في مقاله هذا، يتحدث الكاتب الدكتور مثنى عبدالله عن الركائز الأساسية الثلاثة القائمة لمشروع المحاصصة الطائفية والعرقية الجاري في العراق منذ احتلاله عام 200 وحتى اليوم.
ويكشف المقال عن أسلحة كل طرف ومايستعد الطرف المقابل لمواجهة الآخرين به من وسائل تضمن له الاستمرار في الصراع على مواقع السلطة والنفوذ، وهو صراع لا علاقة للشعب العراقي به من قريب أو بعيد، لكنه يكتوي بنيرانه كل يوم.
أعمدة الحكم العراقي الخاوية
مثنى عبدالله
ثلاثة رئاسات للسلطات في العـراق وضـع أسسها المُحتل كجزء من استحقاقات العمليـة السياسيـة. كان الهدف المعلن مـن محاصصة هـذه المناصب حسب سياسته هـو إيجـاد عنصر التوازن الطائفي والاثني بين (المكونات)، ثم جـرى تزويقها بمـا سُمي إرادة شعبية مـن خـلال انتخابات قالـوا انها ديمقراطية، ديمقراطيتها شُكك بأمرها منذ ان أعتلى رجل دين السلطة منبره في الجامع والحسينية وراح يحذر من الطائفـة الاخـرى، ويحشد لمن يفتي لهم من السياسيين، ثم تبعـه زعيم القبيلة الذي كرَّمتـه السلطـة فأصبح قائـدا في مجالس الاسناد براتب شهري، لينتهي المطاف الى اتفاق صفقـة جلس فيها الكـردي والشيعي والسني في مناصب ثلاث منزوعة الهوية الوطنية.
كان الرئيس الكردي عندما يرتدي زيـه الشعبي يتحدث عـن محافظـة كركوك على أنها قدس أقداس قوميتـه، ناسيا أنـه رئيس العـراق وليس دولـة الاكـراد ،أما السلطـة التشريعية التي يفترض أنها الناطق الرسمي بإرادة جميع العراقيين، فإن رئيسها نسي أنه يمثلهم جميعا، فدعا الى قيام إقليم للمهمشين السُنة في زيارته الى الولايات المتحدة لأنه سُني، كاشفا بذلك عن ضياع الهويـة الوطنيـة في توجهاتـه، وكان ثالثهم رئيس الوزراء مميزا نفسه بينهم على أنه شيعي أولا، فهل هذا النمط من القيادات لديها القدرة الفعلية على قيادة دولة مثل العراق؟ وهل الخلفية الفكريـة والسياسية لهم هي المنهج الذي يُستنهض به شعب العـراق في ظرفـه الاصعب؟
إن الخلل الاكبر الذي تعانيه الطبقة السياسية الحاكمة اليوم، هـو العجـز التام عن مجابهة استحقاقات المرحلـة الحاليـة، والفشل الواضح في عمليـة الانتقـال التي بشروا بها، واستعصاء كسب الشرعيـة في الداخل من قبل قطاعات جماهيريـة كبيرة، وفي الخارج خاصـة لدى دول المحيط العربي، وبذلك بات لابـد من الصراع السياسي الذي يغيب الفشل في قنوات أخرى، تكون مبررا لهم وعذرا يعتذرون بـه أمام الشعب، وأن هذا الصراع سيكون طويلا وسيحاول كل طرف فيـه إسقاط الاخر، لأن الجميع يعتقد بان أوراق الضغط التي في يديـه قابلة للتحول الى شرعيـة سياسيـة وشعبية، تمنحه مزيدا من الوقت للامساك بالسلطـة ومحاولة إسقاط المنافسين الاخرين.
غير أن الواقـع الفعلي يعكس منظورا آخـر يختلف تمامـا عن قناعاتهم، لأن الصفقـة التي تم بموجبها وصول الثلاثـة الـى المناصب كانت قائمة على أساس التمثيل الطائفي والاثني، وبذلك سيكون سقوط أي حجر من أحجار الشطرنج هـو سقوط لما يدعيه من تمثيل، وستختل معادلة التوازن التي أوجــــدها المحتل، والتي لازال حريصا تماما على استمرارها، بدليل أن صاحب القـرار الامريكي حتى هـذه اللحظة يتعامل مـع العـراق مـن زاويــــة ثلاثية مصادر القرار فيـه، ولأن سقوط أي طرف معنـاه بدايـة العد العكسي لسقوط كل الاطــــراف لما ترتبــه من استحقاقات لايستطيع أحد الايفاء بها، وجدنا أن المعسكر المطالب بسحب الثقة عن رئيس الـوزراء، قـد تجـاوز فترة الخمسة عشر يـوما التي منحوهـا فـي اجتمـاع أربيل الاخيـرالى التحـالف لاستبدال المالكي، ثم تجاوزوا فترة الاسبوع التي منحوها كإنذار أخير في اجتماع النجف، ثم تبع ذلك تصدع موقف الاكـراد بعد الموقف الـذي اتخـذه الطالباني والـذي اعتبر منحـازا الى التحالف الشيعي، ليليه تذبذب موقف الصدر ومحاولات الانسحاب الخجول من الاصطفاف مع العراقية والتحالف الكردي ضد المالكي، الذي كان قد عده البعض انقلابا على المحاصصة الطائفية وانحيازا للمشروع الوطني.
أن المطالبـة بسحب الثقـة عـن رئيس الـوزراء والدعوات التي تلتها بإقالـة رئيس البرلمان، وذهاب البعض الى أبعد من ذلك في الدعـوة الى إقالـة الثلاثة الكبار دفعـة واحـدة، على اعتبار أنهم جـاءوا بصفقة واحـدة، نقــــول أنها عمليات إستعراض للقـوة التي يملكها كـل طرف، وتحشيد لابد منه لتعزيز مناطق النفوذ استعدادا لمرحلة إنتخابات مجالس المحافظات القادمة وكذلك الانتخابات العامة، وقياس لنسب التأييد التي يملكها كل طرف في ساحـة الطرف الآخر، وكذلك لمعرفـة قـوة التحالفات الاقليميـة والدوليـة، وأن إضفاء الطابـع الديمقراطي والدستوري على الصراع الدائر كذبـة كبرى الهدف منها الحفاظ على العملية السياسية، والتقليل من مخاطر جعل الصراع سلاح بيد المعارضين لهذه العملية.
فما يدور في المشهد السياسي أنما هو عملية صراع حقيقي على مصادر القـوة الماديـة والمعنوية في أجهـزة السلطـة، وليس حراكـا سياسيا كمـا يصفونـه في تصريحاتهم، وهي عمليـة استشراف لمدى تأثير التحولات السياسية التي قد تطرأ على الصعيد السياسي في الاقطار العربية المجاورة على نفوذ هذا الطرف أو ذاك. واذا كـان المالكي يراهن على قـوة تأثير المرجعيات السياسيـة والدينية الايرانيــة على زيـادة اللحمـة فـي البيت السياسي الشيعي، وإرجـاع مـن غـرد خـارج السرب كالتيـار الصدري وتحشيد الكل خلفه مجددا كما حصل عشيـة تشكيل الحكومـة، مضافا اليها القـوة الناعمـة التي يملكها في مجالات السياسة والمـال، والقوة العاريـة فـي الاجهزة الامنيـة والجيش، واطمئنانـه الى استمرار دعم واشنطن له، خاصة في هذه الفترة التي تشهد بداية الحراك السياسي الانتخابي الامريكي.
نقول اذا كان المالكي قد حشد كل هذه الاوراق في صراعه مع الخصوم، فهو على يقين تام بأنها لن تصنع لـه نصرا مؤزرا، لأنه يعلم جيدا بأن الآخرين يمكن أن يثيروا في وجهـه الكثير مـن الازمات التي قـد تكون أكبر بكثير من الازمـة الراهنـة أو قـد يحاولون مرة أخرى إثارة موضوع الاقاليم والتحشيد في هذا الاتجاه في مناطق نفوذهم نكاية به، ولتقليل مدى سلطاته والقوة التي يستقوي بها عليهم لكنه كـي لا يخسر أكثر مـن المحسوب لديـه، سيرد عليهم باستبدالهم بواجهـات سياسيـة وشخصيـة تدين بالـولاء التام لـه، وتدعي أنها أيضا تمثل الطائفـة التي يدعي الخصوم تمثيلها عندهـا سينقل جميع الخصوم صراعهم الى الشارع العراقي لحسم المعركة الدائرة، وهو ما سيكون مآله أكبر بكثير من ما مر به الشعب والوطن.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق