جاسم الشمري
يعرف علماء السياسة الدبلوماسية بأنها "مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين بهدف خدمة المصالح العليا للدول".
ومما لا شك فيه أن السفارات في كل بلدان العالم هي المرآة العاكسة لبلدانها وحضارة شعبها وأخلاقه.
والسفارة العراقية بالمملكة الأردنية الهاشمية- مع الأسف الشديد- هي لا تمثل العراقيين بالأردن، بل هي تمثل حكومة زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي، والحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد عام 2003، والتي جاءت على ظهور دبابات المحتل الأمريكي بعد أن زينوا له أن احتلال العراق سيكون نزهة شرق أوسطية للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها.
وقبل أيام، وتحديداً يوم الخميس 16/5/2013، أقامت سفارة حكومة المالكي بالأردن احتفالية ما يسمى اليوم الوطني للمقابر الجماعية، في المركز الثقافي الملكي، وهي احتفالية حكومية رسمية.
والمقابر الجماعية - التي يزعمونها- هي مقابر دُفن فيها بعض أبناء العراق من عسكريين ومدنيين قتلوا أثناء ما يسمى "الثورة الشعبانية" التي كانت بعد انسحاب العراق من الكويت، وبتدخل إيراني سافر!
وهذه المقابر الجماعية التي تحاول سفارة المالكي في الأردن تأكيدها بمناسبة، أو بدونها لا تساوي 5% من مقابر العراقيين في عهد المالكي وحلفائه، حتى إن المتنزهات والحدائق العامة والملاعب الرياضية قد تحولت لمقابر؛ لاحتواء تفاقم أعداد ضحايا الإرهاب الحكومي المستمر منذ الاحتلال الأمريكي وحتى ساعة كتابة هذا المقال!
وهنا لا بد من الإشارة لكلام السيد ناصر جودة وزير الخارجية الأردنية الذي أكد فيه أن السفارة "العراقية" أقامت الحفل "بدون التنسيق وإبلاغ وزارة الخارجية الأردنية"، وقال جودة "تم استدعاء القائم بالأعمال العراقي وتم توبيخه، وطلبنا نقل الرسالة الأردنية التي أكدت على رفض ما حدث، وإننا لن نقبل لأي رمز أن يسيء للأردن، ولأي مواطن أردني".
سفارة المالكي قالت من جانبها في بيان بعد الحادثة: "إنها تأسف جراء الحادث الذي وقع مؤخراً، والذي تخلله اعتداء من موظفيها على مواطن أردني في عمّان".
بيان سفارة حكومة المالكي كان مثيراً للسخرية؛ بحيث إن السفارة ختمت بيانها الذي يفترض أن يكون للاعتذار ( من جانب آخر قام أحد موظفي المركز الثقافي الملكي، بالإمساك بأحد المعتدين (الأردنيين)؛ وتسليمه إلى شرطة النجدة القريبة من المركز، وهو الآن محتجز في مركز أمن جبل الحسين، وقد طلب أحد عناصر الشرطة، تسجيل شكوى في المركز المذكور، ليتسنى المضي في إجراءاتها، وقامت السفارة بالفعل بتسجيل الدعوى في مركز أمن جبل الحسين"!
فأي اعتذار هذا، وصدق المثل الشائع: ضربني وبكى وسبقني واشتكى!
ونحن في العراق لا نستغرب هذا السلوك المنافي لكل الأعراف الدبلوماسية والقيم الإنسانية التي ينبغي أن يتحلى بها الدبلوماسيون؛ ولذا فإنه يحق للشعب الأردني الشقيق أن يشمئز من هذه الافعال ويستنكرها، ويطالب، ونحن معه، بإيقاع ما يناسب لردع من تسبب بمثل هذه السلوكيات غير الحضارية.
سفارة حكومة المالكي في عمان تعرف جيداً أن تنظيم ندوة بهذه المناسبة يثير غضب الكثيرين من الأردنيين وغيرهم، وأعتقد أن الاحتفال بمجمله كان مناسبة لاستفزاز مشاعر القوميين، وإثارة الفتن وتوتير العلاقة بين الشعبين لغايات مقصودة.
وبهذه المناسبة نؤكد على وحدة الشعبين العراقي والأردني، ونقول لأهلنا في أردن الهاشميين شكرا لكم على كل ما قدمتموه
لإخوانكم العراقيين، وما حدث من سوء تصرف وسلوك، إنما بدر من أشخاص لا يمثلون عراق العروبة، الذي- أنتم قبل غيركم- تعرفون حبه لكم، ونؤكد أن الجالية العراقية بعمان مليئة بمشاعر الحزن والغضب من هذه التصرفات غير الأخلاقية، والتي تعكس المستوى البيئي والتربوي لسالكيها.
هذا هو ديدن هؤلاء القوم مع العراقيين في الداخل منذ أكثر من عشر سنين، وما أريد أن أقوله بنهاية هذا المقال:
إذا كان دبلوماسيوا المالكي بهذا الاجرام فكيف بقواته الأمنية التي أزهقت الأرواح، وانتهكت الأعراض باسم القانون و"الديمقراطية"، وهذا ما كنا نؤكد عليه دائماً؟!
حمى الله الأردن وأهله من كل سوء، وحمى الله العراق وشعبه بعينه التي لا تنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق