جاسم الشمري
جاء في مختار الصحاح بمادة (ف ت ن):
الفِتْنَةُ الاختبار والامتحان، تقول فَتَنَ الذهب يفْتِنه بالكسر فِتْنَةً، ومَفْتُوناً أيضاً إذا أدخله النار؛ لينظر ما جودته، ودينار مَفْتُونٌ، أي مُمتحن، وقال الله تعالى {إن الذين فَتَنوا المُؤمنين والمُؤمنات}، أي حرَّقوهم، ويُسمى الصائغ الفَتَّانُ، وكذا الشيطان، وفي الحديث {المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفَتَّانِ}، وقال الخليل: الفَتْنُ الإحراق، قال الله تعالى {يوم هم على النار يفتنون}، وافْتُتِنَ الرجل، وفٌتِنَ فهو مَفْتُونٌ؛ إذا أصابته فتنة فذهب ماله، أو عقله، وكذا إذا اختبر، قال الله تعالى {وفتناك فتوناً} وفَتَنَتْهُ المرأة دلَّهَته، وأفْتَنَتْهُ أيضاً، والفاتِنُ المضلُّ عن الحق، وأما قوله تعالى {بأيكم المفتون} فالباء زائدة، كما في قوله تعالى {وكفى بالله شهيداً} والمفَتْوُنُ الفتنة، وفَتَّنَهُ تَفْتِيناً، فهو مُفَتَّنٌ، أي مفتون جداً. ا. هـ
والفتنة حينما تطلق بالعراق فانه يراد بها، في الغالب، الفتنة الطائفية والعودة للمربع الأول الذي أَدخل العراقيين في اتون الحرب العبثية الميليشياوية، التي جعلت جثث الأبرياء منظراً مألوفاً بشوارع بلاد الرافدين، والتي لا نعرف إلى أين يريد ساستها اليوم الوصول بها؟!
وقبل أيام، ربط رئيس الحكومة نوري المالكي، في افتتاح مؤتمر اسلامي للحوار ببغداد "الفتنة الطائفية" العائدة إلى العراق بالنزاع المستمر في سورية.
حديث المالكي جاء في الوقت الذي حصدت فيه أعمال العنف المتفرقة (216) قتيلاً خلال خمسة أيام فقط، ليرتفع معها عدد القتلى في شهر نيسان/ أبريل في العراق، إلى (431) قتيلاً.
كلام المالكي تزامن أيضاً مع تحذير الأمم المتحدة من أن العراق يتجه "نحو المجهول"، وبين المالكي في كلمته بالمؤتمرين أن "الطائفية شر ورياح الطائفية لا تحتاج لإجازة عبور من هذا البلد إلى آخر، وما عودتها إلى العراق إلا لأنها اشتعلت في منطقة أخرى في الإقليم، وأن الفتنة التي تدق طبولها أبواب الجميع (...) لا أحد سينجو منها إن اشتعلت".
والفتنة كما يعرف الجميع نار لا تبق ولا تذر، ولكن أعتقد أن ساسة العراق الحاليين لهم يد في اذكاء الفتنة الحالية بالوطن، ويمكن تحديد بعض اسباب الفتنة بالعراق، ومنها:-
1. غياب العدالة بين مكونات الشعب، والظلم المستمر بالعراق هو المعول الأول لخراب الوطن، وهو أكبر أسباب الفتنة في الحياة الإنسانية.
2. استمرار الاعدامات خارج نطاق القانون، في مراكز الاعتقال الرسمية وغير الرسمية، والمتمثلة، أيضاً، بالاغتيالات المستمرة في عموم الوطن، بالأسلحة الكاتمة وغيرها.
3. الاعتقالات العشوائية المستمرة بالبلاد منذ سنوات عدة، بحجج واهية يخجل المرء أن يذكرها، ناهيك عن التصرفات المخجلة المرافقة للاعتقالات، ومنها الاغتصاب والابتزاز والسرقات!
4. استمرار تهجير أكثر من أربعة ملايين مواطن في داخل البلاد وخارجها، وهم حتى الساعة بمأساة حقيقية، وخصوصاً الذين وجدوا أنفسهم في لحظة من الزمن خارج حدود العراق، وهؤلاء يعانون اليوم من غلاء المعيشة وصعوبات العيش، ناهيك عن الشوق للأهل والوطن.
5. الدكتاتورية البشعة التي تدار بها كفة الأمور، وكأن العراق اليوم لا يعرف إلا شخص نوري المالكي، ولا يوجد ببلاد الرافدين الغنية بالخبرات إلا هذا الشخص!
6. التهميش الواضح لنصف الشعب العراقي، وهذه السياسة أثبتت الأيام فشلها، وهي سياسة لا تنجح مع الأقليات فكيف بنصف الشعب؟!
7. وعلى هذا الأساس ما زالت المظاهرات مستمرة في العديد من المحافظات، وخصوصاً الغربية والشمالية من الوطن.
8. افتعال الاشكاليات القانونية والدستورية مع الشركاء السياسيين، وكأن القانون والدستور أسلحة فتاكة يتم استخدامها عند الحاجة!
وحينما تتحاشى الحكومة مثل هذه الأفعال الاستفزازية فأعتقد حينها أن الفتنة ستموت في مهدها، لكن كل المعطيات الحالية بالبلاد تؤكد أن حكومة المنطقة الخضراء تفتعل الأزمات والفتن، وهذه هي حقيقة الأمور بالعراق "الجديد"، مع الأسف الشديد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق