أثارت وفاة اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات السابق وأول وآخر نائب رئيس جمهورية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، المفاجئة، الكثير من المشاعر المختلطة لدى المصريين، اختلفت ما بين الحزن لرحيل "جنرال" قوي كانت الآمال معلقة عليه لاستعادة الأمن والإستقرار، وما بين الفرح لرحيل الرجل القاسي والغامض في نظام مبارك، وبالتالي موت أية آمال للفلول في إعادة إنتاج هذا النظام مرة أخرى.
ينقسم المصريون على أنفسهم ما بين مادح وذام لنائب الرئيس السابق عمر سليمان، فبينما يراه البعض رجل دولة يخافه العالم بمن فيه أميركا وإسرائيل، يراه منتقدوه، رجلا متخصصًا في التعذيب بالوكالة، وحاول إجهاد وإجهاض ثورة 25 يناير التي قامت ضده وضده سيده مبارك، وظهر الإنقسام في مواقف المصريين حيال سليمان جلياً عقب صلاة الجمعة، عندما رفع مؤذن مسجد نور الإسلام في إحدى قرى محافظة البحيرة صوته، طالباً من الناس أن يترحموا على "الجنرال"، وحدثت حالة من الهرج والمرج، والنقاش الحاد بين المصلين أمام المسجد، وكاد الأمر يتطور إلى عراك بالأيدي، لولا أنهم في أول أيام شهر رمضان.
وقال المؤذن ويدعى نعيم سلامة، لـ"إيلاف" إن اللواء سليمان رجل دولة، وكان هو الأقدر على حكم البلاد، وإخراجها من حالة الفوضى التي تغرق فيها منذ اندلاع الثورة، مشيراً إلى أن الثورة لم تجلب على مصر إلا كلّ شر، وأوضح أنها تسببت بالإنفلات الأمني وانتشار البلطجية في كل مكان، لافتاً إلى أنها "وقفت حال الناس"، فأغلقت المصانع والقرى السياحية والفنادق، وارتفعت البطالة وزادت الأسعار، وأتت بالإخوان والسلفيين إلى الحكم، فحرموا على الناس حياتهم وكفّروهم، رغم أن مكانهم الطبيعي هو السجن، وقال سلامة أن هؤلاء كانوا يخافون جدا من سليمان، وكان يمثل لهم "البعبع" على حد وصفه، وتابع: كان هو الأقدر على حكم البلاد في هذه المرحلة من الخطر"، ولم يستبعد سلامة أن يكون "تم الخلاص منه"، حتى لا يكشفهم أمام الرأي العام، بل قد تكون أميركا متورطة في ذلك أيضاً، هكذا قال المؤذن، قبل أن يغادر المسجد إلى منزله، وهو يتمتم "الله يرحمك يا جنرال، الدنيا هتخرب أكتر من بعدك".
اللعبة انتهت
لم يكن هذا رأي سلامة وحده، بل يشترك "صبحي م"، معه، وهو شرطي رفض ذكر اسمه كاملاً، وقال لـ"إيلاف" إن وفاة عمر سليمان تعني أن النظام انهار تماماً، ولن يكون هناك أي شخصية قوية قادرة على لم شمل أنصاره من جديد، لن يستطيع أحد المنافسة في انتخابات مجلس الشعب القادمة أو الإنتخابات الرئاسية، وتابع: "إنتهى الأمر خلاص"، أو كما يقول شباب النت "جيم أوفر"، على حد قوله، وأضاف أن وفاة عمر سليمان خبر أحزن الغالبية العظمى من العاملين في الشرطة، لأنهم كانوا يرونه رجلاً قوياً وكانوا يعلقون عليه الآمال أثناء إعلان خوض انتخابات رئاسة الجمهورية في شهر نيسان (أبريل) الماضي. وأضاف صبحي أن سليمان ظل يخدم مصر حتى آخر نفس له في الحياة، إنه من اختار الخروج من الإنتخابات الرئاسية، حتى يخرج معه اثنان من المرشحين المتشددين اللذين كانا يتمتعان بشعبية جارفة، هما المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان وحازم صلاح أبو إسماعيل، ولو حكم أحدهم مصر كانت راحت في ستين داهية، حسبما قال صبحي.
التراس عمر سليمان
وصل هوس بعض المصريين بشخصية عمر سليمان إلى حد أن أطلقت مجموعة من الشباب على نفسه اسم "التراس عمر سليمان"، وقالت الحركة التي تشكلت عقب إعلانه خوض انتخابات رئاسة الجمهورية منذ نحو ثلاثة أشهر، إن: "وفاة اللواء عمر سليمان في ظروف غامضة، لا يمكن أن تمر مرور الكرام"، وتشككوا في الأسباب المعلنة للوفاة، وقالت الحركة: "إن الوفاة تجري حولها شكوك أن تكون تصفية من أجهزة المخابرات الدولية أو أياد أخرى لها مصلحة في استبعاده عن الحياة". ودعت مساعديه إلى توضيح حقيقة وفاته وهل تقف وراءها عمليات مخابراتية لصالح الجماعة في مصر أم لا، لاسيما أنه أهم الشخصيات التي تحمل في داخلها أسرارا عديدة عن تحركات الجماعة وصفقاتها بالخارج والداخل بالإضافة إلى وجود تغيرات إقليمية ودولية شارك سليمان في بعض ملفاتها. وهدد التراس عمر سليمان بـ"اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى في حالة ثبوت أن خلفية وفاة سليمان هي اغتيال وليست قضاء وقدر"، لكنها لم تحدد طبيعة تلك الخطوات التصعيدية.
رجل قوي
ووصفه عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية بأنه رجل قوي، وقال في بيان له تلقت "إيلاف" نسخة منه: "اللواء سليمان كان رجلاً قويا، ويحبّ بلده، والكثير من محبيه وأصدقائه وزملائه حزنوا كثيراً لوفاته.. أتقدم بخالص التعازي لأسرة الفقيد ولكل أصدقائه وزملائه ومحبيه رحم الله الفقيد رحمة واسعة". فيما اعتبرته السفيرة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، في تصريحات لها بأنه "ابن بار من أبناء مصر قدم لها عطاء متواصلا في كافة المهام التي تولاها، وكان محل تقدير من كافة جموع الشعب المصري كما كان محل تقدير عربيا ودوليا، لعطائه المشهود له في كافة مراحل عمله العسكري ومشاركته في المعارك التي شاركت فيها مصر".
قائد الثورة المضادة
وعلى الجانب الآخر، يرى مصريون أن عمر سليمان كان رجلاً قوياً ولكن لصالح نظام مبارك، ودعماً لأمن إسرائيل، وقال محمد عبد الفتاح وهو شاب شارك في ثورة 25 ياير، وكان أحد الحاضرين في الموقف في مسجد نور الإسلام إن سليمان كان ركناً أساسياً من أركان نظام مبارك، شغل منصب رئيس المخابرات لنحو عشرين عاماً، وأضاف لـ"إيلاف" أن سليمان لم يعمل من أجل إنهاء الفساد السياسي في مصر، لم يقل لمبارك "لا" على أي شيء بل إنه عندما انطلقت حملات في بداية العام 2010 ترشحه لانتخابات الرئاسة، إتهم مروجوها بـ"الإيقاع بينه وبين السيد الرئيس"، بل كان أحد قادة محاولات إجهاد وإجهاض الثورة أثناء اندلاعها بالإشتراك مع الفريق أحمد شفيق، وحاول كلاهما إعادة إنتاج النظام السابق، وكان يقود الثورة المضادة.
مهندس التعذيب
وقال عصام السعيد عضو حركة ثورة اللوتس، لـ"إيلاف" إن عمر سليمان كان واحدًا من عتاة التعذيب في العالم، مشيراً إلى أن المخابرات الأميركية كانت ترسل بالمعتقلين الإسلاميين من أفغانستان وباكستان إلى مصر، ليتم انتزاع الإعترافات منهم تحت التعذيب، ولفت إلى أن وثائق ويكيليكس فضحت علاقات بهذه الجرائم، كما أنه كان مهندس صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، ومهندس الثورة المضادة التي أنهكت مصر طوال الفترة التي أعقبت رحيل مبارك عن الحكم، وأضاف أن شباب الثورة قدموا ضده مئات البلاغات إلى النائب العام لكنها لم تتحرك، ولم يتم إتخاذ أية إجراءات قضائية بحقه.
التعذيب بالوكالة، هو ما أقر به الدكتور طارق الزمر، أحد قيادات الجماعة الإسلامية، وقال لـ"إيلاف" إن عمر سليمان ارتكب جرائم بشعة بحق الإسلاميين والشعب المصري في الداخل والخارج، مشيراً إلى أن سجله في الجرائم التي تعتبر ضد الإنسانية معروف على المستوى العالمي، وأضاف أن هناك واقعة شهيرة توضح مدى قسوته، أوردتها وثائق ويكيليكس، عندما طلبت منه المخابرات الأميركية تحليل الحمض النووي لأحد أقارب الدكتور أيمن الظواهري، فرد عليها بالقول أنه يمكنه إرسال ذراع منه لإجراء التحليل المطلوب. وأشار الزمر إلى أنه لا تجوز الصلاة على جثمانه، كما أنه لا يجوز أن ينال شرف إقامة جنازة عسكرية له، مشيراً إلى أنه بين يدي الله ليجزيه حق الجزاء.
ووفقاً لما نشره صحافي أميركي يدعى ستيفن جراي في كتابه "الطائرة الشبح"، فإن سليمان أشرف على تنفيذ برنامج التعذيب بالوكالة المعروف باسم "رينديشن" لصالح المخابرات الأميركية، فيما تصفه وثائق ويكيليكس بأنه "أحد المفاتيح الرئيسة في برنامج التعذيب بالوكالة".
وفاة النظام
فيما يرى البعض أنه بوفاة عمر سليمان انقضت آخر آمال إعادة إنتاج النظام السابق، وبوفاته مات ذاك النظام وانتهى إلى غير رجعة، وقال الدكتور محمد عبد السلام الخبير السياسي في المركز العربي للدراسات لـ"إيلاف" إن عمر سليمان كان إحدى أهم الشخصيات التي يلتفت حولها معارضو الإخوان والسلفيين، مشيراً إلى أن أعضاء الحزب الوطني المنحل كانوا يعولون عليه كثيراً في الترشح للإنتخابات المقبلة، لاسيما في ظل الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية بعد الإنتهاء من وضع الدستور الجديد، بل كانوا يعولون عليه في إنشاء حزب سياسي بالإشتراك مع الفريق أحمد شفيق، ولفت عبد السلام إلى أن رحيل سليمان يمثل خسارة فادحة للبعض، ومكسبا للبعض الآخر، كل حسب إنتمائه السياسي، لكنه في النهاية صار في ذمة التاريخ ليحكم عليه.
ملاحظة أخرى
لمزيد من المعلومات يرجى الضغط هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق