موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 21 يوليو 2012

كيف يمكن للعرب التصدي لأحلام الفرس التوسعية؟

بعد أن تعافى، والحمد لله، من أزمة صحية عارضة ألمَّت به، كتب الأستاذ نزار السامرائي، هذه المقالة التي بعث بها إلينا مشكوراً عن ماينبغي على العرب، كأمة، القيام به في مواجهة الأحلام التوسعية الفارسية التي تسكن هواجس الحكام في إيران.. وخصوصاً في هذه المرحلة التاريخية المفصليية المهمة.
حمداً لله على سلامة الأستاذ السامرائي، وإليكم المقالة..

الوطن العربي في قلب الأعاصير السياسية والاضطرابات
دول العالم تتجه نحو إقامة تكتلات سياسية واقتصادية وعسكرية

نزار السامرائي
ليس كل إمبراطورية أو دولة استطاعت الخروج من داخل حدودخا الطبيعية، والتمدد على حساب أراض الغير، مما عرفه تاريخ الشعوب من دول فرضت حضورها على مجرى التاريخ، أو انطلقت عن تراكم فكري وثراء سياسي، كثر منها اعتمد على تنمية مبادئ الفروسية والتدريب العسكري دفاعا عن النفس بوجه محاولات القبائل الأخرى التي كانت تسعى لبسط هيمنتها على القبائل المجاورة، والسيطرة على المراعي ومصادر المياه، ولكنها حينما شعرت أن قوتها أصبحت أكثر من حاجتها للدفاع عن نفسها، انطلقت في تحريك جيوشها الجديدة في كل الاتجاهات، حتى إذا وجدت سدا مانعا توقفت عنده، ثم سرعان ما تبخرت موجوداتها وكأنها لم تلبت سوى لحظة قصيرة من عمر الزمن، ولعل في تجربة الإمبراطوريات التي أقامها كل من جنكيز خان وهولاكو وتيمورلنك، التجسيد العملي لهمجية القبائل التي لم تحسن إلا فنون القتال والفروسية، فحملت معها أسباب الدمار والخراب على كل أرض مرت فوقها أو على مقربة منها، وكما أن تلك الإمبراطوريات قفزت من المجهول في لمح البصر، فإنها غادرت مسرح الأحداث في زمن قياسي.
صحيح أن الصين واليابان والهند امتلكت في الماضي، عمقا حضاريا غنيا يمتد لما قبل ميلاد المسيح، إلا أن أيا منهما لم تحمل مشروعا إنسانيا أو توسعيا عابرا للحدود، مع أن نزوات التوسع مرت على خاطر قادتها في لحظات الشعور بتخمة القوة التي تسعى للتنفس خارج أراضيها، وهكذا يمكن الافتراض أن تلك الحضارات التي استندت على وجود دولة متماسكة، لم تنجح في أن تنشر ما عندها خارج حدودها، إما استئثارا بانجازاتها لنفسها، أو لعزوف الآخرين عن قبول فكرة التلاقح الحضاري بين الأمم والشعوب المنتمية إلى أعراق وديانات مختلفة، أو لتعقيدات تربتط بصعوبة اللغات الآسيوية.

 الصراع بين الحضارة والهمجية
وفي الوطن العربي وخصوصا في بلاد ما بين النهرين ومصر، نشأت البؤر الأولى لمجتمعات المدينة حول الأنهار، وما أفرزه الاستقرار والصراع معا، من إشعاع فكري وحضاري انتقل مع الوقت إلى سائر أرجاء المعمورة، واستطاعت دول المدن ومن ثم الدول المتوسعة في حدودها، الجمع بين الحضارة العميقة الجذور، وقيام الدولة الإمبراطورية الكبيرة التي ترامت أطرافها، متجاوزة الحدود الفاصلة بين الأمم القديمة، وعلى تخوم الوطن العربي عاشت أقوام همجية، لم تتمكن وربما لم ترغب، بالانتقال من حالة التخلف التي كانت عليها، ولم تستطيع الانتفاع من الفرصة المتاحة قريبا منها، وبدلا من التعاطي البنّاء مع انجازات الآخرين وبذل الجهد من أجل استيعابها، فإنها شنت غزوات متواصلة على تخوم الدول المجاورة لها، رغبة منها لمنع جيرانها من توظيف الانجازات التي حققوها في إرساء قواعد النهضة الاقتصادية والمعرفية، ولم ترغب أو لم تتمكن من الارتقاء إلى مستواها، وتجسد القبائل العيلامية المتخلفة والتي عاشت على التخوم الشرقية للعراق، هذا النمط من السلوك المرتد حضاريا.
وربما وضعت هذه الخصوصية الشاذة، الأساس الذي قامت عليه علاقات الإمبراطوريات والدول التي نشأت في المنطقة المحصورة من أفغانستان شرقا، إلى البحر المتوسط غربا، ومن جبال الأناضول شمالا، إلى البحر العربي ونقاط التقائه بالمحيط الهندي جنوبا، وتميزت هذه العلاقات بالنزاعات المسلحة والحروب المستمرة لعوامل ترتبط بالثروة أو اختلاف العرق والدين، على نحو يعكس حالة عدم الاستقرار، أكثر من أية منطقة أخرى في العالم، ما يصطلح عليه اليوم بصراع الحضارات، على الرغم من أن هذا الصراع كان على الدوام، قائما بين الحضارة وأدواتها الفكرية والعملية من جهة، والتخلف والهمجية من جهة أخرى.
ظلت منطقة الحدود الفاصلة بين بلاد فارس والوطن العربي، الأرض التي  دارت فوقها ومنذ القدم وحتى الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثماني سنوات، أكبر معارك التاريخ، ولم يتمكن المنتصرون من فرض شروط انتصارهم على المهزومين، الذين كانوا على الدوام يغيرون من أساليبهم، ويحيطون أنفسهم بأسيجة متتالية من التقية والخديعة والمناورة، انتظارا لفرصة يستردون فيها أنفاسهم لمعاودة الكرّة مجددا، وكانت معركة القادسية التي خاضها العرب وانتهت بانتصارهم في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب، المعركة الوحيدة التي اقتلعت الإمبراطورية الفارسية الساسانية من جذورها، وهي التي كانت تتقاسم مركز الاستقطاب الدولي، مع إمبراطورية الروم في العالم ذلك الوقت، عن خارطة الجغرافيا السياسية والتحقت بلاد فارس بالدولة العربية الفتية، وظلت هذه العقدة محركا لكل عوامل الكراهية، ونتيجة انتصار العرب، انتشر الإسلام شرقا حتى وصل مع الوقت إلى الصين، ولكن المنتصرين في تلك المعركة، أخفقوا إلى حدود بعيدة في دمج السكان المغلوبين في منظومة القيم الجديدة.
ومنذ ذلك الوقت بدأت صفحة الكيد للإسلام من داخله بعد انضمام أقوام شعروا بأنهم فعلوا ذلك على كراهة وبحد السيف، بعد أن تأكد الفشل في التصدي له وجها لوجه، ويبدو أن إظهار الإيمان وإخفاء عبادة النار، كان عاملا لإبقاء النار تحت الرماد بين المنتصرين والمغلوبين حتى اليوم، فالعجز عن مواجهة الدين الإسلامي سواء بقوة الحجة أو بقوة السلاح، هو الذي دفع بمنظومات صنع القرار في المجتمع الفارسي حينذاك، إلى الدخول في الإسلام والعمل على نخره من الداخل، ويمكن الاستدلال على ذلك، من أن معظم الحركات الباطنية، وحركات الزندقة والانحراف في الفكر الإسلامي، كانت قد نشأت وترعرت في بلاد فارس، متلقية لكل أشكال الدعم المالي والعسكري، من جانب كهنة معبد النار ورجال بلاط كسرى، وحاولت تلك الحركات أن تنتسب لعمليات التجديد الفكري في الإسلام أو تصوير نفسها على أنها حركات لفهم أعمق للرسالة الإسلامية، فدخلت على الإسلام ممارسات وطقوس فيها مزيج غير متجانس من اليهودية والزرادشتية والمسيحية، وخاصة ما يتعلق بمبدأ التوحيد الذي يعد الأساس الراسخ للإسلام، على الرغم من أن الإسلام كدين سماوي لا يخضع للتجديد في أصوله، وأن تلك الدعوة كانت قد انطلقت ولم يمض قرن على بداية نزول الوحي على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهل يصدق عاقل أن تلك الدعوة كانت تجديدية؟ أم أنها حركة تريد إدخال البدع والخرافات إلى الإسلام؟

 التاريخ يعيد نفسه
وحافظ خزين الكراهية لدى الحكومات التي تعاقبت على حكم إيران، على فعاليته في تحديد مواقفها من العرب عموما ومن العراق بوجه خاص، على شكل تدخلات رافقها استخدام للقوة في كثير من الأحيان، فجسد القرن العشرون، التقاء المصالح الاستراتيجية بين الدول الغربية التي كانت قد قطعت أشواطا بعيدة في بسط هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبين شاهات إيران المتعطشين لإعادة بناء إمبراطوريتهم القديمة مع تغيير خطابها السياسي والديني، فوق أراضي الوطن العربي، والأقاليم التي تعيش فوقها أقوام محدودة السكان، فقيرة حضاريا، لم يمر التاريخ عليها بل ظلت على هامشه قرونا طويلة، وكان لافتا أن الغرب الذي وضع الوطن العربي، على مشرحة التجزئة والتقسيم بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وشطر جزئه الآسيوي عن الأفريقي بمنح فلسطين لليهود بموجب وعد بلفور لإقامة (وطن قومي لهم)، فوق أرضها، كان وبخطط قوية، يدعم قيام دولة قوية أكثر مما ينبغي في بلاد فارس، والتي ستتجاوز لاحقا عقدة الاسم القديم والمثير لأسباب الضغينة، لتصبح دولة إيران الجديدة واجهة للتحديث والتواصل مع نتاجات التكنولوجيا، والتي ستضم أجزاء شاسعة من الأرض العربية من إقليم الأحواز، تفوق في مساحتها عدة أضعاف لمساحة فلسطين، وربما تحولت إيران وبدعم غربي إلى شافطة كبرى، لالتقاط سائبة الابل العربية (أراض وجزر)، كما حصل في الخديعة المشتركة التي تعرض لها لها الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة، فتم اعتقاله أثناء وليمة طعام على ظهر يخت الخديعة، وتم ضم الإمارة العربية إلى ممتلكات الدولة الآخذة بالتوسع بمباركة بريطانية خينما كانت الأخيرة في أقصى درجات الإغراء للتنقيب عن نفط مسجد سليمان الذي أصبح فيما بعد جزء من ممتلكات إيران، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تحولت جزر عربية كثيرة في الخليج العربي، إلى كرات تتقاذفها أرجل اللاعبين الدوليين والإقليميين، وفجأة وعبر التواطئات نفسها، تحولت مئات من الجزر العربية الكبيرة والصغيرة على طول الساحل الشرقي للخليج العربي، إلى ملكية إيران بعد أن تم تزوير شهادات الميلاد والمنشأ والانتماء، ولم يتوقف التواطؤ حتى عندما كانت بريطانيا مسؤولة أخلاقيا وقانونيا عن سلامة الأراضي الواقعة تحت احتلالها، وهو ما حصل عندما انسحبت بريطانيا من شرق السويس مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي، فأعطت لإيران الشاه شارة البدء في ضم ما تشاء من الجزر الأخرى، فكان احتلال الجزر العربية الثلاث أبرز أحداث تلك الحقبة القاتمة، ولكن شهية دركي الخليج، لم تتوقف عند هذا الحد، فقد ارتفعت في سماء الخليج العربي دعوات فارسية لضم البحرين إلى ممتلكات الإمبراطورية الفارسية استنادا إلى أوهام تاريخية، تدحضها حقائق الجغرافية التي لا تخطؤها العين، ولكن الشعب البحريني تصدى بوعيه وبشجاعة الانتماء العربي، لمحاولات القضم المتدرج التي تعتمدها الحكومة الإيرانية، وسط صمت غربي يمكن الجزم بأنه دعم مفتوح، لدولة لا تمتلك موروثا تاريخيا محملا بحساسيات الماضي، كما هو شأن الغرب مع العرب.
هنا قد يثور تساؤل مشروع عن أسباب هذا الانحياز الغربي إلى جانب إيران، ضد التطلعات المشروعة للشعب العربي بالحرية وتوحيد الوطن العربي.
لم يشهد الغرب صداما مباشرا مع إيران باستثناء ما حصل في بداية الرسالة الإسلامية وهو ما جسدته سورة الروم، وهي المعركة التي انتصر فيها الفرس على دولة الروم، وتفتقت أذهان الشلة المحيطة بإيوان كسرى عن شروط مذلة أرادوا فرضها على دولة الروم مقابل الصلح، ولكن الأحداث أخذت مسار التحدي بدلا من الخضوع حتى تمكن الروم من هزيمة بلاد فارس بعد أن حشدوا للمعركة أقل من نصف ما طلبه الفرس منهم من غرامات حربية، ويبدو أن الذاكرة الغربية التي حافظت على اتقادها المفرط في الكراهية مع العرب، بسبب كنس دولة الروم من بلاد الشام بعد الفتوحات العربية الإسلامية في معركة اليرموك، وكذلك فتح الأندلس وإقامة الدولة العربية الأموية هناك، قد طوى صفحة تلك الحرب التي أذلت بها بلاد فارس دولة الروم، ولكن الغرب لم يشأ على الإطلاق طي صفحة معركة اليرموك، وهذا هو الذي أوجد جوا عدائيا مضادا للعرب والإسلام، لم تتمكن كل دعوات التسامح التي كانت أوربا تطرحها وخاصة بعد عصر النهضة مع جميع الأمم، باستثناء العرب، من تخفيف وطأته، وقد شحنت تجارب حروب تحرير الشام والعراق من الدولتين المتعاديتين، الساسانية الفارسية والرومية المسيحية، أجواء أوربا بفتاوى بابا الفاتيكان بإعلان الحرب المقدسة، وحينما كانت الكنيسة لم تنزع أسنانها بعد، لشن الحروب الصليبية والتي انتهت بمعركة حطين التي قادها صلاح الدين الأيوبي بنتائجها المعروفة، ولكن الانتقام ظل جذوة تحت الرماد ينتظر الفرصة المناسبة لتفريغ شحناته، وتمثل مقولة الجنرال الفرنسي غورو وهو يقف مزهوا أمام قبر صلاح الدين الأيوبي (انهض صلاح الدين فقد انتهب الحروب الصليبية)، ظاهرة التصادم بين عالمين، لم تنجح حتى الانتصارات التي حققها الغرب عندما احتل المشرق العربي من إطفاء جذوتها، حتى استكملت بريطانيا وفرنسا احتلال الوطن العربي، ومن ثم توزيع إرث الدولة العثمانية بينهما، فجاء القرن العشرون حاملا معه الزلازل والبراكين السياسية المدمرة، فكانت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي وزعت الوطن العربي وكأنه صحراء تم اكتشافها توا على الحلفاء المنتصرين في الحر الثانية، وبعد عام جاء وعد بلفور عام 1917، وهما من أخطر ما واجه الأمة العربية من خطط استراتيجية لإضعافها وتفكيكها، لكن الوقائع الميدانية تؤكد بأن الدعم الغربي المفتوح لإيران مع بداية توسع حدودها على حساب أراضي الدول المجاورة، كان في واقع الحال أبعد ضررا أو على الأقل مكافئا لضررهما على الأمة مما لحق بها من سايكس بيكو وبلفور، فإيران كدولة إقليمية تستطيع تحريك قواتها المسلحة من غير حاجة لنقلها لإلاف الكيلومترات، مع أسلحة حديثة كانت تحصل عليها من حلفائها، بمقابل نزع السلاح عن العرب بكل صنوفه، ثم أن إيران وعبر التاريخ ما كانت لتكترث لما تتكبده من خسائر بشريه مهما كان حجمها، على طريق تحقيق أهدافها الإمبراطورية.

قراءة في الأمن القومي العربي
تفرض منظومة الأمن القومي العربي، على جميع الدول العربية، العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تهدد الأمة العربية أيا كان مصدرها، ومهما كانت طبيعة العلاقات التي تربط هذا البلد العربي أو ذاك، مع القوى الخارجية التي قد تمثل خطرا آنيا أو مستقبلا على الأمن القومي.
ولا يتوقف الأمر على هذا المستوى من التنسيق، وإنما ينبغي أن يرتقي إلى مستويات متقدمة من العمل الذي لا يسمح بأي تعاون مع طرف ثالث يمكن أن يهدد الأمن الوطني لأي بلد عربي، ويمكن إيراد أمثلة كثيرة على هذا الفعل الذي يلحق ضررا بالمصلحة القومية، ولعل في مقدمتها قيام دول الخليج العربي الثرية، بتقديم قروض أو مساعدات لدول غير عربية، من دون أن تشترط على الدول المستفيدة من القروض، ألا توظفها في مشاريع يمكن أن تهدد الأمن القومي العربي، من قبيل القروض التي تمنح لدول أفريقية تقع على حوض النيل، مما قد يؤدي استخدامها في إقامة سدود إروائية على حوض النيل، إلى تهديد الأمن الوطني المصري، مع كل انعكاساته المدمرة على أمن الأمة العربية، وما يصح على النيل يصح على دجلة والفرات في العراق، وسائر الأنهار الجارية في الوطن العربي، وتنبع من خارجه.
إن أزمة المياه في الوطن العربي، تعد واحدة من معضلات المستقبل القريب ويذهب كثير من خبراء المياه وكذلك خبراء القانون الدولي، إلى أن الوطن العربي لا يمتلك موارد مائية وطنية، بل يأتي معظمها من خارجه مما يضعة في الكفة الضعيفة من ميزان القوى، وخاصة أن الأغراض السياسية تلعب دورها في رسم سياسات مائية لدول المنبع تفوق حاجاتها الوطنية، مما يترك تفسيرا واحدا لمشاريعها المقترحة، بأنها بالأصل تسعى للإضرار بالوطن العربي وإضعافه سياسيا واقتصاديا، وإذا لاحظنا أن إسرائيل هي التي تخطط للمشارع الإروائية في دول منابع النيل، فإننا لن نتأخر في اكتشاف كنه الدوافع الاستراتيجية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها، فهذه المشاريع، تهدد الأمن الغذائي العربي تهديدا جديا، وترهن الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية، لإرادات مجهزي الغذاء الكبار في العالم، على هذا فإن سياسة الإقراض العربي، يجب أن تخضع لمعايير صارمة، فلا تمنح لبلدان يمكن أن توظفها ضد بلدان عربية أخرى، وتتخطى في تفاصيلها، أية خلافات بين الدول العربية نفسها.
ما يصح على سياسة الإقراض، ينطبق بدرجة أو أخرى، على العلاقات السياسية مع الدول التي تمتلك مشاريع مضادة للأمة العربي، فنحن نعرف أن إيران تحاول الخروج من الشرنقة التي حصرت نفسها بها، بعد أن فقدت كثيرا من خطوط مواصلاتها وجسورها مع العالم، ومع دول منطقة الخليج العربي.
صحيح أن حالة الحرب في إطارها القانوني لم تعلن بعد بين إيران ودول المنطقة، لكن الصحيح أيضا سأن إيران تحتل أجزاء مهمة من الأراضي العربية، وتهدد بين آونة وأخرى بضم دول عربية مستقلة إلى ممتلكاتها،وبالتالي ينبغي على الأطراف الأكثر تضررا من المشروع التوسعي الإيراني، أن تكون الأكثر تشددا في مواقفها من إيران.
مؤخرا زار وزير خارجية إيران، دولة الإمارات العربية، ومن حق الإمارات العربية أن تمضي في خيار الحوار السياسي وعبر القنوات الدبلوماسية حتى نهاية الشوط، ولكن هل راقب المهتمون بالشأن الإيراني توقيت الزيارة والأهداف المرجوة منها؟
بعد أن بدأ تطبيق الحظر الأوربي على استيرادات النفط الإيراني، وبعد أن أخذت العقوبات الاقتصادية الدولية على طهران تعطي نتائجها على الشارع الإيراني على شكل انهيار للعملة وارتفاع للأسعار على نحو غير مسبوق مع تململ شعبي يمكن أن ينتج ربيعا آخر، تحاول الزعامة الإيرانية، العودة إلى سوق الإمارات العربية، كمركز تجاري بديل، لتأمين كثير من الصادرات الإيرانية كالسجاد والكافيار وغيرها من السلع الصناعية، كي تنتقل من هناك إلى مختلف أنحاء العالم، وتأمين السلع التي تحتاجها إيران من السوق المحلية في دبي بشكل خاص لاسيما الصناعات الألكترونية المتطورة والتي تدخل في مجال البرنامج النووي الإيراني، فهل حاولت دولة الإمارات العربية في قبول مثل هذه الزيارات المثيرة للجدل، أن تحقق مكسبا سياسيا ولو من قبيل الإبقاء على ملف الجزر الثلاث ملفا مفتوحا وغير قابل للطي؟ خاصة وأن إيران في موقف تفاوضي ضعيف إلى حدود بعيدة، أم أنها بعثت برسائل محددة للزعامة الإيرانية من أن الإمارات لن تكون أول طرف يخرج على الإجماع الدولي؟ لاسيما وأن دولة الإمارات تعد في الوقت الحاضر أكثر طرف متضرر من سياسة التوسع الإيراني.
إن الظرف الراهن يقتضي من دولة الإمارات العربية وسائر دول الخليج العربي الأخرى، تصعيد مواقفها السياسية تجاه إيران، ذلك أن إبداء المرونة في غير محلها سيبعث برسالة خاطئة إلى الزعامة الدينية الإيرانية، وربما يمثل الإصرار الإيراني على تغيير تسمية الخليج العربي إلى اسم دخيل، واحدا من مظاهر صراع الإرادات ولي الأذرع في هذه المنطقة، قد يذهب بعض ذوي النوايا الحسنة إلى عدم أهمية التسمية، خاصة وأن بعض الجهات الدولية تستخدم المصطلح الإيراني لاسم الخليج العربي، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فانتصار أي طرف في هذه المعركة سيعني فتح صفحات جديدة لصراع الإرادات، لن يعرف التوقف عند حد معقول، فالأمر ليس شكليا كما يحاول باحثون عن الحلول السهلة، بل هو موقف يتصل بالمبادئ العليا للأمة في مواجهة محاولات السطو على تاريخها واسمها، بعد السطو على ثرواتها، إن أكثر طرف مطلوب منه التمسك بتسمية الخليج العربي، هي دول الخليج العربي نفسها.
ولعل الجهد الأكبر يقع على الفضائيات العربية، وخاصة الجزيرة والعربية، لكن ما يثير الدهشة أن قناة الجزيرة التي تطرح نفسها كقناة اخبارية مستقلة، كانت في موضوع تسمية الخليج العربي، تلتزم بموقف الحكومة القطرية التي تسعى للإمساك بالعصا من وسطها، كي لا تثير لنفسها اشكالات سياسية تظن أنها لا طاقة لها بها، فمنطق المجاملة السياسية لا يمكن أن تفهمه إيران إلا على أنه خوف من بطشها، وإلا بماذا يمكن أن نفسر اعتذار مذيعة النشرة الجوية في قناة الجزيرة، عندما تحدثت عن التطورات المناخية في منطقة الخليج وأضافت إليه صفة العربي، ولكنها استدركت واعتذرت وذكرت اسم الخليج مجردا، هل يظن من يقف وراء ذلك أن إيران ستنظر إليه باحترام؟ وبالمقابل هل تبدو إيران على استعداد لمجاملة أحد كائنا من يكون في تسمية الخليج العربي؟
الانسحاب من المواجهة قبل بدء المنازلة، أسوأ أشكال الهزيمة، والقبول بخوض المعركة فضيلة كبرى، شرط الاستعداد لها وتوفير مستلزمات النصر، ولا أحد يظن أن العرب أمة كتبت عليها الهزائم في العصر الحديث.


هناك 5 تعليقات:

Anonymous يقول...

عن أية أمة نتحدث. أمة (كل حزب بما لديهم فرحون)؟
امة (بل شعوب متناحره حتى على كرة القدم) مهزومة داخليا مشتته فكريا ودينيا.
حكامها تبني القصور الفارهه المنخوره والمخترقه أمنيا من الداخل (مرتع للسفراء الاجانب والخدم من الاعاجم) والمسيجه بل المحصنه من الخارج (حتى لا تتسرب الفضائح ويشم الجياع رائحة الموائد).
أمة جيوشها تحرس حدودا مصطنعه بين بعضها البعض وفوهات أسلحتها موجهة الى الداخل.
كما في القرن الخامس الهجري, كل أمير ينافس ويتحدى بأمارته الأمراء العرب المجاورين ويخنع للأمارات الصليبيه.
تمنيت أن يحدثنا الكاتب عن الكيفيه التي ارتدت بها إيران عن الأسلام الى الدين الشيعي. وأن يتعمق بنا الى الكيفيه التي أطاح بها صلاح الدين الأيوبي عروش حكام الدويلات أو الأمارات المتناحره وكيفية إسقاط الدوله الفاطميه التي كانت الباب الخلفي للمحتل الصليبي و لماذا كانت كذلك (هل هي منافسه طبيعيه أم مبدئيه).
هل نسينا أم تناسينا الحروب (وليست الحرب) العالميه التي خاضتها الدوله العثمانيه و دور الصفويين في طعنها في الظهر كلما شن عليها الصليبيون إحدى حروبهم.
لا يخفى على أحد اليوم (من رحمة ربي بالعباد) الحقد الفارسي الدفين الذي لم يعد دفينا بل طافيا على السطح. ولن تفلح الأقلام في عزل "التفريس" عن "التشييع" مهما حاولت فالأول هدف والثاني وسيله.
المهم أن نفهم حقيقة سبب هذا الحقد وذاك التعاون الستراتيجي, إنه ليس التقاء مصالح فحسب بل له بعد ديني عميق أساسه أن الكفر ملَة واحده. إذا كان الحاكم مسلما عادلا فلا يهمني أمريكية دولتي كانت أم فارسيه.
أنا أعلم أن البعض لا يروق له سماع ذلك ولكني سئمت جور وفسوق العرب الأقحاح أو من يدعون أنهم كذلك. وإذا كانت نهاية الظلم على يد مهدي من آل بيت النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أم إن كان أسود أو آسيوي أو أشقر.
لدي تساؤلات, هل من حاكم عربي مستعد للتنازل عن حكمه لحاكم دوله أو إماره مجاوره لكي يفسح المجال بأن تندمج (تندمج كليا لا أن تتحد إتحادا إسميا) وهل من شعب عربي مستعد بصدق أن يتنازل عن مسمى وعلم وجواز سفر دولته الحاليه الى جواز سفر يحمل مثلا إسم دولة "عريبيا" أو "إسلاميا" فلنسأل أنفسنا ولنكن صادقين (ربما نشهد قريبا قيام دولة يوروبا, ألا ترون كم تضخ من أموال لأنقاذ الدول الكسوله).
سؤال آخر هل يتنازل حاكم عن خادمه الأعجمي الأمين الذي يرافقه ويجلب له الخيول الأصيله و "الجواري" الحسان والخمور المعتقه (أستغفر الله إن بعض الظن إثم) نحن في رمضان, وحتى لا نظلم أحدا فانني أشهد أن بعضهم يفرش موائد الأفطار في رمضان.
دعوتي هي الخروج من ضيق القطريه والقوميه الى سعة الأسلام للأنسانيه, ولن تقوم قائمة للعرب بدون العوده الى الدين (وليس الى الوراء, فالوراء والرجعية والجاهليه هو ما نحن فيه الآن).
ولنسأل أنفسنا أيضا ماذا يريد أعداء العروبه والأسلام منا (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم) وملّتهم ببساطه هي:
نبذ الدين بكل ما فيه والتعامل بالربا (لتنتعش الرأسماليه) وهذا أخطر ما في الأمر (وهو الشيء الوحيد المقترن بكلمة حرب في القرآن الكريم) وما الأنهيار في الأقتصاد العالمي إلا أثر من آثار الربا.
يلي ذلك الأنفتاح والعولمه و حرية المرأه (بلبس الشورت والتعري و التسكع وشرب الأرجيله والتمرجل) وتسيب الرجال وتخنثهم وعدم صون العرض والشرف (للجنسين) و منع إنفتاح الفكر والثقافه والابداع والبحث العلمي الحقيقيه (ولا أعني هنا ثقافة برامج الطبخ والغناء والشعر الهابطين والمسابقات التافهه و كلام الرويبضه وماذا فعل نور و مهند).
وفيما عدا ذلك لا يريد أعداؤنا منا شيئا, فإن مورس الجنس خارج المؤسسه الزوجيه (الحقيقيه) و أصبح التعامل بالربا هو الأصل وأصبح عرض و شرف المرأه والرجل مسألة نسبية فيها نظر و أكبر همومنا الدنيا (البيت والسياره والوظيفه والمركز وجمع المال) ومبلغ علمنا هو غسل ضميرنا ببركات رجل دين ندفع له المعلوم خمسا أو هدية من كريم أو في الآحاد, وغاية رغبتنا هي الجنس والمسكرات والمسلطلات والمدوخات. عندها نصبح من ضمن القطيع السائر بلا هدي ولا بصيره, برغي في ماكنه دنيويه بلا هدف إلا الماده وإشباع الرغبات الآنيه.
وعلى هذا الأساس يتم تقييم الأمم والدول, هل هي معهم أم عليهم (يا أبيض يا إسود... اللون الرمادي ده أنا ما بحبوش) وقالها بوش بعد أحداث سبتمبر إما أن تكون معنا أو علينا.
ومما يبدو فأن إيران قد اختارت ان تكون (ببساطه) معهم.

أبويحيى العراقي يقول...

الطريق الحقيقي الوحيد لإستعادة الأمة لتوازنها بوجه المشروع الإمبراطوري الإيراني الجهنمي في المنطقة و في العالم هو ما قاله القائد المجاهد عزة الدوري في خطابه الأخير في نيسان من هذا العام حين نبه إلى ضرورة دعم الجميع للمقاومة العراقية و حسم الأمور على الأرض العراقية و إستعادة النظام السياسي الوطني الديمقراطي الحر المستقل فيها بإعتبار ذلك المدخل الأوحد لدحر المشروع الإيراني و بغير ذلك فإن كل قوى الأرض لن تتمكن من التصدي لهذا المشروع الشرير.

Anonymous يقول...

عذرا أبا يحيى
أعود وأقول واسمح لي بمخالفتك لطروحاتك مع إحتراماتي:
المشكل في إستعادة النظام الوطني في العراق, هي ليست العوده اليه بل استعادته بكل ما كان عليه. وعلينا ان نعترف بانه كانت هناك اخطاء.
العقده ليست في إيران كإيران بل هي بتفشي الجهل بيننا وفي عقول العامه والنظر الى الصراع بتبسيط باعتباره صراعا قوميا عربي/فارسي وليس صراعا فكريا عقائديا مسلم/اي شيء آخر...
متى ما انتشر العلم هرب الجهل الى السراديب بلا عوده. وهرب المخرفون والدجالون أعداء التاريخ وماسخوه الى الجحور.
كان النظام سابقا متسامحا الى درجة غض النظر عن الأنحراف الفكري والعقائدي الذي كان يحدث ربما خوفا من الميل كل الميل بكفة الميزان باتجاه تيار أسلمة السياسه مما أوقعه في المحضور وجعل النظام كخيمه أو غطاء كان السوس يغلي و يعمل في أسفله, وما أن إنكشف الغطاء ظهرت حشرات الظلام التي ترعرعت تحته للأسف.
ولهذا فوجئنا ببعض الناس وقد تبدلت قلوبهم قبل وجووههم وألسنتهم, وأقول البعض (وأتحدث عن عوام الناس لا عن خواصهم ومثقفيهم).
ولكن هل من الصائب صب جهد المقاومه باتجاه إيران, هل سنحرر فلسطين متجهين شرقا!
بالله عليكم أجيبوني, من أطلق يد إيران في العراق وسوريا ولبنان ومصر والبحرين.
هناك مقوله معروفه: إجعل عدوك أمام عينيك ولا تدعه ورائك, كنت أقرؤها سابقا وأتبسم. أما الآن فأضيف عليها اعرف عدوك أولا كي تعرف كيف تضعه امام عينيك. فلنسأل أين العدو الأصلي؟
أنا أعرف عدوي تماما والى اين يريد أن يقودني, فهل عرفتموه.
قال تعالى: "وقال الشيطان لما قضي الأمر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم, وما كان لي عليكم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لي, فلا تلوموني ولوموا انفسكم".
وكما ترون أصدقائي ان الشيطان يرضى بالقليل, ولا يواجهك في المعركه لأنه يخشى المواجهه بل يدفع أمامك بمن يحارب بالنيابه عنه فمجرد الخروج عن جادة الحق والدين يكفيه نصرا, فلنتعظ ولنتفكر.
ماذا فعلت الرأسماليه؟ دفعت بإسرائيل؟ والتي دفعت بأمريكا للحرب, ومريكا دفعت بإيران, وإيران تدفع بعملائها وهم جميعا يعملون وكلاء لدى التاجر الأصلي ليصرفوا بضاعته فحسب.
ولهذا قلت أن غيران (مثلا) قد اختارت أن تكون "معهم".

Anonymous يقول...

عذرا استاذ مصطفى فقط أخطأت أنا في السطر الأخير وكتبت غيران بدلا من إيران (وأعني بها النظام الإيراني). وأنت كما عهدناك أمينا لم تصححها فارجوا منك التصحيح فعذرا. فالسطر الأخير يمكن أن يتغير ل
ولهذا قلت أن غيران (وأعني بها النظام الأيراني) قد إختارت أن تكون معهم.
وشكرا

مصطفى كامل يقول...

اخي غير المعرف
ارجو ان اكون امينا على الدوام عزيزي، بارك الله بك.
واعتقد ان تعليقك الثاني يوضح الامر ولو ان الامر واضح اصلا..
تحياتي

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..