القس لوسيان جميل
المقدمة:
قرائي الأعزاء!
لقد صار معروفا ان البطريرك لويس ساكو وضع شعارا ثلاثي الأبعاد لبطريركيته، وان هذا الشعار جاء كما يلي: أصالة وحدة تجدد. في هذا المقال ابدأ بالكلام من البعد الثالث من هذا الشعار، والذي يتكلم عن التجدد في كنيسة المشرق الكاثوليكية، الملقبة بالكنيسة الكلدانية، لكي اردفه بمقال ثان عن الأصالة، ثم بمقال ثالث عن الوحدة، بحسب الاولوية والأهمية التي نعطيها لكل بعد من ابعاد هذا الشعار.
ففي الحقيقة، وبغض النظر عن الاسباب، نرى ان اول مشكلة تواجهها الكنيسة هي مشكلة تقادم الزمن على هذه المنظومة الكنسية التي شاخت وهرمت في كثير من ابعادها الأساسية وساءت احوالها وأصبحت بحاجة ماسة الى التجدد، هذا التجدد الذي لا يكفي ان يكون مجرد تجديد خارجي وسطحي، كما لا يمكن ان يكون مجرد عودة الى القديم الذي انتهى زمانه، ولا يكون استنساخا لأمور عظيمة ابدعها الآباء، وإنما يجب ان يكون " ولادة جديدة " مستمرة ومواكبة لمستجدات الحياة الانسانية، المادية منها والروحية، ومسيرة تبدأ مما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني ومما بعد الثيوقراطية المسيحية التي كانت مترسبة في الكنيسة لكي تنقل الانسان المسيحي، وربما مع كل انسان، نحو العالمية التي تختلف عن العولمة، ونحو لاهوت العالمية المتحرر من الثيوقراطية ومظاهرها وطقوسها وروحانيتها.
اسباب عجز كنيستنا عن التجدد: بما ان الكنيسة كائن حي اجتماعي، وأن من طبيعة كل كائن حي ان يلد ( ينتج ) كائنا حيا جديدا يخلفه، ويكون اكفأ منه على التكيف مع البيئة والمستجدات التي تطرأ عليها، فقد كان من المفروض ان تكون هذه الكنيسة قادرة على التجدد بحيث تبدع بناها التحتية الجديدة باستمرار، ومع هذه البنى التحتية تبدع بناها الفوقية من افكار وروحانية وفلسفة ولاهوت وممارسات طقسية وتعبدية ناتجة عن تزاوج الايمان الخاص بالحضارة المادية.
الحالة الخاصة بكنيستنا المشرقية: وبما ان كنيستنا المشرقية لم تكن بانية لأية حضارة مادية، لأنها لم تكن قادرة على التأثير في الحضارة المحيطة بها، بكونها بقيت كنيسة اقليات، لذلك لم تستطع هذه الكنيسة ان تبدع بناها الفوقية وتجدد حياتها مع مستجدات البنى التحتية. فهذه الكنيسة لم تأت استجابة لحاجة المنطقة كلها، بخلاف ما حدث لكنيسة الغرب، وإنما تكونت بناء على حاجة الجالية اليهودية التي كانت تقطن الامبراطورية الفارسية، جراء السبي البابلي، حتى وان دخلتها مع الزمن جماعات مختلفة من فقراء ومهمشي المملكة الفارسية، ومن كافة قومياتها وشعوبها، دون غيرهم إلا ما ندر، كون الكنيسة هذه لبت طموحات تلك الجماعات المهمشة، في حين بقيت هذه الكنيسة معزولة عن العالم الانساني الرحب مهتمة فقط بحاجاتها الخاصة كأقلية قبلت الايمان المسيحي. وهكذا كانت هذه الكنيسة " عقيمة " منذ نشأتها الأولى، ولم تستطع ان تنجب الشبيه وتتجدد، مع انها اعطت للجماعات المهمشة التي ذكرناها، انتماء جديدا رائعا بعمقه وبأصالته، كما اعطت لهذه الجماعات بنية فوقية روحية عميقة ورائعة، بعيدة كل البعد عما كانت تعطيه الوثنية.
كنيسة محورها ذاتها: وهكذا نشأت عندنا كنيسة محورها ذاتها وعالمها الخاص، اي نشأت عندنا كنيسة تخدم الذات الصغرى ( المصطلح من عندي ) للمؤمن، في حين انها لا تطال ذات مؤمنيها الكبرى، اي انها لا تطال عالم الانسان الكبير المتكامل والمتشعب، وإنما ترعى فقط عالمه الصغير الشخصي والذاتي، اي العالم الطائفي المحدود الأبعاد. اما هذا الوضع فقد كان هكذا في زمن سيادة المملكة الفارسية، وهكذا بقي فيما بعد، في زمن السيادة العربية الاسلامية، مع بعض التغيير في التعامل الايجابي بين المسيحيين والمسلمين، باستثناء بعض الحقب التاريخية الصعبة.
طبيعة العزلة التي نتكلم عنها: ويقينا اننا يمكن ان نلقب حالة كنيستنا التي نتكلم عنها بحالة العزلة عن العالم الكبير المتكامل، حتى يبدو لنا المؤمن وكأنه يعيش على هامش الحياة الحقيقية. غير ان هذه العزلة كانت عزلة طبيعية ناتجة عن عدم قدرة المؤمنين على المشاركة في كل مجالات حياة العالم الوثنني الفاسد الذي هجروه بانتمائهم الى الدين الجديد. حيث بقي المؤمنون منتسبين الى ذلك العالم ومنعزلين عنه روحيا.
اما هذه العزلة التي نتكلم عنها فقد بدأت عزلة روحية ايمانية، ثم صارت عزلة نفسية، ثم تحولت تدريجيا الى عزلة انسانية، ثم عزلة اجتماعية، وأخيرا امتد تأثير هذه العزلة الى لاهوت هؤلاء المسيحيين والى اخلاقهم والى طقوسهم الدينية، مما يسمح لنا بأن نؤكد على ان الدين الجديد، وليس اي عامل آخر، من اعطى هوية حقيقية لهؤلاء المسيحيين، تميزهم عن غيرهم من مواطني دولة فارس. اما اذا اردنا ان نعّرف هذه العزلة تعريفا علميا فنقول انها كانت عزلة انثروبولوجية تجعل الانسان يتمحور حول ذاته الصغرى ويتخلى بشكل يكاد يكون غير شعوري عن ذاته الكبرى وعن مطالبها الانسانية التي تجعل المرء يهتم بكل انسان وبكل الانسان، اي يهتم بجميع ابعاد الانسان الانسانية، ومنها بعد العدل والمحبة الشاملة لكل البشر.
نتائج انعزال الكنيسة عن العالم الكبير: على الرغم من ان هذا الانعزال عن العالم ليس شرا بحد ذاته، ولا هو ذنب ارتكبته كنيسة المشرق، إلا انه يعد نقصا ناتجا عن الطبيعة الاجتماعية الخاصة بالمسيحيين في مناطقنا، وعن طبيعة المجتمع الفارسي الوثني الذي لم يكن مستعدا لقبول الدين الجديد، حيث لم ير في هذا الدين حاجته الخاصة الأساسية، إلا ما ندر، وذلك بعكس ما حصل في اسيا الصغرى وفي بلاد اليونان والرومان، حيث كانت طبقة العبيد تعاني الأمرين من جراء عبوديتها. فضلا عن ذلك نرى ان منطقتنا برمتها كانت بحاجة مباشرة الى تجمع يجمعها وصورة اله يوحدها ويسندها، اكثر مما كانت بحاجة الى الاخوة الشاملة التي اتت بها المسيحية. لذلك لم تشهد المنطقة، ومنها منطقة الجزيرة العربية انتشارا واسعا للمسيحية، لاسيما وأن الكنيسة الأولى كانت هي الأخرى، كنيسة يسودها البعد الطائفي بحدة.
مسيحية محدودة الأبعاد: ويقينا ان لعزلة مسيحيي المشرق مساوئ كثيرة، منها تمحورهم حول الشريعة والوصايا وطلب الكمال الشخصي وحب البساطة وبقاء نشاط المسيحيين الايماني محصورا بالأمور الحياتية الصغيرة وتمحورهم حول الرتب والطقوس الكنسية، وميلهم الى الحياة الزهدية الشبيهة بحياة الزاهد يوحنا المعمدان ( يحيى ) بدلالة وجود آثار لمئات الأديرة والصوامع المختلفة الصيغ التي كانت قد انتشرت في المنطقة. اما من علامات الحياة الزهدية الأخرى فنذكر شظف العيش وصرامة المبادئ الأخلاقية، وما كان مفروضا على المسيحيين من صيام طويل ( ما مجموع ايامه اكثر من ثلث السنة ). اما هذه الحالة فهي مفهومة لنا الآن عندما نعرف ان مسيحية المنطقة كانت قريبة من ديانة العهد القديم، هذه الديانة التي كان يوحنا المعمدان قد حاول اصلاحها وتجديدها بطريقته الزهدية الخاصة، ولم يفلح، الأمر الذي جعل من الايمان مسألة فردية تعزل الانسان عن الحياة وعن العالم الوثني هناك، في حين بنت كنيستنا طقوسا تعبدية جميلة تمجد الله ويسوع المسيح والقديسين والشهداء دون ان تكترث بما يجب ان يجنيه الانسان من طقوسه من كمال انساني على كل المستويات.
في فترة التدهور: ودخلت الكنيسة فترة التدهور مع المنطقة كلها بعد الغزو المغولي التتاري للمنطقة. وتوقفت كل حركة كنسية عند الحد الذي كانت قد وصلت اليه، وأخذت الكنيسة تجتر ما بناه الآباء والأجداد، بعد ان اصبحت هذه الكنيسة غير قادرة على ابداع حياتها التي تحتاجها. فكانت فترة سادها الظلام وتوقف المد الحيوي الذي كان الصفة المميزة لهذه الكنيسة حتى فترة الغزو. وهكذا صار ديدن هذه الكنيسة الحفاظ على التراث والتقاليد والممارسات التعبدية والروحية.
الانضمام الى كرسي روما: بالحقيقة انا لست انسانا مؤرخا للأسباب التي دعت البطريرك الشرعي يوحنا سولاقا الى طلب الوحدة مع روما، اي مع الكنيسة الجامعة. غير ان فهما انثروبولوجيا ونفسيا للقضية يؤكد بأن السبب الرئيسي الخفي او المعلن الذي دعا يوحنا سولاقا الى الاتحاد مع روما كان هو حاجة هذه الكنيسة الى انتماء قوي وموحد، هذا الانتماء الذي كان قد فقده مسيحيو المشرق، فوجده يوحنا سولاقا عند الكنيسة الأم، التي نسميها ايضا بالكنيسة الجامعة الواحدة الرسولية. وهكذا عادت روما الى دورها الأصلي التوحيدي، كما عادت بالفعل ذاته الى كنيسة منقذة من تشتت الكنائس المحلية. فالكنيسة التي تحولت الى الكثلكة قبل حوالي 450 سنة من الآن، تحت تسمية الكنيسة الكلدانية، ( التسمية غير مهمة )، لم تكن كنيسة منفصلة، كما يحلو للبعض ان يدعي من باب تزوير الحقائق، وذلك لأن هذا التحول لم تقده جهة صغيرة انفصالية وغير شرعية، بل قاده البطريرك يوحنا سولاقا نفسه، بتأييد الأغلبية الساحقة من ابناء الكنيسة، مما يجعل من الأقلية الصغيرة المتخلفة عن الانضمام الى الوحدة الكنسية مجرد اناس متمردين على السلطة الشرعية التي انتسبت الى روما، وحصلت بذلك على مكاسب غير قليلة حرم منها الاخوة الرافضون للوحدة الكنسية، الأمر الذي زاد من تدهور كنيستهم، بالشكل الذي نعرفه اليوم، وصار ابناء هذه الكنيسة المتخلفة عن الوحدة اناسا يعيشون على هامش قومية مزعومة، وعلى تقاليد فارغة من المعنى الروحي تماما، اكثر مما يعيشون على مطالب الايمان الحقيقي العميق.
فترة المجمع المسكوني: على الرغم مما جنته كنيسة المشرق الكاثوليكية ( الكلدانية ) من اتحادها بكرسي روما، إلا ان روما لم تكن مؤهلة لتغير طبيعة كنيستنا التي نشأت كنيسة متمحورة حول ذاتها والتي اسميناها بالذات الصغرى، و متمحورة بالنتيجة حول طقوسها التي صارت مثل طاحونة تدور ونسمع منها ضجيجا لكننا لا نرى فيها طحينا على مستوى كامل الحياة. كما ان تحول المسيحيين الى مواطنين لا يعودون الى طائفة بعد سقوط الدولة العثمانية لم يغير كثيرا من طبيعة مسيحيي كنيستنا المشرقية ومن عزلتهم الذهنية عن مجتمعهم. وبما ان فترة المجمع المسكوني كانت فترة انتقال حضارية Mutation de civilisation فان وجود كنيستنا ضمن الكنيسة الجامعة يعني ايضا دخول كنيستنا في عالميتها مثل كل كنائس الله وخروجها من تقوقعها. ذلك ان المجمع المسكوني كان نهضة ايمانية وإنسانية حقيقية في مجالات كثيرة، حيث كان يمكن ان تصل هذه النهضة الى اقصى النجاحات، لولا ظهور الردة التعسفية التي قامت بها الرأسمالية العالمية المتطرفة وخضع لها باباوان هما البابا يوحنا بولس الثاني والبابا المستقيل بنديكتوس السادس عشر. وبما ان التغيير الذي اتى به المجمع الفاتيكاني الثاني لم يكن له متسع من الوقت لكي تصل جذوره الى اعماق النفس المسيحية في الشرق والغرب معا، لا بل لم تكن له في الشرق اي جذور، فقد عادت كنيستنا الى عادتها القديمة والى اسمالها البالية وطقوسها الفارغة والى طبيعتها الأولى التقليدية الفردية. علما بأن المحتلين حاربوا كل النزعات الانسانية التي كانت قد بدأت تنتشر في الكنيسة وشجعوا بكل الوسائل النزعات القومية الشوفينية والطائفية الانفصالية في الكنيسة من اجل عزل المسيحيين عن قضايا وطنهم وقضايا عالم الضعفاء العادلة، وهو الاعلام الذي وقعت في حبائله غالبية الجماعات المسيحية في العراق، بمن فيهم رجال دينها صغارا وكبارا.
مقومات تجددنا المسيحي: بعد كل التحليل التاريخي و الأنثروبولوجي الذي قمنا به نرى بأننا اذا اردنا التجدد الحقيقي الشخصي والكنسي فلا يمكن ان نعطي الأولوية لبعض اصلاحات غير جذرية وغير حاسمة نحققها هنا او هناك. فالتجدد الحقيقي لا يبدأ بإصلاح الصيغ الكنسية القائمة، لأن التجدد الحقيقي ليس ترميما ولا استنساخا ولا رجوعا الى القديم ولا اجترارا ولا اضفاء زينة شكلية على ما عاف عليه الزمن، وإنما هو عودة الى الينابيع التي منها استقى الأولون كل صيغهم الكنسية بقوتها وضعفها. ويقينا ان هذه العودة الى الينابيع يمكن ان نسميها، نحن المسيحيين، عودة الى شخص وتعليم يسوع الصافي النقي، قبل ان يرتدي هذا التعليم اي تجسيد وأية صيغة عملية وأي تطبيق Application . غير ان هذه العودة، اذا ما تمت، سوف تكون عودة الى رأس النبع الأول ينبوع الحق والخير والجمال بثباته الأنثروبولوجي المعروف، والذي اليه يعود مبدئيا وعمليا جميع الأنبياء والروحانيون في العالم، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، حيث يظهر اله الانسان بأجلي وأبهى وأنقى صوره، وحيث تكون قوة اية رسالة روحية بمقدار قوة ما يغترفه نبي معين او روحاني من هذا الينبوع الأول، مع علمنا بأن اي نبي وأي روحاني انما يغترف من هذا الينبوع الذي لا ينضب، بمقدار حاجة المجتمع الذي يبشره، وكذلك بمقدار قدرة هذا المجتمع على الاستيعاب والأخذ.
اسهل الطرق المؤدية الى الينبوع: وبما اننا نتكلم عن دعوة تجدد الكنيسة، وبما ان العودة المباشرة الى الينابيع ليست سهلة، نرى ان تكون عودتنا الى الينبوع الحي عن طريق العودة الى روح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، هذا المجمع الذي كان مجمعا هادفا الى تجدد الكنيسة، سواء كان ذلك من حيث مبادئه اللاهوتية الأساسية، او كان ذلك من حيث قراراته، او من حيث المفردات الكثيرة التي تطرق اليها، وأعطى بها توجيهه المبني على مبدأ تقدمي، على الرغم مما كان فيه من توفيق ومن حلول وسط، يمكن تجذيرها حيث سمح الوضع بذلك. وبما ان كنيسة المشرق القديمة التي كانت قد وصلت الى قمة تدهورها وضعفها بعد غزو التتار لبلادنا انقذها اتحادها بالكنيسة الجامعة فإننا نؤمن بأن عودتنا الى المجمع المسكوني الذي جدد الكنيسة الجامعة يمكن ان يجدد كنيستنا التي بلغت قمة ضعفها وتدهورها اثر غزو تتار القرن الحادي والعشرين بلادنا.
أفكار ومبادئ استباقية: غير ان هذا المقال يستطيع من الآن ان يقدم افكارا اساسية نظرية وعملية على طريق الاصلاح الكنسي المطلوب، دون ان يكون بعيدا عما جاء به المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. فقد كانت علة كنيستنا القديمة تكمن في واقعها الطائفي، كما سبق ان بينا ذلك مطولا، كما كانت تكمن في انها ولدت، ولم تتخلى عن عهدها القديم الموسوي بكفاية، اما واقع كنيستنا اليوم فلا يعود فقط الى واقع الانعزال الطائفي ولكنه يعود ايضا الى واقع كنيسة ما قبل المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: واقع عقائدي وشرائعي وطقوسي وتعبدي سطحي وسلطوي. لذلك يكون على كنيسة اليوم ان تخرج من الواقع المشار اليه ابتداء من اليوم، ومن خلال دراسة معمقة ومتأنية، اذا ارادت هذه الكنيسة ان تجدد نفسها وتستأنف حياتها التي اوقفها مد العولمة الدموي.
اما الأمور التي تتطلب اصلاحا وتجددا عاجلا فتقضي بأن تخرج الكنيسة من واقع طائفيتها التي عادت الينا مبرقعة ببرقع القومية الكاذبة التي انتحلها المسيحيون اثر الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق، وتعمده تقسيم العراق الى طوائف وقوميات. اما مطلب الخروج من الطائفية هذه فيحتاج عزما خاصا من الكنيسة لتسير عكس التيار الناشئ بعد الاحتلال، فتعلن تنصلها من المشاركة في اية عملية سياسية في العراق بصفة طائفية او قومية، لا بل بأية صفة أخرى. وبما ان هذه المشاركة كانت قد صارت مشاركة رسمية اثر قرار مجمعي بطريركي بجعل كنيستنا كنيسة قومية كلدانية، فان قرارا بطريركيا معاكسا يمكنه وحده ان يعيد المياه الى مجاريها. فإذا ما حصل مثل هذا القرار البطريركي فسيحسم الأمور لصالح الحق وينهي الجدل الفارغ حول القومية واللغة وما شابه ذلك، كما سينهي اي تعامل كنسي مع حكومات الاحتلال، حتى وان اضطر بعض الرؤساء الى بعض المجاملات غير الواسعة هنا وهناك. ولتتمسك الكنيسة بكلام يسوع الذي قال: اعطوا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله، ولتعلم الكنيسة بأنها لا تملك الوقت الكافي لإصلاح شأنها وإصلاح مزعوم لشأن الآخرين معا.
ويقينا ان تجديد الكنيسة لا يحصل بالرجوع الى الماضي، وإنما بالخروج منه ومما فيه من قديم بالٍ، عفا عليه الزمن. وهنا، ولكي نقطع الطريق على المناورات والتضليل نقول بأن التعفف في مسألة الطائفية ورديفتها القومية وعن السياسة والبحث العبثي وغير العملي عن التراث القديم وإخراجه من القبور، كما حصل مع اكيتو وغيره، لا يعني سكوت الكنيسة عن الشر الذي ترتكبه الجماعات السياسية العالمية والمحلية، لأن السكوت عن الشر بحجة الامتناع عن ممارسة السياسة يجعل من الساكت شيطانا أخرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق