علي السوداني
هكذا بدأت ظهرية البلاد التي انكسر ظهرها . حفلة شواء عملاقة في الهواء الطلق، والرائحة تعمّ بلاد القهرين كلها، من بغداد العباسية المحتلة بألف احتلال واحتلال، حتى بصرتها التي تسميها الناس بطراً وجدلاً، ثغر العراق الباسم، وهي التي تطفو على بحر نفط وخير، لكنها جائعة متخلفة عريانة منتهكة مريضة، لم تذق في حياتها ماء عذباً، وهي التي ينزل فوق رأسها عناق البديعين، دجلة والفرات، لكنها لا تصلح في باب القياس، إلا بعد أن ينطبق عليها المثل القائم حتى الآن "بعد خراب البصرة" وقد سمعته من بعض أهل الشام مؤوّلاً مقالاً على ترنيمة "بعد خراب مالطا".
مئات الضحايا، وآلاف الجروح المتفتقة التي يكاد واحدها يصيح مثل فمٍ مفجوع، في يومٍ دامٍ مرعب، وفي شهر متربٍ قائظٍ هو أدمى الشهور.
قبل قليل انفتحتْ شاشة التلفزيون على نبأ يقع في باب العواجل العاجلة المستعجلة مثل عباس المستعجل . النبأ اليقين جاء صورة وصوتاً وبالألوان التي تشبه ألوان الفضيحة . نوري المالكي ينزل من سلّمٍ كهربائي ويحطّ الرحال في صالة فخمة مرفهة لا تشبه صخام البلد ، وقدامه مجموعة من صحفيين جدد ومعتقين ، ينبت بعبِّ واحدهم سؤال واحد وحيد :
ماذا حدث يا أبا اسراء وأنت قائدها الذي " ما ينطيها " ؟
مؤتمر نوري كان أقرب من حيث الإجابات المعلنة والمضمرة ، إلى واحدة من مسرحيات الزعيم والمرشد الأعلى للكوميديا السوداء ، الفرعوني عادل إمام ، أو الرافديني ماجد ياسين أبو حنك الذهب ، أو بديع زمانه ومذهل عصره ، أبو الحارث حمودي الحارثي الذي ما زال الرافدينيون يسمونه عبّوسي ، ويغنّون معه طقطوقته الحلوة في ملهاة " تحت موس الحلاق " صحبة استاده حجي راضي سليم البصري ، أعظم التلقائيين العراقيين .
خلفية نوري في مؤتمر اللغة واللغوة الفائضة ، كانت كمشة من وزراء ، ظهر منهم بوضوح الصورة الفائق ، سعدون الدليمي بوجهه الرحماني الجذاب الأقرب إلى وجه الرسام سلفادور دالي ، وصالح المطلك الذي بدا من تكويرات وجهه ، كمن قام قبل دقيقة من نومة العوافي ، ولم يلقَ قدّامه استكان الشاي وماعون من كعك السيد أبو الدهن ، وأيضاً أبو عيون الكحيلة حسن الشمري وحسين الشهرستاني ، المرجع النفطي الأعلى ، وواحدة محبوسة بجبّة ثقيلة وحجاب محنّك لم تقترب منها الكاميرا ، لذا صار من الصعب تمييز خلقتها من خلقة واحد من الوزراء الحاضرين في عمق المشهد ، لكنها كانت من طول وحجم النائبة النجمة حنان الفتلاوي .
ردّ نوري أبو اسراء بدمٍ بارد مثلج ، على أسئلة السائلين والسائلات ، بأن الوضع الأمني جيد جداً ممتاز ، على الرغم من خرق هنا ، وتفخيخ هناك ، وشوية قتلى في هذا الصوب ، وسلة جرحى في ذاك الصوب !!
تحدث وأفاض وفصّل ومثّل في باب أجهزة كشف المتفجرات ، وأماط اللحاف عن سر الأسرار ، الذي يفيد بأن تلك الأجهزة القشمرة ، ليس بمقدورها العمل المفيد ، إلا بنسبة أربعة وخمسين بالمائة ، لذلك نحن بصدد استحداث طفرة نوعية تاريخية في هذه المسألة الملتبسة ، من خلال رفد منظومة الأمن التعبانة ، بأعداد ضخمة من الكلاب والكلبات ، لأننا عرفنا الآن أن الكلاب الشمامة ، لهي أحسن وأجدى من أيّ جهاز !!
طبعاً هو لم يخبرنا عن اسم الجهة التي سيتم استيراد الكلاب ، ابناء وبنات الكلبات منها ، ولا الوفد الذي سيرسله الى تلك الدولة من أجل الإسراع في إتمام صفقة العمر ، لكنّ الرجل في نهاية تفصيلاته وايضاحاته عن الحلّ الكلبي ، كان فاجأ الوزراء والصحفيين والمشاهدين والمشاهدات ، بقوله أن الكلاب أيضاً لا تخلو من مشاكل تقنية في باب التفتيش والكشف والإنذار المبكر !!
في هذه القولة من زمان المؤتمر ، راحت الكاميرا وانلطشت فوق وجه حسين ابو علي . أقصد حسين الشهرستاني ، الذي بدا متلفتاً حائراً لا يعرف أين يخفي وجهه ، وكيف يسيطر على ضحكة عظمى كانت نائمة ببطنه ، وتريد أن تهرب من محبسها !!
ولأن نوري تعلّم أن لا يُلدغَ من زرفٍ مرتين ، فتوقعاتي بشأن تركيبة الوفد الذي سيرسله لإتمام صفقة الكلاب ، أن لا يضم في عضويته ، المتحمس سعدون الدليمي وعزت الشابندر وعلي الدباغ وأبو جورج اللبناني وأم فيان الأوكرانية !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق