مكي النزال
بكل أسف أقول أن العراق يوشك أن يفقد فرصته التاريخية بضمان توحيد الصف والبقاء بلدا واحدا. بعد 100 يوم من الاعتصامات المليونية بدأ التململ يطل برأسه في ساحات الاعتصام بديلاً عن الخطاب الوطني المصرّ على استرداد حقوق العراقيين بالطرق السلمية، فاسحًا المجال ولو قليلاً للمنادين بالقتال من أجل استرداد الحقوق من نظام لم يسمع النداءات العقلانية التي أفسحت المجال ووفرت الفرصة له بالتراجع عن سياساته الظالمة تجاههم.
ويبدو أن النظام هو الذي يدفع باتجاه الفتنة والقتال فهو يرى فيه فرصته الأخيرة للبقاء في السلطة بعد ان خسر كل حلفائه المحليين ولم يبق له من حليف خارجي سوى الجارة إيران التي وجدت فيه ضالتها المنشودة وهو الذي يفتح لها العراق بلا حدود ولا قيود لتصنع به ما يشاء ومن خلاله تقدم العون لحلفائها في سوريا وعملائها في الخارج.
المنادون بفدرلة العراق وتقسيمه يستغلون بذكاء ظلم حكومة بغداد لسنّة العراق وإصرارها على لعبتها الغبية بالتفنن بالكلام الفارغ الذي لم يعد ينطلي على العراقيين.. فهي تطلق العنان لنشالتها وشلاتيتها (زعرانها) خريجي المقاهي والبارات وتوفر لهم المنابر والفضائيات ليستمروا بفذلكاتهم التافهة وكأنهم يلاعبون الناس سي ورق* في جوبة في يوم عيد.
ومن ناحية أخرى هي تطلق يد جلاديها المجرمين (وهم من صنف نادر من الدمويين) لجلد وتعذيب وقتل العراقيين واغتصاب العراقيات بل وحتى العراقيين الذكور في سجون رهيبة لا مثيل لها في انتهاك إنسانية الإنسان.
الأدهى والأمر أن هؤلاء الجلادين يسربون أفلامًا يظهرون بها وهم يقومون بأبشع الأفعال الهمجية ضد السجناء أما بدافع تأنيب الضميرعند بعضهم أو ربما بدافع الافتخار بما يفعلون. والاحتمال الثالث أن هنالك من يبيع هذه الأفلام لأعداء الحكومة (وما أكثرهم) ..
السيارات المفخخة تخترق حواجز الأمن والجيش وأجهزتهما التي أنفقت عليها المليارات لتضرب المساجد والأسواق، بل وحتى الوزارات الحصينة، موديةً بحياة من لم تلق بهم الحكومة في السجن لكي تعدمهم لاحقًا وفقًا لقانون 4 إرهاب سيء الصيت ووشايات المخبرين السريين المأجورين.
الفساد مستمر بحماية حكومية واللصوص باتوا يحارون أين يستثمرون أموالهم التي حازوها من السحت الحرام ومن دماء ونفط العراقيين الذين يعانون من تردي الخدمات والبطالة وانعدام الأمن وتفشي الأوبئة والأمراض والأمية والتعدي على الحرمات والأعراض..، فساد فاز بالمرتبة الأولى عالميًا وبدون منافس وبرعاية أمريكية ودولية تحافظ عليه وترعاه وتدلل مرتكبيه وتخلع عليهم الخلع والألقاب. فالعالم يتجاهل عراقيي الجنوب الذين يسكنون بيوت الصفيح ويقتاتون على المزابل وهم أبناء أثرى بقاع الأرض بالثروات.
كلام التوحيديين والتوفيقيين ضائع في الهواء لأن معظم الشيعة يتبعون مفتيهم من الفرس ولا يستمعون لمفتيهم من العرب! والسنّة اليوم ولأول مرة يرضون بمسمى شيعة وسنة بعد أن يئسوا من مؤازرة إخوانهم في الجنوب بل ومن مماحكات بعضهم وتفننهم في التشكيك باعتصاماتهم وهبّتهم العراقية الأصيلة.
تاجر عراقي أخبرني أن مخازنه ومخازن معظم التجار الشيعة فارغة تخوفًا من (هجوم السنة) على (الشيعة) وقتلهم قتلاً جماعيًا! وأن مصدر معلوماته هو مصدر حكومي (موثوق)! ولا غرابة فلقد سبقه الناطق باسم القائمة العراقية - حيدر الملا - بالقول أن جميع المسؤولين قد هرّبوا عوائلهم وأموالهم إلى خارج العراق تحسبًا لانهيار دولتهم وتأكيده على أن من سيضيع في الرجلين هم أبناء الــخـــايبــات (وهو مصطلح يطلقه العراقيون على الفقراء)..
دولة العراق الجديدة أُسّست على أسس طائفية مقيتة ومؤسسوها باعوا ضمائرهم للشيطان ودستور أقل ما يقال عنه أنه ملغوم وركيك وهذا ما أقر به رأس نظام بغداد قبل أيام من انتفاض العراقيين ضده.
العراق على حافة الهاوية التي خطط لها أعداؤه إن لم ينتفض النائمون ويصرخوا بوجه لاعبي السي ورق: كفى.
* سي ورق: لعبة الثلاث ورقات المعروفة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق