بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
وبعد :
فانه رغم ان ما يطلق عليها اللجان الشعبية تجاهلتني فلم ترسل لي بيانها المرقم (3) 19/5/2013 ، بينما أرسلته الى من هم علماء وغير علماء من أطباء وغيرهم ، ولعل السبب في ذلك هو معرفتهم – سلفاً – برأيي – الذي لا يوافق توجهاتهم – رغم هذا فاني أرى انه لزاماً عليّ أن أقول كلمتي الصريحة فيما استفتوا به غيري – باعتباري أحد علماء العراق – ويهمهم شأنه ابراءً للذمة أمام الله تعالى، فأقول:
أولاً : - ان حصر الخيارات في خيارين – المواجهة أو الاقليم – حصر لا مبرر له ، ولا ينم عن تجرد في عرض المسألة ، بل هو قائم على ارغام الناس ومنهم العلماء ان يختاروا ويفتوا وفق رغبة اللجان وتوجهاتهم التي استشعرناها من خلال عرضهم على مدى أشهر لمسألة الاقليم ، وتثقيفهم المعتصمين في بيان ايجابياته حسب نظرهم بينما يغضون الطرف عن سلبياته ومساوئه بل ولا يفسحون المجال لمن يريد بيانها على المنصات توصلاً الى اقناع الرأي العام بأن الاقليم هو الحل.
ثانياً : - أن خيار الإقليم مرفوض – في نظري – شرعاً لانه :
1- مشروع امريكي ايراني جاء الاحتلال لتنفيذه عبر الدستور البغيض الغرض منه العبور الى تمزيق العراق وتقسيمه واضعافه حتى لا يعود فاعلاً كما كان.
2- ان الاقليم لا يحل المشكلة القائمة حالياً – كما يصور ذلك المروجون له – إذ إن المشكلة ليست بين السنة والشيعة شعباً ، لانهم كانوا وما زالوا لحمة واحدة فمنذ مئات السنين لم تحصل بينهم اية مشكلة طائفية عبر القرون الماضية ، انما المشكلة بين الشعب العراقي وبين ثلة من الخونة والمارقين والطائفيين الصفويين ممن كلفوا بتنفيذ أجندة خاصة تخدم الاحتلالين الامريكي والايراني من أجل القضاء على وحدة العراق وتماسكه والاستيلاء على ثرواته واضعاف قدراته فظلموا وهتكوا وعاثوا في العراق فساداً ، لم يفرقوا في ظلمهم بين سني وشيعي أو مكون آخر ، لكن كان نصيب أهل السنة من هذا الظلم والتهميش أكثر من غيرهم لاسباب يعرفها الجميع .
3- ان قيام اقليم سني في ظل هذا الدستور وهذه الحكومة يعني :
أ- الخطوة الاولى والهامة لتقسيم العراق.
ب- يبقى المركز وحكومته المهيمن على مجريات الامور الهامّة كتقسيم الثروات والأمن والجيش والأمور الخارجية مما يتيح للمالكي واتباعه بالتدخل في الاقليم متى شاءوا وكيف شاءوا وبذلك لن يحقق أهل الاقليم ما كانوا يأملون من الأمن والاستقرار والحياة الكريمة بحماية الدين والنفس والعقل والعرض والمال .
4- ان قيام اقليم سني يعني بالنتيجة قيام اقليم شيعي في الجنوب وهذا في ظل هذا الدستور وهذه الحكومة الطائفية يعني تمكين ايران والمدّ الصفوي من الجنوب لان الحكومة الطائفية ومعظم ملاليها وأحزابها تدين بالولاء المطلق بولاية الفقيه ، وعمل كهذا والتسبب فيه خيانة لله ولرسوله وللوطن .
5- كما أن قيام اقليم شيعي في الجنوب يعني ان الملايين من أهل السنة الذين ولدوا وعاشوا وترعرعوا منذ مئات السنين فيه سيكونون تحت خيارات صعبة فهم اما ان يهاجروا ويتركوا اراضيهم وممتلكاتهم وهذا تدمير لهم ، واما ان يبقوا تحت رحمة الحكومة الصفوية والحكم الفارسي أذلاء دون ان يستطيع احد من أهل السنة اعانتهم والوقوف معهم وفي ذلك من الانسلاخ من مبادئ الاسلام الحنيف التي أمرتنا بالتكاتف والتعاون كي نعيش أعزاء أقوياء ، واما أن يضطروا الى الرضوخ لولاية الفقيه وترك مذهبهم وكل ذلك يكون أهل الاقليم السني قد شاركوا في هذه الجريمة بالتسبب ، وما يقال في سنة أهل الجنوب يقال في أهل السنة في بغداد البالغ عددهم نصف عدد السكان او يزيدون .
6- أن قيام اقليم شيعي في الجنوب يعني التنازل لولاية الفقيه والفرس في الجزء الاهم من العراق لانهم سيحكمونه حكماً فعلياً ، وبذلك نكون قد فرطنا بالتسبب بارث الدولة الاسلامية العربية التي فتحها المسلمون بدمائهم وقدموا لها الغالي والنفيس حتى طردوا الفرس من أرض العرب ثم ياتي دعاة الاقليم ليسلموها لهم على طبق من ذهب ليعيدوا هيمنتهم عليها من جديد وفي ذلك خيانة لله ولرسوله وللامة وجريمة بحق الوطن الذي فتحه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا من أجله ، فهل يملك دعاة الاقليم السني الحق في التنازل عن ارض فتحها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقابل قيام الاقليم السني ؟ !.
7- ان قيام الاقليم السني يعني محاصرة أهل السنة من قبل أيران فبعد ان كانت ايران تبعد عنهم مئات الكيلومترات واذا بها تحكم قبضتها على الاقليم الشيعي في الجنوب مما يجعلها ملاصقة للاقليم السني وبالتالي فان أهل السنة حوصروا حصاراً لا يمكنهم من أن يحققوا ما كانوا يصبون اليه من أمان واستقرار وتحقيق للهوية ( كما يزعم دعاة الاقليم ) .
8- لكل ما تقدم وغير ذلك من اسباب ومفاسد عظيمة في مقابل مصلحة موهومة فاني أقول بتحريم الدعوة الى الاقليم جملةً وتفصيلاً تحت ظل الدستور الفاسد والحكومة الطائفية .
ثالثاً : - اما خيار المواجهة فانه:
1- ليس هو الاصل في حل المنازعات بل ينبغي حلها سلمياً .
2- لكن اذا داهمهم العدو كان الواجب الدفاع عن النفس ولا يخالف في ذلك أحد من أهل العلم .
3- كما أن المسلم له حق الدفاع عن النفس والعرض والمال بل له الحق في انتزاع ذلك من الظالم بالقوة اذا استنفذت جميع الحلول السلمية ، ولكن الذي يتخذ قرار المواجهة هم : -
أ- العقلاء غير المسيسين من المعتصمين عسكريين ومدنيين .
ب- العقلاء غير المسيسين من شيوخ العشائر .
ت- علماء الدين المخلصون غير التابعين للحكومة الفاسدة ممن هم في داخل العراق .
ث- علماء الدين المخلصون غير المسيسين ممن هم خارج العراق .
ج- الفصائل الجهادية الممارسة الملتزمة بتعاليم الشريعة غير المتهورة أو التي تتخذ مفتين جهالاً .
فهؤلاء هم أهل الحل والعقد الذين باستطاعتهم تقدير المرحلة وطبيعتها وقدرات المجاهدين واستعدادهم دون تهور واستعجال ، اما الافتاء بحرمة المواجهة بحجة (ان ذلك يؤدي الى اشتعال حرب أهلية واسعة).
كما ورد في فتاوى البعض فهذا غير دقيق لانه :
أ- من المستبعد ذلك لان الشعب العراقي شعب متماسك يقوم تماسكه على اساس نبذ الطائفية والعرقية ، وعلى اساس التناصر بينهم ضد عدوهم وعلى التعايش بينهم مهما اختلفت مذاهبهم واعراقهم منذ مئات السنين ، وسأسوق لذلك مثالين معاصرين :
أولهما : - رأينا ورأى العالم معنا وقفتهم بشتى مذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم وقفة الابطال متلاحمين ضد العدو الفارسي الصفوي على مدى ثمان سنوات يدافعون عن وطنهم العراق الى ان أذاقوا المدّ الصفوي الويلات وأشربوهم السم الزعاف .
وثانيمها : - ما قام به أهل السنة من واجب المواساة والتعاون مع اخوانهم في محنة الفيضانات ثم ما قام به اخوانهم في الجنوب من استقبال وترحيب مما أكد للقاصي والداني اللحمة بين ابناء الشعب العراقي الواحد من أقصاه الى أقصاه .
ب- ان كل مواجهة لا بدّ لها من تضحيات ولا تقاس القوة بالقلة والكثرة بل بالعزيمة والايمان ولنا من معارك المسلمين بدءاً من معركة بدر الى آخر معارك الفتح الاسلامي خير شاهد على ذلك ولم يذكر التأريخ ان المسلمين فاق عددهم وعدتهم على عدوهم في معركة من المعارك ومع هذا فانه لم يقل أحد منهم بتحريم المواجهة لهذا السبب بل واجهوا عدوهم بكل صبر وايمان وقوة حتى فتحوا البلاد واسعدوا العباد .
ثم انه اذا كانت المواجهة حراماً بهذا السبب فعلى المفتين ان يحرموا على ثوار سوريا مواجهتهم وعلى مجاهدي فلسطين جهادهم بينما لم يقل بذلك أحدٌ من الفقهاء الذين لهم فقه مبني على قواعد وأصول واستنتاجات من الادلة المعتبرة .
أما الفتاوى ممن لا علم لهم وغير مختصين بالشريعة فانها لا قيمة لها لانهم يعدون من العوام بالنسبة للشريعة وأدلتها .
رابعاً : - الحل عندي : - أن تستمر الاعتصامات والمطالبة السلمية بالحقوق يتزامن مع ذلك استعدادات كاملة للمواجهة المصيرية فان نفذت كل وسائل المطالبات السلمية بما في ذلك العصيان المدني ورفع الامر الى الجهات الدولية وما الى ذلك مما تقرره الساحة ، فانه لابدّ من الانتقال بعد ذلك الى المواجهة التي تحسم الموقف للعيش بكرامة أو الاستشهاد في سبيل الله ويقرر ذلك من ذكرت آنفاً بعد الاستعداد الكامل دون تهور أو اندفاع عاطفي غير مدروس وبدون خطة سليمة من خبراء امناء غيورين على مصلحة الامة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المجاهدين .
الشيخ الدكتور
عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي
24-5-2013 م
14- رجب – 1434 هــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق