئك الذين ساعدوها , وسوف يشهد موقف طهران من تل أبيب تغيراً جذريا.
تكرر هذا المشهد في عام 1985 ولكن بشخصيات أخرى, فقد اجتمع "حسن كروبي" وهو أحد المقربين المؤتمنين من السيد "الخميني" في مدينة "هامبورغ" الألمانية مع "دافيد كيمحي" مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية, وورد في محضر ذلك الإجتماع الذي دام أربع ساعات قول "حسن كروبي" للإسرائيليين أن "هزيمة ايران في حربها مع العراق ستدفع بها إلى الفلك السوفييتي ما لم تتدخل الولايات المتحدة واسرائيل بحكمة", ثم طلب بعبارات لا لبس فيها الحصول على أسلحة أميركية واسرائيلية وبالذات صواريخ "تاو" المضادة للدروع , وبعد اجتماع ثانٍ بينهما في شهر تشرين أول في جنيف بدأت شحنات السلاح الاسرائيلي تتدفق على ايران, وبينما كانت اسرائيل تنتظر الإمتنان والعرفان فقد فوجئت بامتعاض الإيرانيين لأنهم اكتشفوا أن الصواريخ قد وصلت مطار طهران وهي تحمل شعار نجمة داود ! بل إن الأمر الذي يصعب على التصديق، ولكنه للأسف موثَّق، وقد ورد في لقاء تلفزيوني يوم 17-10 -2004 على لسان العقيد "اسحق سيغيف" وقد ذكر فيه أن واحداً من تلك الاجتماعات التي دامت طوال حقبة الثمانينات قد جرى عقده في أحد ضواحي تل أبيب في منزله, وكان من بين أعضاء الوفد الإيراني رجلي دين هما "آية الله اسكندري" والسيد "خليلي" , وقد اصطحبهما لزيارة الأماكن المقدسة بمدينة القدس , وأمام حائط البراق سألهما عما إذا كان "الخميني" يسعى حقا لاحتلال القدس, فردّ عليه أحدهما مبتسماً بأن ذلك هدف لن يسعى وراءه أحد مطلقا.
وقد حاولت اسرائيل في تلك السنة أن تقوم بلعبة مزدوجة, ففي أثناء زيارة قام بها إلى بغداد "دونالد رامسفيلد" مبعوثاً من الرئيس الأميركي "ريغان" , حمل معه رسالة اسرائيلية لوزير الخارجية العراقي السيد "طارق عزيز" تتضمن عرضاً اسرائيلياً بمساعدة العراق في الحرب مع ايران, لكن الوزير العراقي رفض العرض ولم يقبل استلام تلك الرسالة.
..........................
..........................
لم تختلف الصورة كثيراً عقب وفاة "الخميني" , فعلى سبيل المثال أصبح التنقل بين ايران واسرائيل في ولاية "خامنئي" سهلا وذلك عبر تركيا , وتضاعف استخدام الخطوط الهاتفية بينهما – وهي لم تُقطع أبدا – وباتت أكثر رخصاً, وفي عام 1989 صدّرت اسرائيل لايران معدات عسكرية ومواد كيماوية, واستأنفت شراء البترول الإيراني بسعر تفضيلي واستوردت سلعاً ايرانية , وقد حدث في عام 1998 أن استاء مزارعو الفستق بولاية كاليفورنيا الأميركية لأن الفستق الإيراني أغرق الأسواق الاسرائيلية على حسابهم، وفي دلالة لا تقبل التأويل أكد رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في تقريره السنوي عام 2008 أن ايران لا تمثل تهديداً لأن برنامجها العسكري يستهدف جيرانها المباشرين وليس اسرائيل.
........................
........................
لم يحدث عبر تاريخ الدول – منذ أن عرفت الإنسانية نظام الدولة – أن توقفت دولة عند أخلاقية الوسائل التي تتبعها من أجل تحقيق غاياتها في تلبية مطالب أمنها وسعيها خلف الموارد و نشر النفوذ, وكانت الأديان والعقائد دائماً البرقع الذي يستر طموحات التوسع ونوايا الهيمنة, وعندما تصطدم العقيدة أو مباديء الدين مع مصلحة الدولة العليا فإن اعتبارات المصلحة العليا لها الأولوية دائما, فتلك هي طبائع الأشياء وحقائق الحياة, وليست ايران استثناءً من هذه القاعدة, فهي ليست مكرّسة لخدمة الاسلام والمذهب الشيعي, لكنها تسخّر الاسلام والمذهب الشيعي لخدمة نزعتها القومية, وقد تيقن الولي الفقيه كما الامبراطور محمد بهلوي قبله أنه لا يمكن لايران أن تحقق طموحاتها التوسعية في الخليج العربي وعلى شواطيء بحر قزوين وهي تقيم علاقة رسمية وقانونية مع اسرائيل, وفي ظني أن العلاقة بين ايران واسرائيل ستبقى محكومة بسرية التعاون وبالتنافس على النفوذ في الشرق الأوسط في وقت واحد خاصة بعد أن أصبحا قطبا القوة فيه بعد خروج مصر أولاً والعراق ثانياً من معادلة الصراع, وبانتظار نضوج تسوية دولية تقسّم النفوذ الاقليمي بينهما, فإن ايران واسرائيل لن تصلا يقينا إلى لحظة الصدام بالسلاح على الأقل بحكم الدهاء الفارسي المشهود له والذي لن يرتكب خطأً مدمرا لا يمكن إصلاحه.

ملاحظة:
نشر المقال على حلقتين هنا و هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..